يوسف القرشي - 24/1/2024
عن النضال اللغوي وعقدة الفصاحة المسرحية (2)
المسرحة نتيجة طبيعية لارتباط العربية الفصيحة بالثقافة العالية بالشعر والأدب وعالم الغناء (مواقع التواصل الإجتماعي)
تحدثنا الأسبوع الماضي عن أهمية النضال في سبيل سحب العربية الفصيحة المعاصرة إلى المجال الخاص، بدلا من الاستسلام إلى اللهجات المحلية التي تفرق ولا تجمع، وتزيد المسافة بين أبناء الأمة الواحدة لتجعلهم شيئا فشيئا أمما وشعوبا لا يجمعها جامع. وقلنا إن أكبر عقبة تواجه هذا "السحب" للعربية الفصيحة هو ما أسميناه بـ "مَسرَحَة" اللغة، وهو تحويل التخاطب بالفصيحة من كونه تخاطبا عفويا طبعيا إلى كونه فقرة تجب تأديتها ضمن مراسم رسمية.
ويخفضه بناء على تركيز الفكرة، ويحرك أطرافه متناسبة معها، وربما يتلو من الشعر شواهد لفكرته فيخالج كلامه النغم دون أن يشعر، ويحرص على ضبط أواخر الكلم حسب إعرابها. وحق لهم ذلك، فهو أساس الصنعة، ومن لا يفعله يكون رديء الإلقاء، إلا أنه يخلو عادة مما يخالج الكلام الطبيعي من السرعة وتدارك الأحرف، وسوء النطق، وتغلب عليه أيضا لغة قريش، التي لا نطق فيها لبعض أشكال تلفظ الجيم والقاف والكاف.
يعني هذا أن المستمع قد لا يرى نفسه فيمن يكلمه، فهو يعطش الجيم أو ينطقها قاهرية. وهو يتدارك المخارج تداركا، أو لا يراعيها مطلقا. والكثير من لهجاتنا لا تحرك الأواخر مطلقا لتسلم. ولو أن بعضهم حركها فأخطأ لنال من المدققين سيلا من الانتقاد اللاذع حقيقة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فكيف يمكن أن يتجرأ على النطق بالعربية الفصيحة بعد كل هذا؟ بل لِمَ يضع نفسه أصلا في مصاف أولئك المتكلمين من أساتذة وأئمة وليس هو بالأستاذ ولا بالإمام؟
الجواب هنا -والله أعلم- هو أنه لا يجب عليه ذلك. أسمعك -قارئي الكريم- تصرخ من بعيد: " ولم كتبت مقالين اثنين تدعو للفصيحة ثم تقول لنا الآن لا يجب على الناس الكلام بالفصيحة؟". وأقول اصبر علي ففي المقالة تفصيل.
تعليق