القطار الأوربي السريع
يقصد بالقطار الأوربي السريع High-Speed Train European القطارات العالية السرعة الحديثة العاملة على الخطوط المكهربة التي أخذت تتصدر وسائل النقل في العالم عامة وأوربا الغربية خاصة. إذ تعمل الدول الأوربية جاهدة على إيجاد الوسيلة الأمثل للتنقل والنقل بين بلدان القارة في أقصر وقت وأقل تكلفة بحيث تزاحم وسائل النقل البرية والجوية الأخرى.
لمحة تاريخية
تطورت منظومات الخطوط الحديدية في أوربا أساساً وفق نماذج النقل التي درجت عليها منذ قرون. ففي العصور الوسطى كان معظم الحمولات الثقيلة والكتل الكبيرة ينقل عبر الطرق المائية حيث أمكن ذلك، وحين لا يوجد رابط طبيعي بين الأنهار القابلة للملاحة، وهي كثيرة في أوربا، كان يتم شق قنوات تكمل المنظومة الملاحية. وازدادت أهمية هذه القنوات مع الثورة الصناعية حتى غدت الشريان الرئيسي لنقل منتجات المناجم إلى مناطق التصنيع. غير أن كثيراً من المناطق الصناعية والمناجم التي شرع في استثمارها كان يتركز في المرتفعات والمناطق الجافة، وهي محرومة من إمكانات النقل المائي. وأوحى تطور الطرق المعبدة بابتكار وسيلة عملية للنقل تتحرك بطاقة البخار. وبسبب الحمولات الثقيلة وبكميات ضخمة برزت الحاجة إلى وجود أساسات متينة لحركة عجلات وسائل النقل وتخفيف احتكاكها على الأرض. وكان الحل في استخدام أقل أساسات ممكنة تعتمد على سكتين من حديد متوازيتين وعربات ذات عجلات تتحرك عليها بقدرتها الذاتية أو بوساطة آلية جر، وجعل للعجلات بروزات توجيه تمنعها من الخروج عن السكة، وقد انتشر أسلوب النقل هذا على السكك الحديدية في معظم مناطق التعدين في أوربا على نطاق واسع منذ أوائل القرن الثامن عشر. غير أن استخدام المحركات البخارية لقطر العربات المحملة بخام المعدن جاء متأخراً، وبعد التغلب على مشكلة الوزن مقابل القدرة، والتحسن الكبير الذي طرأ على بنية المحركات البخارية في بدايات القرن التاسع عشر. فانتشرت شبكات السكك الحديدية في مختلف أرجاء القارة على أساس الضرورة وأفضلية النقل التجاري والصناعي في كل بلد. وكان ذلك من أسباب اختلاف المنظومات العاملة في كل منها عن الأخرى، من حيث عرض الخط والغاية منه، ونظم استثماره، ولاسيما قوة الجر المحركة للقطارات.
القطارات المكهربة العالية السرعة
كانت القطارات في أول عهدها تسير بقوة البخار، وتحول معظمها بعد الحرب العالمية الثانية إلى محركات الديزل. وقد أوقفت بريطانيا آخر قاطرة بخارية عام 1968، ومع ذلك ما تزال القاطرات البخارية تعمل في الصين وبعض أنحاء إفريقيا وشبه القارة الهندية وفي بلدان أخرى، مع تقلص أعدادها. وقد تم تحويل معمل القاطرات البخارية في الصين إلى إنتاج القاطرات الكهربائية. وغدا القَطر بطاقة الكهرباء والديزل أفضل وأرخص تكلفة، وخاصة في المناطق الكثيفة النقل.
تعد شبكات الخطوط الحديدية اليوم أكبر شبكة للنقل الآلي في العالم. وقد احتلت السكك الحديدية المكانة الأولى بين وسائل النقل منذ عام 1917، من حيث طول طرقها وأهميتها للبشرية وإنجازاتها التقانية. وتجاوز طول الخطوط الحديدية في العالم المليون ونصف المليون كيلومتر. وراوح عرض الخطوط بين 1676مم في الهند وإسبانيا وتشيلي والأرجنتين وغيرها، و1520مم في الاتحاد السوفييتي (سابقاً) والدول الدائرة في فلكه، و1435 مم في معظم بلدان أوربا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، و1067مم في اليابان وإندونيسيا وبعض بلدان إفريقيا، و1050مم أو أقل في بلدان أخرى (في سورية مثلاً). و ساد في المناطق ذات الكثافة السكانية، كما في أوربا الغربية واليابان والهند والأرجنتين النظام البريطاني في استخدام الخطوط الحديدية، أما في بقية دول العالم، وخاصة الاتحاد السوفييتي وكندا والبلاد التي تمتد خطوطها مسافات طويلة فتبنت نظام الاستخدام الأمريكي إلى حد كبير. والأمثلة كثيرة على التطبيقات الهندسية لكلا النظامين، منها سكة حديد عبر سيبيريا Trans - Siberian Railroad [ر. قطار سيبريا] مع خط بايكال ـ آمور The Baikal-Amur Trans-Siberian line المتفرع منه شمالاً، وكذلك نفق سيكان Seikan tunnel بين جزيرتي هونشو وهوكايدو في اليابان Honshu & Hokkaido الممتد أكثر من 50كم، و نفق المانش[ر] Channel tunnel بين فرنسا وبريطانيا بطول يزيد على 45كم وأنفاق سيمبلون Simplon tunnels [ر. قطار الشرق السريع] في جبال الألب التي يتجاوز طولها 18كم. والواقع أنه لم تحدث زيادة تُذكر في المسافات الجغرافية للطرق الحديدية في النصف الثاني من القرن العشرين، غير أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت توجهاً نحو زيادة سرعة القطارات وتبدلاً كبيراً في طبيعة شبكات السكك الحديدية. ففي عام 1964 أنجز بناء القطاع الأول من خط هوكايدو الجديد المكهرب بين طوكيو وأوساكا في اليابان. وبدأت القطارات العالية السرعة على الخط الرئيسي بعرض 1435مم الذي سمي شينكانسن Shinkansen تعمل بسرعة متوسطة تراوح بين 210و250كم في الساعة. أما في أوربا فقد احتل الفرنسيون مرتبة الريادة، بإطلاقهم مشروع القطار العالي السرعة الذي اشتهر باسم Train à Grand Vitesse (TGV) بين باريس وليون عام 1981، وهو مشروع متكامل يجمع بين البنية التحتية المحسنة وتصميم القطارات نفسها، وقد استمرت الدراسات والتجارب بصدده ما يزيد على عقدين من الزمن (الشكل 1 قطار TGV حديث). واستخدمت طاقة عالية موحدة مع مجموعة قطار خفيفة الوزن (مجموعات عربات مزدوجة غير متبدلة ذاتية الجر) تسمح بهندسة بنية تحتية بميول تصل إلى 3.5%، وبالتالي تخفيف نفقات إعداد التربة، من دون أن تؤثر في إمكانات الصيانة. وتبلغ سرعة القطارات العاملة هنا نحو 260كم/ساعة. وتم بعد ذلك افتتاح خط الأطلسي العالي السرعة TGV-Atlantique (باريس ـ لو مان، وباريس ـ تور) عام 1990 باستخدام الخط الرئيسي العامل غربي فرنسا، وكان العمل عليه أسهل، ويسمح بسرعة تصل إلى 300كم/سا. وكذلك خط الشمال العالي السرعة TGV-Nord بين باريس والقنال الإنكليزي عن طريق ليل Lille حيث يتفرع منه خط إلى بروكسل. وأقرت الحكومة الفرنسية في عام 1991 إنشاء 14مشروعاً آخر وفق خطة رئيسية تتيح ربط جميع المدن الكبرى ومراكز المحافظات بالعاصمة باريس، وربط شبكة القطارات العالية السرعة الفرنسية بالمنظومات العالية السرعة التي بدأت تنطلق في دول الجوار. وقد تبنت الحكومة الإسبانية فعلاً التقانة الفرنسية لخطوطها العالية السرعة التي أنشاتها من أجل معرض إشبيلية 92و من أجل الألعاب الأولمبية في برشلونة، واختارت أن يكون عرض السكة وفق المقاييس الأوربية متخلية عن عرض السكة التقليدي لديها وهو 1676مم. وحذت إيطاليا حذو الجميع بتجاربها على خطوط ديرتيسيمي Direttissimi وقطاراتها في محاولة ملء الثغرة في شبكة القطارات الأوربية العالية السرعة، وتم إنجاز آخر تفرع لها بين روما وفلورنسا عام 1992 بسرعة قصوى تقارب 300كم ساعة، على أن يتم تمديد الخط شمالاً حتى ميلانو وجنوباً حتى نابولي، وكذلك إقامة خط عرضي بين تورين وميلانو وحتى البندقية. كذلك فعلت ألمانيا بخطوطها السريعة بين المدن Intercity Express Routes (ICE) ( فورزبورغ ـ هانوفر وهانوفر ـ برلين) وبدأ العمل بها عام 1991. وتبعتها هولندا في ربط مدنها الغربية بخط باريس بروكسل لندن. وفي بريطانيا كان قد جرى تحسين الخطوط الأصلية الأكثر أهمية ببنيتها التحتية الأصلية بحيث تعمل عليها القطارات رقم 125 (لندن ـ بريستول) بقاطراتها الديزل المحسنة. وفي الوقت الذي تكاد تستكمل فيه شبكة القطارات العالية السرعة في أوربا ما يزال هناك تمايز وفروق بين المناطق من حيث تكامل منظومات القطارات السريعة، ومن حيث تبني القسم الأكبر من أوربا التطبيقات البريطانية في مجال السكك الحديدية مع وجود بضع تفرعات استثنائية للسرعات العالية (مثل غوتِبورغ ـ ستوكهولم في السويد) تشاد وفق التطبيقات الأمريكية التي ما تزال تستند إلى مبادئ القرن التاسع عشر. وما يزال كذلك من الصعب على السائح الأوربي ركوب القطار العالي السرعة من لندن أو باريس قاصداً الوصول إلى برلين أو روما من دون أن يضطر إلى تبديل قطاره، مع أن الخطوط في معظمها موحدة العرض وبوجود الاتحاد الأوربي.
محمد وليد الجلاد
يقصد بالقطار الأوربي السريع High-Speed Train European القطارات العالية السرعة الحديثة العاملة على الخطوط المكهربة التي أخذت تتصدر وسائل النقل في العالم عامة وأوربا الغربية خاصة. إذ تعمل الدول الأوربية جاهدة على إيجاد الوسيلة الأمثل للتنقل والنقل بين بلدان القارة في أقصر وقت وأقل تكلفة بحيث تزاحم وسائل النقل البرية والجوية الأخرى.
لمحة تاريخية
تطورت منظومات الخطوط الحديدية في أوربا أساساً وفق نماذج النقل التي درجت عليها منذ قرون. ففي العصور الوسطى كان معظم الحمولات الثقيلة والكتل الكبيرة ينقل عبر الطرق المائية حيث أمكن ذلك، وحين لا يوجد رابط طبيعي بين الأنهار القابلة للملاحة، وهي كثيرة في أوربا، كان يتم شق قنوات تكمل المنظومة الملاحية. وازدادت أهمية هذه القنوات مع الثورة الصناعية حتى غدت الشريان الرئيسي لنقل منتجات المناجم إلى مناطق التصنيع. غير أن كثيراً من المناطق الصناعية والمناجم التي شرع في استثمارها كان يتركز في المرتفعات والمناطق الجافة، وهي محرومة من إمكانات النقل المائي. وأوحى تطور الطرق المعبدة بابتكار وسيلة عملية للنقل تتحرك بطاقة البخار. وبسبب الحمولات الثقيلة وبكميات ضخمة برزت الحاجة إلى وجود أساسات متينة لحركة عجلات وسائل النقل وتخفيف احتكاكها على الأرض. وكان الحل في استخدام أقل أساسات ممكنة تعتمد على سكتين من حديد متوازيتين وعربات ذات عجلات تتحرك عليها بقدرتها الذاتية أو بوساطة آلية جر، وجعل للعجلات بروزات توجيه تمنعها من الخروج عن السكة، وقد انتشر أسلوب النقل هذا على السكك الحديدية في معظم مناطق التعدين في أوربا على نطاق واسع منذ أوائل القرن الثامن عشر. غير أن استخدام المحركات البخارية لقطر العربات المحملة بخام المعدن جاء متأخراً، وبعد التغلب على مشكلة الوزن مقابل القدرة، والتحسن الكبير الذي طرأ على بنية المحركات البخارية في بدايات القرن التاسع عشر. فانتشرت شبكات السكك الحديدية في مختلف أرجاء القارة على أساس الضرورة وأفضلية النقل التجاري والصناعي في كل بلد. وكان ذلك من أسباب اختلاف المنظومات العاملة في كل منها عن الأخرى، من حيث عرض الخط والغاية منه، ونظم استثماره، ولاسيما قوة الجر المحركة للقطارات.
القطارات المكهربة العالية السرعة
كانت القطارات في أول عهدها تسير بقوة البخار، وتحول معظمها بعد الحرب العالمية الثانية إلى محركات الديزل. وقد أوقفت بريطانيا آخر قاطرة بخارية عام 1968، ومع ذلك ما تزال القاطرات البخارية تعمل في الصين وبعض أنحاء إفريقيا وشبه القارة الهندية وفي بلدان أخرى، مع تقلص أعدادها. وقد تم تحويل معمل القاطرات البخارية في الصين إلى إنتاج القاطرات الكهربائية. وغدا القَطر بطاقة الكهرباء والديزل أفضل وأرخص تكلفة، وخاصة في المناطق الكثيفة النقل.
قطار TGV حديث |
محمد وليد الجلاد