الدراما النفسية والجريمة.. العنوان العريض لأعمال المنصات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدراما النفسية والجريمة.. العنوان العريض لأعمال المنصات

    الدراما النفسية والجريمة.. العنوان العريض لأعمال المنصات … فادي وفائي لـ«الوطن»: الكوكب أصبح مملوءاً بالعنف والحروب والمنصات مرآة لهذه المجتمعات

    | مايا سلامي

    الثلاثاء, 31-10-2023
    تلقى مؤخراً أعمال المنصات القصيرة رواجاً واسعاً في سوق الدراما العربية، حيث عمد صناعها إلى التركيز على قضايا شائقة تحمل طابع الأكشن والغموض قلما شاهدناها في الأعمال الثلاثينية التلفزيونية الطويلة التي لطالما حملت روح الواقع ومشكلاته الاجتماعية، حيث باتت هذه الأعمال تسير في طريق واحد يغوص في عالم الجريمة والأمراض العقلية والنفسية المعقدة التي وجد فيها صناعها مادة دسمة تزيد من إقبال وحماسة المشاهدين.

    ولقد كان لهذه الأعمال بعض الجوانب السلبية، حيث عكست المريض النفسي دائماً بصورة المجرم الوحشي الذي يقتل بأعنف وأبشع الطرق بالإضافة إلى محاولة تقليد أعمال الأكشن الأجنبية الذي دفعها إلى الغلو في بعض الأحداث غير المنطقية مبتعدة بذلك قليلاً عن الواقع من أجل خلق حالة درامية شائقة.

    لكنها من جهة أخرى نجحت في تسليط الضوء على موضوعات اجتماعية كان حضورها خجولاً في السابق، فصورت ضحايا الأمراض والأزمات النفسية والأسباب التي حولتهم من أشخاص عاديين إلى قتلة، وركزت بمجملها على أثر الطفولة القاسية التي قد تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، فأدت بذلك دوراً توعوياً مهماً، كما تمكن صناعها من إظهار إبداعهم على نحو كبير فيها فبرعوا بالنواحي التقنية والإخراجية حتى خرجوا بذلك عن المألوف والمعتاد.

    أعمال عديدة

    وقُدمت في هذا السياق أعمال عديدة تصدرت المشهد الدرامي وحققت إقبالاً جماهيرياً واسعاً، ولعل البداية كانت مع مسلسل «قيد مجهول» الذي فتح الباب في هذا المجال وكان قائماً على مرض نفسي يعاني منه بطله «اضطراب الهوية التفارقي» الذي قدم بحكاية يكتنفها الغموض حلّت عقدتها في النهاية.

    ومسلسل «إيكو» الذي عرض حكاية سورية خالصة محبوكة بقالب من الغموض والإثارة تخلله تسليط الضوء على بعض القضايا النفسية التي ظهرت لدى بعض الشخصيات.

    ثم جاء مسلسل «الحجرة» الذي حقق جماهيرية كبيرة بسبب قصته الشائقة التي دارت أيضاً في فلك الدراما النفسية حول رحلة انتقام يقودها طبيب مصاب بمرض تعدد الشخصيات.

    وعلى الصعيد العربي قدم مؤخراً المسلسل المصري «سفاح الجيزة» المقتبس من أحداث حقيقية عن قاتل متسلسل يعاني اضطرابات نفسية بسبب طفولته القاسية التي تدفعه إلى ارتكاب جملة من الجرائم بقلب ميت دون أي شفقة.

    محطة حساسة

    وللحديث أكثر عن هذا الموضوع تواصلت «الوطن» مع المخرج السوري فادي وفائي الذي تحدث عن تجربته في مسلسل «الحجرة»، قائلاً: «الكوكب أصبح مملوءاً بالعنف والحروب التي لا تنتهي، والمنصات والمحطات ما هي إلا مرآة لهذه المجتمعات، وأنا واحدٌ من هذا الكوكب المملوء بالأمراض النفسية، فالحروب التي وقعت أثرت بشكل مباشر فينا، والحجرة على الصعيد الشخصي كان محطة حساسة نفسياً وفنياً، وعلى الصعيد العملي المتعة التي عشتها في كل مراحل تنفيذ العمل كانت أكبر بكثير من التعب الهائل الذي يتطلبه هذا النوع من الأعمال الصعبة تقنياً ونفسياً».

    وأكد أن هذا النوع من الدراما النفسية التي تستهدف شخصية مضطربة غالباً ما يجنح بصناعه باتجاه كسر قواعد معينة وابتكار شكل يناسب توجه الحلقات، منوهاً بأن أجمل ما في «الحجرة» أنه أعطاه مساحة من الجرأة لتشكيل كادر جديد ضمن خوارزمية منضبطة جداً تضفي تأثيراً خاصاً.

    وبين أن محاكاة الأعمال الأجنبية في قشرة أفكارهم وشكل أماكنهم وطريقة لباسهم وحياتهم موجودة في أي نوع دراما وليس فقط النفسي، لافتاً إلى أن منطقة الأحداث لا علاقة لها بمحاكاة عمل ما لأنه جهد السيناريست الذي يصنع الحبكات على الورق.

    حاجات المستخدمين

    وأوضح وفائي أنه عندما تشعر المنصات بتراجع أعداد المتابعين لهذا النوع من الأعمال سوف تتجه إلى النوع الذي يخبرهم عنه الذكاء الاصطناعي المسؤول عن فهم حاجات المستخدمين حالياً، مشيراً إلى ضرورة عدم إغفال أيديولوجية بعض المنصات التي بات المشاهد العربي قادراً على تمييز وفلترة الأفكار المتعمد تمريرها بشكل تلقائي في رأسه.

    وأضاف: «هذا ما اتفقت عليه أنا وابنتي تيا البالغ عمرها 12 عاماً، بأن نتجاهل الأفكار التي لا تناسبنا، وألا نسمح لها بالتأثير فينا مهما سمعناها، فبناء الثقة مع أبنائنا هو الحل الوحيد لحمايتهم في ظل هذا العالم المنفتح على جميع الأفكار».

    جرعة كبيرة

    كما أوضح الكاتب السوري فادي حسين لـ«الوطن» أسباب التوجه الكبير للمنصات إلى الدراما النفسية وقصص الجريمة والأكشن، قائلاً: «أعتقد ومن وجهة نظر شخصية، أن الجمهور العربي الذي مازال يواكب المُنجز الدرامي إلى اليوم هو جمهور أغلبيته من اليافعين والشباب، وهذه الشريحة بالذات واكبت تطورات ونتاج الدراما العالمية أكثر من غيرها على اعتبار أنها أصبحت متاحة وبوفرة على منصّات مهمة وتحظى بمتابعة كبيرة مثل نيتفليكس وأمازون وغيرهما، وبالتالي وجدوا في هذا الصنف من الدراما التي تقدمها هذه المنصات جرعة كبيرة بالطرح وقوالب فنية لم يعتادوها في الدراما التلفزيونية الطويلة التي تعتمد على اجترار الحكاية والمط والتطويل».

    وأضاف: «كما أن دراما المنصّات الرقمية تتيح للجمهور مشاهدة تحتوي مضموناً مملوءاً بالإثارة والتشويق على نحو أكبر مما هو متاح في التلفزيون الذي يقبع أسيراً لشروط الإعلانات والرقابة والقيود التي تقوض من قدرات المبدعين في كثير من الأحيان».

    محاكاة أعمال أجنبية

    وفيما يتعلق بمحاكاة بعض هذه المسلسلات للأعمال الأجنبية، أوضح فادي حسين أنه في منطقتنا العربية وتحديداً في سورية هناك الكثير من القصص والحكايات التي لم تروَ بعد بسبب صرامة الرقيب التلفزيوني الذي يتعامل مع المادة الفنية الإبداعية بمنطق الموظف الحكومي الذي يخشى على كرسي وظيفته ما أعاق بذلك إنتاج وتقديم أعمال درامية ذات أهمية تشبه في خصوصيتها ومنطقها الدرامي الشارع الذي ينتمي له هذا الجمهور.

    وبين أن محاكاة أعمال أجنبية في درامانا ليس بالجديد فالكثير من أعمالنا التلفزيونية كانت مقتبسة من روايات عالمية، مثل: «جريمة في الذاكرة»، «ليل المسافرين»، «جواد الليل» أو حتى أعمال درامية أجنبية مثل «سنعود بعد قليل» وغيرها الكثير، مشيراً إلى أن مكمن العطب يكون في التقاطات الكاتب الذكية ومعرفة الاستفادة منها وتوظيفها بشكلٍ منطقي ومدروس ينم عن ثقافة عالية تساعده في تعريبها وتجريدها من خصوصيتها البعيدة عن خصوصيات مجتمعنا لكي تصل كما يجب إلى الشارع العربي دون شوائب.

    نمطية وتكرار

    وفيما يتعلق بإمكانية وقوع المنصات بفخ النمطية والتكرار إذا ما استمرت على هذا الحال، أجاب: «لقد وقعت في النمطية بالفعل لكن لا أعرف إذا كانت ستواجه هذه النوعية من الدراما انحساراً في معدلات المشاهدة المرتفعة التي حققتها من قبل، لكن على ما يبدو أن هناك قراراً بتسطيح كل شيء من حولنا».

    ظاهرة مستمرة

    وعلى ما يبدو أن هذه الظاهرة ستبقى مستمرة في أعمال المنصات حتى إشعار، آخر فقد أعلن عن عدة أعمال قادمة ستدور أحداثها في المضامين ذاتها ومنها عشارية «العرافة» التي ستبصر النور قريباً عبر منصة «تن تايم» وبحسب ما ذكر صناعها ستقدم دراما نفسية تشويقية تعرض ثلاثة خطوط يجمعها الخوف من الموت.

    ومسلسل «عقد إلحاق» الذي سيتناول قصة فتاة تعاني مرضاً نفسياً تقع في غرام صحفي، بالإضافة إلى عشارية «المهرج» التي انطلقت عمليات تصويرها مؤخراً في دمشق وستدور أحداث قصتها حول جريمة قتل غامضة ومعقدة لتكشف من خلال التحقيقات طبيعة العلاقة بين الشخصيات حتى الوصول إلى القاتل.
يعمل...
X