Sami Moubayed - سامي مروان مبيّض
١٨ أغسطس، الساعة ١٢:٥٧ م ·
من دمشق إلى كابل
سامي مروان مبيّض
هل تعرفون هذه السيدة؟ إنها ملكة #أفغانستان ثريا الطرزي، بنت الشّام. ولدت في #دمشق سنة 1899 لأب من أصول أفغانية وأم دمشقية من آل فتال، (من اهالي حيّ العمارة) كان والدها، أي جد الملكة، يعمل مؤذناً في الجامع الأموي. تعلّمت القراء والكتابة عند الخجا، ثم دَرَست على يد المحدّث الأكبر الشّيخ بدر الدين الحسني (والد الشيخ تاج الدين الحسني). عاشت طفولتها وصباها المبكر في دمشق قبل أن تزور أفغانستان لأول مرة في حياتها لتتعرف على ولّي العهد الأمير أمان الله خان.
أحبها الأمير وتزوجها لتصبح ملكة أفغانستان بعد توليه العرش سنة 1926. كانت أول ملكة مسلمة في العصر الحديث تشارك في المناسبات الوطنية إلى جانب زوجها، وكانت بجواره في رحلات الصيد وفي ركوب الخيل، وقد منحتها جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة شهادة فخرية سنة 1928 لدورها في جعل تعليم البنات إلزامياً في أفغانستان.
لا نعرف إن كان لثريا دور في إرسال وفد نسائي من كابل إلى دمشق سنة 1930، للمشاركة في المؤتمر النسائي الشرقي الأول الذي عُقد في قصر العظم داخل سوق البزورية. كان الوفد الأفغاني مؤلف من سيدة تُدعى "معصومة خانم" (والدة السفير ضياء الله فتال) وأخرى اسمها يسرا أديب خان، نزلتا ضيوفاً على "سعاد خانم" شقيقة سامي باشا مردم بك.
وهل كان هناك علاقة بين آل الطرزي بدمشق وعائلة العلامة سعيد الأفغاني؟ هو ايضاً دمشقي المولد والهوى، ابن مهاجر أفغاني مقيم في دمشق، ولكنه أصغر من الملكة ثريا. درس في مكتب عنبر ثم في جامعة دمشق، وأصبح عميداً لكلية الآداب ورئيساً لقسم اللغة العربية في الستينيات.
وفي منتصف الحرب العالمية الأولى، تم أسر الضابط الدمشقي نصوحي البخاري، رئيس الفيلق العاشر في الجيش العثماني حينها، الذي أصبح رئيساً لوزراء سورية سنة 1939. اعتقل ونُفي إلى سيبيريا فتمكن من الهرب....إلى أفغانستان...وحلّ ضيفاً على معارفه في كابل، ولا نعرف إن كان ذلك عند الأمير وزوجته) قبل أن ينتقل إلى الصين ومن ثم إلى اليابان، ليعبر المحيط إلى الولايات المتحدة ثم يعود إلى إسطنبول ومن ثم دمشق.
وفي سنة 1929، قررت سلطة الانتداب الفرنسي نفي المونولوجيست الدمشقي الشهير سلامة الأغواني إلى كابل، بسبب انتقاداته المتكررة لسياساتها في سورية. الخيار الأفغاني كان ملفتاً، لأن معظم المبعدين السياسيين يومها كان مصيرهم إما مصر أو فلسطين، وكانت مدينة كابل أبعد منفى قد يخطر ببال أهالي دمشق. ظلّ الأغواني في كابل حتى صدور عفو خاص عنه من قبل رئيس الجمهورية محمد علي العابد سنة 1932، وقد تحدث عن تجربته الأفغانية في إحدى سهراته الغنائية في سينما دمشق يوم 18 أيار 1950، والتي كانت بدعوة من مديرية الشرطة والأمن العام.
وفي سنة 1943، وبعد انتخابه رئيساً للجمهورية قام الرئيس #شكري_القوتلي بمراسلة ملك الأفغان محمد ظاهر شاه (الذي توفي سنة 2007). طلب منه الرئيس القوتلي مساعدة سورية على نيل استقلالها، ووعد الملك بالتوسط لدى القوى العظمى، نظراً لعلاقتة الطيبة مع حكام البيت الأبيض والكرملين.
هكذا كانت العلاقة السورية الأفغانية في زمن مضى، قبل أن يكون هناك #طالبان في كابل، وقبل ثمانية عقود من الاحتلال الأمريكي. وهكذا يجب أن نذكرها اليوم، بعيداً عن المشاهد المرعبة القادمة من كابل...برفق، لأن هذا البلد العريق لم يكن دوماً مربطاً للمصائب والفتن والتطرف، بل كان بلد خير وسلام وضيافة حسنة.