تصفّحتُ صفحةَ الفنَّانة السُّوريّة العزيزة أنديرة إيليا، وإذْ بها تنشرُ آخر لوحاتها قائلةً:
"معكم أحببْتُ أنْ أودّعَ فصلَ الخريفِ بلوحتي هذه عساها تنال إعجابكم واستحسانكم، ..
وفصول خيرٍ وجمالٍ وهناءٍ أرجوها لكم".
وقفتُ عندَ استهلالِها ولوحتِها، واستهواني أنْ أستوحي ما يلي مِنْ فضاءِ لوحتِها وما جاءَ في استهلالِها.
أودُّ الإشارة إلى أنَّ الخريفَ في ربوعِ أوروبا مِنَ الفصولِ الجميلةِ، فلا هو باردٌ ولا هو حارٌّ، هو فصلٌ معتدلٌ وجميلٌ بألوانِهِ البديعةِ، وقَدْ رسمَتِ الفنَّانةُ أنديرة إيليّا هذهِ اللَّوحةَ بمهارةٍ رهيفةٍ، مُفعمةٍ بحساسيّةٍ لونيّةٍ بهيجةٍ، رسمَتْها مِنْ وحي الخريفِ وهي تودِّعُهُ، وكأنَّها تُريدُ أنْ تَحتفظَ بهذا الجمالِ في ذاكرتِها كي تُبهجَها هذهِ العوالم كلَّما نظرَتْ إليها في صباحاتِ الشِّتاءِ الطَّويلِ، وقد وُلِدَتِ اللَّوحةُ مُكتنزةً بألوانِ الفَرحِ والحُبِّ والجَمالِ والرَّشاقةِ والبهاءِ، وطَغى اللَّونُ الأحمرُ برهافتِهِ المُتعانقةِ مَعَ جذعِ الشَّجرةِ بتفرُّعاتِ جُذوعِ أغصانِها الَّتي احتضنَتْها الأوراقُ الغارقةُ في الاحمرارِ وكأنَّها في حالةِ حُبٍّ عميقٍ لمعانقةِ ديمومةِ الحياةِ، يجاورُها شجرةٌ بأوراقٍ صفراءَ فاتحة مَعَ أوراقٍ خضراءَ، وكأنَّ هذهِ الألوان تَعِدُنا بالتَّجدُّدُ والأملِ القادمَينِ، وعلى مِساحاتِ الأرضِ نشاهدُ بعضَ الأعشابِ المخضوضرةِ واخضرارِ شُجيراتٍ صغيرةٍ تطلُّ علينا ببسْمةٍ وارفةٍ، تُشبِهُ إلى حدٍّ بعيدٍ بسْمةَ الفنَّانةِ وهي تنظرُ إلى الأيَّامِ القادماتِ بكلِّ أملٍ وحبورٍ، فالفنَّانةُ تُشبِهُ لوحتَها مِنْ حيثُ الجمالُ والبهاءُ والفرحُ المتراقصُ في فضاءَاتِ لوحتِها، فقَدْ رسمَتْ مشاعرَها الرَّهيفةَ عبرَ إشراقةِ لوحتِها، ورسمَتْ بينَ رِحابِ الأشجارِ طريقاً مفتوحاً على مِساحاتِ الشّوقِ المُنبعثِ مِنْ قُلوبِنا إلى أحضانِ الطّبيعةِ وشهيقِ الحياةِ، وفي ذُروةِ شوقِها إلى نسائمِ الصَّباحِ المفعمةِ بحيويةِ الفُصولِ وهي تموجُ بهجةً وحُبوراً. وكلُّ هذهِ الجماليّات اللَّونية انبثقتْ مِنْ أعماقِها الفنِّيّة لأنّها مسكونةٌ بالفرحِ والحبِّ والجمالِ ومُهجةِ الألوانِ!
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم