السينما المصرية اقتبست من الأعمال العالمية وتأثرت ولم تؤثر
الناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم: أغلب أفلام السينما المصرية مستورد من الخارج.
الأحد 2023/11/05
اقتباس وتأثر واضح
قدمت السينما المصرية الكثير من الأعمال الهامة في تاريخها، حتى تبوأت صدارة المنتجين السينمائيين العرب، لكن خلف الإنتاجات المتعددة، دون احتساب تفاوت جودتها، هناك ظاهرة بارزة ومثيرة للجدل، هي التأثر بالسينما العالمية بشكل واضح إلى درجة الأخذ منها، لنجد الكثير من الأفلام المصرية مأخوذة عن أعمال أخرى.
باستثناء مجموعة قليلة من أفلامها التي تقترب من الأربعة آلاف وخمسمئة فيلم، سنجد أن أغلب أفلام السينما المصرية مستورد من الخارج، إما تأثرا بموجات عالمية تلقى ذيوعا في مرحلة معينة، أو بالاقتباس المباشر من أفلام أو روايات أدبية أو مسرحيات. وبمثل هذا التأثير البين في السينما المصرية يتضح مدى أهمية الدراسات المقارنة، أو ما يمكن تسميته تجاوزا بالسينما المقارنة.
انطلاقا من هذه الرؤية التي يفتتح بها الناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم يأتي كتابه “السرقات والاقتباس في السينما”، موضحا أن موضوع هذا الكتاب يطارده منذ سنوات طويلة.
ظاهرة الاقتباس
من أسباب لجوء السينما المصرية إلى الاقتباس هو الاستفادة من نجاح أفلام ما بعينها في شتى أنحاء العالم
يقول قاسم “رغم كتاباتي الكثيرة في هذا الشأن فسيبقى دوما ناقصا غير مُكتمل، خاصة تلك القائمة المنشورة في ذيل الصفحات والتي ضمت الأفلام المقتبسة بين عامي 1933 و2020، فقد اتسعت بشكل ملحوظ في الشهور الأخيرة بعد مشاهدة المئات من الأفلام في مواقع السينما العالمية، وتأكد لي أن أغلب مَن كتبوا قصص الأفلام في مصر والدول العربية كانوا ينقلون ما يكتبون من قصص العالم قدر الإمكان”.
ويضيف “كان هناك تنافس شديد في البحث عن موضوعات تصلح لنقلها بدرجات متباينة، بل إن الكاتب نفسه، ومعه المخرج، يستوحي الفيلم نفسه أكثر من مرة، ما دام مضمونا نجاحه تجاريا، وكانت المأساة في عدم ذكر اسم المصدر الأصلي في بيانات الفيلم إلا قليلا، بل إن الكاتب بكل عمد يزعم أنه المؤلف الأصلي للفيلم، ولم يكن هناك نقاد في استطاعتهم رصد الظاهرة بالكامل لكثرة حالات التنوع، ولذا فالموضوع بالنسبة إلي سيظل ناقصا للأبد، وللأسف فإن هذا هو الإصدار الأخير لي في هذا الصدد بسبب متاعب شديدة في الإبصار”.
ويشير قاسم في كتابه، الصادر عن مؤسسة هنداوي، إلى أن ظاهرة اقتباس أفلام السينما موجودة في كل أنحاء العالم، حتى في السينما الأميركية نفسها، فقد اقتبس صناع أفلام الوسترن فيلمين من إخراج المخرج الياباني أكيرا كيروساوا؛ الأول هو “الساموراي السبعة”، الذي تحول في أميركا إلى “العظماء السبعة” عام 1959، ثم أُنتج في مصر تحت عنوان “شمس الزناتي” سنة 1992. والثاني: فيلم “الإهانة” لمارتن ربت المقتبس عن فيلم “راشومون”.
ويبين أنه في الثمانينات والتسعينات نُقلت أفلام فرنسية بعينها إلى السينما الأميركية مثل “على آخر نفس” لجوادر، و”ثلاثة رجال ومهد” (3 Hommes et un coffin) لكولين سيرو، و”الشيطانتان” (Diabolique)، الذي قامت ببطولته إيزابيل أدجاني وشارون ستون سنة 1996. وقد شاهدنا هذه الظاهرة في بلدان أخرى عديدة، فقد اقتبست المخرجة الكندية آن كلير فيلمها “الموت في قمة الرأس” عام 1980 عن فيلم “الحب المغتصب” للمخرجة بانيك بيللون الذي أخرجته عام 1977. أما المخرجة المجرية مارتا ميساروش فقد اقتبست فيلم “تسعة أشهر” عن فيلم كتبته كولين سيرو تحت عنوان “خداع قصص حب” عام 1973، وهو الفيلم الذي أخرجه الأميركيون عام 1995.
الأفلام المقتبسة عن كل المصادر العالمية في السينما المصرية تجمع بينها سمة واحدة هي ظاهرة “التمصير”
ويوضح الناقد “اصطُلح على تسمية هذه الظواهر وغيرها بالاقتباس (adaptation)، وهي كلمة تعددت استخداماتها، فهي تعني تناول معالجة سينمائية عن رواية حتى وإن قام المؤلف نفسه بإخراجها، وتعني الاستيلاء على النصوص التي كتبها الآخرون ومعالجتها مرة أخرى، سواء تم ذكر اسم المصدر الأصلي أم لا. وهناك تسمية أخرى ترجع إلى اسم البلد المقتبِس، كأن نقول ‘تمصير’ أو ‘أمْرَكة’ أو ‘فَرْنَسة’، ومعناه صبغ القصة الأصلية بالصبغة القومية، وجعْلُها تدور في أجواء أقرب إلى المجتمع الذي اقتبس هذه القصة”.
ويضيف “إذا نظرنا إلى الأفلام المقتبسة عن كل المصادر العالمية في السينما المصرية، فسوف نجد أن السمة الأولى فيها هي ‘التمصير’، فكل الأفلام المصرية المقتبسة ممصرة؛ أي إنها نقلت كل البيئات إلى بيئتها هي. وكان السؤال الذي طرحه النقاد الذين تناولوا الأعمال المقتبسة هو: هل الأجواء غريبة على مجتمعنا أم قريبة منه؟ فإذا كانت غريبة فإن سكاكين الإدانة تُشهَر حادة، وإذا توافق الفيلم المقتبس مع أجواء البيئة المصرية استلم جواز مرور النجاح عند البعض”.
ويرى قاسم أن من أسباب لجوء السينما المصرية إلى الاقتباس هو الاستفادة من نجاح أفلام ما بعينها في شتى أنحاء العالم، حيث إنها تحتوي على عناصر جذب يمكن نقلها إلى الأجواء المصرية، وسوف نرى أن أغلب الأفلام التي تم تمصيرها على مدى عمر السينما هي أفلام لقيت نجاحا سواء عند عرضها في بلادها، أو في عرضها العالمي.
ويتابع “بالطبع عندما عرضت في مصر، وسوف نرى أن كتاب السينما المصرية قد تفننوا في البحث عن النصوص داخل دفاتر السينما العالمية القديمة والحديثة، ثم في الروايات الأدبية العالمية التي تضم عنصر الاقتباس، وبحث المخرجون في الدفاتر المتهالكة التي نسيها المتفرج المصري والعالمي. ولو تصفحت حكايات الأفلام التي كتبها كتاب السيناريو مثل: فيصل ندا، ومحمد مصطفى سامي، وياسين إسماعيل ياسين، وبسيوني عثمان، فسوف تشم عبق الأجواء الغربية، وقد تتمكن من معرفة مصدر أو أكثر، لكن مهما بلغت فروسيتك فلن تصل إلى معرفة أسماء مصادر كل الأفلام، ولكن مع مرور الزمن، وعن طريق البحث أو المصادفة، سوف تكتشف أغلب هذه المصادر”.
تأثر السينما المصرية
الاقتباس يصل إلى حد السرقة الكاملة
يؤكد قاسم أن السينما المصرية قد تأثرت بشكل واضح بكل التيارات السينمائية التي حولها، وهي تأخذ من هذه التيارات البسيط منها، والذي يمكن تحويله إلى فيلم يدر نجاحا تجاريا، وهي تبلور حكايات هذه الأفلام وتحيلها إلى هياكل هي في أغلب الأحيان خالية من الحياة. وسوف نرى أن السينما المصرية قد أخذت من مصادر بعينها، لأنها رأت فيها منبعا لا يجدب تعجب المتفرج المصري سريع النسيان.
ويواصل “إبان انتشار الميلودراما والفواجع اتجهت السينما إلى الكتب الفرنسية المليئة بهذه الحكايات، وعندما نجحت موجات السينما الاستعراضية والكوميديا الموسيقية في السينما الأميركية، تحولت أغلب الأفلام المصرية إلى استعراضات تتباين جودتها، وأصبحت الرقصات مضاعفا مشتركا أصغر. وبعد ذلك انتقلت موجة السينما التاريخية في الستينات، ثم موجة أفلام العملاء السريين، وفي السبعينات بدأت تبحث في الأفلام القديمة، ولم نرَ السينما المصرية تحاول أن تقتبس عملا أدبيا عالميا تجريبيا، كما بدت منعزلة تماما عن كل الاتجاهات التجريبية الأوروبية، حتى جماعة السينما الجديدة مهتمة بالحدوتة في المقام الأول”.
الاقتباس كلمة تعددت استخداماتها، فهي تعني الأخذ عن رواية أو الاستيلاء على أعمال أو صبغ القصة الأصلية بالصبغة القومية
ويلفت إلى أننا قد رأينا كيف تحول أبناء هذه الجماعة إلى أسرى لسينما الحواديت المبهرة، ورغم ذلك فقد شهدت السينما بعض المحاولات الجادة التي تسعى إلى كسر حدة الشكل المتعارف عليه في مصر، مثل “مومياء” شادي عبدالسلام، و”اختيار” يوسف شاهين، ثم “عصفورة”، و”عودة الابن الضال”، و”إسكندرية ليه”، و”حدوتة مصرية”، ولكن كل هذه المحاولات لا تزال غريبة على المتفرج المصري الذي لم يتقبلها بسهولة.
ويشير قاسم إلى أنه إذا كان تأثر السينما المصرية واضحا بالحركات السينمائية العالمية التي تلقى نجاحا تجاريا، فلا يمكن أن نتجاهل ما يسمى بالأفلام السياسية التي وجدت طريقها إلى الشاشة المصرية، تأثرا بمثيلتها في إيطاليا وفرنسا في الستينات، مما دفع السينمائيين المصريين إلى الاستفادة منها في إنتاج أفلام تعارض الحاكم تارة، أو تناقش وضعية سياسية معاصرة، ففي منتصف السبعينات انتشرت ظاهرة 15 مايو، فظهرت عشرات الأفلام التي تندد بما يسمى بمراكز القوى، واصطلح نقادنا على تسميتها بسينما سياسية.
أما فيلم “على مَن نطلق الرصاص” لكمال الشيخ فكان من ضمن الأفلام السياسية التي تناقش وضعية اجتماعية تدور في حين عرض الفيلم. وغالبية السينما السياسية تهتم بمناقشة القضايا المعاصرة لتاريخ تصوير الفيلم، لأن الحديث عن سياسة في الماضي هو نوع من التاريخ مهما كانت الإسقاطات، وقد يلجأ الفنان إلى هذا في حالة وجود صعوبات رقابية، مثل تلك التي واجهها السينمائيون الذين تعرضوا لسلبيات الانفتاح وكامب ديفيد في أفلامهم.
كما تأثرت السينما المصرية أيضا بنظام النجومية في العالم، فكان عليها أن تبرز نجومها مثل ما تفعل شركات هوليوود، ولا بد أن يكون هناك الشبيه المصري للنجم الأميركي، فبدر لاما أشبه بفالنتينو، وإسماعيل ياسين أقرب إلى فرناندل، وأنور وجدي صورة قريبة من تايرون باور، والشحات مبروك أقرب إلى سلفستر ستالوني. ثم حاولت صنع طراز من المطربين والراقصين والاستعراضيين بديلا عن المطرب الذي يغني أمام الميكروفون. ثم قدمت فيروز على غرار شيرلي تمبل، وقد تفوقت الطفلة المصرية في أفلامها القليلة بمراحل كثيرة عن زميلتها الأميركية، ويعلم الله أي مصير كان يمكن أن يلحق بها لو ظهرت في السينما الهوليوودية.
الأخذ من الأفلام
استلهام الشخصيات
يؤكد قاسم أن السينما المصرية قد سعت في فترة من الفترات إلى نقل بعض أجزاء سينما الغرب إلى السينما المصرية، مثل ما حدث في “فيفا زلاطا”، وسار أحدهم وراء أسطورة الكونت دراكيولا المصري كي يكشف عن وضعية اجتماعية مصرية، وخلا الفيلم من أجواء الإثارة والتخويف، وامتلأ بمرارة ممزوجة بالكوميديا، فلم يعجب المتفرج. ومن الأمثلة الواضحة في التأثر بالسينما الهوليوودية ظهور أفلام من طراز “رضا بوند”، و”العميل 77″، و”الجاسوس”، وكلها حاولت الاستفادة من نجاح موجة أفلام جيمس بوند.
ويلفت أيضا كيف سعت سينما المصريين إلى الاستفادة أيضا من النجاحات التي حققتها بعض الأفلام الهندية التي صُورت أجزاء منها خارج الهند، فهاجرت الكاميرا المصرية خلال السبعينات والثمانينات إلى بعض دول العالم مثل: أستراليا والولايات المتحدة وأوروبا، فصورت الأماكن السياحية في هذه البلاد، التي بدت منفصلة تماما عن حدوتة الفيلم، عدا أفلام قليلة من طراز “الصعود إلى الهاوية”.
ومن بين التأثيرات التي حدثت، يذكر قاسم استعانة شركات الإنتاج المصرية، خاصة شركة فلمنتاج، ببعض العاملين في الحقل السينمائي العالمي من مخرجين وممثلين، للعمل في أفلام مصرية الإنتاج مثل: فريتز كرامب وأندرو مارتون. كما اتجهت السينما المصرية إلى الاشتراك في إنتاج بعض الأفلام الإيطالية مثل “كريم ابن الشيخ” و”ابن كليوباترا” و”أبوالهول الزجاجي” وغيرها، وهي كلها أفلام تدور في إطار تاريخي باهت، وتحاول تصوير مصر على أنها بلد الأهرامات وأبي الهول والمعابد الأثرية، كما أن قيمتها الفنية لا تُذكر، وقد فشلت كل هذه الأفلام فنيا وتجاريا، سواء داخل مصر أو إيطاليا، ولم يحدث أن أُنتج فيلم يتمتع بقيمة فنية تُذكر، أو حتى يتناول الوجود الحضاري لمصر بصورته الواقعية.
ويكشف قاسم “تتعدد أشكال التأثر في السينما المصرية بالموجات العالمية مثل ظاهرة الإعادة ثم ظهور الثنائيات. وظاهرة الإعادة موجودة بشكل واضح في السينما الأميركية منذ عصر السينما الناطقة، فسعت أولا إلى إعادة أشهر أفلامها ناطقة في أول الأمر، ثم ملونة ثانية، ثم في إنتاج أضخم، ووُجدت هذه الظاهرة في السينما المصرية منذ نشأتها، لكنها أصبحت ظاهرة ملحوظة في السبعينات والثمانينات، فقد تخصصت نجلاء فتحي في إعادة الأفلام التي قدمتها من قبل فاتن حمامة مثل: ‘بين الأطلال’ و’أيامنا الحلوة’. وتمت إعادة أفلام مثل: ‘الطريق’ و’اللص والكلاب’ و’سمارة’.
ومن الملاحظ أن الأفلام معادة الإنتاج في السينما كان أغلبها نُسخا باهتة قياسا إلى الأصل. ولم يكن الحال بأفضل بالنسبة للأفلام المعاد إنتاجها في مصر. ومثل هذا الاتجاه يوضح إلى أي مدى أفلست السينما العالمية في العثور على نصوص جديدة مناسبة تجذب الجمهور، فاعتمدت على إعادة نصوصها القديمة. وقد دفع هذا بالسينما الأميركية إلى إنتاج أفلام تكمل بعضها، وهي ظاهرة لم تنتشر كثيرا حتى الآن في السينما المصرية، وقد ظهرت بوادرها الأولى في نهاية الخمسينات مع ‘سمارة’ و’عفريت سمارة’، وفي الثمانينات مع ‘الانتقام لرجب’ بعد ‘رجب فوق صفيح ساخن’. وبعد فيلم ‘عفوا أيها القانون’، هناك ‘التحدي’ لإيناس الدغيدي. وفي التسعينات هناك ‘بخيت وعديلة 2’، و’هالو أميركا’ الذي جرى إعداده وقت هذه الطبعة من هذا الكتاب. وقد انتشرت هذه الظاهرة فيما بعد ومن أشهر أفلامها ثلاثية ‘عمر وسلمى'”.
ويبين قاسم أن السينما المصرية قد تأثرت في المقام الأول؛ بمعنى أنها قد أخذت فقط، ولم تؤثر في أي حركة سينمائية عالمية، مثلما أثرت السينما الإيطالية أو الفرنسية أو الأميركية كل منها في الأخرى. وحركة التأثير الوحيدة التي يمكن إدراجها بالنسبة إلى السينما المصرية هي مدى تأثيرها في المنطقة المحدودة المجاورة لها.
والغريب أن السينما لا تزال في بدايتها في هذه الدول، وهناك بلاد عربية لم تظهر فيها أي إنتاجات سينما حتى الآن. ولأننا بصدد اختيار جانب واحد من جوانب السينما المقارنة، وهو الاقتباس أو التمصير، فقد وجدنا أن الكتابة حول هذا الموضوع تشكل أمرا بالغ التعقيد، لأن الحصول على المعلومات يتطلب مشاهدة كل الأفلام المصرية تقريبا، ومشاهدة الكثير من المصادر المتنوعة التي أخذت عنها هذه الأفلام المقتبسة، سواء كانت أفلاما أو نصوصا من الأدب العالمي العظيم، فهناك أفلام مأخوذة مباشرة من الأدب العالمي الأقل أهمية وشهرة، يتضح المثال الأول في روايات دوستويفسكي التي عالجها حسام الدين مصطفى، أما المثال الثاني فمنه رواية “شجرة اللبلاب” لكاتبة تُدعى ماري ستيوارت التي استمدتها السينما المصرية في فيلم “الزائرة” لبركات.
ويقول “إن هناك أفلاما مأخوذة مباشرة من أفلام أجنبية، بعضها معروف والآخر أقل شهرة ولا يخطر ببال الباحث نفسه. من الأفلام المعروفة ‘صوت الموسيقى’ الذي تحول إلى ‘حب أحلى من حب’ لحلمي رفلة. أما فيلم ‘أنقذوا هذه العائلة’ لحسن إبراهيم 1978، فهو عن فيلم أميركي مر عابرا حين عُرض في مصر عام 1968، بعنوان تجاري هو ‘متاعب المراهقة’، أما الاسم الحقيقي فهو The Impossible Years إخراج مايكل جوردون وبطولة دافيد نيفين. وسوف نرى أن هناك أفلاما لا يمكن إثبات مصادرها بسهولة مثل: ‘الشيطان امرأة’ لنيازي مصطفى، و’امرأة بلا قيد’ لبركات المأخوذين عن ‘كارمن’، ولا يمكن تحديد المصدر الأصلي لأي من الفيلمين، هل هو الفيلم الأميركي الذي أخرجه كنج فيدور؟ أم الرواية الفرنسية القصيرة التي كتبها بروسبير ميريميه، أم الأوبرا التي لحنها بيزيه؟”.
ويبين أن من الأمثلة الواضحة فيلم “علاقة خطرة” لتيسير عبود 1980، إذ استمد كاتب السيناريو أغلب أحداث الفيلم من الفيلم الإنجليزي Term of Trial الذي أخرجه بيتر جلنفيل عام 1962 بطولة سيمون سينوريه ولورانس أوليفيه. كما أجرى توليفة أخرى مع فيلم “أخطار المهنة” les risques des métiers للفرنسي أندريه كايات 1967، وهو مزيج يصعب فيه إرجاع الفيلم إلى مصدره الأصلي. وسوف نجد هذه السمة في أفلام كثيرة لا يمكن فيها أن تحدد مصدرا واحدا للفيلم، وفي هذه الحال فإن الباحث يسقط عملية الاقتباس من حساباته لهذا الفيلم، مثل ما حدث في أفلام كثيرة أثارت من حولها النقاش.
محمد الحمامصي
كاتب مصري
الناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم: أغلب أفلام السينما المصرية مستورد من الخارج.
الأحد 2023/11/05
اقتباس وتأثر واضح
قدمت السينما المصرية الكثير من الأعمال الهامة في تاريخها، حتى تبوأت صدارة المنتجين السينمائيين العرب، لكن خلف الإنتاجات المتعددة، دون احتساب تفاوت جودتها، هناك ظاهرة بارزة ومثيرة للجدل، هي التأثر بالسينما العالمية بشكل واضح إلى درجة الأخذ منها، لنجد الكثير من الأفلام المصرية مأخوذة عن أعمال أخرى.
باستثناء مجموعة قليلة من أفلامها التي تقترب من الأربعة آلاف وخمسمئة فيلم، سنجد أن أغلب أفلام السينما المصرية مستورد من الخارج، إما تأثرا بموجات عالمية تلقى ذيوعا في مرحلة معينة، أو بالاقتباس المباشر من أفلام أو روايات أدبية أو مسرحيات. وبمثل هذا التأثير البين في السينما المصرية يتضح مدى أهمية الدراسات المقارنة، أو ما يمكن تسميته تجاوزا بالسينما المقارنة.
انطلاقا من هذه الرؤية التي يفتتح بها الناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم يأتي كتابه “السرقات والاقتباس في السينما”، موضحا أن موضوع هذا الكتاب يطارده منذ سنوات طويلة.
ظاهرة الاقتباس
من أسباب لجوء السينما المصرية إلى الاقتباس هو الاستفادة من نجاح أفلام ما بعينها في شتى أنحاء العالم
يقول قاسم “رغم كتاباتي الكثيرة في هذا الشأن فسيبقى دوما ناقصا غير مُكتمل، خاصة تلك القائمة المنشورة في ذيل الصفحات والتي ضمت الأفلام المقتبسة بين عامي 1933 و2020، فقد اتسعت بشكل ملحوظ في الشهور الأخيرة بعد مشاهدة المئات من الأفلام في مواقع السينما العالمية، وتأكد لي أن أغلب مَن كتبوا قصص الأفلام في مصر والدول العربية كانوا ينقلون ما يكتبون من قصص العالم قدر الإمكان”.
ويضيف “كان هناك تنافس شديد في البحث عن موضوعات تصلح لنقلها بدرجات متباينة، بل إن الكاتب نفسه، ومعه المخرج، يستوحي الفيلم نفسه أكثر من مرة، ما دام مضمونا نجاحه تجاريا، وكانت المأساة في عدم ذكر اسم المصدر الأصلي في بيانات الفيلم إلا قليلا، بل إن الكاتب بكل عمد يزعم أنه المؤلف الأصلي للفيلم، ولم يكن هناك نقاد في استطاعتهم رصد الظاهرة بالكامل لكثرة حالات التنوع، ولذا فالموضوع بالنسبة إلي سيظل ناقصا للأبد، وللأسف فإن هذا هو الإصدار الأخير لي في هذا الصدد بسبب متاعب شديدة في الإبصار”.
ويشير قاسم في كتابه، الصادر عن مؤسسة هنداوي، إلى أن ظاهرة اقتباس أفلام السينما موجودة في كل أنحاء العالم، حتى في السينما الأميركية نفسها، فقد اقتبس صناع أفلام الوسترن فيلمين من إخراج المخرج الياباني أكيرا كيروساوا؛ الأول هو “الساموراي السبعة”، الذي تحول في أميركا إلى “العظماء السبعة” عام 1959، ثم أُنتج في مصر تحت عنوان “شمس الزناتي” سنة 1992. والثاني: فيلم “الإهانة” لمارتن ربت المقتبس عن فيلم “راشومون”.
ويبين أنه في الثمانينات والتسعينات نُقلت أفلام فرنسية بعينها إلى السينما الأميركية مثل “على آخر نفس” لجوادر، و”ثلاثة رجال ومهد” (3 Hommes et un coffin) لكولين سيرو، و”الشيطانتان” (Diabolique)، الذي قامت ببطولته إيزابيل أدجاني وشارون ستون سنة 1996. وقد شاهدنا هذه الظاهرة في بلدان أخرى عديدة، فقد اقتبست المخرجة الكندية آن كلير فيلمها “الموت في قمة الرأس” عام 1980 عن فيلم “الحب المغتصب” للمخرجة بانيك بيللون الذي أخرجته عام 1977. أما المخرجة المجرية مارتا ميساروش فقد اقتبست فيلم “تسعة أشهر” عن فيلم كتبته كولين سيرو تحت عنوان “خداع قصص حب” عام 1973، وهو الفيلم الذي أخرجه الأميركيون عام 1995.
الأفلام المقتبسة عن كل المصادر العالمية في السينما المصرية تجمع بينها سمة واحدة هي ظاهرة “التمصير”
ويوضح الناقد “اصطُلح على تسمية هذه الظواهر وغيرها بالاقتباس (adaptation)، وهي كلمة تعددت استخداماتها، فهي تعني تناول معالجة سينمائية عن رواية حتى وإن قام المؤلف نفسه بإخراجها، وتعني الاستيلاء على النصوص التي كتبها الآخرون ومعالجتها مرة أخرى، سواء تم ذكر اسم المصدر الأصلي أم لا. وهناك تسمية أخرى ترجع إلى اسم البلد المقتبِس، كأن نقول ‘تمصير’ أو ‘أمْرَكة’ أو ‘فَرْنَسة’، ومعناه صبغ القصة الأصلية بالصبغة القومية، وجعْلُها تدور في أجواء أقرب إلى المجتمع الذي اقتبس هذه القصة”.
ويضيف “إذا نظرنا إلى الأفلام المقتبسة عن كل المصادر العالمية في السينما المصرية، فسوف نجد أن السمة الأولى فيها هي ‘التمصير’، فكل الأفلام المصرية المقتبسة ممصرة؛ أي إنها نقلت كل البيئات إلى بيئتها هي. وكان السؤال الذي طرحه النقاد الذين تناولوا الأعمال المقتبسة هو: هل الأجواء غريبة على مجتمعنا أم قريبة منه؟ فإذا كانت غريبة فإن سكاكين الإدانة تُشهَر حادة، وإذا توافق الفيلم المقتبس مع أجواء البيئة المصرية استلم جواز مرور النجاح عند البعض”.
ويرى قاسم أن من أسباب لجوء السينما المصرية إلى الاقتباس هو الاستفادة من نجاح أفلام ما بعينها في شتى أنحاء العالم، حيث إنها تحتوي على عناصر جذب يمكن نقلها إلى الأجواء المصرية، وسوف نرى أن أغلب الأفلام التي تم تمصيرها على مدى عمر السينما هي أفلام لقيت نجاحا سواء عند عرضها في بلادها، أو في عرضها العالمي.
ويتابع “بالطبع عندما عرضت في مصر، وسوف نرى أن كتاب السينما المصرية قد تفننوا في البحث عن النصوص داخل دفاتر السينما العالمية القديمة والحديثة، ثم في الروايات الأدبية العالمية التي تضم عنصر الاقتباس، وبحث المخرجون في الدفاتر المتهالكة التي نسيها المتفرج المصري والعالمي. ولو تصفحت حكايات الأفلام التي كتبها كتاب السيناريو مثل: فيصل ندا، ومحمد مصطفى سامي، وياسين إسماعيل ياسين، وبسيوني عثمان، فسوف تشم عبق الأجواء الغربية، وقد تتمكن من معرفة مصدر أو أكثر، لكن مهما بلغت فروسيتك فلن تصل إلى معرفة أسماء مصادر كل الأفلام، ولكن مع مرور الزمن، وعن طريق البحث أو المصادفة، سوف تكتشف أغلب هذه المصادر”.
تأثر السينما المصرية
الاقتباس يصل إلى حد السرقة الكاملة
يؤكد قاسم أن السينما المصرية قد تأثرت بشكل واضح بكل التيارات السينمائية التي حولها، وهي تأخذ من هذه التيارات البسيط منها، والذي يمكن تحويله إلى فيلم يدر نجاحا تجاريا، وهي تبلور حكايات هذه الأفلام وتحيلها إلى هياكل هي في أغلب الأحيان خالية من الحياة. وسوف نرى أن السينما المصرية قد أخذت من مصادر بعينها، لأنها رأت فيها منبعا لا يجدب تعجب المتفرج المصري سريع النسيان.
ويواصل “إبان انتشار الميلودراما والفواجع اتجهت السينما إلى الكتب الفرنسية المليئة بهذه الحكايات، وعندما نجحت موجات السينما الاستعراضية والكوميديا الموسيقية في السينما الأميركية، تحولت أغلب الأفلام المصرية إلى استعراضات تتباين جودتها، وأصبحت الرقصات مضاعفا مشتركا أصغر. وبعد ذلك انتقلت موجة السينما التاريخية في الستينات، ثم موجة أفلام العملاء السريين، وفي السبعينات بدأت تبحث في الأفلام القديمة، ولم نرَ السينما المصرية تحاول أن تقتبس عملا أدبيا عالميا تجريبيا، كما بدت منعزلة تماما عن كل الاتجاهات التجريبية الأوروبية، حتى جماعة السينما الجديدة مهتمة بالحدوتة في المقام الأول”.
الاقتباس كلمة تعددت استخداماتها، فهي تعني الأخذ عن رواية أو الاستيلاء على أعمال أو صبغ القصة الأصلية بالصبغة القومية
ويلفت إلى أننا قد رأينا كيف تحول أبناء هذه الجماعة إلى أسرى لسينما الحواديت المبهرة، ورغم ذلك فقد شهدت السينما بعض المحاولات الجادة التي تسعى إلى كسر حدة الشكل المتعارف عليه في مصر، مثل “مومياء” شادي عبدالسلام، و”اختيار” يوسف شاهين، ثم “عصفورة”، و”عودة الابن الضال”، و”إسكندرية ليه”، و”حدوتة مصرية”، ولكن كل هذه المحاولات لا تزال غريبة على المتفرج المصري الذي لم يتقبلها بسهولة.
ويشير قاسم إلى أنه إذا كان تأثر السينما المصرية واضحا بالحركات السينمائية العالمية التي تلقى نجاحا تجاريا، فلا يمكن أن نتجاهل ما يسمى بالأفلام السياسية التي وجدت طريقها إلى الشاشة المصرية، تأثرا بمثيلتها في إيطاليا وفرنسا في الستينات، مما دفع السينمائيين المصريين إلى الاستفادة منها في إنتاج أفلام تعارض الحاكم تارة، أو تناقش وضعية سياسية معاصرة، ففي منتصف السبعينات انتشرت ظاهرة 15 مايو، فظهرت عشرات الأفلام التي تندد بما يسمى بمراكز القوى، واصطلح نقادنا على تسميتها بسينما سياسية.
أما فيلم “على مَن نطلق الرصاص” لكمال الشيخ فكان من ضمن الأفلام السياسية التي تناقش وضعية اجتماعية تدور في حين عرض الفيلم. وغالبية السينما السياسية تهتم بمناقشة القضايا المعاصرة لتاريخ تصوير الفيلم، لأن الحديث عن سياسة في الماضي هو نوع من التاريخ مهما كانت الإسقاطات، وقد يلجأ الفنان إلى هذا في حالة وجود صعوبات رقابية، مثل تلك التي واجهها السينمائيون الذين تعرضوا لسلبيات الانفتاح وكامب ديفيد في أفلامهم.
كما تأثرت السينما المصرية أيضا بنظام النجومية في العالم، فكان عليها أن تبرز نجومها مثل ما تفعل شركات هوليوود، ولا بد أن يكون هناك الشبيه المصري للنجم الأميركي، فبدر لاما أشبه بفالنتينو، وإسماعيل ياسين أقرب إلى فرناندل، وأنور وجدي صورة قريبة من تايرون باور، والشحات مبروك أقرب إلى سلفستر ستالوني. ثم حاولت صنع طراز من المطربين والراقصين والاستعراضيين بديلا عن المطرب الذي يغني أمام الميكروفون. ثم قدمت فيروز على غرار شيرلي تمبل، وقد تفوقت الطفلة المصرية في أفلامها القليلة بمراحل كثيرة عن زميلتها الأميركية، ويعلم الله أي مصير كان يمكن أن يلحق بها لو ظهرت في السينما الهوليوودية.
الأخذ من الأفلام
استلهام الشخصيات
يؤكد قاسم أن السينما المصرية قد سعت في فترة من الفترات إلى نقل بعض أجزاء سينما الغرب إلى السينما المصرية، مثل ما حدث في “فيفا زلاطا”، وسار أحدهم وراء أسطورة الكونت دراكيولا المصري كي يكشف عن وضعية اجتماعية مصرية، وخلا الفيلم من أجواء الإثارة والتخويف، وامتلأ بمرارة ممزوجة بالكوميديا، فلم يعجب المتفرج. ومن الأمثلة الواضحة في التأثر بالسينما الهوليوودية ظهور أفلام من طراز “رضا بوند”، و”العميل 77″، و”الجاسوس”، وكلها حاولت الاستفادة من نجاح موجة أفلام جيمس بوند.
ويلفت أيضا كيف سعت سينما المصريين إلى الاستفادة أيضا من النجاحات التي حققتها بعض الأفلام الهندية التي صُورت أجزاء منها خارج الهند، فهاجرت الكاميرا المصرية خلال السبعينات والثمانينات إلى بعض دول العالم مثل: أستراليا والولايات المتحدة وأوروبا، فصورت الأماكن السياحية في هذه البلاد، التي بدت منفصلة تماما عن حدوتة الفيلم، عدا أفلام قليلة من طراز “الصعود إلى الهاوية”.
ومن بين التأثيرات التي حدثت، يذكر قاسم استعانة شركات الإنتاج المصرية، خاصة شركة فلمنتاج، ببعض العاملين في الحقل السينمائي العالمي من مخرجين وممثلين، للعمل في أفلام مصرية الإنتاج مثل: فريتز كرامب وأندرو مارتون. كما اتجهت السينما المصرية إلى الاشتراك في إنتاج بعض الأفلام الإيطالية مثل “كريم ابن الشيخ” و”ابن كليوباترا” و”أبوالهول الزجاجي” وغيرها، وهي كلها أفلام تدور في إطار تاريخي باهت، وتحاول تصوير مصر على أنها بلد الأهرامات وأبي الهول والمعابد الأثرية، كما أن قيمتها الفنية لا تُذكر، وقد فشلت كل هذه الأفلام فنيا وتجاريا، سواء داخل مصر أو إيطاليا، ولم يحدث أن أُنتج فيلم يتمتع بقيمة فنية تُذكر، أو حتى يتناول الوجود الحضاري لمصر بصورته الواقعية.
ويكشف قاسم “تتعدد أشكال التأثر في السينما المصرية بالموجات العالمية مثل ظاهرة الإعادة ثم ظهور الثنائيات. وظاهرة الإعادة موجودة بشكل واضح في السينما الأميركية منذ عصر السينما الناطقة، فسعت أولا إلى إعادة أشهر أفلامها ناطقة في أول الأمر، ثم ملونة ثانية، ثم في إنتاج أضخم، ووُجدت هذه الظاهرة في السينما المصرية منذ نشأتها، لكنها أصبحت ظاهرة ملحوظة في السبعينات والثمانينات، فقد تخصصت نجلاء فتحي في إعادة الأفلام التي قدمتها من قبل فاتن حمامة مثل: ‘بين الأطلال’ و’أيامنا الحلوة’. وتمت إعادة أفلام مثل: ‘الطريق’ و’اللص والكلاب’ و’سمارة’.
ومن الملاحظ أن الأفلام معادة الإنتاج في السينما كان أغلبها نُسخا باهتة قياسا إلى الأصل. ولم يكن الحال بأفضل بالنسبة للأفلام المعاد إنتاجها في مصر. ومثل هذا الاتجاه يوضح إلى أي مدى أفلست السينما العالمية في العثور على نصوص جديدة مناسبة تجذب الجمهور، فاعتمدت على إعادة نصوصها القديمة. وقد دفع هذا بالسينما الأميركية إلى إنتاج أفلام تكمل بعضها، وهي ظاهرة لم تنتشر كثيرا حتى الآن في السينما المصرية، وقد ظهرت بوادرها الأولى في نهاية الخمسينات مع ‘سمارة’ و’عفريت سمارة’، وفي الثمانينات مع ‘الانتقام لرجب’ بعد ‘رجب فوق صفيح ساخن’. وبعد فيلم ‘عفوا أيها القانون’، هناك ‘التحدي’ لإيناس الدغيدي. وفي التسعينات هناك ‘بخيت وعديلة 2’، و’هالو أميركا’ الذي جرى إعداده وقت هذه الطبعة من هذا الكتاب. وقد انتشرت هذه الظاهرة فيما بعد ومن أشهر أفلامها ثلاثية ‘عمر وسلمى'”.
ويبين قاسم أن السينما المصرية قد تأثرت في المقام الأول؛ بمعنى أنها قد أخذت فقط، ولم تؤثر في أي حركة سينمائية عالمية، مثلما أثرت السينما الإيطالية أو الفرنسية أو الأميركية كل منها في الأخرى. وحركة التأثير الوحيدة التي يمكن إدراجها بالنسبة إلى السينما المصرية هي مدى تأثيرها في المنطقة المحدودة المجاورة لها.
والغريب أن السينما لا تزال في بدايتها في هذه الدول، وهناك بلاد عربية لم تظهر فيها أي إنتاجات سينما حتى الآن. ولأننا بصدد اختيار جانب واحد من جوانب السينما المقارنة، وهو الاقتباس أو التمصير، فقد وجدنا أن الكتابة حول هذا الموضوع تشكل أمرا بالغ التعقيد، لأن الحصول على المعلومات يتطلب مشاهدة كل الأفلام المصرية تقريبا، ومشاهدة الكثير من المصادر المتنوعة التي أخذت عنها هذه الأفلام المقتبسة، سواء كانت أفلاما أو نصوصا من الأدب العالمي العظيم، فهناك أفلام مأخوذة مباشرة من الأدب العالمي الأقل أهمية وشهرة، يتضح المثال الأول في روايات دوستويفسكي التي عالجها حسام الدين مصطفى، أما المثال الثاني فمنه رواية “شجرة اللبلاب” لكاتبة تُدعى ماري ستيوارت التي استمدتها السينما المصرية في فيلم “الزائرة” لبركات.
ويقول “إن هناك أفلاما مأخوذة مباشرة من أفلام أجنبية، بعضها معروف والآخر أقل شهرة ولا يخطر ببال الباحث نفسه. من الأفلام المعروفة ‘صوت الموسيقى’ الذي تحول إلى ‘حب أحلى من حب’ لحلمي رفلة. أما فيلم ‘أنقذوا هذه العائلة’ لحسن إبراهيم 1978، فهو عن فيلم أميركي مر عابرا حين عُرض في مصر عام 1968، بعنوان تجاري هو ‘متاعب المراهقة’، أما الاسم الحقيقي فهو The Impossible Years إخراج مايكل جوردون وبطولة دافيد نيفين. وسوف نرى أن هناك أفلاما لا يمكن إثبات مصادرها بسهولة مثل: ‘الشيطان امرأة’ لنيازي مصطفى، و’امرأة بلا قيد’ لبركات المأخوذين عن ‘كارمن’، ولا يمكن تحديد المصدر الأصلي لأي من الفيلمين، هل هو الفيلم الأميركي الذي أخرجه كنج فيدور؟ أم الرواية الفرنسية القصيرة التي كتبها بروسبير ميريميه، أم الأوبرا التي لحنها بيزيه؟”.
ويبين أن من الأمثلة الواضحة فيلم “علاقة خطرة” لتيسير عبود 1980، إذ استمد كاتب السيناريو أغلب أحداث الفيلم من الفيلم الإنجليزي Term of Trial الذي أخرجه بيتر جلنفيل عام 1962 بطولة سيمون سينوريه ولورانس أوليفيه. كما أجرى توليفة أخرى مع فيلم “أخطار المهنة” les risques des métiers للفرنسي أندريه كايات 1967، وهو مزيج يصعب فيه إرجاع الفيلم إلى مصدره الأصلي. وسوف نجد هذه السمة في أفلام كثيرة لا يمكن فيها أن تحدد مصدرا واحدا للفيلم، وفي هذه الحال فإن الباحث يسقط عملية الاقتباس من حساباته لهذا الفيلم، مثل ما حدث في أفلام كثيرة أثارت من حولها النقاش.
محمد الحمامصي
كاتب مصري