"نابليون".. ثغرات تاريخية وأداء سطحي يضعفان فيلم ريدلي سكوت
سيناريو مرتبك وحوارات ضعيفة وأداء لم يعكس أهمية الشخصيات.
السبت 2023/12/16
تقمص محدود للشخصيات التاريخية
انتظر عشاق السينما فيلم “نابليون” للمخرج ريدلي سكوت بشغف كبير، فالغالبية تعرف أهمية تجربة هذا المخرج الأميركي في الاشتغال على الأعمال التاريخية، وأسلوبه المبهر في الإخراج، لكن الفيلم جاء محبطا للكثير من الآمال والآراء، بتناوله السطحي والمرتبك لحكاية أشهر إمبراطور فرنسي، وبحبكته الدرامية المتذبذبة وأداء أبطاله الضعيف.
تلقي قصة فيلم “نابليون” نظرة على السيرة الذاتية والشخصية للإمبراطور نابليون بونابرت (1769 – 1821) وتسلط الضوء تحديدا على وصوله السريع إلى العرش الإمبراطوري. ويقدم العمل نظرة فاحصة على العلاقات المتقلبة لنابليون مع زوجته وحبيبته جوزيفين.
الفيلم من إخراج ريدلي سكوت وسيناريو ديفيد سكاربنا، ويتميز بأداء نخبة من الممثلين، من بينهم خواكين فينيكس في دور نابليون بونابرت، وفانيسا كيربي في دور زوجته جوزيفين، كما يشارك في الأداء أيضًا بن مايلز ولديفين سانيي وطاهر رحيم وإيان ماكنيس.
فيلم غير مقنع
في فيلم "نابليون" أخفق المخرج الشهير ريدلي سكوت نتيجة الثغرات التي تعتري الحبكة الدرامية في السياق الكرونولوجي
تبدأ افتتاحية الفيلم بمشهد عام يظهر التمرد في فترة الثورة الفرنسية، ولاسيما في اللقطة المقربة التي تظهر قطع رأس أحد الطغاة أمام الحشد في ساحة البلاط الفرنسي، ويلي هذا المشهد ارتقاء نابليون إلى عرش السلطة بفضل براعته في القتال، التي أُبرِزَت في لقطات هائلة لحصار مدينة تولون.
ويبرز تكوين اللقطات وصفا عاما لتلك اللحظة التاريخية وخاصة عندما يقود نابليون هجومًا على قلعة عسكرية وتبيان إستراتيجيته ومهاراته كقائد في فنون المدفعية. ويتميز المشهد الذي التقى فيه نابليون بجوزيف أثناء حفل انتصاره في الحرب الأولى بالسلاسة.
جوزيفين التي كانت تعتبر أسيرة ومتمردة خلال فترة الثورة تعرض نفسها على نابليون في لقائهما الثاني، وهنا تنطلق قصة حبهما الشهيرة حيث تشكل طريقة الراوي في طرح رسائل نابليون إلى جوزيفين العنصر الرومانسي الرئيسي في الفيلم، مما يُضيف عمقًا وعاطفةً إلى العمل.
ويُلاحَظ أن أداء الممثلة فانيسا كيربي في دور جوزيفين لم يكن مقنعًا على نحو كافٍ، حيث فشلت في التعبير كلّيا عن هذه الشخصية الغامضة مما يجعلها غير منسجمة مع الدور الذي أوكل إليها، ويبدو أنها لم تتمكن من نقل العمق الذي يتناسب مع تلك الحقبة التاريخية، وأظهرت قدرات تمثيلية محدودة في تقديم تلك الشخصية الهامة التي لعبت دورا مهما في حياة نابليون.
وفي سياق مختلف يظهر أداء الممثل فينيكس في دور نابليون كمجنون مرتبك بدلا من الإمبراطور القوي، ويتبين أنه فشل في تقديم أداء عميق يلامس قضية كبرى كهذه ويبدو أنه لم يغص على نحو كافٍ في شخصية نابليون، حيث خانته الحوارات الفارغة ولم يظهر أداؤه التفاصيل والعمق المطلوبين.
في المقابل يتميز العمل ببعض مشاهد المعارك المذهلة والدقيقة، ومع ذلك يظهر وجود بعض الثغرات على مستوى الحبكة الدرامية. نأخذ على سبيل المثال مشاهد الحروب التي يلتقطها ريدلي سكوت والتي كانت متسارعة للغاية من حيث الإيقاع، في حين فقدت بعض المشاهد التوازن اللازم بين التشويق وأداء الشخصيات.
بالإضافة إلى ذلك تظهر الصور ضمن الإطار العام للجيوش التي تتقاتل على نحو متسارع مما يفقد بعض التفاصيل الدرامية قوتها، ويمكن أن يؤثر هذا النقص في التوازن بين المشاهد الحربية والتطورات الدرامية على تجربة المشاهد وقدرته على الانغماس في القصة.
وتكررت مثل هذه المشاهد بنفس الإيقاع ونفس الازدحام في السياق العام، في جميع مشاهد الحروب، سواء في الحرب الأولى التي شهدها نابليون اللواء في بداية الفيلم خلال اقتحامه للقلعة أو في حروبه كإمبراطور أثناء ضمه للدول.
وتتسبب هذه الظاهرة في وجود ثغرات ضمن لقطات الحروب التي خاضها نابليون، حيث تسعى المشاهد إلى توضيح كل شيء دفعة واحدة ويصبح تكوين اللقطات فيها مكتظا مما يجعل الصورة السينمائية تشبه أحداثا وثائقية متحركة. وبشكل عام، فإن الإيقاع الزمني للأحداث إذا كان مصحوبًا بثغرات في الحبكة يفقد انتباه الجمهور الذي يتابع العرض.
وهناك أيضا مشهد آخر فوضوي، حيث قام سكوت بتصوير انقلاب سياسي في مجلس النواب عندما قام المقربون من نابليون بالتمرد على المجلس الحاكم المعروف بالقيادة وهنا قد تم تسجيل لقطة باهتة يظهر فيها نابليون وهو يتعرض للضرب من قبل أعضاء المجلس.
أداء الممثلة فانيسا كيربي في دور جوزيفين حبيبة نابليون لم يكن مقنعًا؛ فقد فشلت في التعبير عن هذه الشخصية الغامضة
واستخدم المخرج بؤرة العدسة المتنقلة في اللقطة التي شنَّ فيها الحلفاء هجومًا جديدًا، والذي انتهى بخسارة الجيش الفرنسي. وفي هذا السياق شاهدنا تراجع نابليون بشكل غامض ومشوش على رأس جيوشه خلال المعركة.
وتم تنظيم العناصر البصرية وتحديد العلاقات بينها بشكل باهت ضمن الإطار العام للصورة التي نشاهد، والذي يوضح نزوح نابليون إلى الشواطئ الفرنسية وتوجهه نحو باريس وسط وجود واسع من السكان وأفراد الجيش الذين انضموا إليه.
وخلال هذه اللقطة وبينما كان يتجه نحوهم خاطبهم قائلا “يا أفراد الجيش الخامس، هل تعرفون من أنا؟”، فأجابوا بنعم واحدا تلو الآخر، فانتشر خبر وصوله وفرّت الحكومة ودخل بونابرت باريس معلنًا عن عزمه تدشين معركة جديدة ضد الحلفاء.
نأخذ على سبيل المثال المشهد الذي استعمل فيه المخرج إطارا عاما وكاميرا متحركة، عندما احتضنت كاتدرائية “نوتردام دي باري” حفل تتويج نابليون إمبراطورا بحضور الآلاف من الوجهاء والساسة والقادة العسكريين، وكان البابا أيضا حاضرا. كانت هناك زحمة في التقاط صورة الحشد بطريقة جعلت اللقطات تبدو مشوشة.
وظهر التشويش أيضا في تكوين اللقطات التي شن فيها نابليون الحرب على الحلفاء مثل النمسا وبلجيكا وهولندا وروسيا وإسبانيا حيث استعمل هنا بؤرة عدسة معتدلة خاصة في حروب الثلوج التي لم تكن واضحة المعالم وجعلها تحت إمرة شقيقه.
نابليون وأعمال أخرى
تتتابع الأحداث إلى النهاية، حيث قصد نابليون الجيش البريطاني أملا في الحصول على اللجوء السياسي، لكن البريطانيين رفضوه وأرسلوه إلى جزيرة سانت هيلانة في السواحل الأفريقية.
هناك مات على كرسي حينما استحضر صوت جوزيف وهي تقول له “عد إلي لنبدأ حياة جديدة”. واستخدم المخرج لقطة مقربة بحركة كاميرا من اليمين إلى اليسار، واختتم الفيلم بظهر نابليون وسقوط رأسه إلى اليسار. ولماذا اليسار وليس اليمين يا ريدلي سكوت؟
ريدلي سكوت قد أخرج عدة أفلام تاريخية تميزت بأسلوبه الفني والتوجيهي الفريد. سنقارن بين بعض أفلامه التاريخية البارزة وبين هذا العمل الأخير.
نأخذ على سبيل المثال فيلم “المصارع” أو”غلادياتور” الذي يتميز بتصويره البارع وجمالية فنية حيث استخدم سكوت الإضاءة والتصوير بشكل متقن لتحقيق أجواء تاريخية غير مملة. كما نجح في استخدام الممثلين بشكل فعال لنقل عمق الشخصيات التاريخية والعواطف المعقدة.
فيلم “مملكة السماء” الرائع يظهر هو أيضا اهتماما كبيرا من سكوت بتصوير المشاهد الكبيرة والمعارك الضخمة، مما يعكس أهمية الأحداث التاريخية بالنسبة إليه، إذ يبدع في المواضيع التاريخية الحساسة بطريقة متوازنة، محاولا عرض النقاشات الدينية والسياسية في عصور الحروب الصليبية.
فيلم “روبن هود” فيه أيضا تركيز كبير على التفاصيل التاريخية، حيث عبر ريدلي سكوت عن عبقريته في طرح التفاصيل التاريخية وإدراجها بشكل دقيق في السياق التصويري للفيلم.
كما يبرز فيلم “آلهة وملوك” المبهر تفوقا من المخرج في استخدام المؤثرات البصرية وتقديم المشاهد الضخمة المليئة بالتفاصيل التاريخية حول قصة موسى وخروج بني إسرائيل من مصر، بشكل يجمع بين التقديم التاريخي والتعبير عن الروحانية.
لكن على الرغم من أن أفلام ريدلي سكوت تختلف في الفترات الزمنية والقصص إلا أنه يظهر اهتمامه بالتفاصيل التاريخية والقدرة على تقديم مشاهد ضخمة وجميلة تعكس بشكل فعال جوانب التاريخ والحكايات التي يرويها. لكنه في “نابليون” أخفق نتيجة الثغرات التي تعتري الحبكة الدرامية في السياق الكرونولوجي للفيلم.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
سيناريو مرتبك وحوارات ضعيفة وأداء لم يعكس أهمية الشخصيات.
السبت 2023/12/16
تقمص محدود للشخصيات التاريخية
انتظر عشاق السينما فيلم “نابليون” للمخرج ريدلي سكوت بشغف كبير، فالغالبية تعرف أهمية تجربة هذا المخرج الأميركي في الاشتغال على الأعمال التاريخية، وأسلوبه المبهر في الإخراج، لكن الفيلم جاء محبطا للكثير من الآمال والآراء، بتناوله السطحي والمرتبك لحكاية أشهر إمبراطور فرنسي، وبحبكته الدرامية المتذبذبة وأداء أبطاله الضعيف.
تلقي قصة فيلم “نابليون” نظرة على السيرة الذاتية والشخصية للإمبراطور نابليون بونابرت (1769 – 1821) وتسلط الضوء تحديدا على وصوله السريع إلى العرش الإمبراطوري. ويقدم العمل نظرة فاحصة على العلاقات المتقلبة لنابليون مع زوجته وحبيبته جوزيفين.
الفيلم من إخراج ريدلي سكوت وسيناريو ديفيد سكاربنا، ويتميز بأداء نخبة من الممثلين، من بينهم خواكين فينيكس في دور نابليون بونابرت، وفانيسا كيربي في دور زوجته جوزيفين، كما يشارك في الأداء أيضًا بن مايلز ولديفين سانيي وطاهر رحيم وإيان ماكنيس.
فيلم غير مقنع
في فيلم "نابليون" أخفق المخرج الشهير ريدلي سكوت نتيجة الثغرات التي تعتري الحبكة الدرامية في السياق الكرونولوجي
تبدأ افتتاحية الفيلم بمشهد عام يظهر التمرد في فترة الثورة الفرنسية، ولاسيما في اللقطة المقربة التي تظهر قطع رأس أحد الطغاة أمام الحشد في ساحة البلاط الفرنسي، ويلي هذا المشهد ارتقاء نابليون إلى عرش السلطة بفضل براعته في القتال، التي أُبرِزَت في لقطات هائلة لحصار مدينة تولون.
ويبرز تكوين اللقطات وصفا عاما لتلك اللحظة التاريخية وخاصة عندما يقود نابليون هجومًا على قلعة عسكرية وتبيان إستراتيجيته ومهاراته كقائد في فنون المدفعية. ويتميز المشهد الذي التقى فيه نابليون بجوزيف أثناء حفل انتصاره في الحرب الأولى بالسلاسة.
جوزيفين التي كانت تعتبر أسيرة ومتمردة خلال فترة الثورة تعرض نفسها على نابليون في لقائهما الثاني، وهنا تنطلق قصة حبهما الشهيرة حيث تشكل طريقة الراوي في طرح رسائل نابليون إلى جوزيفين العنصر الرومانسي الرئيسي في الفيلم، مما يُضيف عمقًا وعاطفةً إلى العمل.
ويُلاحَظ أن أداء الممثلة فانيسا كيربي في دور جوزيفين لم يكن مقنعًا على نحو كافٍ، حيث فشلت في التعبير كلّيا عن هذه الشخصية الغامضة مما يجعلها غير منسجمة مع الدور الذي أوكل إليها، ويبدو أنها لم تتمكن من نقل العمق الذي يتناسب مع تلك الحقبة التاريخية، وأظهرت قدرات تمثيلية محدودة في تقديم تلك الشخصية الهامة التي لعبت دورا مهما في حياة نابليون.
وفي سياق مختلف يظهر أداء الممثل فينيكس في دور نابليون كمجنون مرتبك بدلا من الإمبراطور القوي، ويتبين أنه فشل في تقديم أداء عميق يلامس قضية كبرى كهذه ويبدو أنه لم يغص على نحو كافٍ في شخصية نابليون، حيث خانته الحوارات الفارغة ولم يظهر أداؤه التفاصيل والعمق المطلوبين.
في المقابل يتميز العمل ببعض مشاهد المعارك المذهلة والدقيقة، ومع ذلك يظهر وجود بعض الثغرات على مستوى الحبكة الدرامية. نأخذ على سبيل المثال مشاهد الحروب التي يلتقطها ريدلي سكوت والتي كانت متسارعة للغاية من حيث الإيقاع، في حين فقدت بعض المشاهد التوازن اللازم بين التشويق وأداء الشخصيات.
بالإضافة إلى ذلك تظهر الصور ضمن الإطار العام للجيوش التي تتقاتل على نحو متسارع مما يفقد بعض التفاصيل الدرامية قوتها، ويمكن أن يؤثر هذا النقص في التوازن بين المشاهد الحربية والتطورات الدرامية على تجربة المشاهد وقدرته على الانغماس في القصة.
وتكررت مثل هذه المشاهد بنفس الإيقاع ونفس الازدحام في السياق العام، في جميع مشاهد الحروب، سواء في الحرب الأولى التي شهدها نابليون اللواء في بداية الفيلم خلال اقتحامه للقلعة أو في حروبه كإمبراطور أثناء ضمه للدول.
وتتسبب هذه الظاهرة في وجود ثغرات ضمن لقطات الحروب التي خاضها نابليون، حيث تسعى المشاهد إلى توضيح كل شيء دفعة واحدة ويصبح تكوين اللقطات فيها مكتظا مما يجعل الصورة السينمائية تشبه أحداثا وثائقية متحركة. وبشكل عام، فإن الإيقاع الزمني للأحداث إذا كان مصحوبًا بثغرات في الحبكة يفقد انتباه الجمهور الذي يتابع العرض.
وهناك أيضا مشهد آخر فوضوي، حيث قام سكوت بتصوير انقلاب سياسي في مجلس النواب عندما قام المقربون من نابليون بالتمرد على المجلس الحاكم المعروف بالقيادة وهنا قد تم تسجيل لقطة باهتة يظهر فيها نابليون وهو يتعرض للضرب من قبل أعضاء المجلس.
أداء الممثلة فانيسا كيربي في دور جوزيفين حبيبة نابليون لم يكن مقنعًا؛ فقد فشلت في التعبير عن هذه الشخصية الغامضة
واستخدم المخرج بؤرة العدسة المتنقلة في اللقطة التي شنَّ فيها الحلفاء هجومًا جديدًا، والذي انتهى بخسارة الجيش الفرنسي. وفي هذا السياق شاهدنا تراجع نابليون بشكل غامض ومشوش على رأس جيوشه خلال المعركة.
وتم تنظيم العناصر البصرية وتحديد العلاقات بينها بشكل باهت ضمن الإطار العام للصورة التي نشاهد، والذي يوضح نزوح نابليون إلى الشواطئ الفرنسية وتوجهه نحو باريس وسط وجود واسع من السكان وأفراد الجيش الذين انضموا إليه.
وخلال هذه اللقطة وبينما كان يتجه نحوهم خاطبهم قائلا “يا أفراد الجيش الخامس، هل تعرفون من أنا؟”، فأجابوا بنعم واحدا تلو الآخر، فانتشر خبر وصوله وفرّت الحكومة ودخل بونابرت باريس معلنًا عن عزمه تدشين معركة جديدة ضد الحلفاء.
نأخذ على سبيل المثال المشهد الذي استعمل فيه المخرج إطارا عاما وكاميرا متحركة، عندما احتضنت كاتدرائية “نوتردام دي باري” حفل تتويج نابليون إمبراطورا بحضور الآلاف من الوجهاء والساسة والقادة العسكريين، وكان البابا أيضا حاضرا. كانت هناك زحمة في التقاط صورة الحشد بطريقة جعلت اللقطات تبدو مشوشة.
وظهر التشويش أيضا في تكوين اللقطات التي شن فيها نابليون الحرب على الحلفاء مثل النمسا وبلجيكا وهولندا وروسيا وإسبانيا حيث استعمل هنا بؤرة عدسة معتدلة خاصة في حروب الثلوج التي لم تكن واضحة المعالم وجعلها تحت إمرة شقيقه.
نابليون وأعمال أخرى
تتتابع الأحداث إلى النهاية، حيث قصد نابليون الجيش البريطاني أملا في الحصول على اللجوء السياسي، لكن البريطانيين رفضوه وأرسلوه إلى جزيرة سانت هيلانة في السواحل الأفريقية.
هناك مات على كرسي حينما استحضر صوت جوزيف وهي تقول له “عد إلي لنبدأ حياة جديدة”. واستخدم المخرج لقطة مقربة بحركة كاميرا من اليمين إلى اليسار، واختتم الفيلم بظهر نابليون وسقوط رأسه إلى اليسار. ولماذا اليسار وليس اليمين يا ريدلي سكوت؟
ريدلي سكوت قد أخرج عدة أفلام تاريخية تميزت بأسلوبه الفني والتوجيهي الفريد. سنقارن بين بعض أفلامه التاريخية البارزة وبين هذا العمل الأخير.
نأخذ على سبيل المثال فيلم “المصارع” أو”غلادياتور” الذي يتميز بتصويره البارع وجمالية فنية حيث استخدم سكوت الإضاءة والتصوير بشكل متقن لتحقيق أجواء تاريخية غير مملة. كما نجح في استخدام الممثلين بشكل فعال لنقل عمق الشخصيات التاريخية والعواطف المعقدة.
فيلم “مملكة السماء” الرائع يظهر هو أيضا اهتماما كبيرا من سكوت بتصوير المشاهد الكبيرة والمعارك الضخمة، مما يعكس أهمية الأحداث التاريخية بالنسبة إليه، إذ يبدع في المواضيع التاريخية الحساسة بطريقة متوازنة، محاولا عرض النقاشات الدينية والسياسية في عصور الحروب الصليبية.
فيلم “روبن هود” فيه أيضا تركيز كبير على التفاصيل التاريخية، حيث عبر ريدلي سكوت عن عبقريته في طرح التفاصيل التاريخية وإدراجها بشكل دقيق في السياق التصويري للفيلم.
كما يبرز فيلم “آلهة وملوك” المبهر تفوقا من المخرج في استخدام المؤثرات البصرية وتقديم المشاهد الضخمة المليئة بالتفاصيل التاريخية حول قصة موسى وخروج بني إسرائيل من مصر، بشكل يجمع بين التقديم التاريخي والتعبير عن الروحانية.
لكن على الرغم من أن أفلام ريدلي سكوت تختلف في الفترات الزمنية والقصص إلا أنه يظهر اهتمامه بالتفاصيل التاريخية والقدرة على تقديم مشاهد ضخمة وجميلة تعكس بشكل فعال جوانب التاريخ والحكايات التي يرويها. لكنه في “نابليون” أخفق نتيجة الثغرات التي تعتري الحبكة الدرامية في السياق الكرونولوجي للفيلم.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي