الجامعة الإفتراضية السورية - مركز الكويت
وإن كانت معرفتنا به مقتصرة على برنامجه الشهير "من الألف إلى الياء"، لكانت معرفة هائلة، غنية، متنوعة على مدى اثنين وأربعين عاماً وهي فترة عرض البرنامج.
ولكنه كان له تاريخ حافل لم يصلنا منه إلا القليل ، أنه الذي نستطيع أن نسبق أسمه بعدة ألقاب منها العقيد الطيار أو الأعلامي الكبير أو الأستاذ المستشار
موفق الخاني
دِمشق كانت مسقط رأس موفق بهاء الدين محمود الخاني، الذي أبصر النور في عام 1923.
اهتمامه في التحليق لم يفارقه، مجازياً وحرفياً، والبداية كانت باكرة، بدأت مع ولعه بالطّائرات الشراعية، فقام بتحويلها من هواية إلى واقع حال.
ساهم في تأسيس نادي الطيران الشراعي، وبدأ بصنع نماذج خشبية للطائرات (حينها كانت الطائرات مخصّصة لنقل راكب أو راكبين فقط)، صبّ موفق الخاني جهوده لتحصل سوريا على طائرات تحمل أثني عشر راكباً وقد كان ذلك في العام 1952، لاحقاً ساهم مع رفاقه في تأسيس سلاح الطيران العربيّ السوريّ من 18 طائرة مروحية و 13 طائرة
انضمَّ إلى الدرك عام 1946، وليختار مع رفاقه لاحقاً يوم 16 تشرين الأول ليكون عيداً للطيران، وهو اليوم الذي استلم به مطار (المزّة) العسكري بعد تحريره، كما ساهم بتأسيس وتجهيز مطار الضمير العسكري.
حلّق بـ "لمياء" فوق سماء فلسطين، و لمياء تلك ليست إلّا طائرته التي سجّل بها أرقاماً قياسية في الطيران العسكري، حيث طار بها ست ساعات قتالية في اليوم، ونال عن ذلك وسام الاستحقاق السوري.
استمرّت خدمته في الجيش لمدّة 22 عاماً، ساهم خلالها بنشر الوعي عن الطيران، وتشجيع الناس في سوريا على ارتياد الطائرات (كانت سوريا حديثة العهد آنذاك بالطيران)و سرح من الجيش برتبة عقيد عام ١٩٦٣!؟؟
نال شهادة "قائد الفرقة الجوية للجمهورية العربية المتحدة" في عهد الوحدة 1960، والتي عُدّلت إلى شهادة "أركان حرب" أي دكتوراه في العلوم العسكرية.
نال لاحقاً دبلوم "بول تيساندر Diplome Paul Tissandier " الصّادر عن اتحاد الطيران الرياضي العالمي باعتباره رجل الطيران لعام 1963 في سوريا.
في كل مرحلة عمرية من مراحل رحلته الغنية ترك موفق الخاني بصمة مدهشة بحقّ! فبعد أن تم تسريحه برتبة عقيد ركن طيار عام 1963، تم تعيينه مديراً للمؤسسة العامة للسينما للفترة بين عامي 1965 – 1968، قام خلالها بعمل مجموعة من الأفلام التوثيقية البالغة الأهمية، وقام وللمرة الأولى بتصوير المواقع السّياحية السّورية من الجّو. كما توزّعت أفلامه بين تلك التي تكلّمت عن سلاح الطيران السّوري، كذلك فلم عن مؤسسة مياه عين الفيجه، تحدث فيه عن جرّ مياه الشّرب إلى مدينة دمشق، يضاف إلى باقة أفلامه فيلم وثائقي سينمائي عن صناعة النفط في سوريا، مواصفاته ومقاييسه.
الباحث في حياة موفق الخاني يُصاب الذهول، عطشه لا يرتوي في رحلة بحث حثيثة عن كل ما يمكن فعله للآخر، مجتمعاً وأفراداً. عرفَته الشّاشة الصغيرة من خلال برنامجه الشهير "من الألف إلى الياء" الذي بقي يُعرض كُل أسبوعٍ بلا انقطاع طيلة اثنين وأربعين عاماً (1963 - 2004).
تكلّم عن صعوبة البدايات في إحدى لقاءاتِه الصحفية، حيث كان يعتمد على المكتبات الموجودة في المراكز الثّقافية العربية والأجنبية الموجودة، كما كان يصوّر بعض المواضيع بنفسه.
يقول: "كان الأمر أشبه بالنحت على الحجر، فكنت أعمل طوال الأسبوع وفي ربع الساعة الأخيرة أتوجه إلى التلفزيون لأقدم برنامجي على الهواء مباشرة، حتى إن مخرجة العمل لم تكن تعرف ما هي المادة التي سأقدمها لذلك كان التنسيق بيننا يجري أثناء العرض".
قام موفّق الخاني بتحويل المادة المتلفزة من برنامجه إلى موسوعة تحمل نفس الاسم، "من الألف إلى الياء"، جاءت على شكل سلسلة، أبصرت النور بجزئها الأول عام 1992، يصفها هو نفسه بأنّها: "لا تقل أهمّيةً وجودةً وجمالاً عن أيّ مطبوعة أجنبية".
أشرف الخاني على وضع برنامجه على أقراص مضغوطة، وُزّعت عبر الجمعيات على أكثر من خمسة آلاف مدرسة في سوريا ليستفيد الطّلاب من المادة العلمية التي عمل على توثيقها وتقديمها على مدى أربعة عقود.
قدّم برنامجين آخرين لا يقلّان أهمّيةً وغِنىً وهما: مجلّة العلوم، و مذكّرة وطيّار.
بالتوازي مع عمله في التلفزيون، عَمِل مستشاراً لوزير السياحة بين عامي 1980 – 1985.
توقُّفُ برنامجه وابتعاده عن الشّاشة الصغيرة لم يكن بهدف الرّاحة، بل التفرّغ لمواصلة العمل الفكري.
كتب في مجلّة العربي الكويتية شتى المقالات العلمية والثّقافية، وعَمِل في الجمعية السورية لمكافحةِ السّل والأمراض التّنفسية، كما عمل في مستوصفٍ خيري للتوعية من مرض الإيدز، وشارك في حملات توعية لاستخدام الطاقة الشمسية، كذلك حملات تدعو للإقلاع عن التدخين.
كُرّم رجل العلم موفق الخاني من قبل جِهات عدّة و وزارات مثل وزارة السياحة، النفط، الثقافة، والصّحة، كذلك مؤسسة المياه، ونقابات المعلمين والفنانين والصحفيين.
تم ترشيح برنامجه "من الألف إلى الياء" لدخول موسوعة غينيس كأقدم برنامج علمي في العالم.
كُرّم في عدة محافل، ونال العديد من الأوسمه، نذكر منها وسام الشرف عام 1960 من ملك كمبوديا.
توفي رحمه الله تعالى عام 2021