#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب20243
#نادرة_مجموعة_قصصية
مقتطفات من الكتاب
إلى تلك الذكرى الخالدةِ في الوجدان التي كلما همستْ إلينا ازدادنا حنيناً إليها..
إلى ماضٍ لن يعودَ أبداً، ولن يكون له ظلٌّ
في حاضرنا، ولكنه يعيش فينا، ويُعبِّق بسحره
في آذاننا كلما غلبنا الحنينُ إليه..
إلى تلك المرأةِ التي كانت تحملُ بداخلها الشمسَ، وما تحتويه من دفءٍ وعطاءٍ للإنسانية جمعاء..
أعود اليومَ لأهمس لكِ وبشوقٍ ضانه الوجدُ من فرطِ الحنينِ لأيامكِ، وشاقته غربةُ الأيامِ الحاليةِ..
إليكِ أيتُّها الشمسُ المعطاءةُ قصتي......
-----------------------
. اشتدَّ عود الصفصاف، ولم يعد النسيمُ
قادراً على طيه كما كان من قبل، وتبدَّل لعود كافور صُلب لا يطويه ريحٌ، ولا يعتليه حرٌ ولا برد.. صارت حديث القرية كلها بقوتها وصلابتها وشموخها.. تقدَّم إليها كثيرون لزواجها فأبت - مهما كان وضعه ومدى صدقه في العناية بصغارها - معللةً ذلك بأنها.........
-------------------------------------
أسير مرتجفا نحو بيت العجوز شاقا في السير بسبب طول هذا المعطف وثقله على جسدي، خطوات مشيتها أكثر أبعدتني عن البيت، كدت ألا أراه إن التفتُ لرؤيته، الهواء لم يرحم ضعفي، وقلة حيلتي، وصغر سني الذي لم يتجاوز بعد الحادية عشرة، فقد كان أكثر إيذاءً لي من ذلك المعطف الذي يرتديني، خطوات وخطوات وأنا أجاهد نفسي على مشقة السير في شوارع القرية، انطفأ المصباح من شدة الهواء، لم تكن يدي اليسرى كبيرة الإحاطة على منع ذلك الهواء
من إطفاء ذلك...............
-------------------------------------------------------------
، هكذا كانت نفسي تحدثني منكرةً لما أنا فيه وحنينها للماضي البعيد، فما كان لي سوى الخلود إلى النوم؛ لعلي أهرب منها ومن حديثها الذي لا يزيدني إلا وجعاً وألماً وشقاءً.. ولكنها الذكريات الجميلة دائما تأتي عندما يرهقنا الواقعُ، ويضنينا الوجعُ، وتتثاقل أنفسنا
من شدة معاناتها، تأتي كالنسمة الباردة في أيام الصيف الحارةِ؛ لتلطف ما تعانيه الأنفس من اضطرابٍ، ويأسٍ، تأتي كالنور الذي يسطع
على عتمة الظلام فيضيئ النفس، ويزيدها ابتهاجاً ومرحاً..
قبل أن أغفو تسللت تلك الذكريات الجميلة البعيدة إلى رأسي،
وكأنَّها جاءت لتواسيني، وتدفع لي بشئ من السلوى والفرح،
-----------------------------------------------------------------------------
وهي مازلت كما هي بعبائتها، ولهجتها لن تتغير أو تتبدل، وكأنها وصية أوصاها بها العُرف والقيم في ريفها، وكان كلُّ مَن يتعامل معها يحترمها، ويجل لها احتراما لعصاميتها وكفاحها.
- هل تدري يا أبي جدتي عصمت تشبه مَن؟
- مَن؟ فأنا لم أرَ أحداً يشبهها.
قلت: بل يوجد مَن يشبهها.
ردَّ أبي قائلا في دهشةٍ: مَن يا بني؟
قلت: اليابان يا أبي، أنت تعلم أنِّي قد أخذتُ الدكتوراة في الهندسة من جامعة طوكيو، ومكثت حيناً في هذه الدولة التي أخذت ما توصَّل إليه الغرب من علمٍ وتكنولوجيا، ولكنها حافظت على عاداتها، ولغتها، ولم تنخرط في الغرب، بل أخذت منه ما يصلح بلادها.. رحلت جدتي اليابانية، لا تضحكُ يا أبي؛ فهي عمرها من عمر تلك التجربة
التي حيَّرت العالم، رحلت وبقيت اليابان..
ولكن يا تُرى هل ستظلُ اليابان محتفظةً بعبائتها؟ أم سيأتي عليها يومٌ وتستبدلها بزي جديد؟ أم.. أم هل من الممكنِ أنْ تُولدَ في أيامِنا هذه مَن تُشبه جدتي؟!
#ibrahim_ali