مهرجان القاهرة التجريبي الـ30: الفضاء المسرحي بين التجريب والتجريد
وائل سعيد
مسرح
"العرض الذي قدّمه محمود حميدة كان ضعيفًا جدًا"
شارك هذا المقال
حجم الخط
في بداية الشهر الماضي، أطلق المهرجان القومي للمسرح المصري اسم الفنان عادل إمام على دورته الـ 16، وبغض النظر عن عدم حضور الزعيم لتسلم تكريمه؛ فقد اعتبر كثير من المسرحيين أن اختيار اسم "الزعيم" ليس سوى حيلة دعائية من المهرجان، وهو ما أدى إلى تزايد وتيرة الانتقاد التي تتكئ على عدم تأهل رصيد إمام المسرحي بما يتناسب مع مهرجان للمسرح، على الرغم مما قدمه من مسرحيات، إلا أنها ليست العلامة المميزة في تاريخه، ناهيك عن أن غالبية مسرحياته وخصوصًا الأخيرة كانت كلها من إنتاج القطاع الخاص.
"كريم شانتيه"!
يبدو عام 2023 هو عام مغازلة السينما بامتياز؛ فبعد أسبوعين من انتهاء فعاليات المهرجان القومي، وبسيناريو مشابه، انطلقت الدورة الثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، علي مدار 8 أيام في الفترة بين 1- 8 سبتمبر/ أيلول الجاري. قبل ذلك بأسبوع، أعلنت إدارة المهرجان في المؤتمر الصحافي عن عدد من الأسماء الفنية المكرمة في الدورة الجديدة وكان من بينهم الممثلة ليلى علوي، وهو ما أعاد من جديد الواقعة السابقة لـ"الزعيم"، ودعا أحد النقاد إلى التوجه بسؤال عن سبب اختيار علوي للتكريم من مهرجان مسرحي، وجاء رد رئيس المهرجان د. سامح مهران بأن ليلى علوي نجمة كبيرة ستضيف إلى المهرجان، فيما أوضح الممثل أيمن الشوي مدير المهرجان أن هناك عناصر جذب وترويج كثيرًا ما تتبعها المهرجانات؛ خصوصًا في حال مهرجان للمسرح التجريبي، كان لا بد من البحث عن تلك العناصر الجاذبة للجمهور... "ولنعتبر نجمتنا هي قطعة الكريم شانتيه على تورتة التجريبي".
قدمت ليلى علوي العديد من الأفلام والمسلسلات الدرامية على مدار مشوارها الفني المتجاوز أربعة عقود، لن تجد بين هذا الرصيد الكبير سوى تسع مسرحيات تقريبًا لم تمثل علامات فارقة في تاريخ النجمة، من أشهرها "عش المجانين. حضرات السادة العيال. البرنسيسة"، وهو ما أثار غضب المسرحيين فور الإعلان عن تكريمها؛ إلا أن علوي تصرفت بذكاء يُحسب لها؛ حين ضربت عصفورين بحجر واحد وأعلنت اعتذارها عن التكريم بشكل دبلوماسي: "نظرًا لظروف خارجة عن إرادتي متعلقة بارتباطات فنية وسفر، ترتب عليها اضطراري للاعتذار عن التكريم الذي كنت أتمنى التواجد في القاهرة لاستلامه من حضراتكم وتشرفت به كثيرًا". كلاكيت... ثاني مرة
افتتح المهرجان دورته الجديدة بالعرض المسرحي "تشارلي"، وكما هو واضح من الاسم يتطرق العمل إلى قصة حياة أسطورة الكوميديا والتمثيل تشارلي شابلن. وربما هي من المرات القليلة التي يُفتتح فيها بعرض من إنتاج المسرح الخاص، وربما كان ذلك سببًا وجيهًا لاختيار مدحت العدل، مؤلف العرض، في تقديم حفل افتتاح المهرجان بكامله وبمفرده. يتعرض العمل إلى عدد من المحطات الشهيرة في حياة ملك الكوميديا في صورة لوحات، بادئا من عام 1972، عام حصوله على الأوسكار، ثم تتوالى الاستدعاءات لمجموعة من أشهر أفلام تشارلي مثل "الطفل، الأزمنة الحديثة، أضواء المدينة، والديكتاتور العظيم".
نجح عرض "تشارلي" في خلق حالة زخمة تنتقل من الاستعراض إلى الغناء ومن التراجيدي إلى الكوميدي، وساعدت في ذلك مجموعة من التقنيات المبهرة من الذكاء الاصطناعي، استطاعت دمج الرقمي مع الحقيقي لخلق صورة جمالية لا غبار عليها، ولكن غاب عن هذه الخلطة نص محكم أو تسلسل درامي، وشاب الافتعال والمبالغة بعض الأداءات ربما يأتي في مقدمتها بطل العرض نفسه محمد فهيم، والذي ذكرنا طوال العرض بأداء شابلن المفتعل حين تحدث لأول مرة أمام الكاميرا، وفقد عفوية صمته الجميل.
لا شك في أن يوم الافتتاح قد نال الاهتمام الأكبر من إدارة المهرجان، وضح ذلك من خلال الإخراج المتميز لأحمد البوهي، مخرج عرض وحفل الافتتاح، فيما جاء حفل الختام أشبه بتحصيل حاصل، حيث بدأ بالوقوف دقيقة حداد على روح فنان العرائس التونسي الأسعد المحواشي، الذي وافته المنية قبل الختام بيوم، وكان مشاركًا ضمن عرض "ما يراوش" من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس بتونس. وقبل حفل الختام بأيام قليلة، بدأ الاعلان عن مفاجأة المهرجان بالممثل محمود حميدة...، "والذي يُقدم عرضًا قصيرًا مدته 7 دقائق، عن التجريب في المسرح، وأهمية التجريب في تقدم التجربة الإنسانية بشكل عام، وجاء اختيار حميدة باعتباره ابنًا من أبناء المسرح المصري".
ويبدو أن اختيار حميدة يحمل ردًا ما على رفض ليلى علوي التكريم، إلا أن ذلك زاد الطين بلة كما يقال؛ فالعرض الذي قدمه حميدة كان ضعيفًا جدًا كمعظم أدواره الأخيرة، ناهيك عن مساحات كبيرة من التنظير لم تحتملها مدة العرض القصيرة، أما فيما يخص اعتبار حميدة أحد أبناء المسرح المصري؛ فليس هناك أي معلومات محددة عن مشاركات مسرحية لحميدة، حتى أنه في أحد التكريمات السابقة يُخبرنا أن حياته المسرحية كبيرة جدًا بدأها وهو في الخامسة من عمره، ولكن "لا أحد يعلم عنها حاجه".
"صنع في مصر"
بهذا الشعار، أطلق المهرجان برنامج الورش الفنية لدورته الجديدة، بدعم من الهيئة العربية للمسرح التي تكفلت بأجور المدربين. 8 ورش متخصصة تقدّم إليها ما يزيد عن 4500 شاب وفتاة من عشاق المسرح، تم تصفيتهم إلى ما يقارب 100 على أقصى تقدير؛ حيث ألغيت إحدى الورش ولم يقم المهرجان بالإعلان عن ذلك أو تقديم مبرر، سواء في البرنامج أو من خلال الفعاليات.
تنوعت موضوعات الورش بين تقنيات الأداء ورسم وبناء الشخصية، وأصول ومبادئ المسرح الارتجالي وتوظيف الارتجال، بجانب ورشة عن "تنمية مصادر التمويل"، ربما تكون ورش هذا العام من أنجح الفعاليات في البرنامج، حيث خلقت غالبيتها حالة من التفاعل والتواصل والاستفادة المتبادلة، سواء على مستوى المتدربين أو المدربين.
نورا أمين من جيل التسعينيات؛ كتبت القصة والرواية وترجمت في المسرح وفي التنظير والنقد، وقامت بالتمثيل والإخراج المسرحي، في ورشتها "بروفة ممتدة". تقدم أمين منهجًا خاصًّا بها يعرف بـ"مسرح المقهورين"، الذي تعلمته عن البرازيلي أوجستو بوال منشئ هذه المدرسة. تعتمد نورا في منهجها التدريبي على الدمج بين إمكانيات جسد الممثل والفضاء المسرحي، بغرض خلق حالة مغايرة بينه وبين الجمهور.
لا شك في أن الدورة الماضية من المهرجان اعتمدت بشكل كبير على البهرجة والمبالغة أحيانًا، ظهر هذا جليًّا في إصدارات الدورة التي بلغت 27 كتابًا، وهو رقم مبالغ فيه لأقصى درجة. من هنا يحسب للدورة الجديدة تقشفها في عدد الإصدارات والاكتفاء بستة كتب تنوعت بين المترجم والمكتوب بالعربية مباشرة. من بين أهم هذه العناوين ترجمة كتاب "الأدائية" للألمانية إيريكا فيشر ليشته، وهي واحدة من أشهر مُفكري ومنظري فنون الأداء المسرحي عالميًّا.
لقد شهدت السنوات القليلة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا لأسهم مفهوم الأداء، ليحتل الصدارة عالميًّا على مستوى الدراسة والبحث، في كتابها تغوص الباحثة في رحلة عبر مفهوم الأداء في وقعه الجديد وعلاقته المتشابكة مع الفلسفة والمجتمع على حد سواء. وتنتقل في رصد التحول من ثقافة النص إلى ثقافة الأداء من خلال ثلاثة محاور يأتي في مقدمتها التأريخ لنظرية الأداء والعرض، فيما يتناول الجزء الثاني تناقض الخصائص الأدائية، وأخيرًا دراسات الأداء وأدائية النصوص.
ضم المحور الفكري 8 جلسات بحثية تمحورت حول موضوع واحد هو التجريب، بتتبع مساره العربي في المسرح الخليجي ومسرح الشام وبلاد المغرب، ثم التجريب المسرحي في المهجر، ومن خلال الشهادات والمداخلات المقدمة يتبين لنا أن معنى التجريب فضفاض بدرجة كبيرة وربما محاولة البحث عن وضع مفهوم له يحد من تجريبيته، وهو ما تثبته التجارب المقدمة طوال الوقت وكان من بينها على سبيل المثال، مسرح الفندق؛ حين جرد صانع العمل كل مقومات المجال المسرحي باحثًا عن فضاءات مغايرة داخل الغرف، حيث ينتقل من غرفة لغرفة مستعينا بصمت النزلاء وخدمة وإضاءة الفندق. مساحات للتجريب
دائمًا ما تخضع الجوائز لذائقة لجان التحكيم، أو ميولهم في بعض الأحيان، على أن تتم عملية الاختيار والمفاضلة وفق معطيات ومفاهيم محددة للأعمال المتنافسة، فماذا لو انعدمت هذه المفاهيم وتنافست الأعمال في إطار التجريب وما يحمله من أبعاد فضفاضة، هل سيكون المعيار هنا هو الانحياز للأكثر تجريبية مثلًا؟ وماذا عن مساحات أخرى من التجريب والتجديد لا تخلو منها معظم الأعمال المتنافسة؟!، ولا ننسى أن غالبية هذه الأعمال اهتمت بالشكل عن المضمون في خلق عوالمها التجريبية.
تشكلت لجنة تحكيم هذا العام من سبعة أسماء برئاسة المخرج المسرحي المصري عصام السيد، ويمثل أعضاؤها ست دول عربية وأجنبية: أحمد كمال – مصر، جهاد سعد- سورية، عز الدين بونيت – المغرب، جيلز فورمان – إنكلترا، أسيموي ديبوراه – أوغندا، ورالوكا رادوليسكو- رومانيا. كان أمام هذه اللجنة المفاضلة من بين 18 عرضًا مسرحيًّا تقدمت للتنافس: "2 من مصر – 8 عربية – 8 دولية"، تختلف وتتباين في موضوعاتها وتتماس مع مختلف الأطياف والصنوف المسرحية المعاصرة، متنقلة بين المسرح الموسيقي والاستعراضي ومسرح العرائس والدمى، والمونودراما بالطبع. ويمتد هذا التنوع أيضًا ليشمل النص المكتوب، حيث تقدم مجموعة مختلفة من النصوص ربما يجمعها تجانس واحد وهو التجريب؛ فمن الأساطير اليونانية القديمة إلى الروايات الأجنبية والعربية الحديثة، تدور دراما العروض في عوالم متعددة تجنح إلى الخيال أحيانا وتقدم الواقع بكل مرارته وحلاوته معًا.
استاء البعض قبل بدء الفعاليات من حجم المشاركة المصرية، والتي اقتصرت على ثلاثة عروض. تنافس اثنان في المسابقة الرسمية وعرض الثالث على هامش البرنامج. ولا شك في أن نتائج الجوائز سترضي هؤلاء المستائين، حيث منحت لجنة التحكيم شهادات تقدير لثلاثة عروض كان من بينها العرض المصري "الرجل الذي أكله الورق"، ومن ليتوانيا عرض "أنتيجون"، أما العرض العراقي "ملف 12" فعلاوة على شهادة التقدير، حصل على جائزة أفضل إضاءة (100 ألف جنيه، حوالي 3000 دولار). فيما ذهبت جائزة أفضل عرض مسرحي للعرض المصري الثاني "إيكاروس من أجل الجنة" وتبلغ قيمتها نصف مليون جنيه مصري (ما يعادل 16 ألف دولار)، بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثل (100 ألف جنيه) وبذلك يتصدر "ايكاروس" المرتبة الأولى في جوائز المهرجان.
تدور المسرحية حول الأسطورة اليونانية القديمة حين تم احتجاز رجل وابنه في جزيرة تشبه المتاهة ولما أعيتهما الحيلة في البحث عن مخرج، عكفا على صنع جناحين من الشمع لكل منهما لاستخدامها في الطيران والنجاة من المتاهة. حذر الأب ولده كثيرًا من أن يبتعد عنه في الهواء أو أن يقترب من الشمس؛ إلا أن تحذيره لم يسفر عن نتيجة؛ إذ اقترب الابن من عين الشمس اللاهبة، وحينها ساحت جناحاه الشمعيتان وسقط هاويًا شهيدًا للشغف.
وائل سعيد
مسرح
"العرض الذي قدّمه محمود حميدة كان ضعيفًا جدًا"
شارك هذا المقال
حجم الخط
في بداية الشهر الماضي، أطلق المهرجان القومي للمسرح المصري اسم الفنان عادل إمام على دورته الـ 16، وبغض النظر عن عدم حضور الزعيم لتسلم تكريمه؛ فقد اعتبر كثير من المسرحيين أن اختيار اسم "الزعيم" ليس سوى حيلة دعائية من المهرجان، وهو ما أدى إلى تزايد وتيرة الانتقاد التي تتكئ على عدم تأهل رصيد إمام المسرحي بما يتناسب مع مهرجان للمسرح، على الرغم مما قدمه من مسرحيات، إلا أنها ليست العلامة المميزة في تاريخه، ناهيك عن أن غالبية مسرحياته وخصوصًا الأخيرة كانت كلها من إنتاج القطاع الخاص.
"كريم شانتيه"!
يبدو عام 2023 هو عام مغازلة السينما بامتياز؛ فبعد أسبوعين من انتهاء فعاليات المهرجان القومي، وبسيناريو مشابه، انطلقت الدورة الثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، علي مدار 8 أيام في الفترة بين 1- 8 سبتمبر/ أيلول الجاري. قبل ذلك بأسبوع، أعلنت إدارة المهرجان في المؤتمر الصحافي عن عدد من الأسماء الفنية المكرمة في الدورة الجديدة وكان من بينهم الممثلة ليلى علوي، وهو ما أعاد من جديد الواقعة السابقة لـ"الزعيم"، ودعا أحد النقاد إلى التوجه بسؤال عن سبب اختيار علوي للتكريم من مهرجان مسرحي، وجاء رد رئيس المهرجان د. سامح مهران بأن ليلى علوي نجمة كبيرة ستضيف إلى المهرجان، فيما أوضح الممثل أيمن الشوي مدير المهرجان أن هناك عناصر جذب وترويج كثيرًا ما تتبعها المهرجانات؛ خصوصًا في حال مهرجان للمسرح التجريبي، كان لا بد من البحث عن تلك العناصر الجاذبة للجمهور... "ولنعتبر نجمتنا هي قطعة الكريم شانتيه على تورتة التجريبي".
قدمت ليلى علوي العديد من الأفلام والمسلسلات الدرامية على مدار مشوارها الفني المتجاوز أربعة عقود، لن تجد بين هذا الرصيد الكبير سوى تسع مسرحيات تقريبًا لم تمثل علامات فارقة في تاريخ النجمة، من أشهرها "عش المجانين. حضرات السادة العيال. البرنسيسة"، وهو ما أثار غضب المسرحيين فور الإعلان عن تكريمها؛ إلا أن علوي تصرفت بذكاء يُحسب لها؛ حين ضربت عصفورين بحجر واحد وأعلنت اعتذارها عن التكريم بشكل دبلوماسي: "نظرًا لظروف خارجة عن إرادتي متعلقة بارتباطات فنية وسفر، ترتب عليها اضطراري للاعتذار عن التكريم الذي كنت أتمنى التواجد في القاهرة لاستلامه من حضراتكم وتشرفت به كثيرًا". كلاكيت... ثاني مرة
افتتح المهرجان دورته الجديدة بالعرض المسرحي "تشارلي"، وكما هو واضح من الاسم يتطرق العمل إلى قصة حياة أسطورة الكوميديا والتمثيل تشارلي شابلن. وربما هي من المرات القليلة التي يُفتتح فيها بعرض من إنتاج المسرح الخاص، وربما كان ذلك سببًا وجيهًا لاختيار مدحت العدل، مؤلف العرض، في تقديم حفل افتتاح المهرجان بكامله وبمفرده. يتعرض العمل إلى عدد من المحطات الشهيرة في حياة ملك الكوميديا في صورة لوحات، بادئا من عام 1972، عام حصوله على الأوسكار، ثم تتوالى الاستدعاءات لمجموعة من أشهر أفلام تشارلي مثل "الطفل، الأزمنة الحديثة، أضواء المدينة، والديكتاتور العظيم".
نجح عرض "تشارلي" في خلق حالة زخمة تنتقل من الاستعراض إلى الغناء ومن التراجيدي إلى الكوميدي، وساعدت في ذلك مجموعة من التقنيات المبهرة من الذكاء الاصطناعي، استطاعت دمج الرقمي مع الحقيقي لخلق صورة جمالية لا غبار عليها، ولكن غاب عن هذه الخلطة نص محكم أو تسلسل درامي، وشاب الافتعال والمبالغة بعض الأداءات ربما يأتي في مقدمتها بطل العرض نفسه محمد فهيم، والذي ذكرنا طوال العرض بأداء شابلن المفتعل حين تحدث لأول مرة أمام الكاميرا، وفقد عفوية صمته الجميل.
لا شك في أن يوم الافتتاح قد نال الاهتمام الأكبر من إدارة المهرجان، وضح ذلك من خلال الإخراج المتميز لأحمد البوهي، مخرج عرض وحفل الافتتاح، فيما جاء حفل الختام أشبه بتحصيل حاصل، حيث بدأ بالوقوف دقيقة حداد على روح فنان العرائس التونسي الأسعد المحواشي، الذي وافته المنية قبل الختام بيوم، وكان مشاركًا ضمن عرض "ما يراوش" من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس بتونس. وقبل حفل الختام بأيام قليلة، بدأ الاعلان عن مفاجأة المهرجان بالممثل محمود حميدة...، "والذي يُقدم عرضًا قصيرًا مدته 7 دقائق، عن التجريب في المسرح، وأهمية التجريب في تقدم التجربة الإنسانية بشكل عام، وجاء اختيار حميدة باعتباره ابنًا من أبناء المسرح المصري".
ويبدو أن اختيار حميدة يحمل ردًا ما على رفض ليلى علوي التكريم، إلا أن ذلك زاد الطين بلة كما يقال؛ فالعرض الذي قدمه حميدة كان ضعيفًا جدًا كمعظم أدواره الأخيرة، ناهيك عن مساحات كبيرة من التنظير لم تحتملها مدة العرض القصيرة، أما فيما يخص اعتبار حميدة أحد أبناء المسرح المصري؛ فليس هناك أي معلومات محددة عن مشاركات مسرحية لحميدة، حتى أنه في أحد التكريمات السابقة يُخبرنا أن حياته المسرحية كبيرة جدًا بدأها وهو في الخامسة من عمره، ولكن "لا أحد يعلم عنها حاجه".
"من خلال الشهادات والمداخلات المقدمة، يتبين لنا أن معنى التجريب فضفاض بدرجة كبيرة وربما محاولة البحث عن وضع مفهوم له يحد من تجريبيته، وهو ما تثبته التجارب المقدمة طوال الوقت" |
"صنع في مصر"
بهذا الشعار، أطلق المهرجان برنامج الورش الفنية لدورته الجديدة، بدعم من الهيئة العربية للمسرح التي تكفلت بأجور المدربين. 8 ورش متخصصة تقدّم إليها ما يزيد عن 4500 شاب وفتاة من عشاق المسرح، تم تصفيتهم إلى ما يقارب 100 على أقصى تقدير؛ حيث ألغيت إحدى الورش ولم يقم المهرجان بالإعلان عن ذلك أو تقديم مبرر، سواء في البرنامج أو من خلال الفعاليات.
تنوعت موضوعات الورش بين تقنيات الأداء ورسم وبناء الشخصية، وأصول ومبادئ المسرح الارتجالي وتوظيف الارتجال، بجانب ورشة عن "تنمية مصادر التمويل"، ربما تكون ورش هذا العام من أنجح الفعاليات في البرنامج، حيث خلقت غالبيتها حالة من التفاعل والتواصل والاستفادة المتبادلة، سواء على مستوى المتدربين أو المدربين.
نورا أمين من جيل التسعينيات؛ كتبت القصة والرواية وترجمت في المسرح وفي التنظير والنقد، وقامت بالتمثيل والإخراج المسرحي، في ورشتها "بروفة ممتدة". تقدم أمين منهجًا خاصًّا بها يعرف بـ"مسرح المقهورين"، الذي تعلمته عن البرازيلي أوجستو بوال منشئ هذه المدرسة. تعتمد نورا في منهجها التدريبي على الدمج بين إمكانيات جسد الممثل والفضاء المسرحي، بغرض خلق حالة مغايرة بينه وبين الجمهور.
لا شك في أن الدورة الماضية من المهرجان اعتمدت بشكل كبير على البهرجة والمبالغة أحيانًا، ظهر هذا جليًّا في إصدارات الدورة التي بلغت 27 كتابًا، وهو رقم مبالغ فيه لأقصى درجة. من هنا يحسب للدورة الجديدة تقشفها في عدد الإصدارات والاكتفاء بستة كتب تنوعت بين المترجم والمكتوب بالعربية مباشرة. من بين أهم هذه العناوين ترجمة كتاب "الأدائية" للألمانية إيريكا فيشر ليشته، وهي واحدة من أشهر مُفكري ومنظري فنون الأداء المسرحي عالميًّا.
لقد شهدت السنوات القليلة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا لأسهم مفهوم الأداء، ليحتل الصدارة عالميًّا على مستوى الدراسة والبحث، في كتابها تغوص الباحثة في رحلة عبر مفهوم الأداء في وقعه الجديد وعلاقته المتشابكة مع الفلسفة والمجتمع على حد سواء. وتنتقل في رصد التحول من ثقافة النص إلى ثقافة الأداء من خلال ثلاثة محاور يأتي في مقدمتها التأريخ لنظرية الأداء والعرض، فيما يتناول الجزء الثاني تناقض الخصائص الأدائية، وأخيرًا دراسات الأداء وأدائية النصوص.
ضم المحور الفكري 8 جلسات بحثية تمحورت حول موضوع واحد هو التجريب، بتتبع مساره العربي في المسرح الخليجي ومسرح الشام وبلاد المغرب، ثم التجريب المسرحي في المهجر، ومن خلال الشهادات والمداخلات المقدمة يتبين لنا أن معنى التجريب فضفاض بدرجة كبيرة وربما محاولة البحث عن وضع مفهوم له يحد من تجريبيته، وهو ما تثبته التجارب المقدمة طوال الوقت وكان من بينها على سبيل المثال، مسرح الفندق؛ حين جرد صانع العمل كل مقومات المجال المسرحي باحثًا عن فضاءات مغايرة داخل الغرف، حيث ينتقل من غرفة لغرفة مستعينا بصمت النزلاء وخدمة وإضاءة الفندق. مساحات للتجريب
دائمًا ما تخضع الجوائز لذائقة لجان التحكيم، أو ميولهم في بعض الأحيان، على أن تتم عملية الاختيار والمفاضلة وفق معطيات ومفاهيم محددة للأعمال المتنافسة، فماذا لو انعدمت هذه المفاهيم وتنافست الأعمال في إطار التجريب وما يحمله من أبعاد فضفاضة، هل سيكون المعيار هنا هو الانحياز للأكثر تجريبية مثلًا؟ وماذا عن مساحات أخرى من التجريب والتجديد لا تخلو منها معظم الأعمال المتنافسة؟!، ولا ننسى أن غالبية هذه الأعمال اهتمت بالشكل عن المضمون في خلق عوالمها التجريبية.
تشكلت لجنة تحكيم هذا العام من سبعة أسماء برئاسة المخرج المسرحي المصري عصام السيد، ويمثل أعضاؤها ست دول عربية وأجنبية: أحمد كمال – مصر، جهاد سعد- سورية، عز الدين بونيت – المغرب، جيلز فورمان – إنكلترا، أسيموي ديبوراه – أوغندا، ورالوكا رادوليسكو- رومانيا. كان أمام هذه اللجنة المفاضلة من بين 18 عرضًا مسرحيًّا تقدمت للتنافس: "2 من مصر – 8 عربية – 8 دولية"، تختلف وتتباين في موضوعاتها وتتماس مع مختلف الأطياف والصنوف المسرحية المعاصرة، متنقلة بين المسرح الموسيقي والاستعراضي ومسرح العرائس والدمى، والمونودراما بالطبع. ويمتد هذا التنوع أيضًا ليشمل النص المكتوب، حيث تقدم مجموعة مختلفة من النصوص ربما يجمعها تجانس واحد وهو التجريب؛ فمن الأساطير اليونانية القديمة إلى الروايات الأجنبية والعربية الحديثة، تدور دراما العروض في عوالم متعددة تجنح إلى الخيال أحيانا وتقدم الواقع بكل مرارته وحلاوته معًا.
استاء البعض قبل بدء الفعاليات من حجم المشاركة المصرية، والتي اقتصرت على ثلاثة عروض. تنافس اثنان في المسابقة الرسمية وعرض الثالث على هامش البرنامج. ولا شك في أن نتائج الجوائز سترضي هؤلاء المستائين، حيث منحت لجنة التحكيم شهادات تقدير لثلاثة عروض كان من بينها العرض المصري "الرجل الذي أكله الورق"، ومن ليتوانيا عرض "أنتيجون"، أما العرض العراقي "ملف 12" فعلاوة على شهادة التقدير، حصل على جائزة أفضل إضاءة (100 ألف جنيه، حوالي 3000 دولار). فيما ذهبت جائزة أفضل عرض مسرحي للعرض المصري الثاني "إيكاروس من أجل الجنة" وتبلغ قيمتها نصف مليون جنيه مصري (ما يعادل 16 ألف دولار)، بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثل (100 ألف جنيه) وبذلك يتصدر "ايكاروس" المرتبة الأولى في جوائز المهرجان.
تدور المسرحية حول الأسطورة اليونانية القديمة حين تم احتجاز رجل وابنه في جزيرة تشبه المتاهة ولما أعيتهما الحيلة في البحث عن مخرج، عكفا على صنع جناحين من الشمع لكل منهما لاستخدامها في الطيران والنجاة من المتاهة. حذر الأب ولده كثيرًا من أن يبتعد عنه في الهواء أو أن يقترب من الشمس؛ إلا أن تحذيره لم يسفر عن نتيجة؛ إذ اقترب الابن من عين الشمس اللاهبة، وحينها ساحت جناحاه الشمعيتان وسقط هاويًا شهيدًا للشغف.