قراءة للمجموعة الشعرية (أهُزُّ النسيان) للشاعر العراقي:باسم فرات.بقلم: د.مسلم الطعان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة للمجموعة الشعرية (أهُزُّ النسيان) للشاعر العراقي:باسم فرات.بقلم: د.مسلم الطعان

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1701543216231.jpg 
مشاهدات:	14 
الحجم:	174.3 كيلوبايت 
الهوية:	179722
    مسافة الورد في حدائق القصيدة:
    قراءة مسافاتية في المجموعة الشعرية الموسومة ( أهُزُّ النسيان) للشاعر العراقي باسم فرات
    بقلم: د.مسلم الطعان

    مسافة العنوان
    كل شاعر، بوعي أو دون وعي، يزرع بذرة جمالية في تربة نصّه، وتلك البذرة تصبح بؤرة و تتحوّل إلى شجرة تجذب القارئ نحو تسلقها أو محاولة هز جذعها لتتساقط أوراقها أو ثمارها، وفي كلا الحالتين ثمّة متعة جمالية تتشظى إلى مسافات عدة. و عندما نتأمل الخطاب الشعري الذي ينسجه الشاعر باسم فرات، نشعر بأن المسافة الجمالية Aesthetic Distance التي يعمل منها الشاعر كفخ جماليّ لإصطياد أو إغواء المجسّات الحسّية للقارئ-المتلّقي تكون البؤرة المسافاتية للنص. إن الشاعر باسم فرات في خطابه الشعري يسعى إلى ملاحقة فراشات الذاكرة حتى في بساتين النسيان، وعندما يصبح النسيان شجرة حتى ولو بمسافة وهمية، فإنّ الشاعر يدعونا أو يدعو ذاته الشعرية لهز جذع شجرة النسيان لتتساقط منها أوراق الذاكرة العبقة.
    -مسافة الطفولة واليتم المبكّر
    كل ورقة مسافة وكل مسافة وردة يفوح منها عطر الذاكرة المتعلقة بيتم مبكر وأب غائب وأم تترمّل وهي في ريعان الشباب، وهكذا نجد الشاعر- الرحّالة يمضي باحثاً عن عطر الذاكرة حتى لو كلّفه جهد هز النسيان العمر كله، فالشاعر طفل يشعر بمرافقة مسافة اليتم حتى وإن عبر عتبتها:
    (طفلٌ غادرَهُ اليتمُ
    و هو يفكّرُ بالتفاتةٍ
    تفكّرُ في النسيان./ قصيدة: أمنية/ ص12/ديوان: أهزُّ النسيان)
    الطفولة لدى الشاعر ليست مسافة شخصية وإنما قارة شاسعة من المسافات، في كل مسافة تقترب القصيدة من وردة إحساس الشاعر- حتى وإن تجاوز عتبة الخمسين من العمر ، الطفولة بمسافة البراءةInnocence Distance هي صنو للبياض وهكذا يجعلها وردة حسيّة في نص بعنوان ( شهقة عصفور) إذ يقول:

    ( لبياضِكِ
    دهشةُ طفل
    و خريرُ فراتٍ يمسحُ عن البلاد أحزانَها،
    لبياضِكِ
    إسراءٌ نحوَ ملكوتِ القصيدة..

    أقطفُ العسلَ من شفتيكِ
    فيغارُ العطرُ
    و ترتبكُ شهقةُ العصفور./ ص7/ ديوان:أهزُّ النسيان)

    -المسافة الحسيّة للوردة عندما تكون في حضن القصيدة
    في قصيدة بعنوان (حرث) يقول الشاعر:
    ( يقودُني عبقٌ نحو فراتِكِ
    بنفسجةٌ تتسلّقُ جبلاً
    يئنُ اللسانُ تحتَ لونِها
    والكلماتُ قصائدٌ لا تغادرُ السرير
    لهفتي تحرثُ بُستانكِ. ص6/ ديوان: أهزُّ النسيان)
    الوردة والمرأة والقصيدة يتبادلنَ مسافاتيَّاً أدوار توفير الزاد الحسيّ للشاعر- الرحّالة الذي يجوس الديار ويعبر الأنهار و البحار والقفار بحثاً عن سرير ٍ جماليّ يوفر له الراحة الفراتية التي يبحث عنها منذ مغادرته مسافات الفرات الذي يدخر عبقه في وجدانه، فالوردة هنا بنفسجة لها القدرة على تسلّق الجبل ولها ذلك اللون السحريّ الذي يئنُ اللسان تحت وطأته، وبهذا السحر تصبح الكلمات قصائد متشبثة بغواية السرير، أما لهفة الشاعر فهي كفيلة بحرث البستان على إختلاف مسافاته.

    -الشاعر بين مسافتين: مسافة الوردة و مسافة القصيدة
    مسافة الوردة لها حضورها الجماليّ في مخيال الشاعر وحتى في لحظات إنتظاره لوهج القصيدة تراه مستفَزاً من عطر خفي لابد من قدومه وذلك يكون مستفِزاً لأدواته الحسّية لكي تستقبل ضيفته الجمالية التي ينتظرها بفارغ الصبر الشعريّ حيث يقول:

    ( الوردةُ التي زرعتِها في يدي،
    ما زالَ عطرُها يُشعُّ
    انتظرتُكِ بكل حيرتي بكِ،
    الليلُ مضى و تبعتهُ الأيامُ خَجلى

    و ما زالَ حضورُكِ يؤرّقُ الوردةَ
    فيشِعُّ عِطرُها في الذاكرة.
    قصيدة: إنتظار/ ص27/ ديوان: أهزُّ النسيان)

    مسافة الخاتمة: الشاعر يقرأ مسافات المرأة في القصيدة
    تتعدّد مسافات المرأة في الخطاب الشعري الذي يبدع بكتابته الشاعر باسم فرات الذي يجيد الإمساك بخيوط لعبة التبادل المسافاتي فتارة تجدها وردة، وتارة تجدها قصيدة، وأخرى تجدها فراشةً حلمية أو هلامية يلهث الشاعر في رحلة البحث عنها عابراً الأنهار و البحار والجبال والصحارى والسهول. فقاموس الورد لديه يعّج بمسافات عطرية تنبجس من نافورات الرازقي والبنفسج والآس ومن زهور شعرية تنبت بذورها في تربة مخياله الخصب الذي ينتج لنا بساتين عطر تأخذ من الأنهار إيقاعات تدفقها، والشاعر يقدم لنا المرأة بمسافاتها المختلفة حسبما ترسم فرشاة شعريته جسداً لا يشبه أجساد النساء حيث:
    ( في شَعرِها تسكنُ الريحُ
    عيناها دليلٌ للأسى
    نظرتُها جيوشُ مغولٍ
    عانقتُها في قصائدي كثيراً
    حرثتُ بساتينَها
    إمرأة ٌ شفتاها نبيذ./
    قصيدة: إمرأة (1 )/ص14/ديوان: اهزُّ النسيان)

    لو تأملنا الجغرافية الجماليّة Aesthetic Geography للنص أعلاه، لرأينا المكان يتحوّل مسافاتيّاً ، أي من مسافةٍ إلى مسافة ٍأخرى: شعرها مكان لتسكن الريح فيه، عيناها دليل سياحي للمغامرين في غابات الأسى،نظرتها مسافة تاريخية نقرأ فيها جيوش المغول، قصائد الشاعر مسافات حسّية يمارس فيها فعل العناق على فراش القصيدة، مسافات بساتينها جاهزة لفعل الحرث الحسّي وتلك الصورة تتكرر في أكثر من قصيدة، أما الشفتان فهما الحانة الجمالية التي يكرع فيها الشاعر كؤؤس نبيذ لذته العارمة.
    * المصدر: أهزُّ النسيان/دار صهيل للنشر والتوزيع/ القاهرة/ الطبعة الأولى/ 2017
    * الصورة تجمعني بالشاعر باسم فرات في مقهى عراقي في مدينة سيدني في 22 تشرين الأول 2023 وهو يهديني ديوانه الموسوم ( أهزُّ النسيان)، و دواوين أخرى.
يعمل...
X