فيلم حنبعل بين الرفض والقبول والعودة إلى تاريخ قرطاج

فيلم حنبعل بين الرفض والقبول والعودة إلى تاريخ قرطاج


جهود رسمية تدفع نحو تصوير فيلم نتفليكس في تونس.
الجمعة 2024/01/05

هكذا تظهر الآثار شكل حنبعل

لم تبدأ نتفليكس تصوير فيلم حنبعل بعدُ، لكنها لا تزال منذ الإعلان عنه تثير جدلا واسعا في تونس، حيث يستنكر البعض أن يكون بطل العمل أسود البشرة فيما يرى آخرون أن الفيلم فرصة للترويج لتونس والدفع نحو تصويره على أراضيها، مما يسوق لصورة البلد ثقافيا وحضاريا.

تونس - يزين تمثال القائد العسكري لمدينة قرطاج حنبعل بلحيته الخفيفة، أروقة المتحف الواقع على هضبة المدينة التاريخية والمطلة على سواحل البحر المتوسط، لكن لا أحد من الزائرين يمكنه التنبؤ بشكل ثابت حول ما إذا كان القائد الملهم أسود البشرة أم أبيض.

ولم يسبق أن ظهر حنبعل في فيلم سينمائي عالمي بسبب الموازنة الضخمة التي تستدعيها مثل هذه الأفلام، عدا بعض الأشرطة الوثائقية التي تؤرخ لمدينة قرطاج والصراع في حوض المتوسط مع الإمبراطورية الرومانية.

لكن الجدل طفا على السطح مع إعلان منصة الأفلام السينمائية العالمية "نتفليكس" عن إنتاج فيلم عالمي يروي بطولات القائد القرطاجي حنبعل ولاسيما معاركه ضد روما ومنح البطولة فيه إلى الممثل الأميركي الشهير دانزل واشنطن ذي البشرة السوداء.

وأسندت كتابة الفيلم لجون لوغان، الحائز على جائزة الأوسكار في ثلاث مناسبات، وهو من كتب فيلمي "ذي أفياتور" و"جلادياتور" لريدلي سكوت، فيما سيتولى أنطوان فوكوا مهمة الإخراج. وقالت وزيرة الثقافة في تونس حياة قطاط القرمازي إن الوزارة تقوم بمساع لتصوير مشاهد من الفيلم في تونس، دون أن تعلق على الجدل القائم بشأن ملامح حنبعل.
جدل عقيم



◙ نقاش حول مدى مصداقية الفيلم


لكن النقاش الذي سيطر على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول مدى مصداقية الفيلم، وصل إلى حد مطالبة النائب ظافر الصغيري في كلمة له في البرلمان، الخارجية التونسية بأن تتصدى لإنتاج هذا الفيلم بدعوى المخاوف من انتهاك التاريخ.

وقال الباحث في التاريخ القديم والمتخصص في تاريخ قرطاج القديمة أبولبابة النصيري، إن تونس شهدت تحولات سكانية متواترة مع توافد العديد من الأعراق غير أن هذه التحولات سبقت زمن حنبعل بفترة بعيدة.

يستدل الباحث على ذلك بشكل السكان القدامى الذين يطلق عليهم البربر، وهؤلاء لم يكونوا برأيه سودا ولا علاقة لهم بجنوب الصحراء، وأبرز ميزاتهم أنهم يملكون شعرا أملس وأنوفا معقوفة عالية وعظام خد عالية، كما أن الرجال يتميزون بكثافة الشعر في الوجه والجسم.


أبولبابة النصيري: الحفريات والآثار لم تثبت سواد بشرة القائد حنبعل


ويعود النصيري إلى العملات المعدنية التي تم صكها في حقبة حنبعل والتماثيل التي تم نحتها معتمدة على شكل القائد العسكري، وهي تبدو متقاربة في رسم ملامح الوجه كثيف الشعر والأنف المعقف والحاجب البارز والعيون الغائرة.

ويقول النصيري "حدث نفس الجدل مع قصة إنتاج فيلم كليوباترا. هؤلاء الذين يروجون لفكرة المصريين القدامى من أفريقيا جنوب الصحراء لهم توجهات قومية أفريقية. لكن أفريقيا مثل كل القارات تضم عدة أعراق وألوان".

مع ذلك ينظر شق آخر في تونس إلى فكرة إنتاج الفيلم عن حنبعل كحملة تسويق مهمة لمدينة قرطاج التاريخية ولتونس كوجهة سياحية جاذبة في حوض المتوسط، بغض النظر عن الجدل الدائر حول لون القائد التاريخي.

ويقول السياسي محسن مرزوق إن “تصوير فيلم عن حنبعل ببطولة الفنان العالمي الكبير دنزل واشنطن هي فرصة هائلة للتسويق لصورة تونس وسياحتها وثقافتها، يجب استغلالها على أحسن وجه". وتابع الناشط السياسي "الباقي نقاش عقيم في أحسن الحالات وعنصري في أسوأ الحالات"، وفق توصيفه.

ولد حنبعل في العام 247 قبل الميلاد بمدينة قرطاج، وهي اليوم إحدى أهم المناطق السياحية في العاصمة تونس، انضم منذ صغره إلى جيش قرطاج قبل أن يصبح قائدا عليه، في العام 221 قبل الميلاد، بعد مقتل زوج أخته صدربعل.
أكبر كوابيس روما



◙ رحلة ملحمية لا يمكن للتاريخ أن يتجاوزها


ويعد حنبعل أحد أهم القادة العسكريين في التاريخ بفضل تكتيكاته العسكرية التي تدرس حتى اليوم في عدة جامعات. ووصف المؤرخون حنبعل بأنه أسوأ كوابيس روما وكاسر هيبتها.

قبل ميلاد حنبعل كانت قرطاج قد بسطت سلطتها في تونس وحوض البحر المتوسط لنحو ثمانية قرون قبل الميلاد. وكانت في أوج ازدهارها الاقتصادي واشتهرت بمؤسساتها المتقدمة وأولى النظم الديمقراطية في الحكم وازدهار تجارتها البحرية، لكنها اصطدمت لاحقا مع القوة الصاعدة روما.

في شهر ديسمبر من سنة 218 قبل الميلاد تمكنت جيوش الدولة القرطاجية من إلحاق هزيمة نكراء بالقوات الرومانية في معركة تريبيا فيما يعرف تاريخيا بالحرب البونيقية الثانية بين عامي 218 و201 قبل الميلاد.


محسن مرزوق: تصوير حنبعل ببطولة دنزل واشنطن فرصة للتسويق لتونس


خلال هذه المرحلة قام حنبعل برحلته الملحمية حيث اجتاز جبال الألب حتى وصل إلى إيطاليا واحتل معظم مدنها ونجح عبر الكمين العملاق في معركة بحيرة تراسمانيا في سحق الجيش الروماني. كما أباد الرومان في معركة كاناي الشهيرة، قبل أن يقوم بمحاصرة روما لمدة 15 عاما.

وينقل المؤرخون ما ذكره المؤرخ الروماني القديم تيتوس ليفيوس عن حرب صراع قرطاج وروما "إنها حرب لا تنسى، تلك الحرب التي شنها القرطاجيون تحت قيادة حنبعل على الرومان. لقد استنزفت الحرب موارد البلدين، كما استخدم الفريقان فنونا حربية لم تكن معروفة من قبل".

ومثل الكثير من المؤرخين يعتبر أبولبابة النصيري الحرب الرومانية – القرطاجية الثانية بمثابة أول حرب عالمية في التاريخ، على أساس أنها دارت في العديد من البلدان في منطقة البحر المتوسط في ذات الوقت.

ويضيف الباحث "شارك فيها (الحرب) بالإضافة إلى الرومان والقرطاجيين، شعوب الأيبيريين والغاليين والليغوريين والسلتيين والنوميديين والمقدونيين في شكل محورين رئيسيين تقودهما قرطاج وروما".

ورغم مرور عدة قرون لا يزال القائد القرطاجي يثير الكثير من القصص الخلافية بين المؤرخين والدول ومن بينها مسألة سعي السلطات التونسية إلى استعادة رفاته من مدينة بورصة في تركيا حيث دفن بعد نفيه في آخر معاركه ضد الرومان.