القزّاز (محمد بن جعفر التميمي)
(… ـ 412هـ/… ـ 1021م)
أبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي، المعروف بالقزّاز القيرواني، نحويّ، لغويّ، شاعر.
ولد في مدينة القيروان، وبها تُوفِّي عن عمر يقارب التسعين، وقبره في ناحية من نواحيها يقال لها: «زويلة بني الخطاب».
لم تذكر المصادر شيئاً عن نشأته الأولى، ولا عن أساتذته، خلا ما ألمح إليه القزّاز نفسه في بعض مصنفاته من ذكر لشيخ له أسماه أبا الحسن بن إبراهيم الآمدي، ولا يُعرف من أمر هذا الرجل سوى أنه من رواة كتاب «إصلاح المنطق» عن الأخفش الأصغر.
وأول ما نصيبه من أخباره ما حكاه صاحب «إنباه الرواة» عن صلته بالخليفة الفاطميّ المعزّ لدين الله قبل أن ينتقل هذا الأخير إلى مصر، قال: «وفي سنة إحدى وستين وثلاثمئة أمر معدّ أبو تميم المدعوّ بالمعز المتولي على إفريقيا عسلوج بن الحسن الصنهاجي العامل أن يأمر القزّاز النحويّ هذا بأن يؤلّف كتاباً يجمع فيه سائر الحروف…» إلى آخر الحكاية.
غير أن ابن خلّكان نقل عن بعض العلماء أن القزاز كان في خدمة العزيز ابن المعزّ (365ـ376هـ)، وأنه صنف له جملة من الكتب منها الكتاب المذكور.
ولاشك أن القزاز على قلة أخباره عاش حياة علمية حافلة بالعطاء، كان فيها موضع تقدير الآخرين له، قال ابن رشيق: «كان مهيباً عند الملوك والعلماء وخاصّة الناس، محبوباً عند العامة». وقد وصفه الصفدي بأنه شيخ اللغة في المغرب. وتبعه الفيروزابادي فقال: «كان إمام عصره نحواً ولغة وأدباً».
وقد تخرّج على يديه طائفة من العلماء، منهم الحسن بن رشيق القيرواني صاحب «العمدة» (ت463هـ)، ومكّيّ بن أبي طالب الفقيه النحوي المفسّر المشهور (ت437هـ)، والحسن بن محمّد التميمي النحوي اللغوي (ت420هـ).
وخلّف القزّاز جملة من المصنفات طبع منها كتابان، أولهما سماه «الوشي والحلى» طبع في صيدا سنة 1922؛ وهذا الكتاب لم يذكره أحد ممن ترجم له، وثانيهما «ضرائر الشعر» أو «ما يجوز للشاعر في الضرورة»، وهو كتاب مشهور في بابه، تناول فيه القزّاز مسألة الضرورة الشعرية، وهي من المسائل التي شغلت النحويين منذ سيبويه، تسليماً منهم بأن للشعر خصوصية تميزه من النثر، وقد بسط المؤلّف في المقدمة موضوع كتابه حين قال: «هذا كتاب أذكر فيه-إن شاء الله ـ ما يجوز للشاعر عند الضرورة من الزيادة والنقصان، والاتساع في سائر المعاني، من التقديم والتأخير والقلب والإبدال… وهو باب من العلم لا يسع الشاعر جهله، ولا يستغني عن معرفته؛ ليكون له حجّة لما يقع في شعره مما يضطرّ إليه من استقامة قافية، أو وزن بيت، أو إصلاح إعراب. وذلك أن كثيراً ممّن يطلب الأدب، وأخذ نفسه بدراسة الكتب، إذا مرّ به بيت لشاعر من أهل عصره أو لطالب من نظرائه فيه تقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان أو تغيير حركة عمّا حفظ من الأصول المؤلفة له في الكتب أخذ في التشنيع عليه والطعن على علمه…».
أما مؤلفاته الأخرى فأكثرها مفقود، وبعضها مخطوط، منها: «كتاب الحروف» وهو كتاب كبير الحجم تناول فيه مؤلفه ما يسمى بـ«حروف المعاني»، وقد سلف أنه ألّفه للمعزّ الفاطمي أو لولده العزيز، ومنها «الجامع في اللغة» وهو معجم ضخم؛ قيل: إنه يقارب كتاب ؛التهذيب» للأزهري، ومنها «شرح مقصورة ابن دريد»، و«شرح رسالة البلاغة» و«كتاب الظاء» و«العشرات في اللغة» ذكر فيه اللفظ ومعانيه المترادفة، وله أيضاً «المثلث»، و«أبيات معان من شعر المتنبي» و«أدب السلطان والتأدّب له» و«تفسير غريب البخاري» وغير ذلك.
والقزاز إلى ذلك كلّه شاعر أوردت له مصادر ترجمته بعض شعره، وأثنت عليه، قال ابن رشيق: «له شعر مطبوع غير مصنوع ربما جاء به مفاكهة وممالحة من غير تحفّز ولا تَحَفُّل، يبلغ بالرفق والدعة أقصى ما يحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعاني وتوكيد المباني». ومن شعره:
أَمَا ومحـلّ حبّـك فـي فـؤادي
وقـدْر مكـانه فـيه المـكيـنِ
لو انبســطت ليَ الآمـال حتى
تُصَيِّـر لي عنـانك في يمينـي
لصنـتك في مكان سـواد عيني
وخِطْـتُ عليك من حذر جفونـي
فأبلـغ منـك غـايات الأمانـي
وآمـن مـنك آفـات الظنـون
نبيل أبو عمشة
(… ـ 412هـ/… ـ 1021م)
أبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي، المعروف بالقزّاز القيرواني، نحويّ، لغويّ، شاعر.
ولد في مدينة القيروان، وبها تُوفِّي عن عمر يقارب التسعين، وقبره في ناحية من نواحيها يقال لها: «زويلة بني الخطاب».
لم تذكر المصادر شيئاً عن نشأته الأولى، ولا عن أساتذته، خلا ما ألمح إليه القزّاز نفسه في بعض مصنفاته من ذكر لشيخ له أسماه أبا الحسن بن إبراهيم الآمدي، ولا يُعرف من أمر هذا الرجل سوى أنه من رواة كتاب «إصلاح المنطق» عن الأخفش الأصغر.
وأول ما نصيبه من أخباره ما حكاه صاحب «إنباه الرواة» عن صلته بالخليفة الفاطميّ المعزّ لدين الله قبل أن ينتقل هذا الأخير إلى مصر، قال: «وفي سنة إحدى وستين وثلاثمئة أمر معدّ أبو تميم المدعوّ بالمعز المتولي على إفريقيا عسلوج بن الحسن الصنهاجي العامل أن يأمر القزّاز النحويّ هذا بأن يؤلّف كتاباً يجمع فيه سائر الحروف…» إلى آخر الحكاية.
غير أن ابن خلّكان نقل عن بعض العلماء أن القزاز كان في خدمة العزيز ابن المعزّ (365ـ376هـ)، وأنه صنف له جملة من الكتب منها الكتاب المذكور.
ولاشك أن القزاز على قلة أخباره عاش حياة علمية حافلة بالعطاء، كان فيها موضع تقدير الآخرين له، قال ابن رشيق: «كان مهيباً عند الملوك والعلماء وخاصّة الناس، محبوباً عند العامة». وقد وصفه الصفدي بأنه شيخ اللغة في المغرب. وتبعه الفيروزابادي فقال: «كان إمام عصره نحواً ولغة وأدباً».
وقد تخرّج على يديه طائفة من العلماء، منهم الحسن بن رشيق القيرواني صاحب «العمدة» (ت463هـ)، ومكّيّ بن أبي طالب الفقيه النحوي المفسّر المشهور (ت437هـ)، والحسن بن محمّد التميمي النحوي اللغوي (ت420هـ).
وخلّف القزّاز جملة من المصنفات طبع منها كتابان، أولهما سماه «الوشي والحلى» طبع في صيدا سنة 1922؛ وهذا الكتاب لم يذكره أحد ممن ترجم له، وثانيهما «ضرائر الشعر» أو «ما يجوز للشاعر في الضرورة»، وهو كتاب مشهور في بابه، تناول فيه القزّاز مسألة الضرورة الشعرية، وهي من المسائل التي شغلت النحويين منذ سيبويه، تسليماً منهم بأن للشعر خصوصية تميزه من النثر، وقد بسط المؤلّف في المقدمة موضوع كتابه حين قال: «هذا كتاب أذكر فيه-إن شاء الله ـ ما يجوز للشاعر عند الضرورة من الزيادة والنقصان، والاتساع في سائر المعاني، من التقديم والتأخير والقلب والإبدال… وهو باب من العلم لا يسع الشاعر جهله، ولا يستغني عن معرفته؛ ليكون له حجّة لما يقع في شعره مما يضطرّ إليه من استقامة قافية، أو وزن بيت، أو إصلاح إعراب. وذلك أن كثيراً ممّن يطلب الأدب، وأخذ نفسه بدراسة الكتب، إذا مرّ به بيت لشاعر من أهل عصره أو لطالب من نظرائه فيه تقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان أو تغيير حركة عمّا حفظ من الأصول المؤلفة له في الكتب أخذ في التشنيع عليه والطعن على علمه…».
أما مؤلفاته الأخرى فأكثرها مفقود، وبعضها مخطوط، منها: «كتاب الحروف» وهو كتاب كبير الحجم تناول فيه مؤلفه ما يسمى بـ«حروف المعاني»، وقد سلف أنه ألّفه للمعزّ الفاطمي أو لولده العزيز، ومنها «الجامع في اللغة» وهو معجم ضخم؛ قيل: إنه يقارب كتاب ؛التهذيب» للأزهري، ومنها «شرح مقصورة ابن دريد»، و«شرح رسالة البلاغة» و«كتاب الظاء» و«العشرات في اللغة» ذكر فيه اللفظ ومعانيه المترادفة، وله أيضاً «المثلث»، و«أبيات معان من شعر المتنبي» و«أدب السلطان والتأدّب له» و«تفسير غريب البخاري» وغير ذلك.
والقزاز إلى ذلك كلّه شاعر أوردت له مصادر ترجمته بعض شعره، وأثنت عليه، قال ابن رشيق: «له شعر مطبوع غير مصنوع ربما جاء به مفاكهة وممالحة من غير تحفّز ولا تَحَفُّل، يبلغ بالرفق والدعة أقصى ما يحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعاني وتوكيد المباني». ومن شعره:
أَمَا ومحـلّ حبّـك فـي فـؤادي
وقـدْر مكـانه فـيه المـكيـنِ
لو انبســطت ليَ الآمـال حتى
تُصَيِّـر لي عنـانك في يمينـي
لصنـتك في مكان سـواد عيني
وخِطْـتُ عليك من حذر جفونـي
فأبلـغ منـك غـايات الأمانـي
وآمـن مـنك آفـات الظنـون
نبيل أبو عمشة