القوشجي (علي بن محمد ـ)
(…ـ 879هـ/… ـ 1474م)
علاء الدين علي بن محمد القوشجي، فلكي رياضي من فقهاء الحنفية ولد في سمرقند، وكان أبوه محمد من عمال الأمير أولغ بك (1394ـ1449م)، وكان هو حافظ البازي وهو معنى القوشجي في لغتهم، أخذ العلوم المختلفة من شيوخ مدينته سمرقند، وقرأ الرياضيات والفلك وأجادهما على العالم قاضي زاده الرومي (توفي بعد 840هـ) وعلى ملك ما وراء النهر الأمير أولغ بك، ثم سافر علاء الدين إلى بلاد كرمان سراً طلباً للعلم، فقرأ على علمائها، ووضع ـ هناك ـ شرحه لتجريد الطوسي، ثم عاد إلى سمرقند، ووضع نفسه في خدمة أمير البلاد أولغ بك، واعتذر منه عن غيبته لتحصيل العلم، وقدم للأمير هدية سفره، وهي رسالة في حل إشكال القمر، وهو إشكال عجز عن حله الأقدمون، فقرأها على الأمير الذي أعجب بها، واستخدمه في مرصده؛ فأكمل القوشجي عمليات الرصد التي بدأها غياث الدين جمشيد الكاشي (ت833هـ)، وتابعها قاضي زاده الرومي، واستمر القوشجي يعمل في المرصد إلى أن توج ـ مع أساتذته: الأمير أولغ بك وجمشيد الكاشي وقاضي زاده -عمليات الرصد بإنهاء إعداد الزيج الجديد الذي يُعد من أحسن الزيجات وأقربها إلى الصحة، كما وصفه طاش كبري زاده في «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية».
وبعد مقتل الأمير أولغ بك في عام 853هـ، لم يتفق القوشجي مع وريثه، فاستأذن للحج، وفي أثناء رحلته مرّ بمدينة تبريز، فأكرمه سلطانها حسن الطويل، وأرسله بمهمة صلح إلى السلطان العثماني محمد الفاتح الذي قدّره وأكرمه، فآثر القوشجي البقاء تحت حمايته بعد إتمام مهمته، وعند عودته إلى السلطان محمد، أهدى علاء الدين، السلطان رسالة في علم الحساب وسمّاها المحمدية، ورافق علي بن محمد القوشجي السلطان محمد عندما ذهب إلى محاربة السلطان حسن الطويل، ووضع القوشجي رسالة في علم الهيئة، سماها «الفتحية» بمناسبة فتح العراق، وعندما رجع السلطان محمد الفاتح إلى مدينة القسطنطينية أعطاه مدرسة آيا صوفيا ومنحه راتباً مجزياً له ولأولاده، واستقر القوشجي في القسطنطينية إلى أن وافته المنية.
تنوعت معارف القوشجي، فدرس على شيوخ سمرقند وبلاد كرمان، وتتلمذ على كبار علماء الرياضيات والفلك في تلك الفترة الزمنية كقاضي زاده الرومي والأمير أولغ بك، وطبّق معارفه العلمية على عمليات الرصد العملية وذلك في مرصد سمرقند، تلك المؤسسة العلمية التي عمل بها مجموعة كبيرة من العلماء، وتضمنت مكتبة غنية بالمؤلفات، وبرعاية سخية ودعم علمي ومعنوي من الأمير العالم أولغ بك، الذي كان يسمي علي القوشجي «ولدي» ويقول إنه كان يأتمنه على أسراره، وحدد أولغ بك عمله في الرصد وامتدحه بقوله: «وبعد ذلك تحقق بعون الله وبفضل وكرم دائمين من عنده سبحانه، إتمام هذا العمل الشاق المرهق-أي الرصد- وذلك من خلال الاستعانة بالابن البار علي بن محمد قوشجي، الذي أحرز-في إبّان الحداثة ونضارة الشباب - قصب السبق في ميدان العلم الواسع…».
كان أولغ بك يثق بالقوشجي ثقة عظيمة، فقد أوفده إلى بلاد الصين لضبط قياس درجة من خط نصف النهار ومقدار مساحة الأرض. وقد انعكست ثقافة القوشجي وعلمه ومعارفه على مؤلفاته التي تنوعت موضوعاتها، فقد كتب في الرياضيات والفلك والطب واللغة والعقائد وغيرها من الموضوعات، فمن مؤلفاته: «الرسالة المحمدية في الحساب» رتبها على فنين: الأول في علم الحساب وهي مشتملة على مقدمة وخمس مقالات، كتبها للسلطان محمد الفاتح وأهداها إليه حين وصوله إلى القسطنطينية رسولاً من أمير تبريز حسن الطويل، ويصفها طاش كبري زاده في كتابه «مفتاح السعادة» بأنها من الكتب النافعة في علم حساب التخت والميل، يستخدم القوشجي في الرسالة مصطلحات جديدة منها: المثبت والمنفي بدلاً من مصطلحي: الزائد والناقص، وانتقلت تلك المصطلحات إلى بلاد أخرى، وله أيضاً «رسالة في علم الهيئة» ورتبها على مقدمة وبابين وخاتمة، ومن مؤلفاته «شرح تجريد الكلام للطوسي (الشرح الجديد)» يتألف كتاب تجريد الكلام للطوسي(ت672هـ) من ستة مقاصد: الأول في الأمور العامة، والثاني في الجواهر، والثالث في إثبات الصانع وصفاته، والرابع في النبوة، والخامس في الإمامة، والسادس في المعاد، وهو كتاب مشهور. شرحه القوشجي «شرحاً لطيفاً ممزوجاً… لخص فيه فوائد الأقدمين أحسن تلخيص، وأضاف إليها نتائج فكره مع تحرير سهل سوده بكرمان وأهداه إلى السلطان أبي سعيد خان، وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد» هكذا وصفه حاجي خليفة، وقد طبع الكتاب في أوربا سنة 1274هـ، وفي تبريز سنة1301هـ.
وله أيضاً: الرسالة الفتحية في الهيئة البسيطة، ورسالة في حلّ إشكال معدّل القمر للمسير، وشرح «التحفة الشاهيّة في الهيئة»، و«فائدة في أشكال عطارد»، وشرح زيج أولغ بك، و«مسّرة القلوب في دفع القلوب» وهي في علم الفلك، ورسالة «الامتحان في علم البيان» وهي رسالة صغيرة في البلاغة، ورسالة في شر الاستعارة، ورسالة في علم الصرف سماها «العقود الزواهر في نظم الجواهر»، وله أيضاً تعليق على «الكشاف» للزمخشري.
كان علاء الدين علي بن محمد القوشجي عالماً بالرياضيات والفلك، وكتب بعلوم اللغة والعقائد والطب أيضاً، ولكن مع الأسف معظم مؤلفاته لم تحقق وتدرس وتنشر حتى اليوم، على الرغم من انتشار مؤلفاته المخطوطة في المكتبات العالمية، وقد أسهم مع طلابه في نشر العلم في أرجاء الامبراطورية الإسلامية.
مصطفى موالدي
(…ـ 879هـ/… ـ 1474م)
علاء الدين علي بن محمد القوشجي، فلكي رياضي من فقهاء الحنفية ولد في سمرقند، وكان أبوه محمد من عمال الأمير أولغ بك (1394ـ1449م)، وكان هو حافظ البازي وهو معنى القوشجي في لغتهم، أخذ العلوم المختلفة من شيوخ مدينته سمرقند، وقرأ الرياضيات والفلك وأجادهما على العالم قاضي زاده الرومي (توفي بعد 840هـ) وعلى ملك ما وراء النهر الأمير أولغ بك، ثم سافر علاء الدين إلى بلاد كرمان سراً طلباً للعلم، فقرأ على علمائها، ووضع ـ هناك ـ شرحه لتجريد الطوسي، ثم عاد إلى سمرقند، ووضع نفسه في خدمة أمير البلاد أولغ بك، واعتذر منه عن غيبته لتحصيل العلم، وقدم للأمير هدية سفره، وهي رسالة في حل إشكال القمر، وهو إشكال عجز عن حله الأقدمون، فقرأها على الأمير الذي أعجب بها، واستخدمه في مرصده؛ فأكمل القوشجي عمليات الرصد التي بدأها غياث الدين جمشيد الكاشي (ت833هـ)، وتابعها قاضي زاده الرومي، واستمر القوشجي يعمل في المرصد إلى أن توج ـ مع أساتذته: الأمير أولغ بك وجمشيد الكاشي وقاضي زاده -عمليات الرصد بإنهاء إعداد الزيج الجديد الذي يُعد من أحسن الزيجات وأقربها إلى الصحة، كما وصفه طاش كبري زاده في «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية».
وبعد مقتل الأمير أولغ بك في عام 853هـ، لم يتفق القوشجي مع وريثه، فاستأذن للحج، وفي أثناء رحلته مرّ بمدينة تبريز، فأكرمه سلطانها حسن الطويل، وأرسله بمهمة صلح إلى السلطان العثماني محمد الفاتح الذي قدّره وأكرمه، فآثر القوشجي البقاء تحت حمايته بعد إتمام مهمته، وعند عودته إلى السلطان محمد، أهدى علاء الدين، السلطان رسالة في علم الحساب وسمّاها المحمدية، ورافق علي بن محمد القوشجي السلطان محمد عندما ذهب إلى محاربة السلطان حسن الطويل، ووضع القوشجي رسالة في علم الهيئة، سماها «الفتحية» بمناسبة فتح العراق، وعندما رجع السلطان محمد الفاتح إلى مدينة القسطنطينية أعطاه مدرسة آيا صوفيا ومنحه راتباً مجزياً له ولأولاده، واستقر القوشجي في القسطنطينية إلى أن وافته المنية.
تنوعت معارف القوشجي، فدرس على شيوخ سمرقند وبلاد كرمان، وتتلمذ على كبار علماء الرياضيات والفلك في تلك الفترة الزمنية كقاضي زاده الرومي والأمير أولغ بك، وطبّق معارفه العلمية على عمليات الرصد العملية وذلك في مرصد سمرقند، تلك المؤسسة العلمية التي عمل بها مجموعة كبيرة من العلماء، وتضمنت مكتبة غنية بالمؤلفات، وبرعاية سخية ودعم علمي ومعنوي من الأمير العالم أولغ بك، الذي كان يسمي علي القوشجي «ولدي» ويقول إنه كان يأتمنه على أسراره، وحدد أولغ بك عمله في الرصد وامتدحه بقوله: «وبعد ذلك تحقق بعون الله وبفضل وكرم دائمين من عنده سبحانه، إتمام هذا العمل الشاق المرهق-أي الرصد- وذلك من خلال الاستعانة بالابن البار علي بن محمد قوشجي، الذي أحرز-في إبّان الحداثة ونضارة الشباب - قصب السبق في ميدان العلم الواسع…».
كان أولغ بك يثق بالقوشجي ثقة عظيمة، فقد أوفده إلى بلاد الصين لضبط قياس درجة من خط نصف النهار ومقدار مساحة الأرض. وقد انعكست ثقافة القوشجي وعلمه ومعارفه على مؤلفاته التي تنوعت موضوعاتها، فقد كتب في الرياضيات والفلك والطب واللغة والعقائد وغيرها من الموضوعات، فمن مؤلفاته: «الرسالة المحمدية في الحساب» رتبها على فنين: الأول في علم الحساب وهي مشتملة على مقدمة وخمس مقالات، كتبها للسلطان محمد الفاتح وأهداها إليه حين وصوله إلى القسطنطينية رسولاً من أمير تبريز حسن الطويل، ويصفها طاش كبري زاده في كتابه «مفتاح السعادة» بأنها من الكتب النافعة في علم حساب التخت والميل، يستخدم القوشجي في الرسالة مصطلحات جديدة منها: المثبت والمنفي بدلاً من مصطلحي: الزائد والناقص، وانتقلت تلك المصطلحات إلى بلاد أخرى، وله أيضاً «رسالة في علم الهيئة» ورتبها على مقدمة وبابين وخاتمة، ومن مؤلفاته «شرح تجريد الكلام للطوسي (الشرح الجديد)» يتألف كتاب تجريد الكلام للطوسي(ت672هـ) من ستة مقاصد: الأول في الأمور العامة، والثاني في الجواهر، والثالث في إثبات الصانع وصفاته، والرابع في النبوة، والخامس في الإمامة، والسادس في المعاد، وهو كتاب مشهور. شرحه القوشجي «شرحاً لطيفاً ممزوجاً… لخص فيه فوائد الأقدمين أحسن تلخيص، وأضاف إليها نتائج فكره مع تحرير سهل سوده بكرمان وأهداه إلى السلطان أبي سعيد خان، وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد» هكذا وصفه حاجي خليفة، وقد طبع الكتاب في أوربا سنة 1274هـ، وفي تبريز سنة1301هـ.
وله أيضاً: الرسالة الفتحية في الهيئة البسيطة، ورسالة في حلّ إشكال معدّل القمر للمسير، وشرح «التحفة الشاهيّة في الهيئة»، و«فائدة في أشكال عطارد»، وشرح زيج أولغ بك، و«مسّرة القلوب في دفع القلوب» وهي في علم الفلك، ورسالة «الامتحان في علم البيان» وهي رسالة صغيرة في البلاغة، ورسالة في شر الاستعارة، ورسالة في علم الصرف سماها «العقود الزواهر في نظم الجواهر»، وله أيضاً تعليق على «الكشاف» للزمخشري.
كان علاء الدين علي بن محمد القوشجي عالماً بالرياضيات والفلك، وكتب بعلوم اللغة والعقائد والطب أيضاً، ولكن مع الأسف معظم مؤلفاته لم تحقق وتدرس وتنشر حتى اليوم، على الرغم من انتشار مؤلفاته المخطوطة في المكتبات العالمية، وقد أسهم مع طلابه في نشر العلم في أرجاء الامبراطورية الإسلامية.
مصطفى موالدي