الاسْتِدْلال .. وصف وتحليل
وصف وتحليل
١ - أنواع الاستدلال المختلفة
الاستدلال فعل ذهني مؤلف من أحكام متتابعة ، إذا وضعت لزم عنها بذاتها حكم آخر غيرها . والارتباط بين الأحكام التي يتألف منها الاستدلال يكون على ثلاثة أنواع : وهي الاستنتاج ، والاستقراء ، والتمثيل .
۱ - الاستنتاج Déduction
الاستنتاج عند المناطقة أكمل أنواع الاستدلال . وله صورتان : القياس ، والاستنتاج الإنشائي .
القياس Le Syllogisme فالقياس قول مؤلف من أقوال ، إذا وضعت لزم عنها بذاتها ، لا بالعرض قول آخر غيرها اضطرار ( ۲ ) ، كقولك : كل لبون فقاري ، وكل عجل ليون ، فكل عجل فقاري . فهذا القياس مؤلف من ثلاثة أقوال ، أي من مقدمتين ونتيجة . والمقدمتان تشتركان في حد ، وتفترقان في حدين . فتكون الحدود ثلاثة : الأكبر والأوسط ، والأصغر . والمقدمة التي فيها الحد الأكبر ( الحد الأكبر هو أعظم الحدود الثلاثة شمولاً ) تسمى الكبرى ، والتي فيها الحد الأصغر ( الحد الأصغر هو أقل الحدود الثلاثة شمولاً ) تسمى الصغرى ، والحد المشترك بين المقدمتين يسمى الحد الأوسط . ومن شأن هذا الحد أن يزول عن النتيجة ، ويربط ما بين الحدين الآخرين .
وهي فالنتيجة تجمع إذن بين الحد الأكبر ، والحد الأصغر ، لازمة عن المقدمتين اضطراراً ، ومعنى هذا اللزوم انك إذا وضعت المقدمتين اضطررت إلى قبول النتيجة ، وإذا لم تقبلها وقعت في التناقض ، وليست النتيجة لازمة عن المقدمتين فحسب ، وإنما هي مضمرة ، وداخلة فيهما . ويمكنك الوصول اليها بالتحليل ، لأنها إنما تطلق الحكم العام الذي وضع في الكبرى على حالة خاصة مفردة . وسنتكلم على هذا التحليل في المنطق ، ونبين أن القياس استنتاج صوري ( Déduction formelle )
الاستنتاج الانشائي أو البرهان ( Déduction constructive ou démonstration ) لقد فرق ديكارت في كتابه : مقالة الطريقة ( Discours de la méthode ) بين القياس المنطقي ، والبرهان الرياضي فقال : ان القياس عقيم ، وان البرهان الرياضي منتج . وفي الحق أن هذين النوعين من الاستنتاج يشتركان في لزوم النتيجة عن المقدمات اضطرراً . ان النتيجة تلزم عن المبادىء في البرهان الرياضي ، كما تلزم النتيجة عن المقدمات في القياس المنطقي . ولولا ذلك لما كان هذا الاستدلال استنتاجاً ، ولكن النتيجة البرهان الرياضي ليست داخلة في المبادىء ،
وإنما هي مضافة اليها . ان الرياضي لا يقتصر في البرهان على تحليل المبادىء ، واستخراج ما فيها من العناصر ، بل ينشيء النتائج إنشاء ، ويركبها تركيبا ، وكثيراً ما نتبع هذه الطريقة في تركيب الوقائع التي نقلت الينا ، أو نسيناها ، فنستند إلى بعض العناصر المعلومة لدينا ، وننشيء الباقي إنشاء .
تعريف الاستنتاج . - كل استنتاج فهو انما تلزم النتيجة فيه عن المقدمات اضطراراً . وهو انتقال من المبادىء إلى النتائج . فالقياس استنتاج صوري ، تحليلي ، أما البرهان فهو استنتاج إنشائي ، تركيبي .
٢ - الاستقراء - L'induction
الاستقراء هو الحكم على كلي ، لوجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي . وهو مطبق في العلوم التجريبية ، ومثاله : ان كل جسم يسقط نحو مركز الأرض . لأن كل ، فهو مثل حجر ، أو ماء ، أو خشب ، والحجر ، والماء ، والخشب كلها تسقط نحو مركز الأرض ، فنحن لا نستند هنا إلى مبادىء مجردة ، بل إلى ظواهر مشخصة ، وننتقل من هذه الظواهر إلى القوانين ، أي إلى العلائق العامة الثابتة الشاملة لجميع الظواهر التي هي من نوع واحد ، كظواهر سقوط الأجسام ، أو ظواهر انعكاس النور ، أو انکساره ، فالاستقراء إذن هو الاستدلال الذي ننتقل به من الظواهر إلى القوانين .
والاستقراء كما يتضح من هذا المثال . يوسع فـ نطاق الملاحظة ، لأن الملاحظة لا تشمل إلا عدداً محدوداً من الظواهر أما القانون المستخرج منها ، فهو عام شامل لعدد غير معين من الظواهر ، فكأننا نحكم إذن بالجزئى على الكلي ، أو بالمحدود على غير المحدود ، لوجود العام في الخاص ، وليس هذا التوسيع بقادح في الاستقراء ونتائجه ، لأنه مستند الى مسلمات عقلية سنأتي على ذكرها في المنطق .
٣ - التمثيل Le raisonnemet par analogie
التمثيل هو الحكم على شيء معين ، لوجود ذلك الحكم في شيء آخر معين ، أو أشياء اخرى معينة ، على أن ذلك الحكم كلي على المعنى المتشابه فيه . مثاله : المريخ كالأرض ذو جو نسيمي ، واذن هو كالأرض اهل بالسكان . فإنا اذا وجدنا في شيء من الأشياء صفة مقترنة بصفة اخرى ، ثم وجدنا هذه الصفة في شيء آخر ، توقعنا وجود الصفة الثانية معها . كحكمنا على اللبن غير النقي بأنه يسبب حمى التيفوئيد ، قياساً على الماء غير النقي الذي يسبب هذه الحمى ، لتشابها في عدم النقاء . ويسمى المثال المقيس عليه أصلا ، والمثال المقيس فرعاً ، والصفة ، او الصفات التي هي أساس الحكم جامعاً . فكأن العقل يدرك بهذا القياس أن بين الصفة المشتركة ، والصفة الاخرى ارتباطا ، فيميل الى تعميم هذا الارتباط ، ويحكم بوجود الصفة الثانية لكل شيء وجدت فيه الصفة الاولى .
ولكن قد يشترك مثالان في صفة ، بل في صفات كثيرة ، ولا يترتب على ذلك اشتراكهما في الصفات الاخرى . ولذلك كان الاستدلال بالتمثيل لا يفيد الا الظن ، أو مجرد الاحتمال .
وبالرغم من أن التمثيل لا يفيد الا الاحتمال ، فهو أكثر أنواع الاستدلال ذيوعاً بين الناس ، حق لقد بين ريبو ) أنه طريقة التفكير الأساسية عند الطفل ، والإنسان الابتدائي . وقال ( كرسون ) : ان هذا الاستدلال يمثل دوراً عظيما في حياة الحيوانات العالية ، . ية ، رغم ما فيه من الاشتباه ، لأن سلوك هذه الحيوانات يدل على أن تفكيرها تمثيلي .
٤ - تعريف الاستدلال
ينتح من هذا التحليل أمران أساسيان :
۱ - ان ضروب الاستدلال كلها نظرية ( Discursives ) ، ومعنى ذلك أنها تقتضي حركة فكرية ، وانتقالا من حكم إلى آخر .
٢ - إن بين الأحكام التي يشتمل عليها الاستدلال ارتباطاً يؤدي إلى استخراج نتيجة ، واعني بالنتيجة قولاً ينهي حركة الفكر ، ويوصل إلى القصد .
فالاستدلال إذن ، ربط أحكام مختلفة بعضها ببعض ، بحيث يكون عنها نتيجة . ويمكن البحث فيه كسائر العمليات العقلية من وجهتين : الوجهة المنطقية ، والوجهة النفسية .
فالمنطقي يدرس الاستدلال التام المؤلف من جملة من القضايا دون البحث في تكونه ، ونشوئه ، ويفرق بين أنواع الاستدلال المختلفة ، ويرتبها بحسب قيمتها ، ودرجات ارتباطها بعضها ببعض ، ويهمل الاستدلالات ، أو القياسات الضعيفة رغم ذيوعها في الناس .
والنفسي يدرس حركة الفكر في الاستدلال ، ويبحث في كيفية تكونه ، ونشوئه ، ولا فرق عنده في ذلك بين استدلال وآخر ، بل إن جميع أنواع الاستدلال عنده على حد سواء ، فقد تختلف قيم الحجح المقلية في نظر المنطقي من حيث قربها من الصواب ، أو بعدها عنه ؛ إلا أن قيمتها عند علماء النفس واحدة ، لأنهم إنما ينظرون في حركة الفكر ، وفي كيفية تكون الحجج العقلية ، ونشوئها ، لا في صحتها أو فسادها •
وصف وتحليل
١ - أنواع الاستدلال المختلفة
الاستدلال فعل ذهني مؤلف من أحكام متتابعة ، إذا وضعت لزم عنها بذاتها حكم آخر غيرها . والارتباط بين الأحكام التي يتألف منها الاستدلال يكون على ثلاثة أنواع : وهي الاستنتاج ، والاستقراء ، والتمثيل .
۱ - الاستنتاج Déduction
الاستنتاج عند المناطقة أكمل أنواع الاستدلال . وله صورتان : القياس ، والاستنتاج الإنشائي .
القياس Le Syllogisme فالقياس قول مؤلف من أقوال ، إذا وضعت لزم عنها بذاتها ، لا بالعرض قول آخر غيرها اضطرار ( ۲ ) ، كقولك : كل لبون فقاري ، وكل عجل ليون ، فكل عجل فقاري . فهذا القياس مؤلف من ثلاثة أقوال ، أي من مقدمتين ونتيجة . والمقدمتان تشتركان في حد ، وتفترقان في حدين . فتكون الحدود ثلاثة : الأكبر والأوسط ، والأصغر . والمقدمة التي فيها الحد الأكبر ( الحد الأكبر هو أعظم الحدود الثلاثة شمولاً ) تسمى الكبرى ، والتي فيها الحد الأصغر ( الحد الأصغر هو أقل الحدود الثلاثة شمولاً ) تسمى الصغرى ، والحد المشترك بين المقدمتين يسمى الحد الأوسط . ومن شأن هذا الحد أن يزول عن النتيجة ، ويربط ما بين الحدين الآخرين .
وهي فالنتيجة تجمع إذن بين الحد الأكبر ، والحد الأصغر ، لازمة عن المقدمتين اضطراراً ، ومعنى هذا اللزوم انك إذا وضعت المقدمتين اضطررت إلى قبول النتيجة ، وإذا لم تقبلها وقعت في التناقض ، وليست النتيجة لازمة عن المقدمتين فحسب ، وإنما هي مضمرة ، وداخلة فيهما . ويمكنك الوصول اليها بالتحليل ، لأنها إنما تطلق الحكم العام الذي وضع في الكبرى على حالة خاصة مفردة . وسنتكلم على هذا التحليل في المنطق ، ونبين أن القياس استنتاج صوري ( Déduction formelle )
الاستنتاج الانشائي أو البرهان ( Déduction constructive ou démonstration ) لقد فرق ديكارت في كتابه : مقالة الطريقة ( Discours de la méthode ) بين القياس المنطقي ، والبرهان الرياضي فقال : ان القياس عقيم ، وان البرهان الرياضي منتج . وفي الحق أن هذين النوعين من الاستنتاج يشتركان في لزوم النتيجة عن المقدمات اضطرراً . ان النتيجة تلزم عن المبادىء في البرهان الرياضي ، كما تلزم النتيجة عن المقدمات في القياس المنطقي . ولولا ذلك لما كان هذا الاستدلال استنتاجاً ، ولكن النتيجة البرهان الرياضي ليست داخلة في المبادىء ،
وإنما هي مضافة اليها . ان الرياضي لا يقتصر في البرهان على تحليل المبادىء ، واستخراج ما فيها من العناصر ، بل ينشيء النتائج إنشاء ، ويركبها تركيبا ، وكثيراً ما نتبع هذه الطريقة في تركيب الوقائع التي نقلت الينا ، أو نسيناها ، فنستند إلى بعض العناصر المعلومة لدينا ، وننشيء الباقي إنشاء .
تعريف الاستنتاج . - كل استنتاج فهو انما تلزم النتيجة فيه عن المقدمات اضطراراً . وهو انتقال من المبادىء إلى النتائج . فالقياس استنتاج صوري ، تحليلي ، أما البرهان فهو استنتاج إنشائي ، تركيبي .
٢ - الاستقراء - L'induction
الاستقراء هو الحكم على كلي ، لوجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي . وهو مطبق في العلوم التجريبية ، ومثاله : ان كل جسم يسقط نحو مركز الأرض . لأن كل ، فهو مثل حجر ، أو ماء ، أو خشب ، والحجر ، والماء ، والخشب كلها تسقط نحو مركز الأرض ، فنحن لا نستند هنا إلى مبادىء مجردة ، بل إلى ظواهر مشخصة ، وننتقل من هذه الظواهر إلى القوانين ، أي إلى العلائق العامة الثابتة الشاملة لجميع الظواهر التي هي من نوع واحد ، كظواهر سقوط الأجسام ، أو ظواهر انعكاس النور ، أو انکساره ، فالاستقراء إذن هو الاستدلال الذي ننتقل به من الظواهر إلى القوانين .
والاستقراء كما يتضح من هذا المثال . يوسع فـ نطاق الملاحظة ، لأن الملاحظة لا تشمل إلا عدداً محدوداً من الظواهر أما القانون المستخرج منها ، فهو عام شامل لعدد غير معين من الظواهر ، فكأننا نحكم إذن بالجزئى على الكلي ، أو بالمحدود على غير المحدود ، لوجود العام في الخاص ، وليس هذا التوسيع بقادح في الاستقراء ونتائجه ، لأنه مستند الى مسلمات عقلية سنأتي على ذكرها في المنطق .
٣ - التمثيل Le raisonnemet par analogie
التمثيل هو الحكم على شيء معين ، لوجود ذلك الحكم في شيء آخر معين ، أو أشياء اخرى معينة ، على أن ذلك الحكم كلي على المعنى المتشابه فيه . مثاله : المريخ كالأرض ذو جو نسيمي ، واذن هو كالأرض اهل بالسكان . فإنا اذا وجدنا في شيء من الأشياء صفة مقترنة بصفة اخرى ، ثم وجدنا هذه الصفة في شيء آخر ، توقعنا وجود الصفة الثانية معها . كحكمنا على اللبن غير النقي بأنه يسبب حمى التيفوئيد ، قياساً على الماء غير النقي الذي يسبب هذه الحمى ، لتشابها في عدم النقاء . ويسمى المثال المقيس عليه أصلا ، والمثال المقيس فرعاً ، والصفة ، او الصفات التي هي أساس الحكم جامعاً . فكأن العقل يدرك بهذا القياس أن بين الصفة المشتركة ، والصفة الاخرى ارتباطا ، فيميل الى تعميم هذا الارتباط ، ويحكم بوجود الصفة الثانية لكل شيء وجدت فيه الصفة الاولى .
ولكن قد يشترك مثالان في صفة ، بل في صفات كثيرة ، ولا يترتب على ذلك اشتراكهما في الصفات الاخرى . ولذلك كان الاستدلال بالتمثيل لا يفيد الا الظن ، أو مجرد الاحتمال .
وبالرغم من أن التمثيل لا يفيد الا الاحتمال ، فهو أكثر أنواع الاستدلال ذيوعاً بين الناس ، حق لقد بين ريبو ) أنه طريقة التفكير الأساسية عند الطفل ، والإنسان الابتدائي . وقال ( كرسون ) : ان هذا الاستدلال يمثل دوراً عظيما في حياة الحيوانات العالية ، . ية ، رغم ما فيه من الاشتباه ، لأن سلوك هذه الحيوانات يدل على أن تفكيرها تمثيلي .
٤ - تعريف الاستدلال
ينتح من هذا التحليل أمران أساسيان :
۱ - ان ضروب الاستدلال كلها نظرية ( Discursives ) ، ومعنى ذلك أنها تقتضي حركة فكرية ، وانتقالا من حكم إلى آخر .
٢ - إن بين الأحكام التي يشتمل عليها الاستدلال ارتباطاً يؤدي إلى استخراج نتيجة ، واعني بالنتيجة قولاً ينهي حركة الفكر ، ويوصل إلى القصد .
فالاستدلال إذن ، ربط أحكام مختلفة بعضها ببعض ، بحيث يكون عنها نتيجة . ويمكن البحث فيه كسائر العمليات العقلية من وجهتين : الوجهة المنطقية ، والوجهة النفسية .
فالمنطقي يدرس الاستدلال التام المؤلف من جملة من القضايا دون البحث في تكونه ، ونشوئه ، ويفرق بين أنواع الاستدلال المختلفة ، ويرتبها بحسب قيمتها ، ودرجات ارتباطها بعضها ببعض ، ويهمل الاستدلالات ، أو القياسات الضعيفة رغم ذيوعها في الناس .
والنفسي يدرس حركة الفكر في الاستدلال ، ويبحث في كيفية تكونه ، ونشوئه ، ولا فرق عنده في ذلك بين استدلال وآخر ، بل إن جميع أنواع الاستدلال عنده على حد سواء ، فقد تختلف قيم الحجح المقلية في نظر المنطقي من حيث قربها من الصواب ، أو بعدها عنه ؛ إلا أن قيمتها عند علماء النفس واحدة ، لأنهم إنما ينظرون في حركة الفكر ، وفي كيفية تكون الحجج العقلية ، ونشوئها ، لا في صحتها أو فسادها •
تعليق