القديس saint كلمة لاتينية الأصل وتعني المقدّس holy والقداسة مفهوم ديني واجتماعي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القديس saint كلمة لاتينية الأصل وتعني المقدّس holy والقداسة مفهوم ديني واجتماعي

    القديس

    القديس saint، كلمة لاتينية الأصل مشتقة من sanctus وتعني المقدّس holy، وهي ترجمة للكلمة اليونانية hagios وتعني أيضاً المقدّس. والقداسة holiness- sainthood مفهوم ديني واجتماعي، يربطه الإنسان بالأشخاص والأمكنة والأشياء المادية، مثل تقديس الوالي، رئيس القبيلة، البطل، المسجد أو الكنيسة، ويعني الاحترام أو الإجلال، والطهارة والورع، ويثير في النفس الرهبة والخشوع والقلق.
    وقد ارتبطت فكرة التقديس عند الشعوب البدائية بالطوطم أو بفكرة «المانا» mana (القوة)، وكانت قداسة الشخص في كثير من الأمم والديانات ترتبط بقدرته على التنبؤ بالأشياء المستقبلية، وامتلاكه المانا أو القوة الخارقة. ولا تقف قداسته عند حياته بل تمتد إلى ما بعد مماته. وقد تبنت بعض الفرق الدينية هذه الفكرة وتوسعت فيها، ففي البوذية [ر] Buddhism تشير فكرة الدارما Dharmma (أي طريق الاستنارة) إلى كيفية بلوغ المرء مرتبة النيرفانا Nirvana (أي الانطفاء)، وكذلك يوجد في القبالة Kabbalah اليهودية فكرة قريبة من فكرة القديس هي فكرة الصدِّيق tzadik أي الشخص المستقيم والقدسي، وقد ذكر التلمود عددهم 36.
    وفي المسيحية أطلقت صفة القديس على الشخص الفاضل والمقدس، على الشخص التقي ـ الورع دينياً وأخلاقياً. واكتسبت شرعيتها في القرن الثاني عشر الميلادي (مجمع روما ـ 1225) عندما أقرت الكنيسة البابوية Papacy [ر] رسمياً منزلة القديس القانونية، ومنحته شأناً مقدساً شمل حياته وأعماله ورفاته. فاعترفت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بمرتبة القديس، وكذلك الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنائس المستقلة Autocephalic. أما البروتستنتية [ر] Protestantism فقد رفضت الصلاة للقديسين، في حين سمح بها الأنغلو-كاثوليك Anglo-Catholic (الأنغليكانية Anglicanism) والأسقفيات Episcopalians.
    ويعد القديس عند النصارى (عامة الناس) وساطة الشفاعة لهم عند السيد المسيح، يتضرعون إليه في الدعاء والصلاة، على أن تشهد قوانين الكنيسة بمقام هذا القديس أو القديسة في الجنة ليكون أهلاً للعبادة. وبهذا امتلأت العبادات المسيحية بطائفة كبيرة من الأرواح، ترافق الناس، وتشد عزائمهم، وتكون لهم إخوة على الأرض تقربهم إلى السماء. فكان لكل أمة ومدينة ودير، وكنيسة وحرفة ونفس ومولود وأزمة من أزمات الحياة وليّها الشفيع النصير. فكان لإنكلترا القديس جورج St.George، ولفرنسا القديس دنيس St. Denys، وكانت السيدة مريم العذراء[ر] أعظم من ظفر بلقب القديسة،خاصة بعد الموعظة الشهيرة التي ألقاها كبير أساقفة الإسكندرية سيريل Cyril في مجمع إفسوس Ephesus عام 431. ثم قررت الكنيسة[ر] في القرن السادس إقامة الاحتفال بعيد صعود العذراء إلى السماء، وحددته باليوم الثالث من شهر آب/أغسطس، وأضحت السيدة مريم القديسة الشفيعة للقسطنطينية وللأسرة الامبراطورية، وتصدرت صورتها مقدمة كل موكب عظيم، وكانت ولا تزال تعلق في كل كنيسة وبيت في العالم المسيحي اليوناني، ونقل الصليبيون -غالباً- هذا الاعتزاز بمريم وتمجيدها حتى العبادة من الشرق إلى الغرب.
    وقد اعترفت الكنيسة بعدد كبير من القديسين، لأن العامة داومت على عبادتهم وإحياء ذكراهم، فعلقت الكنائس صورهم، ووضعت لهم تماثيل فيها وفي الميادين العامة وعلى الطرق وفوق المباني.
    وحلّ تقويم القديسين المسيحي محل التقويم الروماني. فقد وضعت الكنيسة تقويماً كنسياً جعلت كل يوم فيه عيداً لأحد القديسين. ولكن التقويم لم يتسع للخمسة والعشرين ألفاً من القديسين الذين اعترفت بهم قوانين الكنيسة. وقد بلغ من معرفة الشعب بتقويم القديسين أن التقويم العادي قسّم السنة الزراعية أقساماً أطلق على كل منها اسم أحد القديسين؛ ففي فرنسا مثلاً كان عيد القديس جورج يوم البذار، وفي إنكلترا كان عيد القديس فالنتين St. Valentine يحدد فصل الشتاء، فإذا جاء هذا اليوم تزاوجت بزعمهم الطيور، ووضع الشباب الأزهار على أعتاب النوافذ في بيوت البنات اللاتي يحبونهن.
    ومع كثرة عدد القديسين، كثرت رفاتهم ومخلفاتهم (أثوابهم وأي شيء استعملوه في حياتهم)، وتطلب الأمر أن يحوي كل مذبح mensa في الكنيسة واحداً أو أكثر من هذه الرفات أو المخلفات. فتباهت كنيسة القديس بطرس في روما باحتوائها لجسديّ القديسين بطرس St. Peter (Petrus) وبولس الرسول[ر] St. Paul (Paulus)، وكذلك كنيسة أميان Amiens لاحتوائها رأس يوحنا المعمدان[ر] John Baptist في آنية فضية، ودير القديس دنيس St. Denys لامتلاكه جسم ديونيسيوس الأريوباجي St. Dionysius the Areopagite وتاجه الشوكي.
    وكانت السلطات الكنسية مجبرة لتطويع تمجيد القديسين وعبادة الرفات لخدمة المسيح، حتى أن العديد من الكاتدرائيات في القرنين الخامس والسادس تزودت بالرفات في كل أنحاء الامبراطورية الغربية. وكذلك وصلت العبادة إلى شعبية ملحوظة في هذين القرنين في الامبراطورية الشرقية، حول حوض البحر المتوسط. فكانت كنائس القسطنطينية قبل عام 1204 أكثر غنى من غيرها بالمخلفات المقدسة، وفيها الحربة التي اخترقت جسم المسيح، والعصا التي ضُرب بها، وأجزاء كثيرة من الصليب الحقيقي مغلفة بالذهب. بيد أن معظم هذه المخلفات سرق حين نهبت القسطنطينية، ثم اشتري بعضها وأخذ ينتقل من كنيسة إلى كنيسة في الغرب إلى من يدفع فيه أكبر الأثمان. وكانت تُعزى إلى المخلفات قوى إعجازية، وتروى الألوف من القصص عما تحدثه من معجزات. وكان الناس يبذلون قصارى جهدهم للحصول على أقل أثر ليتخذوه طلسماً (كخيط من ثوب أو نقطة زيت من مصباح مقدس لضريح). وكانت الأديرة تتنافس وتتنازع في جمع المخلفات وعرضها على العباد الأسخياء، لأن امتلاك المخلفات الشهيرة كان يدر على الدير أو الكنيسة ثروة طائلة. وكانت مخلفات زائفة كثيرة تباع للكنائس والأفراد، وكان الكسب يغري بعض الأديرة بالكشف عن مخلفات جديدة عند الحاجة للمال. وكان شر هذه المساوئ تقطيع الأولياء الأموات ليتيسر لأماكن عدة نيل رعاية القديس وقوته. والجدير بالذكر أن كثيراً من الرهبان المؤمنين لم يرضوا عن المعجزات التي تفعلها مخلفات أديرتهم، كما أنه لم يكن للكنيسة ضلع في خلق الأقاصيص الخرافية حول معجزات المخلفات أو مضاعفة عددها، بل كان ذلك من فعل العامة. وقد نشر الامبراطور يوستنيان Justinianus مرسوماً امبراطورياً يحرّم على الناس المتاجرة بمخلفات القديسين. كذلك حرّم البابا إسكندر الثالث (1179) على الأديرة أن تطوف بما عندها من المخلفات لجمع التبرعات؛ كما حرّم مجمع لاتران (1215) عرض المخلفات خارج الأضرحة، وندد مجمع ليون الثاني (1274) بالحط من قدر المخلفات والصور.
    وقد ناهض القديس أوغسطين St. Augustine في بادئ الأمر عبادة القديسين والشهداء، فلم يكن يؤمن بمعجزاتهم، وفضح المتاجرة ببقاياهم، لكنه بعد نقل رفات القديس إتيين St. Etienne لهيبون Hippon في سنة 425 وما حققته هذه الرفات من معجزات شفاء عجائبية، غيّر رأيه، وبدأ بتفسير تقديس الرفات وتبرير ذلك، ثم تسجيل معجزاتها في مواعظ تلاها (ما بين 427ـ430م)، وكذلك في كتابه «مدينة الله» City of God.
    وتمارس في عبادة القديسين طقوس خاصة، منها المآدب الاحتفالية قرب القبر يوم الدفن، وفي الذكرى السنوية. كما تقام في الكنيسة حول المذبح، الذي يتوسطه موقع يحتوي رفات القديس حفلات خاصة ومآدب وعشيات لأعياد دينية ليلية، تجري فيها تقدمة النذور والصلوات والأناشيد والترانيم، قد تمتد حتى الفجر. وهي بالتأكيد حفلات مثيرة للمشاعر الدينية، ينتظر فيها المؤمنون حدوث المعجزات: إبراء من المرض، وطرد للشياطين، ووقاية من الأعداء وما شابه.
    وفي عقيدة الإسلام، ليس هناك ما يشير إلى تداول لفظة «القديس»، أو الاعتراف بها رسمياً أو شرعياً. ومع ذلك فهناك ما يرادفها، إذ يعتقد بعض المسلمين خاصة المتصوفين منهم [ر: التصوف] بقداسة بعض الأشخاص أمثال محيي الدين ابن عربي، وقدرتهم الروحية على إغاثة الناس ومنحهم البركات والتشفع لهم، وعلى هذا كثرت القبور أو الأضرحة في الإسلام وانتشرت في أكثر البلدان الإسلامية، بما فيها الدول العربية أمثال سورية ومصر والعراق وكذلك دول آسيا الشرقية كالهند والباكستان وإيران.
    سوسن بيطار
يعمل...
X