الجزري.. ابتكارات غيرت هندسة العالم

الجزري.. ابتكارات غيرت هندسة العالم

• نجوى محمود
• 17 تشرين الثاني 2023

لقب بأبي علم الروبوتات والهندسة الحديثة، فهو يعتبر من أعظم المهندسين والميكانيكيين والمخترعين في التاريخ، حيث ساهمت اختراعاته في فتح الباب لظهور الكثير من الآلات التي لعبت دوراً محورياً في الثورة الصناعية في أوروبا، فهو واحد من عمالقة الهندسة. إنه بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري الملقب بالجزري.

ولد الجزري في منطقة جزيرة ابن عمر التي تقع في الأقاليم السورية الشمالية على نهر دجلة عام 1136، استطاع بواسطة براعته في الاختراعات العلمية، أن يصبح أحد أعظم المهندسين والميكانيكيين في تاريخ العالم.

نبغ الجزري في العلوم الهندسية في سن مبكرة، وأصبح كبير المهندسين في ديار بكر، وحظي برعاية حكامها، فتفرغ لمخترعاته المدهشة، التي كانت آنذاك الأولى في العالم كله، حيث يعتبر من أوائل من فكروا ونجحوا في صنع آلات ذاتية الحركة، تعمل من دون قوة دفع بشرية كمضخات رفع الماء وساعات مائية ذات نظام تنبيه ذاتي وآلات موسيقية وساعة الفيل التي شرحها في مؤلفه المزود برسومات توضيحية أسماه "الجامع بين العلمِ والعمل النّافع في صناعَة الحيل". ويعد الكتاب أحد أهم ما كتب في القرون الوسطى عن الآلات الميكانيكية والهيدروليكية مدعوماً بالرسوم، وتمت ترجمته إلى عديد من لغات العالم.

كما ورد على لسان المستشرق البريطاني دونالد هيل في مقدمة ترجمته لكتاب الجزري: أنه "صنع ساعات مائية وساعات تتحرك بفتائل القناديل وآلات قياس ونوافير وآلات موسيقية وأخرى لرفع المياه، بالإضافة إلى اختراعات مذهلة وسابقة لأوانها بقرون اختراعه لأول روبوتٍ في التاريخ، وذلك بعد أن طلب منه حاكم ديار بكر أن يصنع له آلة تغنيه عن الخدم كلّما أراد الوضوء، فقام الجزري باختراع روبوت على شكل صبيٍ يمسك في يده إبريق ماء، وفي اليد الأخرى منشفة، وعلى عمامته طائر، وعند موعد الصلاة يصفر الطائر، ثم يتقدم الخادم نحو سيده، ليصبّ الماء في الإبريق بمقدار معين، وعقب الانتهاء من الوضوء يقدم له المنشفة، ثم يعود إلى مكانه.

كما قام الجزري أيضاً بصناعة أول نسخةٍ بدائية من الألعاب التي صنعت بصورة إنسان، وتعمل بوظيفة مبرمجة لها مسبقاً، فقد صنع فرقة موسيقية تطفو على سطح الماء مؤلفة من شخصيات عدة، كل واحدة منها تصدر صوت آلة موسيقية معينة. وقد وصف مارك إي ريتشمان في كتابه "تاريخ تطور الإنسان الآلي"، فرقة الجزري الموسيقية بالقول: على عكس الإغريق، فإن الأمثلة العربية للإنسان الآلي لا تعكس تطوراً مفصلياً في التصميم فحسب، بل تعكس توجهاً لاستخدام الموارد المتاحة لراحة الإنسان، وقد صنع الجزري هذه الآلة الموسيقية خصيصاً لتسلية ضيوف البلاط الملكي في ديار بكر.

كما تعتبر ابتكارات وكتب الجزري أحد أسس النهضة العلمية في الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى والتي انتقلت فيما بعد إلى أوروبا؛ فمع بداية عصر النهضة في أوروبا في القرن السادس عشر، كان كتاب "الحيل" للجزري من طلائع الكتب التي تمّ طبعها في مطبعة عائلة مديتشي بإيطاليا، والتي كانت تعنى بطبع كتب العلماء المسلمين.

ساهم استخدام الجزري عمود التدوير في إدخال تطويراتٍ كبيرةٍ في الهندسة الحديثة، خاصةً في تطوير المحرّك البخاري والمحرّك ذي الاحتراق الداخلي المستعمل في السيارات اليوم، وخصوصاً أن عمود التدوير وذراع الكرنك كانا من أهم الأجزاء التي أنجحت الاختراع.

كان علم الجزري أحد أسس النهضة العلمية في الحضارة العربية الإسلامية التي انتقلت فيما بعد إلى أوروبا، فقد اعترف العالم لين وايت والكثير من علماء الغرب أن الكثير من تصاميم الآلات التي ابتكرها الجزري قد نقلت إلى أوروبا، وأن التروس القطعية ظهرت لأول مرة في مؤلفات الجزري، وأنها لم تظهر في أوروبا إلا بعد الجزري بقرنين في ساعة جيوفاني دوندي الفلكية.

كما كان الجزري أول من تحدث عن ذراع الكرنك، وابتكر آلات رفع المياه، واستخدم الكرات المعدنية للإشارة إلى الوقت في الساعات المائية.

وتُرجم كتاب الجزري إلى عدّة لغاتٍ، وتعرض اليوم نسخٌ عديدةٌ منه في متاحف شهيرةٍ حول العالم، أبرزها متحف الفنون الجميلة في بوسطن، ومتحف اللوفر في فرنسا، ومكتبة جامعة أوكسفورد، ومكتبة اسطنبول.

----
المراجع


-بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية، حليمة الغراري، المكتبة الشاملة الذهبية.

-موسوعة عباقرة الإسلام، محمد أمين فرشوخ، مكتبة عين الجامعة.