تصنيف الظواهر النفسية
لكل شخص حياة نفسية تخصه . ولا يمكنك وصف هذه الحياة بدقة وضبط إلا إذا صنفت ظواهرها لأنها ذات ألوان لا حد ولا نهاية لها
١ - لمحة تاريخية
إذا كان الفلاسفة قد حاولوا منذ القدم تصنيف الظواهر النفسية . فإنهم لم يلتمسوا هذا التصنيف إلا رغبة منهم في استكمال النفس الإنسانية بالحكمة النظرية ، والحكمة العملية، فجاء تصنيفهم فلسفياً محضاً
۱ - تصنيف افلاطون : زعم بعض القدماء أن النفس نفسان، نفس حساسة، ونفس عاقلة . لقد كان ) بارمنيد ( و ) هرقليت ( و ) افلاطون ) في أول عمره من القائلين بهذا الرأي. ولكن ) افلاطون ( خالف القدماء بعد ذلك في كتاب ( الفدر ) بقوله : ان النفس ثلاث نفوس : نفس عاقلة ، ونفس غضبية ، ونفس شهوانية . فالنفس العاقلة محبة للحكمة ، وصديقة للعلم ، وهي التي تدبر البدن وتسوسه . والنفس الغضبية مصدر الشجاعة ، والغضب الشريف . ومقرها القلب ، وهي مجمع المواطف الكريمة التي تنزع إلى المجد . والنفس الشهوانية مصدر الرغائب ، من محبة المال ، والكسب، الى سائر
الشهوات الحيوانية (1) .
وقد شبه افلاطون هذه القوى بسائق يقود فرسين، أحدهما طوع العنان كريم ،
والآخر جموح، أرن . فالسائق هو النفس العاقلة ، والفرس الأصيل هو القلب ، أي النفس الغضبية ، والفرس اللثيم هو النفس الشهوانية (١) . وكل قوة من هذه القوى تناسب صنفاً ن الأصناف الاجتماعية . فالعاقلة تناسب الحكام ، والغضبية تناسب المحاربين. والشهوانية تناسب الفلاحين والعمال . ومراتب هذه القوى كمراتب الأصناف الاجتماعية فالعاقلة فوق الغضبية . والغضبية فوق الشهوانية ، ورابطها كلها العدالة (٢) من
نقد تصنيف افلاطون : - ليس تصنيف افلاطون تصنيفاً علمياً ، وانما هو تصنيف خلقي يبحث في القوى الانسانية من حيث مراتبها وقيمتها، لا من حيث حقيقتها. وعلم النفس لا يبحث في هذه الناحية المعيارية كما رأيت سابقا ، لأنه
تصنيف أرسطو : - قال أرسطو : إن جوهر النفس لا يختلف عن جوهر الجسد ، ولذلك كانت قوى النفس موافقة لقوى الحياة . فالاحياء تتغذى ، وتحس ، وتتحرك ، وتعقل ، والنفس (۱) منها الغاذية ، (۲) ومنها الحساسة ، (۳) ومنها المحركة ، (٤) ومنها الناطقة . وهذه الأقسام الأربعة هي أقسام النفس الكاملة. فالنبات له القوة الغاذية ، والحيوان له الحساسة والمحركة ، والانسان وحده له الناطقة
نقد تصنيف ارسطو : - ان تصنيف آرسطو هو التصنيف الذي اختاره فلاسفة القرون الوسطى في خطوطه العامة ، فلم يخالفوه في شيء كالمقلدين ، ولما كان واضع هذا التصنيف عالماً بالطبيعيات جاء تصنيفه ذا نزعة وضعية ، إلا أن الأمر على خلاف ماذهب اليه في النفس الناطقة ( العقل ( التي جعلها مبدأ الحياة والفكر معاً ، لأنك إذا جعلت مبدأ الحياة ومبدأ الفكر واحداً ، اختلط موضوع علم النفس بموضوع علم الفيسيولوجيا (٣).
- تصنيف ديكارت : - ان فصل مبدأ الحياة عن مبدأ الفكر يرجع إلى (ديكارت). فقد زعم هذا الفيلسوف انه يمكن تعليل حياة الابدان بحركة ( الأرواح الحيوانية ) ( .ES prits animaux ) وسمى النفس ) منس - Mens ( لا ) نیما Anima ) ، وهي جوهر حقيقته التفكير (۱) ، ومعنى التفكير مجموع الأفعال الداخلية التي تشعر بها النفس ، وتطلع عليها مباشرة. وقد رأيت كيف يعتقد (ديكارت) أن النفس لا تنقطع عن التفكير إلا إذا تلاشى وجودها ، ( ص - ١٤٠ ) ، ومعنى ذلك في علم النفس الحديث إنكار اللاشعور . والنفس عنده تنقسم إلى قوتين : (۱) الذهن ، وهو مجموع الملكات الفكرية . (۲) الارادة ، وهي مجموع الظواهر الفاعلة ، فالإدراك الحسي والخيال ، ، أمور فكرية . والرغبة ، والنفور ، والتصديق ، والنفي ، والشك ، أمور ارادية (٢) ا والفهم .
نقد تصنيف ديكارت : - لقد حذف ديكارت من ملكات النفس القوة الحساسة، وهي مجموع الظواهر الانفعالية من عواطف وتهيجات. والسبب في ذلك أنه لما عرف النفس بالفكر ، والحياة النفسية بالشعور ، اضطر إلى الاهتمام بالحياة النفسية الشاعرة ، والفكر الواضح ، فلم يخطر بباله أن يتكلم على الحياة الدفينة ، والفكر الغامض ، فإذا كان قـــد أهمل القوة الحساسة ، فمرد ذلك إلى أنها نوع من الفكر الغامض ، الذي يصدر عن الجد، ويؤثر في النفس ، ويولد فيها الاضطراب . لقد حاول ( ديكارت ) في كتاب الأهواء ، أن يفسر العواطف والأهواء بما يجري في الجسد ، أي بالأرواح الحيوانية، فلم يصل إلى نتيجة
مقبولة . وسنعود إلى هذا البحث في موضع آخر من هذا الكتاب .
٤ - الرجوع إلى القوة الحساسة : - لم تستعد القوة الحساسة مقامها إلا في القرن
الثامن عشر ، فان هذا العصر لم يعمل على تأليه العقل ، حتى مال به ( روسو ) إلى تقديس الاحساس ، والعاطفة والأحلام ، والسويداء ، والى الاهتمام بكل ما وراء الشعور من الأحلام النفسية الدفينة . وقد ازداد هذا الميل إلى الحياة الوجدانية بتأثير الأدب الابداعي ( الرومانسي) ، ولم يزل في تقدم مستمر حتى يومنا هذا.
لكل شخص حياة نفسية تخصه . ولا يمكنك وصف هذه الحياة بدقة وضبط إلا إذا صنفت ظواهرها لأنها ذات ألوان لا حد ولا نهاية لها
١ - لمحة تاريخية
إذا كان الفلاسفة قد حاولوا منذ القدم تصنيف الظواهر النفسية . فإنهم لم يلتمسوا هذا التصنيف إلا رغبة منهم في استكمال النفس الإنسانية بالحكمة النظرية ، والحكمة العملية، فجاء تصنيفهم فلسفياً محضاً
۱ - تصنيف افلاطون : زعم بعض القدماء أن النفس نفسان، نفس حساسة، ونفس عاقلة . لقد كان ) بارمنيد ( و ) هرقليت ( و ) افلاطون ) في أول عمره من القائلين بهذا الرأي. ولكن ) افلاطون ( خالف القدماء بعد ذلك في كتاب ( الفدر ) بقوله : ان النفس ثلاث نفوس : نفس عاقلة ، ونفس غضبية ، ونفس شهوانية . فالنفس العاقلة محبة للحكمة ، وصديقة للعلم ، وهي التي تدبر البدن وتسوسه . والنفس الغضبية مصدر الشجاعة ، والغضب الشريف . ومقرها القلب ، وهي مجمع المواطف الكريمة التي تنزع إلى المجد . والنفس الشهوانية مصدر الرغائب ، من محبة المال ، والكسب، الى سائر
الشهوات الحيوانية (1) .
وقد شبه افلاطون هذه القوى بسائق يقود فرسين، أحدهما طوع العنان كريم ،
والآخر جموح، أرن . فالسائق هو النفس العاقلة ، والفرس الأصيل هو القلب ، أي النفس الغضبية ، والفرس اللثيم هو النفس الشهوانية (١) . وكل قوة من هذه القوى تناسب صنفاً ن الأصناف الاجتماعية . فالعاقلة تناسب الحكام ، والغضبية تناسب المحاربين. والشهوانية تناسب الفلاحين والعمال . ومراتب هذه القوى كمراتب الأصناف الاجتماعية فالعاقلة فوق الغضبية . والغضبية فوق الشهوانية ، ورابطها كلها العدالة (٢) من
نقد تصنيف افلاطون : - ليس تصنيف افلاطون تصنيفاً علمياً ، وانما هو تصنيف خلقي يبحث في القوى الانسانية من حيث مراتبها وقيمتها، لا من حيث حقيقتها. وعلم النفس لا يبحث في هذه الناحية المعيارية كما رأيت سابقا ، لأنه
تصنيف أرسطو : - قال أرسطو : إن جوهر النفس لا يختلف عن جوهر الجسد ، ولذلك كانت قوى النفس موافقة لقوى الحياة . فالاحياء تتغذى ، وتحس ، وتتحرك ، وتعقل ، والنفس (۱) منها الغاذية ، (۲) ومنها الحساسة ، (۳) ومنها المحركة ، (٤) ومنها الناطقة . وهذه الأقسام الأربعة هي أقسام النفس الكاملة. فالنبات له القوة الغاذية ، والحيوان له الحساسة والمحركة ، والانسان وحده له الناطقة
نقد تصنيف ارسطو : - ان تصنيف آرسطو هو التصنيف الذي اختاره فلاسفة القرون الوسطى في خطوطه العامة ، فلم يخالفوه في شيء كالمقلدين ، ولما كان واضع هذا التصنيف عالماً بالطبيعيات جاء تصنيفه ذا نزعة وضعية ، إلا أن الأمر على خلاف ماذهب اليه في النفس الناطقة ( العقل ( التي جعلها مبدأ الحياة والفكر معاً ، لأنك إذا جعلت مبدأ الحياة ومبدأ الفكر واحداً ، اختلط موضوع علم النفس بموضوع علم الفيسيولوجيا (٣).
- تصنيف ديكارت : - ان فصل مبدأ الحياة عن مبدأ الفكر يرجع إلى (ديكارت). فقد زعم هذا الفيلسوف انه يمكن تعليل حياة الابدان بحركة ( الأرواح الحيوانية ) ( .ES prits animaux ) وسمى النفس ) منس - Mens ( لا ) نیما Anima ) ، وهي جوهر حقيقته التفكير (۱) ، ومعنى التفكير مجموع الأفعال الداخلية التي تشعر بها النفس ، وتطلع عليها مباشرة. وقد رأيت كيف يعتقد (ديكارت) أن النفس لا تنقطع عن التفكير إلا إذا تلاشى وجودها ، ( ص - ١٤٠ ) ، ومعنى ذلك في علم النفس الحديث إنكار اللاشعور . والنفس عنده تنقسم إلى قوتين : (۱) الذهن ، وهو مجموع الملكات الفكرية . (۲) الارادة ، وهي مجموع الظواهر الفاعلة ، فالإدراك الحسي والخيال ، ، أمور فكرية . والرغبة ، والنفور ، والتصديق ، والنفي ، والشك ، أمور ارادية (٢) ا والفهم .
نقد تصنيف ديكارت : - لقد حذف ديكارت من ملكات النفس القوة الحساسة، وهي مجموع الظواهر الانفعالية من عواطف وتهيجات. والسبب في ذلك أنه لما عرف النفس بالفكر ، والحياة النفسية بالشعور ، اضطر إلى الاهتمام بالحياة النفسية الشاعرة ، والفكر الواضح ، فلم يخطر بباله أن يتكلم على الحياة الدفينة ، والفكر الغامض ، فإذا كان قـــد أهمل القوة الحساسة ، فمرد ذلك إلى أنها نوع من الفكر الغامض ، الذي يصدر عن الجد، ويؤثر في النفس ، ويولد فيها الاضطراب . لقد حاول ( ديكارت ) في كتاب الأهواء ، أن يفسر العواطف والأهواء بما يجري في الجسد ، أي بالأرواح الحيوانية، فلم يصل إلى نتيجة
مقبولة . وسنعود إلى هذا البحث في موضع آخر من هذا الكتاب .
٤ - الرجوع إلى القوة الحساسة : - لم تستعد القوة الحساسة مقامها إلا في القرن
الثامن عشر ، فان هذا العصر لم يعمل على تأليه العقل ، حتى مال به ( روسو ) إلى تقديس الاحساس ، والعاطفة والأحلام ، والسويداء ، والى الاهتمام بكل ما وراء الشعور من الأحلام النفسية الدفينة . وقد ازداد هذا الميل إلى الحياة الوجدانية بتأثير الأدب الابداعي ( الرومانسي) ، ولم يزل في تقدم مستمر حتى يومنا هذا.
تعليق