Raymond Gebara at C010 hall in USEK
ريمون جبارة ...خشبات المسرح تناجيه
يصل الاستاذ يوميا عند الساعة التاسعة صباحا وبدون اي تأخير، فهو يدرك تماما ان زملاء له او نفرا من التلامذة ينتظرونه لمواكبته من السيارة الى حيث الاستراحة الاولى في باحة كلية الفنون حيث يلتقي بالزملاء وليغتنم الفرصة لمزيد من التدخين قبل ان يحين وقت الدخول الى صف المسرح عند الساعة 9.30 في القاعة C010 المخصصة له نظرا لإحتياجاته الجسدية الخاصة , والتي نأمل من إدارة الكسليك وتكريما له ان تسمى هذه القاعة باسمه.
سيارة التاكسي التي تقل الاستاذ , هي السيارة الوحيدة التي يسمح لها بالدخول الى حرم جامعة الروح القدس في الكسليك USEK للوصول الى اقرب مسافة تفصله عن قاعة تدريس المسرح حيث يكون بانتظاره زميله في قسم التلفزيون الاستاذ ناجي جلخ، المتبرع الدائم ليساعده على النزول من السيارة بأسلوب وتقنية اصبح ناجي يتقنهما جيدا فيتحرك بخفة العارف القادر على تلقف الحركة التي يقوم بها الاستاذ لمساعدته على الجلوس في كرسيه المتحرك ... فالأستاذ كان قد اصيب بعارض صحي اقعده لكنه لم يبعده عن خشبة المسرح.
منذ لحظة وصوله ورفيقته الاولى والاخيرة ...السيجارة لا تفارقه حتى اثناء عملية الانتقال من السيارة الى الكرسي او الى القاعة فهو لا يتخلى عنها على الرغم من ان قدرته على تحريك اطرافه تقتصر على يد واحدة ورجل واحدة . وكأنه يشعر ان التوقف عن التدخين قد يعني النهاية .... فتراه ينهم منها ما استطاع حتى اصبح ما بين السيجارة والاخرى يشعل واحدة احتياطا.
ما ان يصل الاستاذ حتى يبدأ والحماس بادٍ على وجهه. بإطلاق النهفات المضحكة التي يجيد تحويلها من الواقع المعاش انسانيا وسياسيا الى مواقف مليئة بالسخرية يزينها بابتسامة طارحا موقفه منها بتهكم .
معرفتي بالاستاذ قديمة تعود الى زمن بعيد ، الى بداياتي يوم كنت اعمل كمصور صحفي ، يومها وقف الاستاذ مرارا امام عدستي منفذا تعليماتي من اجل الحصول على افضل النتائج للصورة المطلوبة.
وها هي عقارب الزمن تدور وتبدل الادوار وانتسب انا الى جامعة الكسليك لمتابعة دراستي الفوتوغرافية, وتشاء الصدف ان يكون ضمن المنهج صفا مسرحيا يجب تخطيه وان يكون هذا الصف تحت اشراف الاستاذ.
كانت فرحة الاستاذ كبيرة عند رؤيتي ، وعندما حان الوقت طلب مني الصعود الى المسرح وناولني مشهد مسرحي هازئ من احدى مسرحياته تحت عنوان " الله يطول بعمر و" وبدأ يشرح لي كيفية اداء دور معين ... ولاول مرة شعرت وانا على خشبة المسرح بأن احدا قد اشعل النار تحته رغم حرارة الغرفة المرتفعة , واحسست بشرايين جسمي تغلي وانا اتابع تعليمات الاستاذ الى ان يأذن لي بالنزول صائحا "برافو مسيو رفاعي بيطلع منك شي, "وكأنه قد اصطاد صيدا ثمينا .
كم هو عظيم الاستاذ ... يحث تلامذته ... يدفعهم الى الاعلى ... يقنعهم بمقدرتهم وبوجود جزء خفي في داخلهم قادر على التمثيل والإبداع حتى ليصدقوا وهم الذين جاؤوا من كافة الاقسام الاكاديمية بأنهم مسرحيون لا محالة.
كم هو كبير الاستاذ ... حين يتناسى مريض القلب والمقيم على كرسي مدولب وينسيك انه عاجز عن الصعود الى المسرح , لتشعر انه يقف معك يتابع خطواتك المسرحية ,مصححا مخارج الاحرف واداء الكلمة .
كيف لإنسان مثله وقد تجاوز الثامنة والسبعين ان يضخ فينا كل هذه القوة ... وهذا الشغف, كيف له ان يتحمل مشقة النهوض الباكر والقدوم الى الجامعة يوميا دون ملل او كلل.
افي سبيل طلابه يقوم بهذا ام ان خشبة المسرح تناديه وتناجيه فلا يقدر على صم اذنيه عن مناجاتها.
قبل نهاية الفصل طلبت من الأستاذ ان يتوقف امام كاميرتي من جديد لتسجيل معاناة وصوله الى الصف ومن ثم مغادرة الجامعة . لم أتوقع بأنه قد يوافق على طلبي بأن التقط صورا له بهذا الوضع نظرا لشخصيته وعنفوانه, الا انه فاجأني بموافقته مصحوبة مع" كرت بلانش" .
الاستاذ ريمون جبارة ... صورك هنا تحكي وجدانك المسرحي.
قد لن تفيك كل هذه الكلمات حقك ... انما تبقى كلمة حق.
صالح الرفاعي
كانون الثاني 2013م
تعليق