نجاة مكي فنانة إماراتية تخلق من التراث عالما روحيا مجردا
الفنانة نجاة مكي تعتبر من أكثر فنانات الإمارات والعالم العربي إنتاجا فنيا حيث بلغ عدد المعارض الشخصية التي أقامتها 31 معرضا، بجانب 11 معرضا فنيا مشتركا.
الأحد 2023/12/10
ShareWhatsAppTwitterFacebook
بحثا عن الاكتمال والخروج من الخفاء إلى التجلي
الأكاديمية والفنانة نجاة مكي أحد الوجوه التشكيلية الأكثر شهرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإحدى العلامات البارزة في مسيرة التشكيل الإماراتي، حيث أسهمت بدور كبير في الحركة الفنية المعاصرة في وطنها الإمارات ومنطقة الخليج والعالم العربي، كما تُعد أول امرأة إماراتية تحصل على منحة من الحكومة الإماراتية لدراسة الفنون بالخارج وذلك عام 1977.
ومنذ حصولها على درجة البكالوريوس، ثم درجتي الماجستير والدكتوراه في الفنون من كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان المصرية، وعلى مدار ما يزيد عن أربعة عقود مضت تواصل مكي مسيرتها التشكيلية التي شهدت الكثير من النجاحات والتكريمات المحلية والعربية والدولية، والتي كانت محط اهتمام الكتاب والنقاد والأكاديميين الذين كتبوا الكثير من الكتب والدراسات التي تناولت تجربتها وأضاءت على مختلف جوانبها باعتبارها تجربة تميّزت بالعمق والثراء، والغوص في بحور التراث الإماراتي الذي كان عنوانا بارزا للكثير من أعمالها التي تصنف ضمن قائمة الكبار ممن منحوا التراث بالغ الاهتمام في أعمالهم الفنية في إطار النظر إلى ذلك التراث بأنه أحد مكونات الهوية الوطنية للشعوب.
مئتا معرض فني
◙ في معارضها ومشاركاتها تمثلت الرؤية الفنية لمكي في الاهتمام بالإيقاع اللوني والشكلي مركزة على النمط التعبيري الرمزي
لعل الفنانة نجاة مكي من أكثر فنانات الإمارات والعالم العربي إنتاجا فنيا، حيث بلغ عدد المعارض الشخصية التي أقامتها 31 معرضا، بجانب 11 معرضا فنيا مشتركا، فيما بلغ عدد مشاركاتها بالمعارض الجماعية 158 مشاركة محلية وعربية ودولية.
كما أشرفت وشاركت في تنظيم 29 حدثا فنيا، وشاركت في 20 ندوة وورشة وجلسة حوارية، وكانت لها مشاركة في عضوية لجنة التحكيم في أكثر من مئة مسابقة فنية إماراتية وعربية ودولية، ونالت 36 تكريما في وطنها الإمارات والوطن العربي والعالم.
وأقامت الفنانة في مدينة الفنون العالمية في باريس مدة أربعة أشهر بدعم من مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي سنة 2012، خلال تواجدها نفذت عددا من التجارب والورش الفنية، بالإضافة إلى تجربة أخرى وهي المزاوجة بين الشعر والتشكيل مع شاعر فرنسي، كما حصلت على إقامة فنية لمدة ثلاثة أسابيع في مدينة دسلدوف (ألمانيا) لتنفيذ عدة تجارب في الطباعة الحريرية.
وفي كل تلك المعارض والمشاركات، تمثلت الرؤية الفنية لمكي في الاهتمام بالإيقاع اللوني والشكلي وركزت في أعمالها الفنية على النمط التعبيري الرمزي كما كان للزمان والمكان حضور مباشر وقوي في بداية مشوارها الفني، وبمرور الوقت أخذت منحى آخر من خلال عناصر التكوين وارتباطها مع بعضها البعض وذلك في تجريد إيقاعي متناغم.
ظهرت لها عدة تجارب منها تجربة الألوان الفسفورية التي بدأتها سنة 1987 في أول معرض احتضنه نادي الوصل بدبي، أما المرأة فلها حضورها المباشر والقوي في أعمالها الفنية. كما لها تجارب في دراسة بعض الخامات بتقنيات مختلفة ظهرت من خلال أعمالها الفنية، وجسدت بعض الأعمال من المكتشفات الأثرية لمناطق في وطنها دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك من خلال معرض خاص احتضنه متحف الآثار في الشارقة عام 2006.
ارتباط بتراث الوطن
لأنها تؤمن بأهمية ارتباط الفنان الوثيق بتراث وطنه، باعتباره أحد أهم مصادر الإلهام لدى كل فنان، فقد جاءت رؤيتها وتناولها الفني للتراث في صورة متفرّدة وشاملة، يبرز من خلالها كل ما يحتويه ذلك التراث من قيم ومصادر جمالية وفنية يعمل الفنان التشكيلي على إعادة صياغتها في أعمال فنية تحمل عبق وجمال الماضي.
◙ الفنانة تؤمن بأهمية ارتباط الفنان الوثيق بتراث وطنه باعتباره أحد أهم مصادر الإلهام لديه ولها رؤية متفردة للتراث
ولأنها فنانة مسكونة بتراث وطنها، فقد وجدت في المهرجانات الفنية المعنية بالتراث وسيلة جيدة للوصل بين الأجيال، وتعريف كافة فئات المجتمع بالموروثات الشعبية، والحرف والفنون التقليدية التي انتقلت لنا من الأجداد والآباء.
وفي مقابلة معها على هامش مشاركتها في المعرض الفني المصاحب لمهرجان الأقصر للشعر العربي، والذي ينتظم في بيت الشعر بمدينة الأقصر المصرية كل عام، أكدت لنا مكي أن التراث يمثل ذاكرة خصبة للشعوب، ومنه يستقي الناس القيم الاجتماعية والثقافية، بجانب ما تركه الأجداد من عادات وتقاليد مثلت إرثا غنيا بكل قيم الأصالة.
وأضافت أن في إطار اهتمام دولة الإمارات بالتراث والمحافظة عليه، فقد تعددت المهرجانات والملتقيات والمعارض التراثية التي تحتفي بذاكرة الإنسان وبالفنون التراثية، والتي يطّلع من خلالها الصغار على القيم والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بالموروث الثقافي والشعبي للوطن، حيث تسهم تلك المهرجانات في تأكيد ارتباط الأفراد بالمجتمع والبيئة المحيطة، وثم تعزيز دورهم في الثقافة المعاصرة وربطها بالتراث، بما يسهم في زيادة قدراتهم على العمل والابتكار والإبداع الأصيل الذي يربط بين الماضي والحاضر.
تعتبر مكي أن الفنون التراثية باختلاف وسائل التعبير عنها، ما هي إلا لوحة تشكيلية تتضمن عناصر وقيما فنية ومفردات ورموزا ووسائل تعبير تظهر من خلال ثقافة المجتمع وممارسته للحياة من خلال البيئة وما بها من إلهام.
وحول الصور التي تجسد العلاقة بين الفنون والتراث، تقول الفنانة إن “الفنون كنشاط إنساني، تنقل لنا تقاليد متناهية القدم سواء في أشكالها أو زخارفها وخطوطها التي تعكس أحاسيس الفنان الشعبي وانفعالاته، وهي تمثل لنا نسيجا واحدا تجمعه وحدة عضوية واحدة هي الإنسان: فكره وحسه ووجدانه”.
وبحكم دراستها للفنون في القاهرة، فقد تأثرت الفنانة الإماراتية بالعديد من الفنانين المصريين الرواد، من أمثال محمود مختار، ومحمد سعيد، وحامد ندا، والإخوة وانلي، والسجيني، وغيرهم، كما تحرص على المشاركة في العديد من المعارض والملتقيات الفنية من العاصمة القاهرة وحتى مدينة الأقصر في أقصى صعيد مصر.
محطات مهمة
◙ للزمان والمكان حضور مباشر وقوي
مرت نجاة مكي بالكثير من المحطات الفنية المهمة في مسيرتها الثريّة مع الفنون التشكيلية، ونتذكر من بين تلك المحطات محطتين: الأولى معرض “مدارج الدائرة” الذي ضم لوحات الكتاب المشترك لها مع الشاعر المغربي حكيم عنكر.
وعن ذلك المعرض تقول مكي إنه خلال تلك التجربة المشتركة – تجربة معرض وكتاب مدارج الدائرة – تطورت مفاهيم ومعاني الدائرة في تجربتها الفنية من مجرد معطى بصري أو تزويقي في أعمالها إلى محمول فلسفي، وجدية صوفية، ممتزجة بمسافة متداخلة في عالم اللون والالتماعات من خلال تدرج الأخضر الدال على المقام الصوفي، إلى عنفوان الأزرق الذي بات التماسا للصفاء واقتفاء حركة الوجود مرورا بتوهج الأبيض الذي يمنح النور ويسمو بالكلمة إلى مراتب الصمت، واشتقاقات تعود بالعناصر إلى الأصل الذي يتوق إلى الجوهر والتوحد فيه، لتظل محاولة البحث عن الاكتمال والخروج من الخفاء إلى التجلي قائمة.
وأما المحطة الثانية من المحطات المهمة التي مرّت بها الفنانة التشكيلية نتذكر، هنا، معرضها الذي حمل عنوان “أنوار القلوب”، الذي وصفه الكاتب والفنان عمر عبدالعزيز بأنه حمل “مقترحات بصرية جمالية جديدة”، وأنه مثّل انطلاقة لمكي من مفهوم التوحيد الإسلامي المقرون برحلة المعراج الطويلة، من المُجسَّد الملموس الخاضع لقوانين الفيزياء الوجودية الأرضية، إلى المجرد اللا مرئي السابح في فضاء الأثير الماورائي متعدد الأنساق والأبعاد، ورأى أن المعرض تجلى فيه المعنى الجوهري للفراغ الدلالي المُتمثِّل في المحراب، وهو المعنى الذي يتَّصل ضمنا بعمارة المساجد التي تستظهر أنصاف الدوائر، وتواليات الشكل الهندسي المكرور حدّ الامتداد، وانفساحات الإضاءات على الداخل والخارج المرئيين؛ فكأن ضوء الداخل في حالة تشرُّب للمُتَّسعات والفراغات، ناقلا دفقات الأنوار الداخلية.
وبيّن عبدالعزيز أن أعمال الفنانة من الخارج مثّل فيها الزجاج الملون المُعشَّق كوة نور وألوانا قادمة من انعكاسات ضوء الشمس، وهي بجملتها نماذج لفكرة الفنانة، مؤكدا أن في معرض “أنوار القلوب” لم تكن هناك حواجز بين الجدران، ولا انغلاق ميكانيكي في أربع جهات، بل الجهات هي المنطلق لتعدد لا متناه لمفهوم الجهات ذاتها، فاليمين واليسار، والأمام والخلف، والفوق والتحت، انطلاقة مؤكدة نحو وجود أشمل وأرقى.
وأكد أن نجاة مكي مازجت في تجربة هذا المعرض بين الرسم والبناء التركيبي المفاهيمي، فيما تستدعي الإشعاعات فوق البنفسجية، كمؤشر إضافي على الانتقال بالألوان إلى آفاق جديدة، ومستويات أخرى من البهاء اللوني الذي كشف أبعادا جمالية متوارية جاءت وكأنها تسعف العين الآدمية بعيون أخرى موازية.
وتواصل الفنانة التشكيلية الإماراتية نجاة مكي مسيرتها الفنية، وتستمر في الحضور بالمعارض والملتقيات الفنية في الإمارات وخارجها، مقدمة في كل مشاركة أعمالا فنية تساهم في إثراء المشهد التشكيلي الإماراتي والخليجي والعربي والدولي، وتبقى تجربتها الفنية على الدوام محط أنظار الدارسين والكتاب والنقاد الذين وجدوا في مسيرتها التشكيلية حالة فنية خاصة، ومُبدعة أصيلة “لا تستكين للجاهز المألوف ولا تقبل بتكرار تجاربها في أكثر من معرض، ولا تكتفي بترويض التجربة وتصعيدها، بل لاحقتها بالمعارف وصولا إلى نيل الدكتوراه مع المعرفة المستمرة والتجريب الدائم”.
◙ تجريد إيقاعي متناغم
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حجاج سلامة
الفنانة نجاة مكي تعتبر من أكثر فنانات الإمارات والعالم العربي إنتاجا فنيا حيث بلغ عدد المعارض الشخصية التي أقامتها 31 معرضا، بجانب 11 معرضا فنيا مشتركا.
الأحد 2023/12/10
ShareWhatsAppTwitterFacebook
بحثا عن الاكتمال والخروج من الخفاء إلى التجلي
الأكاديمية والفنانة نجاة مكي أحد الوجوه التشكيلية الأكثر شهرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإحدى العلامات البارزة في مسيرة التشكيل الإماراتي، حيث أسهمت بدور كبير في الحركة الفنية المعاصرة في وطنها الإمارات ومنطقة الخليج والعالم العربي، كما تُعد أول امرأة إماراتية تحصل على منحة من الحكومة الإماراتية لدراسة الفنون بالخارج وذلك عام 1977.
ومنذ حصولها على درجة البكالوريوس، ثم درجتي الماجستير والدكتوراه في الفنون من كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان المصرية، وعلى مدار ما يزيد عن أربعة عقود مضت تواصل مكي مسيرتها التشكيلية التي شهدت الكثير من النجاحات والتكريمات المحلية والعربية والدولية، والتي كانت محط اهتمام الكتاب والنقاد والأكاديميين الذين كتبوا الكثير من الكتب والدراسات التي تناولت تجربتها وأضاءت على مختلف جوانبها باعتبارها تجربة تميّزت بالعمق والثراء، والغوص في بحور التراث الإماراتي الذي كان عنوانا بارزا للكثير من أعمالها التي تصنف ضمن قائمة الكبار ممن منحوا التراث بالغ الاهتمام في أعمالهم الفنية في إطار النظر إلى ذلك التراث بأنه أحد مكونات الهوية الوطنية للشعوب.
مئتا معرض فني
◙ في معارضها ومشاركاتها تمثلت الرؤية الفنية لمكي في الاهتمام بالإيقاع اللوني والشكلي مركزة على النمط التعبيري الرمزي
لعل الفنانة نجاة مكي من أكثر فنانات الإمارات والعالم العربي إنتاجا فنيا، حيث بلغ عدد المعارض الشخصية التي أقامتها 31 معرضا، بجانب 11 معرضا فنيا مشتركا، فيما بلغ عدد مشاركاتها بالمعارض الجماعية 158 مشاركة محلية وعربية ودولية.
كما أشرفت وشاركت في تنظيم 29 حدثا فنيا، وشاركت في 20 ندوة وورشة وجلسة حوارية، وكانت لها مشاركة في عضوية لجنة التحكيم في أكثر من مئة مسابقة فنية إماراتية وعربية ودولية، ونالت 36 تكريما في وطنها الإمارات والوطن العربي والعالم.
وأقامت الفنانة في مدينة الفنون العالمية في باريس مدة أربعة أشهر بدعم من مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي سنة 2012، خلال تواجدها نفذت عددا من التجارب والورش الفنية، بالإضافة إلى تجربة أخرى وهي المزاوجة بين الشعر والتشكيل مع شاعر فرنسي، كما حصلت على إقامة فنية لمدة ثلاثة أسابيع في مدينة دسلدوف (ألمانيا) لتنفيذ عدة تجارب في الطباعة الحريرية.
وفي كل تلك المعارض والمشاركات، تمثلت الرؤية الفنية لمكي في الاهتمام بالإيقاع اللوني والشكلي وركزت في أعمالها الفنية على النمط التعبيري الرمزي كما كان للزمان والمكان حضور مباشر وقوي في بداية مشوارها الفني، وبمرور الوقت أخذت منحى آخر من خلال عناصر التكوين وارتباطها مع بعضها البعض وذلك في تجريد إيقاعي متناغم.
ظهرت لها عدة تجارب منها تجربة الألوان الفسفورية التي بدأتها سنة 1987 في أول معرض احتضنه نادي الوصل بدبي، أما المرأة فلها حضورها المباشر والقوي في أعمالها الفنية. كما لها تجارب في دراسة بعض الخامات بتقنيات مختلفة ظهرت من خلال أعمالها الفنية، وجسدت بعض الأعمال من المكتشفات الأثرية لمناطق في وطنها دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك من خلال معرض خاص احتضنه متحف الآثار في الشارقة عام 2006.
ارتباط بتراث الوطن
لأنها تؤمن بأهمية ارتباط الفنان الوثيق بتراث وطنه، باعتباره أحد أهم مصادر الإلهام لدى كل فنان، فقد جاءت رؤيتها وتناولها الفني للتراث في صورة متفرّدة وشاملة، يبرز من خلالها كل ما يحتويه ذلك التراث من قيم ومصادر جمالية وفنية يعمل الفنان التشكيلي على إعادة صياغتها في أعمال فنية تحمل عبق وجمال الماضي.
◙ الفنانة تؤمن بأهمية ارتباط الفنان الوثيق بتراث وطنه باعتباره أحد أهم مصادر الإلهام لديه ولها رؤية متفردة للتراث
ولأنها فنانة مسكونة بتراث وطنها، فقد وجدت في المهرجانات الفنية المعنية بالتراث وسيلة جيدة للوصل بين الأجيال، وتعريف كافة فئات المجتمع بالموروثات الشعبية، والحرف والفنون التقليدية التي انتقلت لنا من الأجداد والآباء.
وفي مقابلة معها على هامش مشاركتها في المعرض الفني المصاحب لمهرجان الأقصر للشعر العربي، والذي ينتظم في بيت الشعر بمدينة الأقصر المصرية كل عام، أكدت لنا مكي أن التراث يمثل ذاكرة خصبة للشعوب، ومنه يستقي الناس القيم الاجتماعية والثقافية، بجانب ما تركه الأجداد من عادات وتقاليد مثلت إرثا غنيا بكل قيم الأصالة.
وأضافت أن في إطار اهتمام دولة الإمارات بالتراث والمحافظة عليه، فقد تعددت المهرجانات والملتقيات والمعارض التراثية التي تحتفي بذاكرة الإنسان وبالفنون التراثية، والتي يطّلع من خلالها الصغار على القيم والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بالموروث الثقافي والشعبي للوطن، حيث تسهم تلك المهرجانات في تأكيد ارتباط الأفراد بالمجتمع والبيئة المحيطة، وثم تعزيز دورهم في الثقافة المعاصرة وربطها بالتراث، بما يسهم في زيادة قدراتهم على العمل والابتكار والإبداع الأصيل الذي يربط بين الماضي والحاضر.
تعتبر مكي أن الفنون التراثية باختلاف وسائل التعبير عنها، ما هي إلا لوحة تشكيلية تتضمن عناصر وقيما فنية ومفردات ورموزا ووسائل تعبير تظهر من خلال ثقافة المجتمع وممارسته للحياة من خلال البيئة وما بها من إلهام.
وحول الصور التي تجسد العلاقة بين الفنون والتراث، تقول الفنانة إن “الفنون كنشاط إنساني، تنقل لنا تقاليد متناهية القدم سواء في أشكالها أو زخارفها وخطوطها التي تعكس أحاسيس الفنان الشعبي وانفعالاته، وهي تمثل لنا نسيجا واحدا تجمعه وحدة عضوية واحدة هي الإنسان: فكره وحسه ووجدانه”.
وبحكم دراستها للفنون في القاهرة، فقد تأثرت الفنانة الإماراتية بالعديد من الفنانين المصريين الرواد، من أمثال محمود مختار، ومحمد سعيد، وحامد ندا، والإخوة وانلي، والسجيني، وغيرهم، كما تحرص على المشاركة في العديد من المعارض والملتقيات الفنية من العاصمة القاهرة وحتى مدينة الأقصر في أقصى صعيد مصر.
محطات مهمة
◙ للزمان والمكان حضور مباشر وقوي
مرت نجاة مكي بالكثير من المحطات الفنية المهمة في مسيرتها الثريّة مع الفنون التشكيلية، ونتذكر من بين تلك المحطات محطتين: الأولى معرض “مدارج الدائرة” الذي ضم لوحات الكتاب المشترك لها مع الشاعر المغربي حكيم عنكر.
وعن ذلك المعرض تقول مكي إنه خلال تلك التجربة المشتركة – تجربة معرض وكتاب مدارج الدائرة – تطورت مفاهيم ومعاني الدائرة في تجربتها الفنية من مجرد معطى بصري أو تزويقي في أعمالها إلى محمول فلسفي، وجدية صوفية، ممتزجة بمسافة متداخلة في عالم اللون والالتماعات من خلال تدرج الأخضر الدال على المقام الصوفي، إلى عنفوان الأزرق الذي بات التماسا للصفاء واقتفاء حركة الوجود مرورا بتوهج الأبيض الذي يمنح النور ويسمو بالكلمة إلى مراتب الصمت، واشتقاقات تعود بالعناصر إلى الأصل الذي يتوق إلى الجوهر والتوحد فيه، لتظل محاولة البحث عن الاكتمال والخروج من الخفاء إلى التجلي قائمة.
وأما المحطة الثانية من المحطات المهمة التي مرّت بها الفنانة التشكيلية نتذكر، هنا، معرضها الذي حمل عنوان “أنوار القلوب”، الذي وصفه الكاتب والفنان عمر عبدالعزيز بأنه حمل “مقترحات بصرية جمالية جديدة”، وأنه مثّل انطلاقة لمكي من مفهوم التوحيد الإسلامي المقرون برحلة المعراج الطويلة، من المُجسَّد الملموس الخاضع لقوانين الفيزياء الوجودية الأرضية، إلى المجرد اللا مرئي السابح في فضاء الأثير الماورائي متعدد الأنساق والأبعاد، ورأى أن المعرض تجلى فيه المعنى الجوهري للفراغ الدلالي المُتمثِّل في المحراب، وهو المعنى الذي يتَّصل ضمنا بعمارة المساجد التي تستظهر أنصاف الدوائر، وتواليات الشكل الهندسي المكرور حدّ الامتداد، وانفساحات الإضاءات على الداخل والخارج المرئيين؛ فكأن ضوء الداخل في حالة تشرُّب للمُتَّسعات والفراغات، ناقلا دفقات الأنوار الداخلية.
وبيّن عبدالعزيز أن أعمال الفنانة من الخارج مثّل فيها الزجاج الملون المُعشَّق كوة نور وألوانا قادمة من انعكاسات ضوء الشمس، وهي بجملتها نماذج لفكرة الفنانة، مؤكدا أن في معرض “أنوار القلوب” لم تكن هناك حواجز بين الجدران، ولا انغلاق ميكانيكي في أربع جهات، بل الجهات هي المنطلق لتعدد لا متناه لمفهوم الجهات ذاتها، فاليمين واليسار، والأمام والخلف، والفوق والتحت، انطلاقة مؤكدة نحو وجود أشمل وأرقى.
وأكد أن نجاة مكي مازجت في تجربة هذا المعرض بين الرسم والبناء التركيبي المفاهيمي، فيما تستدعي الإشعاعات فوق البنفسجية، كمؤشر إضافي على الانتقال بالألوان إلى آفاق جديدة، ومستويات أخرى من البهاء اللوني الذي كشف أبعادا جمالية متوارية جاءت وكأنها تسعف العين الآدمية بعيون أخرى موازية.
وتواصل الفنانة التشكيلية الإماراتية نجاة مكي مسيرتها الفنية، وتستمر في الحضور بالمعارض والملتقيات الفنية في الإمارات وخارجها، مقدمة في كل مشاركة أعمالا فنية تساهم في إثراء المشهد التشكيلي الإماراتي والخليجي والعربي والدولي، وتبقى تجربتها الفنية على الدوام محط أنظار الدارسين والكتاب والنقاد الذين وجدوا في مسيرتها التشكيلية حالة فنية خاصة، ومُبدعة أصيلة “لا تستكين للجاهز المألوف ولا تقبل بتكرار تجاربها في أكثر من معرض، ولا تكتفي بترويض التجربة وتصعيدها، بل لاحقتها بالمعارف وصولا إلى نيل الدكتوراه مع المعرفة المستمرة والتجريب الدائم”.
◙ تجريد إيقاعي متناغم
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حجاج سلامة