كيف تواجه ناطحات السحاب الزلازل؟
يجهل كثيرون ماهية الهندسة المتطورة الخاصة ببناء الأبنية وناطحات السحاب في اليابان، وكيفية صمودها أمام الزلازل التي تتعدى شدتها في بعض الأحيان 8 درجات على مقياس ريختر. وهي ما تسمى هندسة الأبنية الراقصة أو المتمايلة، والأرض تهتز تحتها.
زلزال "توكوهو" المدمر عام 2011، هو واحد من العديد من الزلازل التي تتالت على اليابان، بسبب تموضع الأرخبيل الياباني على طول حزام النار في المحيط الهادئ. فعند الحافة الفاصلة ما بين كل صفيحة وأخرى، تنضغط إحداها تحت الثانية، فيراكم ضغط هائل في كثافتها، ليكون الزلزال منفذاً لهذه الضغوط. يرسل اهتزازات قوية تكفي لهدم مدينة كاملة. وبناء عليه اتخذت الحكومة اليابانية مجموعة من الإجراءات الاحترازية في البناء لحماية الأرواح.
معيار الأبنية
في اليابان، يجب أن تخضع الأبنية الصغيرة أو الشاهقة لمعايير المرونة. وهناك مستويان رئيسيان من المرونة يجب تحقيقهما، المستوى الأول: مقاومة الزلازل الصغيرة، وهو النوع الذي قد يشهده المبنى ثلاث أو أربع مرات في عمره الافتراضي، ووجوب النجاة ومنع الضرر نهائياً. والمبنى الذي يستوجب الإصلاح يعتبر خارج المعايير.
المستوى الثاني من المرونة، هو مقاومة الزلازل الشديدة. تم تحديد المعيار هنا بواسطة زلزال كانتو العظيم عام 1923، وقد بلغت قوته 7.9 درجة، ليدمر الزلزال طوكيو ويوكوهاما، ويقتل أكثر من 140 ألف شخص. استحوذ لاحقاً مبدأ حماية أرواح الناس على أولوية التصميم المتين، كما قال "زيغي لوبكوفسكي" متخصص الزلازل في يونيفر سيتي كوليدج لندن: "إنك تصمم المباني لحماية حياة الناس، هذا هو الحد الأدنى من المتطلبات".
الصدمات الزلازل
لمقاومة الزلزال يجب أن تمتص المباني أكبر قدر ممكن من الطاقة الزلزالية، من خلال امتصاص الهيكل لكل الطاقة منعاً لانهياره، وتسمى هذه العملية "العزلة الزلزالية"، وتقوم على بناء الهيكل أو المبنى على أسطح أو حوامل لامتصاص الصدمات، تتميز هذه الحوامل ببساطة التشكيل، فهي كتل من الحشوات المطاطية، يتراوح سمكها حوالي 30-50 سم توضع تحت الأعمدة الحاملة للمبنى لتحمّل شدة الزلزال ومقاومته. وكي يتاح للمبنى الصمود، عليه امتصاص أكبر قدر من الطاقة الزلزالية، بالإضافة إلى اللجوء إلى صمامات تشبه المضخات المستخدمة في الدراجات الهوائية، باستثناء أنها مملوءة بالسائل لا بالهواء، للضغط على السائل الموجود داخلها، فتتحرك أثناء الزلزال بمقدار طفيف، ما يزيد من مستوى المرونة. ويقول لوبكوفسكي :"يمكن أن يتحرك المبنى المرتفع لمسافة 1.5 متر، ما يعادل 5 أقدام، ولكن إذا وضعت صمامات على مستويات علو معينة، بواقع كل طابقين مثلاً وصولاً إلى أعلى البناء، فسيكون بوسعك أن تقلص الحركة إلى مسافة أقل بكثير، ما يمنع حدوث تدمير للبنى الموجودة فوق قاعدة المبنى". مثال على ذلك برج "سكاي تري" في طوكيو، وهو ثاني أعلى مبنى في العالم، شيّد على طراز معماري معروف باسم "المستقبلية الجديدة"، شبيه بتصميم المعابد اليابانية التقليدية المعروفة باسم باغودا، يحتوي عموداً مركزياً مقترناً بصمامات زلزالية، حيث يمتص العمود والصمامات معظم الطاقة التي يولدها الزلزال.
الأناقة والديكور
بالإضافة إلى أساليب الوقاية المذكورة أعلاه، هناك أساليب أخرى تعنى بالتصميم الداخلي والخارجي للمبنى وهيئته، وهنا يقول لوبكوفسكي :"نريد أن نجعل المبنى منتظماً ومتناسقاً بشكل مثالي. إذا ما كان لكل الطوابق الارتفاع نفسه وكانت الأعمدة على شكل شبكة تفصلها مسافات متساوية، ستزيد قدرة المبنى على الصمود أمام أي زلزال".
لكن مصممي ناطحات السحاب، لا يرحبون دوماً بتقديم مثل هذا النوع من التنازلات، ما يؤدي إلى حدوث تباينات بين المعايير المطلوبة من جانب المهندسين، لجعل المبنى قادراً على مقاومة الزلازل، وتنفيذ الرؤى الإبداعية التي يريد المهندسون المعماريون تطبيقها على البناء نفسه. وهذا ما يخلق بعض التوتر بين الفريقين. وهنا تظهر نظرية "ساتو" الذي ينكب على تطوير حلول هندسية تتسم بالطابع العملي والجمالي معاً، وتزيد من قدرة المباني على مقاومة الزلازل. ويقول في هذا الشأن: "عندما أناقش التصميمات الإنشائية مع المهندسين المعماريين، أبحث دوماً عن طريقة لجعل العناصر المرتبطة بمقاومة الزلازل متناغمة مع التصميم العام للمبنى. أتمكن أحياناً من إيجاد وسيلة تتيح لي دمج هذه العناصر في المخطط المعماري الخاص بكل طابق من الطوابق، وفي أحيان أخرى أستطيع تطوير عناصر شفافة أو نصف شفافة، وفي أوقات أخرى يتم الاستعانة بعلم الهندسة في تصميم المبنى، وتحويله إلى عوامل قادرة على تحسين كفاءة المبنى وقوته. فعلى سبيل المثال، يفيد استخدام بنى شبكية في الحيلولة دون انبعاج والتواء الهياكل التي تُستخدم لدعم المباني، فإذا تهشّم أحد أجزاء هذه البنى، سيساعده وجود جزء آخر ملتصق به يخفف من شدة التوائه، ويوزع مهمة امتصاص الطاقة على أكثر من نقطة. ونتيجةً لذلك، يساعد الهيكل الشبكي على تقوية المباني وتدعيمها، من دون أن يقلل ذلك من قيمته الجمالية، إذ يمكن أن يكون رائع الشكل في ذات الوقت".
تصاميم احترازية
يلاحظ أن قوة الزلازل في اليابان تزداد شدتها مع مرور الوقت، وبالتالي هناك مجازفة في التصميم، ما فرض على المهندسين التعمق أكثر بالصدوع النشطة لتحليل التقديرات والتقليل من التكهنات في المستقبل، وتقدم السبل المناسبة لتشييد مبانٍ قادرة على مواجهة أكثر الزلازل قوة، من خلال العمل تدريجياً و تجربة كافة التقنيات الخاصة بأمان المباني، وذلك بالتزامن مع تجريب أكثر التصميمات ابتكاراً، كالاستعانة بالهياكل الشبكية على سبيل المثال، المصممة لمقاومة أي انبعاج أو تهشم في القاعدة، ولكن الطبيعة دوماً تفاجئنا بكوارثها غير المتوقعة، لذلك من الصعب معرفة مدى صمود المبنى أمام الزلزال القوي، ومن الصعب توقع النتائج عندما يحل زلزال بقوة 10 ريختر وما فوق إلا بعد انتهائه.
عوامل أخرى
يلعب توقيت حدوث الزلزال دوراً هاماً في النجاة خلافاً للزلازل التي تحدث أثناء الفجر حين يكون السكان نائمين كما حدث في زلزال سورية وتركيا في شباط الماضي. ويشار إلى أن اعتدال الطقس يساعد فرق الإنقاذ على تأدية مهامهم بشكل أسرع، بالإضافة إلى طبيعة الأرض التي بنيت فوقها المنازل والأبنية. إن المنازل المبنية على التربة الرسوبية عرضة للخطر الزلزالي أكثر من غيرها، وكذلك وجود أبنية ضعيفة الهيكل والأساس رغم حداثة بنائها. لا تستطيع البلدان الوصول إلى تقنيات اليابان الهائلة في هذا الشأن، إلا أن التقيد ببعض العوامل الأخلاقية والعلمية للمهندسين والمتعهدين والحكومات يقلل من حجم الكارثة، تأكيداً لقول خبراء الزلازل: "الزلازل لا تقتل الناس، بل تقتلهم المباني المتهاوية".
- بيتي فرح
- 31 تشرين الأوّل 2023
يجهل كثيرون ماهية الهندسة المتطورة الخاصة ببناء الأبنية وناطحات السحاب في اليابان، وكيفية صمودها أمام الزلازل التي تتعدى شدتها في بعض الأحيان 8 درجات على مقياس ريختر. وهي ما تسمى هندسة الأبنية الراقصة أو المتمايلة، والأرض تهتز تحتها.
زلزال "توكوهو" المدمر عام 2011، هو واحد من العديد من الزلازل التي تتالت على اليابان، بسبب تموضع الأرخبيل الياباني على طول حزام النار في المحيط الهادئ. فعند الحافة الفاصلة ما بين كل صفيحة وأخرى، تنضغط إحداها تحت الثانية، فيراكم ضغط هائل في كثافتها، ليكون الزلزال منفذاً لهذه الضغوط. يرسل اهتزازات قوية تكفي لهدم مدينة كاملة. وبناء عليه اتخذت الحكومة اليابانية مجموعة من الإجراءات الاحترازية في البناء لحماية الأرواح.
معيار الأبنية
في اليابان، يجب أن تخضع الأبنية الصغيرة أو الشاهقة لمعايير المرونة. وهناك مستويان رئيسيان من المرونة يجب تحقيقهما، المستوى الأول: مقاومة الزلازل الصغيرة، وهو النوع الذي قد يشهده المبنى ثلاث أو أربع مرات في عمره الافتراضي، ووجوب النجاة ومنع الضرر نهائياً. والمبنى الذي يستوجب الإصلاح يعتبر خارج المعايير.
المستوى الثاني من المرونة، هو مقاومة الزلازل الشديدة. تم تحديد المعيار هنا بواسطة زلزال كانتو العظيم عام 1923، وقد بلغت قوته 7.9 درجة، ليدمر الزلزال طوكيو ويوكوهاما، ويقتل أكثر من 140 ألف شخص. استحوذ لاحقاً مبدأ حماية أرواح الناس على أولوية التصميم المتين، كما قال "زيغي لوبكوفسكي" متخصص الزلازل في يونيفر سيتي كوليدج لندن: "إنك تصمم المباني لحماية حياة الناس، هذا هو الحد الأدنى من المتطلبات".
الصدمات الزلازل
لمقاومة الزلزال يجب أن تمتص المباني أكبر قدر ممكن من الطاقة الزلزالية، من خلال امتصاص الهيكل لكل الطاقة منعاً لانهياره، وتسمى هذه العملية "العزلة الزلزالية"، وتقوم على بناء الهيكل أو المبنى على أسطح أو حوامل لامتصاص الصدمات، تتميز هذه الحوامل ببساطة التشكيل، فهي كتل من الحشوات المطاطية، يتراوح سمكها حوالي 30-50 سم توضع تحت الأعمدة الحاملة للمبنى لتحمّل شدة الزلزال ومقاومته. وكي يتاح للمبنى الصمود، عليه امتصاص أكبر قدر من الطاقة الزلزالية، بالإضافة إلى اللجوء إلى صمامات تشبه المضخات المستخدمة في الدراجات الهوائية، باستثناء أنها مملوءة بالسائل لا بالهواء، للضغط على السائل الموجود داخلها، فتتحرك أثناء الزلزال بمقدار طفيف، ما يزيد من مستوى المرونة. ويقول لوبكوفسكي :"يمكن أن يتحرك المبنى المرتفع لمسافة 1.5 متر، ما يعادل 5 أقدام، ولكن إذا وضعت صمامات على مستويات علو معينة، بواقع كل طابقين مثلاً وصولاً إلى أعلى البناء، فسيكون بوسعك أن تقلص الحركة إلى مسافة أقل بكثير، ما يمنع حدوث تدمير للبنى الموجودة فوق قاعدة المبنى". مثال على ذلك برج "سكاي تري" في طوكيو، وهو ثاني أعلى مبنى في العالم، شيّد على طراز معماري معروف باسم "المستقبلية الجديدة"، شبيه بتصميم المعابد اليابانية التقليدية المعروفة باسم باغودا، يحتوي عموداً مركزياً مقترناً بصمامات زلزالية، حيث يمتص العمود والصمامات معظم الطاقة التي يولدها الزلزال.
الأناقة والديكور
بالإضافة إلى أساليب الوقاية المذكورة أعلاه، هناك أساليب أخرى تعنى بالتصميم الداخلي والخارجي للمبنى وهيئته، وهنا يقول لوبكوفسكي :"نريد أن نجعل المبنى منتظماً ومتناسقاً بشكل مثالي. إذا ما كان لكل الطوابق الارتفاع نفسه وكانت الأعمدة على شكل شبكة تفصلها مسافات متساوية، ستزيد قدرة المبنى على الصمود أمام أي زلزال".
لكن مصممي ناطحات السحاب، لا يرحبون دوماً بتقديم مثل هذا النوع من التنازلات، ما يؤدي إلى حدوث تباينات بين المعايير المطلوبة من جانب المهندسين، لجعل المبنى قادراً على مقاومة الزلازل، وتنفيذ الرؤى الإبداعية التي يريد المهندسون المعماريون تطبيقها على البناء نفسه. وهذا ما يخلق بعض التوتر بين الفريقين. وهنا تظهر نظرية "ساتو" الذي ينكب على تطوير حلول هندسية تتسم بالطابع العملي والجمالي معاً، وتزيد من قدرة المباني على مقاومة الزلازل. ويقول في هذا الشأن: "عندما أناقش التصميمات الإنشائية مع المهندسين المعماريين، أبحث دوماً عن طريقة لجعل العناصر المرتبطة بمقاومة الزلازل متناغمة مع التصميم العام للمبنى. أتمكن أحياناً من إيجاد وسيلة تتيح لي دمج هذه العناصر في المخطط المعماري الخاص بكل طابق من الطوابق، وفي أحيان أخرى أستطيع تطوير عناصر شفافة أو نصف شفافة، وفي أوقات أخرى يتم الاستعانة بعلم الهندسة في تصميم المبنى، وتحويله إلى عوامل قادرة على تحسين كفاءة المبنى وقوته. فعلى سبيل المثال، يفيد استخدام بنى شبكية في الحيلولة دون انبعاج والتواء الهياكل التي تُستخدم لدعم المباني، فإذا تهشّم أحد أجزاء هذه البنى، سيساعده وجود جزء آخر ملتصق به يخفف من شدة التوائه، ويوزع مهمة امتصاص الطاقة على أكثر من نقطة. ونتيجةً لذلك، يساعد الهيكل الشبكي على تقوية المباني وتدعيمها، من دون أن يقلل ذلك من قيمته الجمالية، إذ يمكن أن يكون رائع الشكل في ذات الوقت".
تصاميم احترازية
يلاحظ أن قوة الزلازل في اليابان تزداد شدتها مع مرور الوقت، وبالتالي هناك مجازفة في التصميم، ما فرض على المهندسين التعمق أكثر بالصدوع النشطة لتحليل التقديرات والتقليل من التكهنات في المستقبل، وتقدم السبل المناسبة لتشييد مبانٍ قادرة على مواجهة أكثر الزلازل قوة، من خلال العمل تدريجياً و تجربة كافة التقنيات الخاصة بأمان المباني، وذلك بالتزامن مع تجريب أكثر التصميمات ابتكاراً، كالاستعانة بالهياكل الشبكية على سبيل المثال، المصممة لمقاومة أي انبعاج أو تهشم في القاعدة، ولكن الطبيعة دوماً تفاجئنا بكوارثها غير المتوقعة، لذلك من الصعب معرفة مدى صمود المبنى أمام الزلزال القوي، ومن الصعب توقع النتائج عندما يحل زلزال بقوة 10 ريختر وما فوق إلا بعد انتهائه.
عوامل أخرى
يلعب توقيت حدوث الزلزال دوراً هاماً في النجاة خلافاً للزلازل التي تحدث أثناء الفجر حين يكون السكان نائمين كما حدث في زلزال سورية وتركيا في شباط الماضي. ويشار إلى أن اعتدال الطقس يساعد فرق الإنقاذ على تأدية مهامهم بشكل أسرع، بالإضافة إلى طبيعة الأرض التي بنيت فوقها المنازل والأبنية. إن المنازل المبنية على التربة الرسوبية عرضة للخطر الزلزالي أكثر من غيرها، وكذلك وجود أبنية ضعيفة الهيكل والأساس رغم حداثة بنائها. لا تستطيع البلدان الوصول إلى تقنيات اليابان الهائلة في هذا الشأن، إلا أن التقيد ببعض العوامل الأخلاقية والعلمية للمهندسين والمتعهدين والحكومات يقلل من حجم الكارثة، تأكيداً لقول خبراء الزلازل: "الزلازل لا تقتل الناس، بل تقتلهم المباني المتهاوية".