- صفات الشعور
لعل الحياة النفسية لم توصف بأحسن مما وصفها به ) ويليام جيمس ) و (هنري برغسون ) ؛ ولذلك نقلنا عنها هذه الصفات والخصناها في الفقرات الآتية : :
١ - الشعور اشبه شيء بسيال
دائم الحركة (١) . مثل الشعور الذي
شکل ۱۳
تنطوي عليه النفس ، كمثل الغيوم الدائمة الحركة. والانسان وان حاول ان يحافظ على السكون والثبوت فان نفسه لا تثبت على حال واحدة ، بل تتبدل وتتغير ، لان بقاء الفكر على حال واحدة هو بطلان الفكر ، ووقوف النفس عن التغير هو فقدان النفس . وكيف يستطيع الانسان ان يبقى على حال واحدة ، وهو في كل لحظة يتبدل وينتقل من الظلمة إلى النور ، ومن النوم إلى اليقظة ، ومن الحزن إلى الفرح ، وما أسرع ما تخبو .
تلك المشاعر الواضحة ، فتترك القلب ظلاماً ! الشعور سيال متحرك لا يبقى على صورة ثابتة ، بل يجري كما تجري مياه النهر ، ويتبدل كما تتبدل الغيوم التي تعبث بها الرياح ، انظر إلى الأشياء، إن صورها تتغير في عينيك كل لحظة، وإذا قيل ان الشيء يبقى هو نفسه في كل زمان ومكان ، قلنا ان الاحساس به يتغير بتغير النفس، فاذا كان (ص) هو الصورة التي يحدثها ذلك الشيء في زمان (ن) ، فانها في زمان (ن) تنقلب إلى (ص) .
(1). قال ويليم جيمس
ه كثيراً ما ننتقل من احساس بصري إلى احساس سمعي ، ومن حكم إلى عزم، ومن ذكرى إلى أمل ، ومن حب إلى بغضاء ... ولشد ما يختلف ادراكنا للاشياء بحسب ما نكون أيقاظاً أو نمسا ، جياعاً أو شباعاً ، في الراحة أو في التعب . فيتبدل شعورنا بالاشياء بين عشية وضحاها، أو بين الصيف والشتاء ، أو بين الطفولة والشباب والشيخوخة ... وكثيراً ما نعجب لتبدل قيم الأشياء في أعيننا ، فيدهشنا اليوم ما اتخذناه أمس من الأحكام، ونرى الأشياء كل عام ، بألوان جديدة . فيغدو الخيالي حقيقياً ، والمهم تافها . ويخيل الينا أن أحبابنا الذين لم نرغب في الحياة إلا من أجلهم ، قد انقلبوا اليوم إلى ظلال زائله . فكيف صارت هذه النساء ، وتلك النجوم ، والغابات ، والمياه ، قاتمة تافهة ، بعد ان كانت إلهية ساحرة . وكيف زال حسن تلك الفادات ، وخبت ذكرها بعد ان كانت تحرك في نفوسنا نسمات اللانهاية ؛ أين ذهبت أسرار معاني ) غوته ( العميقة ، و أين تلاشت روعة ما قرأناه من كلام ) استوارت ميل ) ، أن ما كان يفتننا ويحمسنا من قبل ليملنا اليوم ببرودته القاسية ، فنستثقل تغريد الطير ، ونجد نسيم الصبح محزناً ، والسماء مظلمة . (٢)
في ليست الحياة النفسية مركبة من أجزاء فردة ، ولا هـ سلسلة منظمة من حالات جزئية ملتصق بعضها ببعض بغراء خارجي، وإنما هي كتلة روحانية ، لا نستطيع ان نتبين أطرافها،
ولا أن نطلع على أجزائها بوضوح تام. وقد تزداد هذه الحياة وضوحاً بالتحليل، فيكشف الباحث فيها عدداً غير متناه من الألوان ، إلا انها مشتبكة ، يتقدم فيها الحسي المركب
على البسيط المجرد .
وهذا يدعو إلى تغير الحياة النفسية من حال إلى حال (۱) ، ولولا تغيرها واختلافها لكانت مشاعرنا مبهمة غامضة ، إلا أن انتقال الحياة النفسية من حال إلى حال يبعث على ازدیاد وضوحها ، فنحن لا ندرك قيمة الصحة إلا بعد المرض ، ولا نعرف طعم اللذة إلا بعد الألم ، ولا تزدهينا محاسن الطبيعة إلا إذا وافقت هوى من نفوسنا ، فجميع مشاعرنا خاضعة إذن لقانون النسبية ، ولو بقيت الاحساسات على نمط واحد لضعف الشعور بها ،
لأن الحركة شرط من شروط الحياة ، فبقاء الاحساس على حال واحدة داع إلى ركوده
وانقلابه إلى عادة ، والعادة كما سترى مخففة من الشعور
وقد يباغ بنا هذا التغير أن نظن أن الحالة التي نحن فيها هي واحدة الحالات ، فنقول مثلا اننا لم نشعر من قبل بهذا الألم الذي نشعر به الآن ، ولا يستطيع من حولنا من الناس
أن يدركوا حقيقة ما نشعر به (۲)
لعل الحياة النفسية لم توصف بأحسن مما وصفها به ) ويليام جيمس ) و (هنري برغسون ) ؛ ولذلك نقلنا عنها هذه الصفات والخصناها في الفقرات الآتية : :
١ - الشعور اشبه شيء بسيال
دائم الحركة (١) . مثل الشعور الذي
شکل ۱۳
تنطوي عليه النفس ، كمثل الغيوم الدائمة الحركة. والانسان وان حاول ان يحافظ على السكون والثبوت فان نفسه لا تثبت على حال واحدة ، بل تتبدل وتتغير ، لان بقاء الفكر على حال واحدة هو بطلان الفكر ، ووقوف النفس عن التغير هو فقدان النفس . وكيف يستطيع الانسان ان يبقى على حال واحدة ، وهو في كل لحظة يتبدل وينتقل من الظلمة إلى النور ، ومن النوم إلى اليقظة ، ومن الحزن إلى الفرح ، وما أسرع ما تخبو .
تلك المشاعر الواضحة ، فتترك القلب ظلاماً ! الشعور سيال متحرك لا يبقى على صورة ثابتة ، بل يجري كما تجري مياه النهر ، ويتبدل كما تتبدل الغيوم التي تعبث بها الرياح ، انظر إلى الأشياء، إن صورها تتغير في عينيك كل لحظة، وإذا قيل ان الشيء يبقى هو نفسه في كل زمان ومكان ، قلنا ان الاحساس به يتغير بتغير النفس، فاذا كان (ص) هو الصورة التي يحدثها ذلك الشيء في زمان (ن) ، فانها في زمان (ن) تنقلب إلى (ص) .
(1). قال ويليم جيمس
ه كثيراً ما ننتقل من احساس بصري إلى احساس سمعي ، ومن حكم إلى عزم، ومن ذكرى إلى أمل ، ومن حب إلى بغضاء ... ولشد ما يختلف ادراكنا للاشياء بحسب ما نكون أيقاظاً أو نمسا ، جياعاً أو شباعاً ، في الراحة أو في التعب . فيتبدل شعورنا بالاشياء بين عشية وضحاها، أو بين الصيف والشتاء ، أو بين الطفولة والشباب والشيخوخة ... وكثيراً ما نعجب لتبدل قيم الأشياء في أعيننا ، فيدهشنا اليوم ما اتخذناه أمس من الأحكام، ونرى الأشياء كل عام ، بألوان جديدة . فيغدو الخيالي حقيقياً ، والمهم تافها . ويخيل الينا أن أحبابنا الذين لم نرغب في الحياة إلا من أجلهم ، قد انقلبوا اليوم إلى ظلال زائله . فكيف صارت هذه النساء ، وتلك النجوم ، والغابات ، والمياه ، قاتمة تافهة ، بعد ان كانت إلهية ساحرة . وكيف زال حسن تلك الفادات ، وخبت ذكرها بعد ان كانت تحرك في نفوسنا نسمات اللانهاية ؛ أين ذهبت أسرار معاني ) غوته ( العميقة ، و أين تلاشت روعة ما قرأناه من كلام ) استوارت ميل ) ، أن ما كان يفتننا ويحمسنا من قبل ليملنا اليوم ببرودته القاسية ، فنستثقل تغريد الطير ، ونجد نسيم الصبح محزناً ، والسماء مظلمة . (٢)
في ليست الحياة النفسية مركبة من أجزاء فردة ، ولا هـ سلسلة منظمة من حالات جزئية ملتصق بعضها ببعض بغراء خارجي، وإنما هي كتلة روحانية ، لا نستطيع ان نتبين أطرافها،
ولا أن نطلع على أجزائها بوضوح تام. وقد تزداد هذه الحياة وضوحاً بالتحليل، فيكشف الباحث فيها عدداً غير متناه من الألوان ، إلا انها مشتبكة ، يتقدم فيها الحسي المركب
على البسيط المجرد .
وهذا يدعو إلى تغير الحياة النفسية من حال إلى حال (۱) ، ولولا تغيرها واختلافها لكانت مشاعرنا مبهمة غامضة ، إلا أن انتقال الحياة النفسية من حال إلى حال يبعث على ازدیاد وضوحها ، فنحن لا ندرك قيمة الصحة إلا بعد المرض ، ولا نعرف طعم اللذة إلا بعد الألم ، ولا تزدهينا محاسن الطبيعة إلا إذا وافقت هوى من نفوسنا ، فجميع مشاعرنا خاضعة إذن لقانون النسبية ، ولو بقيت الاحساسات على نمط واحد لضعف الشعور بها ،
لأن الحركة شرط من شروط الحياة ، فبقاء الاحساس على حال واحدة داع إلى ركوده
وانقلابه إلى عادة ، والعادة كما سترى مخففة من الشعور
وقد يباغ بنا هذا التغير أن نظن أن الحالة التي نحن فيها هي واحدة الحالات ، فنقول مثلا اننا لم نشعر من قبل بهذا الألم الذي نشعر به الآن ، ولا يستطيع من حولنا من الناس
أن يدركوا حقيقة ما نشعر به (۲)
تعليق