كتب الصديق الغالي والأخ الحبيب الشاعر فرحان الخطيب رفيق المسيرة وعضو هيئة الإشراف هذه اللمحة المكثفة عن الديوان السوري المفتوح فقال :
الدّيوان السُّوري المفتوح
للأديب حسن إبراهيم سمعون
وثيقة أدبية نُقشتْ بأقلام الشرفاء ودماء الشهداء
بقلم : فرحان الخطيب
لم يتسنّ للكثيرين أن يطلعوا على الجزء الأول من الديوان السوري المفتوح الذي أسسه وأشرف عليه الشاعر والأديب حسن ابراهيم سمعون ، والذي ضم بين دفتيه عددا من القصائد والقصص تمجد نضال وصمود الشعب السوري ضد الهجمة الشرسة التي تعرض لها في السنوات الماضية ، ولأنني كنت على صلة وثيقة بالمشرف على الديوان فقد شاركت مع هيئة الإشراف على إنجازه ، واعتبرنا أن المهمة انتهت حال صدور الكتاب ، ولكنّ إصرار وانتماء سمعون على متابعة العمل ، زادنا يقينا بنبالة هذا الأديب السوري المعتّق بعشق لا يُحدّ ولا يوصف بتجذّره الذي يمتدّ عبر الاف السنين في تربة الحضارة السورية ، التي تبدّت لديه واضحة وجلية ومخضوضرةتحملها لنا شجرة الجوز الفارهة الأغصان ، وقرص العنّا ، والعكوب ، وسنابل القمح ، وموج البحر ، وأبجدية أوغاريت ، وقلعة الحصن ، وقبل كل هذه المعالم ، يظهر سمعون الذات السورية العالية الشأن ، والشاهقة الحضور ، والراسخة في الوجود الإنساني عبر مدارات العصور .
لم يكن لسمعون أن يقف كشاعر موقف المتفرج مما يحدث لسوريتهِ، فكان شديد الانتباه إلى أنّ الشرفاء من الأدباء والشعراء في سوريا وخارجها يحملون الوطن حدقة العين ، ونأمةِ الصدر ، وخفقة القلب ، وبجولة عشقية على توضّع حروف المحبين والمدافعين عن قامة سورية ، تمظهرت لديه الكنوز الأدبية التي تندلق من خلالها المشاعر الصادقة ، والأحساسيس المحتشدة بمحبة الوطن ، وبالمواقف الجريئة التي يقفها غير السوري إزاء الحق والعدالة ونصرة الشعب السوري ورفع الظلم والحيف عنه ، فكان لا بدّ وأن تتشكل في مخيلة الشاعر ، صورة لفعل ما ، يدوّن فيإطارها رؤى الذين أضاءت شمس الحق دروبهم ، وأرتهم بصيرتهم وشمائلهم أين سطوع الحقيقة ، وأين ظلمة الحاقدين ، فكان لمعشر الناس هذا السفر الأدبي الجليل ( الديوان السوري المفتوح )في الجزء الثاني ، وفي متنه، تمهيد وتوطئة لمؤسس الديوان ، وخمس مقدمات لأدباء من سوريا والعراق وفلسطين ، ومئة وثمانية وثمانون عنوانا ما بين قصيدة عمودية و قصيدة تفعيلة وقصة قصيرة و قصة قصيرة جداً ونصٍ أدبي .
وقد وردت هذه النصوص من الأردن ، الجزائر ، السعودية، سلطنة عمان ، العراق ، فلسطين ،فرنسا ، لبنان ، مصر، المغرب ، إضافة إلى سورية .
وتبين لنا خلال الإشراف والتدقيق والانتقاء مع عدد من الزملاء ومؤسس الديوان، أنّ الكثير الكثير من كافة الشرائح وعلى اختلاف الأجناس الأدبية المعروفة رغبوا بالمشاركة ، ولكن الاختيار كان للمقبول فنيا وصولا الى أسماء كبيرة ساهمت في إغناء هذا الديوان ، وبكل الأجناس ، وقد انضوت كل النصوص شعراً ونثراً تحت العنوان الأساس ، وهو الحديث عن شموخ سوريا وتصديها للإرهاب ، ولكن هناك موضوعات كثيرة تتفرع عنها وجدتها منثورة في القصائد التي حواها الديوان ، وأرى أن دمشق وصمودها هي درّة الديوان ، فدمشق أسطورة الصمود ، وقاهرة الإرهاب ، وعلى ذراها يتكسر الشر وينتصر الحق ، ويمثل هذا المعنى الشاعر اسماعيل ركاب بقوله :
فالشام صامدةٌ وباقيةٌ وعلى ذُراها الحق ينتصرُ
والشام أغنية وقافيةٌ فلتنهلِ الأسفار والزّبُرُ ص٥٧ .
ويرى الشاعر أحمد محمود حسن الشام لم تزل حاضرة على مسرح التاريخ ، وهي التي تتصدى بلطفها وإنسانيتها للمسيئين ، كما تتصدى بقوّتها للإرهابيين ، يقول :
فليتهم يقرؤون الشامَ عن كثبٍ والشام عن مسرح التاريخ لم تغبِ
يبدون سوءتهم في وجهها أبدا والشّام تأخذهم باللطف والأدبِ ص٤٥.
أما الشاعر سعيد مصبح الغافري من سلطنة عمان ، يصور برهافة حسّه الشاعري دمشق ، في بهاء نور وجهها ، وصباح قهوتها الشّهي ، أمام نوافيرها ونباتات زينتها من فل وزعتر ، يقول :
هلا بدمشق يا وجها بهى بالنور إذ أسفرْ
صباحُ القهوة الأشهى بقرب الفلّ والزعتر ص ٨٧.
والشعر يوّرد خدَّ الزمان إذا تغنى بجمال دمشق ، والشعر يزداد توهّجا وجمالا إذا أنشدته الشاعرة ميساء يوسف ، تقول :
خَدُّ الزمانِ إذا بدتْ يتورّدُ فدمشق عشقي والهوى يتودّدُ
يزداد حرفي بالجمال توهجاً لمّا لوجهِ دمشقَ شعرا أنشدُ ص١٦٦
وللشعب السوري صمود غيّر اتجاهات سياسات دول العالم حينما وقف وقفة رجل واحد أمام نوائب الزمن التي رمت سهامها عليه ، وقد اقتنص المعنى الشاعر فايز عز الدين وصوّره بمشهدية بصرية لافتة ، يقول :
لا يُهزم الشعبُ مهما عربدت أُمم لانَ الحديدُ وعزم الشعب مالانا
مَنْ ذا يفرّط ُ كي يحيا بلا وطنٍ يستاف مرَّ كؤوس الدهرِ حيرانا ص ١٢٢
ويمثّلُ الجيش سياجَ الوطن المنيع ، فصان حِماه ، وحفظ أراضيه ، واستبسل أفراده في الدفاع عن حياضه ، حتى ضرب مثلا في الذود عن سمائه وبحره وبرّه ِ، هكذا رأى جيشنا البطل الشاعر حسن إبراهيم سمعون ، فيقول :
عزم الرّجال سياجُ الدار لا حجرٌ والجيش أصدقُ من سفر ولو صدقا
طوبى حماةَ ديارٍ الله في وطني منه السلام لكم يافخر مَنْ خلقا ص٧٤
وكثيرة هي القصص ، بل الملاحم التي سطرها أبطال جيشنا الغر الميامين في معارك الشرف والكرامة التي خاضوا غمارها وهم رافعو الرؤوس ، منتصبو الهام ، يصور ذلك كشاهد عيان ، وأحد أبطال جيشنا ، وشاعر من شعرائنا المقاتلين غالب جازية فيقول :
اللهُ أكبرُ هذا جيش أُمتنا جابَ الصعاب وخلى الشمس تهوانا
جيشٌ تمرّس في صوغ العلا فصصا إذا رواها يصيرُ الساح برهانا ص ١١٥
وقد صوّر شعراؤنا الإرهابيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان ، وتجنّدوا في كتائب الباطل ضد الحق والجمال ، وسلّوا سيوف الخراب والدمار ، في وجه التقدم والتطوير والعمران ، ولكن إذا كان للباطل جولة ، فللحق جولات ، بل انتصارات ، وهذا ما تراه الشاعرة مرام دريد النسر ، فتقول :
سلّوا السيوفَ بوجهِ الشام ، ويحهم وشتتوا شملَ مَنْ في رحمها وُلدا
واستبدلوا الشّدوَ بالبارودِ فاعتذرتْ كلّ الطيو،وغنّى الموتُ منفردا ص ١٥٥
وفي الديوان السوري تتبدى جماليات الوطن ، ومدى تعلق مواطنيه به ، فالوطن حب وجمال وطفولة وريح صبا ، والوطن حلم المرء في بلاد يزينها الشعراء بقصاىدهم المحتشدة ببياض الحب الذي يسمو على اللغة ، وبهذا المعنى ينشد الشاعر منير خلف ، ويقول :
فيا بلادي كوني حُلْم لوحتِنا وفسّري جهلنا بالحبِّ والسعةِ
ولوّني في يدينا الحبّ أجمعهُ بأبيضِ الحبّ كي نرقى على اللغةِ ص ١٥٩
ودمشق تبقى في رؤى الشعراء مهد عزّة المواطنين ، وبإسمها ترفع الهامات عالياٌ ، وبشموخها تعتز النفوس وترتفع الجباه ، ودمشق أقدم عاصمة في التاريخ لن تفنى ، ولن تضيع ، وهي دائما كطائر الفينيق تنهض من جديد بعد كل محنة ، تقول الشاعرة علا عبدالله :
لا يادمشق، ولا يامهدَ عزتنا لا لن تضيعي ولن تذوي وتحترقي
فينيقُ أنتِ فكيف الموتُ يقهرُنا فمن رمادِ جنون الحاقد انبثقي ص ١٠٨ .
وللحلم أمداء واسعة ، وخيالات تتماهى مع ألوان قوس قزح ، حيث تذهب الشاعرية الحقّة في مطاردة غزالات الأماني النافرة من على سهوب الحياة ، ولكنها الحرب قد شوهت الرؤيا ، ورمّدت الحلم كما يقول الشاعر إحسان قنديل :
حلمت كما تحلمينْ..
بأنّا نشيدُ من الحب بيتاً ..
وتسدل أجفانه ياسمينْ ..
ولكنها الحرب ..لكنها الحربُ ..
لكنها الحرب سيدةٌ ..
والزمان قتيل ..ص١٩٢
ولا تبتعد المرأة عن مسرح العاصفة التي تفتح فاها شرهة لتأكل الأخضر واليابس على الأراضي السورية ، بل تقف إلى جانب الرجل كلمة وفعلا ، فوجدناها في كل المواقع تدافع عن سوريتها بما تحمل لها من حب ، تقول الشاعرة رحاب رمضان:
أنا الانثى ولن أقهر..
يُحلّي دمعي العلقم ..
ودمعاتي عصياتٌ لبركانٍ ولن يخبو..
برشِّ العطر مرهونٌ ..
بحبّ الشام مسكونٌ .. ص ٢٣٣
وقد أحاط الشعراء بكل الأسباب التي دعت إلى الحرب الظالمة على سوريا ، وحللوا ودرسوا وفندوا العناصر التي أحاطت بهذه الحرب ، ورأى الشعراء أن بعض حراب الأهل قد وُجّهت إلى صدر الوطن ، ويعزو الشاعر محمد خالد الخضر كل هذه الكوارث إلى فرقتنا وتبعثرنا كشعب وكأمّة ، فيقول :
لا تعتبي يا أرض ..
نحن جماعة لا نلتقي ..
إلّا لأجل بطوننا وجيوبنا وفروجنا
حين العدو يخيفنا نتمذهبُ..ص ٢٨٥ .
ولا يجد الشاعر جمال الجيش إلّا الصباح والندى وهما يمثلان الأمل بالخلاص من هذا الواقع المزري ، حيث العواصم العربية تحوّلت إلى مومسات ، وهذا يدلل على عهرعربي تجاه سوريتنا الغالية ، فأناخ الشرّ بكلكله على صدر الوطن ، وغدت الشواطىءأضرحة لكثرة الشهداء الذين بذلوا دماءهم ليحيا الوطن ، ولكي تبتعد البلاد عن الهاوية ، فيقول :
كيف تأخذنا البلاد إلى مداها ..
ثم تهوي ..
كيف تنقلب العواصم مومساتٍ ..
والشواطىء أضرحةْ ..
ياريحُ ..يا شهداءُ ..يا طعمَ الندى ..ص ٢٠٨ .
ولعلّ الشاعر محمود نقشو استطاع أن يذهب بعيدا في لومه على الأمة ، التي وضعت ذاتها في إطار التاريخ المحنّط الذي ما طوّرناه عبر القرون ، وما استفدنا من تجارب الأمم ، وبقينا رهن إشاراته وكأننا أحياء يحكمنا الموتى ، رؤيا الشاعر أصابت كبد الحقيقة ، حتى أنه تمنى لو أننا لم نكن بسبب ما آلت إليه حالنا اليوم فيقول :
ليتهم ظلّوا انسكاباً في متاهٍ ..
وانعتاقاً في جرار ..
ليتهم ما أسرجوا خيلاً ،
وما شدّوا مدارَ الشمس في عرض البحار ..
كان صعباً أن يكونوا " سقط زند " في الرؤى ..
أو مسَّ نارْ ..
سادةُ التّاريخ غابوا في الإطار ..ص ٢٩٣ .
أمّا الشاعر نزار بني المرجة ، فيعيدنا إلى أسطورة طائر الفينيق الذي تعود إليه الحياة بعد احتراقه ، ولم لا والسوريون هم أبناء حضارة الفينيق، فيقول :
أنا طائر الفينيق..
تقصدني القوافل والنهاية ..
كي تصيرَالمبتدا ..ص ٢٩٩
وتبقى سوريا في نظر الشعراء ، وكما أراد لها شعبها وحماة ديارها ، وطنا يسيجهُ الورد ، ويتعمشق على أسواره الياسمين ، وستبقى المحبة عالية في ربانا ، يعلي مداميكها أبناؤها الذين آمنوا بها ،يقول الشاعر نزار بريك هنيدي :
مازال لي..
وطنٌ بلون يمام أهل الشّام ..
أن خمدتْ شموس الكونِ ..
أشعلها بأنفاس المحبة ..
كي يمورَ الكونُ في نُعمى الهديلْ .. ص ٢٩٨.
والشاعر محمد بشير دحدوح يحلم أن ينام في الشام ، ويستيقظ ذات صباح ، وإذ الخمائل تنشر عطرها ، وشذا الأزهار يتثنى غنجا في آفاقها الشاسعة الأمداء ، فيقول منتشياً :
أطرقَ الليل والسحور يصلي سجدة العشق والصباح اعتلال
حيث أغفو سويعةً في الشّآم إن تثنّى الشذا وماس الدّلالُ ص ١٣٧.
ولأن الشام هي رمز الوطن ، وشامة سوريا الساحرة الجاذبة ، بل رمز كرامتها وعزتها وانتصارها ، لابد من قيامتها من جديد لتكون العروس الأحلى والأبهى في نظر الشاعر فرحان الخطيب ، الذي يراها عشقاً ومقاومة وانتصارا ، فيقول :
في الشام ..
يندلق المساء على فساتين البناتِ ..
كأنهنّ المهرجانْ ..
ماهمّهُ التّكفيرُ يزعق بالقنابلِ ..
والمذابحِ والدّخانْ ..
فالشام تصنع عشقها بأريجها ..
والشام وجهتها الندى والأقحوانْ ..
والشام يحرس ليلَها سيفٌ دمشقيٌّ ..
تمرّس بالبطولة والطعان ..
سيفٌ كسيف " العظمة " المسلولِ ..
من غمد الزّمانْ ..ص ٢٧٦ .
ولا تغادر الديوان السوري المفتوح الذي أسسه وأشرف عليه الأديب والشاعر حسن ابراهيم سمعون إلّا وأنت مندهش من صبره ، وحلمه وأناته ، لإنجاز هذا السفر الغني في مضمونه والجميل في شكله ، فقد استطاع سمعون أن يراسل ويخاطب ويهاتف وينتقي ويختار ، معتمدا على شبكة معارف واسعة ، وعلى ذائقة وطنية عالية ، أقول وطنية لأنه غض الطرف أحيانا عن نصوص بما فيها من هنات ، لأن صائغها مَن له نصيب في جداول الدم التي سقت تراب سوريا، ولا ينكر القارىء للديوان وجود اسماء كبيرة ومشعة أثرت المشهد الأدبي السوري خلال عقود خلت ، وتحفّلت بأسمائهم الدوريات والصحف والمنابر السورية والعربية ، وقد ضم الديوان السوري المفتوح بين دفتيه الحاضنة لأربعمائة وثمانين صفحة ، ضمّ اثنين وثمانين قصيدة عمودية ، وثلاث وأربعين قصيدة تفعيلة ، وثلاثين قصة قصيرة ، وثمان عشرة قصة قصيرة جداً ، وخمسة عشر نصّا مختلفا .
الأديب والشاعر حسن إبراهيم سمعون ، ننتظر منك الجزء الثالث ، ومتمنين لك العطاء الدائم والاستمرار في مشروعك الأدبي الوطني النبيل .