الفكرة والصورة .. التجريد والتعميم
الفكرة والصورة
قلنا في مستهل هذا البحث ان المعنى العام يختلف عن الصورة اختلاف المجرد عن المحسوس ، واختلاف العام عن الخاص . ان معنى الانسان عام ، وصورة زيد خاصة ، فكيف ينتقل الفكر من هذه الصورة المشخصة إلى المعنى العام .
يرى التجريبيون ان المعنى العام مؤلف من الصور الجزئية ، ولنفحص الآن عن آرائهم لنرى هل هي مطابقة للحقيقة .
الصورة المركبة Image composite .
- قالوا : ان المعنى العام يتألف من الصور كما تتألف الصورة المركبة من الصور الجزئية هو كسلي وغالتون ) . ويمكن الحصول على هذه الصورة المركبة بوسائل آلية ( غالتون ) . وذلك برسم صور متشابهة كصور الاخوة والأخوات مثلاً ، ثم عكسها بالفانوس السحري على شاشة واحدة ، بحيث ينطبق بعضها على بعض تماماً . ان هذه الصورة المركبة التي تتكون من انطباق الصور الجزئية بعضها على ببعض ليست مشوشة ، ولا مبهمة ، وإنما هي واضحة ، لأنها تثبت الخطوط المتشابهة ، وتزيل الاختلافات ، ويتكون منها نموذج كلي للاسرة ، يشمل صورة كل فرد من أفرادها . وقد رسم ( غالتون ) أيضا بآلة التصوير الشمسي جملة من الصور جعل أخيلتها ترتسم على الزجاجة زماناً قصيراً جداً ، فحصل بذلك على صورة مركبة تمثل الصور المختلفة إن هذه الصورة المركبة ذات صفات خاصة ، وخطوط ظاهرة ، وهي أكثر ملاءمة للنظر من الصور الجزئية ، وقد مزج ( غالتون ) على هذا المنوال ، رسوم . ست نساء رومیات فألف منها صورة مركبة رائعة الجمال ، ومزج ستة رسوم وجدها على أوسمة محفوظة في المتحف البريطاني تمثل ) الاسكندر الكبير ( في مختلف أدوار حياته ، فحصل على صورة متوسطة للاسكندر ، ومزج أيضاً خمس صور ( لكليوباترا ) ، فحصل على صورة مركبة أجمل من الصور الجزئية ، وأكثر منها سحراً . وأعجب هذه الصور كلها ما ركبه من صور الجناة ، والمجانين ، والسارقين ، وما حصل عليه من رسومهم النوعية ( 1 ) .
المناقشة
- قد تكون تصورات الحيوان ، أو الطفل مشابهة لهذه الصورة المركبة ، التي وصفها ( غالتون ) ، وهي وسط بين الصور الجزئية الحقيقية والمعنى العام ، حتى لقد سماها ( ريبو ) بالصور الجنسية ( Images génériques ) ، لأنها تمزج الادراكات الجزئية بعضها ببعض ، بحيث يؤدي امتزاجها إلى تثبيت الخطوط المتشابهة ، وإزالة الرسوم المتباينة . وربما كان الكلب مثلا لا يعرف سيده إلا بالصورة الجنسية المتولدة من اختلاط ادراكاته البصرية وإدراكاته السمعية . إلا أن المعنى العام يختلف عن الصورة المركبة بالصفات التالية :
١ - ان الصورة المركبة صورة متوسطة . مثال ذلك : إذا كان الانسان نوعين أبيض واسود ، كانت صورته المركبة خلاسية . ولا يمكن أن يقال أن معنى الانسان شبيه بذلك .
٢ - ان شمول الصورة المركبة تابع لعدد الأشياء المفردة الداخلة في تركيبها . فإذا أضفنا إلى الصور المرسومة صورة واحدة ، تغيرت نتيجة التركيب . فالصورة المركبة تظل إذن صورة جزئية ، ، أما المعنى العام فهو على عكس ذلك معنى كلي . ان معنى العدد مثلا ينطبق على جملة غير محدودة من الأعداد .
٣ - كلما كان عدد الصور الجزئية أكبر ، كان تأليف الصورة المركبة أصعب . أما تأليف المعنى العام فلا يختلف باختلاف عدد الأفراد الداخلين فيه . ان شمول الانسان أعظم من شمول الاستاذ ، ولكنه ليس أصعب تأليفاً منه .
٤ - من الصعب أن نوضح كيف تتألف بعض المعاني العامة من مزج الصور الجزئية بعضها ببعض مزجاً آلياً . مثال ذلك : مفهوم التابع في الرياضيات ، ومفهوم الطاقة في الفيزياء ، ومفهوم اللاشعور في علم النفس . الخ .
التفكير من دون صور ( Pensée sans image ) - فالمعاني العامة تختلف إذن عن الصور المركبة ، اختلاف الكلي عن الجزئي ، ولكن هل يستطيع الانسان أن يفكر تفكيراً مجرداً من غير أن يستعين بالصور . لقد اتبع الفلاسفة منذ القدم رأي ( ارسطو ) في ذلك ، فقالوا معه : النفس لا تفكر الا بالصور . ولكن الفلاسفة المعاصرين يفندون هذا الرأي ويخالفونه .
۱ - استقصاء ( ريبو )
- ذكر ( ريبو ) في كتابه : تطور المعاني العامة ، ان للتجريد والتعميم ثلاث درجات أولاها درجة الصورة الجنسية أو المركبة ، وثانيتها درجة المجردات المتوسطة ، وهي عبارة عن اللفظ المصحوب بالخيال المجمل schéma ، وثالثتها درجة المجردات العالية ، وهي مستقلة عن الأخيلة والصور . قد تصحب المقولات في بعض الأحيان صور ، إلا أنها لا تعين على التفكير ، بل قد تؤخره ، وتعوقه ، أو تمنعه وتصرف عنه ، ويقتصر الفكر في هذه الدرجة الثالثة على استعمال اللفظ لا غير .
وقد سلك ( ريبو ) طريقة الاستقصاء لبيان حقيقة المجردات العالية ، فسأل مائة شخص : ما هي الصور التي تولدها بعض الألفاظ في أذهانهم ؟ فساقته نتائج هذا الاستقصاء الى تقسيم الأشخاص أنواعاً شبيهة بالأنواع التي ذكرها ( شاركو ) في كلامه على الحبسة ( الافازيا ) ( ١ ) ، وهي النوع ، المشخص والنوع البصري الطباعي ، والنوع السمعي ، فاللفظ يوقظ في ذهن الأول صورة بصرية ، أو حركية ( بصرية على الأكثر ، وفي ذهن الثاني صورة الكلمة المطبوعة ؛ وفي ذهن الثالث صوت الكلمة لا غير . وقد بين ( ريبو ) أيضاً أن أكثر الناس لا يتصورون عند سماع اللفظ شيئا ( ٢ ) ، وان فقدان الصور لا يدل على عدم وجود جوهر لا شعوري ، أو علم بالقوة وراء اللفظ ، وان هذا الجوهر الخفي يملأ الألفاظ ويهبها معانيها . فما هي حقيقته ؟ ان ( ريبو ) لم يوضح رأيه في ذلك تماماً ، ولكنه لم يتردد في القول أن فرضية الفكر الخالي من الصور والألفاظ قليلة الاحتمال ، لأنه لم يقم عليها برهان نهائي .
الفرد بينه و مدرسة وورزبورغ ( Warbourg )
- زعم ( الفرد بينه ) في كتاب الدراسة التجريبية للعقل ، ان هناك تفكيراً بغير صور .. وقد توصل إلى هذا الرأي بطريق التجارب التي أجراها على التأمل الباطني . إذ لاحظ أن مضمون الفكر أغنى من مضمون الصور التي يحتويها ، وأن ( تين ) وغيره من التجريبيين لم يصيبوا كبد الحقيقة بمحاولتهم إرجاع الفكر إلى الصور ، قال : ان الإنسان يفكر في ما وراء الصورة . لمائة ألف ليرة من الأفكار أربعة قروش من الصور Année psychologique II ) . مثال ذلك ، إذا قلت : سأسافر غداً إلى لبنان ، لم توقظ هذه الجملة في خاطري صورة مطابقة المعنى . فأي صورة واضحة تمثل كلمة ( لبنان ) وأي صورة تمثل ( غداً ) ، لا بل أي صورة تدل على معنى الإرادة الذي يشتمل عليه قولي ( سأسافر ) في المستقبل .
وقد أدت التحريات العلمية التي قام بها علماء مدرسة ( وورزبورغ ) إلى نتيجة مشابهة لنتيجة ( الفرد بينه ) . إلا أنهم لم يبينوا لنا ما هو الشيء الذي يبقى في الفكر إذا جردناه من الصور . فبينما نحن نجد ( مارب ) يقول بالاستعدادات الشعورية نجد بوهلر Buhler ) : يقول بانقسام أسس الفكر إلى ثلاثة أنواع الشعور بالقاعدة والشعور بالعلاقة والاتجاه ، والاستعداد العقلي . وقد تكلم ( الفرد بينه ) على الاتجاه والاستعداد العقلي وأشار إلى أثر حركة الفكر في التعميم . وبين ( ويليم جيمس ) قبله ما هو أثر الحالات الناقلة ، وأثر الشعور بالنسبة ، إلا أن أقوالهم جميعاً ظلت غامضة ومبهمة .
المناقشة
- ان هذه الايضاحات غامضة ، وهي لا تثبت لنا وجود تفكير خال من الصور إثباتاً نهائياً ، ولا تبدد الشبهات التي ذكرها ( ريبو ) . ان تجارب التأمل الباطني لا توصل إلى يقين تام رغم مظاهرها العلمية لأنك لا تأمن أن يكون الشخص مخدوعاً بأوهامه الشخصية ، فقد يقول لك أنه يفكر من دون صور ، وهو في الحقيقة لا يفكر في شيء . ان تجارب الفرد ) بينه ) تدل على عدم الفكر ، لا على وجوده دون صور ، ومن الصعب أن يوجد الفكر من غير أن يشتمل على بعض العناصر الحقيقية ، أو الرمزية ، أو غير المعينة . ونحن نعلم أنه لا يمكن تصور العلاقات دون حدودها ، ولا معنى للحدود إلا بنسبتها إلى الصور ، أو أجزاء الصور . والخلاصة أن ( الفرد بينه ) وعلماء مدرسة ( وور زبورغ ) لم يوفقوا لاثبات وجود الفكر الخالي من الصور إثباتاً نهائياً . ولكنهم أثبتوا . أن النفس تذهب إلى ما وراء الصورة في التفكير المجرد ، وسواء أسمينا حقيقة هذا التفكير المجرد استعداداً نفسياً ، أم اتجاها فكريا ، أم حدساً لا شعورياً ، أم علما بالقوة ، فإن فيه بلاريب شيئا زائد أعلى الصورة ، وهذا يدل على أن حقيقة المعقولات . باينة الحقيقة الصور . ولنبحث الآن في الطريق الذي تسلكه النفس للحصول على المعاني العامة .
الفكرة والصورة
قلنا في مستهل هذا البحث ان المعنى العام يختلف عن الصورة اختلاف المجرد عن المحسوس ، واختلاف العام عن الخاص . ان معنى الانسان عام ، وصورة زيد خاصة ، فكيف ينتقل الفكر من هذه الصورة المشخصة إلى المعنى العام .
يرى التجريبيون ان المعنى العام مؤلف من الصور الجزئية ، ولنفحص الآن عن آرائهم لنرى هل هي مطابقة للحقيقة .
الصورة المركبة Image composite .
- قالوا : ان المعنى العام يتألف من الصور كما تتألف الصورة المركبة من الصور الجزئية هو كسلي وغالتون ) . ويمكن الحصول على هذه الصورة المركبة بوسائل آلية ( غالتون ) . وذلك برسم صور متشابهة كصور الاخوة والأخوات مثلاً ، ثم عكسها بالفانوس السحري على شاشة واحدة ، بحيث ينطبق بعضها على بعض تماماً . ان هذه الصورة المركبة التي تتكون من انطباق الصور الجزئية بعضها على ببعض ليست مشوشة ، ولا مبهمة ، وإنما هي واضحة ، لأنها تثبت الخطوط المتشابهة ، وتزيل الاختلافات ، ويتكون منها نموذج كلي للاسرة ، يشمل صورة كل فرد من أفرادها . وقد رسم ( غالتون ) أيضا بآلة التصوير الشمسي جملة من الصور جعل أخيلتها ترتسم على الزجاجة زماناً قصيراً جداً ، فحصل بذلك على صورة مركبة تمثل الصور المختلفة إن هذه الصورة المركبة ذات صفات خاصة ، وخطوط ظاهرة ، وهي أكثر ملاءمة للنظر من الصور الجزئية ، وقد مزج ( غالتون ) على هذا المنوال ، رسوم . ست نساء رومیات فألف منها صورة مركبة رائعة الجمال ، ومزج ستة رسوم وجدها على أوسمة محفوظة في المتحف البريطاني تمثل ) الاسكندر الكبير ( في مختلف أدوار حياته ، فحصل على صورة متوسطة للاسكندر ، ومزج أيضاً خمس صور ( لكليوباترا ) ، فحصل على صورة مركبة أجمل من الصور الجزئية ، وأكثر منها سحراً . وأعجب هذه الصور كلها ما ركبه من صور الجناة ، والمجانين ، والسارقين ، وما حصل عليه من رسومهم النوعية ( 1 ) .
المناقشة
- قد تكون تصورات الحيوان ، أو الطفل مشابهة لهذه الصورة المركبة ، التي وصفها ( غالتون ) ، وهي وسط بين الصور الجزئية الحقيقية والمعنى العام ، حتى لقد سماها ( ريبو ) بالصور الجنسية ( Images génériques ) ، لأنها تمزج الادراكات الجزئية بعضها ببعض ، بحيث يؤدي امتزاجها إلى تثبيت الخطوط المتشابهة ، وإزالة الرسوم المتباينة . وربما كان الكلب مثلا لا يعرف سيده إلا بالصورة الجنسية المتولدة من اختلاط ادراكاته البصرية وإدراكاته السمعية . إلا أن المعنى العام يختلف عن الصورة المركبة بالصفات التالية :
١ - ان الصورة المركبة صورة متوسطة . مثال ذلك : إذا كان الانسان نوعين أبيض واسود ، كانت صورته المركبة خلاسية . ولا يمكن أن يقال أن معنى الانسان شبيه بذلك .
٢ - ان شمول الصورة المركبة تابع لعدد الأشياء المفردة الداخلة في تركيبها . فإذا أضفنا إلى الصور المرسومة صورة واحدة ، تغيرت نتيجة التركيب . فالصورة المركبة تظل إذن صورة جزئية ، ، أما المعنى العام فهو على عكس ذلك معنى كلي . ان معنى العدد مثلا ينطبق على جملة غير محدودة من الأعداد .
٣ - كلما كان عدد الصور الجزئية أكبر ، كان تأليف الصورة المركبة أصعب . أما تأليف المعنى العام فلا يختلف باختلاف عدد الأفراد الداخلين فيه . ان شمول الانسان أعظم من شمول الاستاذ ، ولكنه ليس أصعب تأليفاً منه .
٤ - من الصعب أن نوضح كيف تتألف بعض المعاني العامة من مزج الصور الجزئية بعضها ببعض مزجاً آلياً . مثال ذلك : مفهوم التابع في الرياضيات ، ومفهوم الطاقة في الفيزياء ، ومفهوم اللاشعور في علم النفس . الخ .
التفكير من دون صور ( Pensée sans image ) - فالمعاني العامة تختلف إذن عن الصور المركبة ، اختلاف الكلي عن الجزئي ، ولكن هل يستطيع الانسان أن يفكر تفكيراً مجرداً من غير أن يستعين بالصور . لقد اتبع الفلاسفة منذ القدم رأي ( ارسطو ) في ذلك ، فقالوا معه : النفس لا تفكر الا بالصور . ولكن الفلاسفة المعاصرين يفندون هذا الرأي ويخالفونه .
۱ - استقصاء ( ريبو )
- ذكر ( ريبو ) في كتابه : تطور المعاني العامة ، ان للتجريد والتعميم ثلاث درجات أولاها درجة الصورة الجنسية أو المركبة ، وثانيتها درجة المجردات المتوسطة ، وهي عبارة عن اللفظ المصحوب بالخيال المجمل schéma ، وثالثتها درجة المجردات العالية ، وهي مستقلة عن الأخيلة والصور . قد تصحب المقولات في بعض الأحيان صور ، إلا أنها لا تعين على التفكير ، بل قد تؤخره ، وتعوقه ، أو تمنعه وتصرف عنه ، ويقتصر الفكر في هذه الدرجة الثالثة على استعمال اللفظ لا غير .
وقد سلك ( ريبو ) طريقة الاستقصاء لبيان حقيقة المجردات العالية ، فسأل مائة شخص : ما هي الصور التي تولدها بعض الألفاظ في أذهانهم ؟ فساقته نتائج هذا الاستقصاء الى تقسيم الأشخاص أنواعاً شبيهة بالأنواع التي ذكرها ( شاركو ) في كلامه على الحبسة ( الافازيا ) ( ١ ) ، وهي النوع ، المشخص والنوع البصري الطباعي ، والنوع السمعي ، فاللفظ يوقظ في ذهن الأول صورة بصرية ، أو حركية ( بصرية على الأكثر ، وفي ذهن الثاني صورة الكلمة المطبوعة ؛ وفي ذهن الثالث صوت الكلمة لا غير . وقد بين ( ريبو ) أيضاً أن أكثر الناس لا يتصورون عند سماع اللفظ شيئا ( ٢ ) ، وان فقدان الصور لا يدل على عدم وجود جوهر لا شعوري ، أو علم بالقوة وراء اللفظ ، وان هذا الجوهر الخفي يملأ الألفاظ ويهبها معانيها . فما هي حقيقته ؟ ان ( ريبو ) لم يوضح رأيه في ذلك تماماً ، ولكنه لم يتردد في القول أن فرضية الفكر الخالي من الصور والألفاظ قليلة الاحتمال ، لأنه لم يقم عليها برهان نهائي .
الفرد بينه و مدرسة وورزبورغ ( Warbourg )
- زعم ( الفرد بينه ) في كتاب الدراسة التجريبية للعقل ، ان هناك تفكيراً بغير صور .. وقد توصل إلى هذا الرأي بطريق التجارب التي أجراها على التأمل الباطني . إذ لاحظ أن مضمون الفكر أغنى من مضمون الصور التي يحتويها ، وأن ( تين ) وغيره من التجريبيين لم يصيبوا كبد الحقيقة بمحاولتهم إرجاع الفكر إلى الصور ، قال : ان الإنسان يفكر في ما وراء الصورة . لمائة ألف ليرة من الأفكار أربعة قروش من الصور Année psychologique II ) . مثال ذلك ، إذا قلت : سأسافر غداً إلى لبنان ، لم توقظ هذه الجملة في خاطري صورة مطابقة المعنى . فأي صورة واضحة تمثل كلمة ( لبنان ) وأي صورة تمثل ( غداً ) ، لا بل أي صورة تدل على معنى الإرادة الذي يشتمل عليه قولي ( سأسافر ) في المستقبل .
وقد أدت التحريات العلمية التي قام بها علماء مدرسة ( وورزبورغ ) إلى نتيجة مشابهة لنتيجة ( الفرد بينه ) . إلا أنهم لم يبينوا لنا ما هو الشيء الذي يبقى في الفكر إذا جردناه من الصور . فبينما نحن نجد ( مارب ) يقول بالاستعدادات الشعورية نجد بوهلر Buhler ) : يقول بانقسام أسس الفكر إلى ثلاثة أنواع الشعور بالقاعدة والشعور بالعلاقة والاتجاه ، والاستعداد العقلي . وقد تكلم ( الفرد بينه ) على الاتجاه والاستعداد العقلي وأشار إلى أثر حركة الفكر في التعميم . وبين ( ويليم جيمس ) قبله ما هو أثر الحالات الناقلة ، وأثر الشعور بالنسبة ، إلا أن أقوالهم جميعاً ظلت غامضة ومبهمة .
المناقشة
- ان هذه الايضاحات غامضة ، وهي لا تثبت لنا وجود تفكير خال من الصور إثباتاً نهائياً ، ولا تبدد الشبهات التي ذكرها ( ريبو ) . ان تجارب التأمل الباطني لا توصل إلى يقين تام رغم مظاهرها العلمية لأنك لا تأمن أن يكون الشخص مخدوعاً بأوهامه الشخصية ، فقد يقول لك أنه يفكر من دون صور ، وهو في الحقيقة لا يفكر في شيء . ان تجارب الفرد ) بينه ) تدل على عدم الفكر ، لا على وجوده دون صور ، ومن الصعب أن يوجد الفكر من غير أن يشتمل على بعض العناصر الحقيقية ، أو الرمزية ، أو غير المعينة . ونحن نعلم أنه لا يمكن تصور العلاقات دون حدودها ، ولا معنى للحدود إلا بنسبتها إلى الصور ، أو أجزاء الصور . والخلاصة أن ( الفرد بينه ) وعلماء مدرسة ( وور زبورغ ) لم يوفقوا لاثبات وجود الفكر الخالي من الصور إثباتاً نهائياً . ولكنهم أثبتوا . أن النفس تذهب إلى ما وراء الصورة في التفكير المجرد ، وسواء أسمينا حقيقة هذا التفكير المجرد استعداداً نفسياً ، أم اتجاها فكريا ، أم حدساً لا شعورياً ، أم علما بالقوة ، فإن فيه بلاريب شيئا زائد أعلى الصورة ، وهذا يدل على أن حقيقة المعقولات . باينة الحقيقة الصور . ولنبحث الآن في الطريق الذي تسلكه النفس للحصول على المعاني العامة .
تعليق