- الملاحظة التلقائية
الملاحظة التلقائية هي الملاحظة التي نطلع بها على الأشياء اطلاعاً طبيعياً بلا اكراه من الخارج ومن غير أن يكون في ذلك أثر للتأمل . فنشعر بما يجري في نفوسنا من الظواهر دفعة ، ولا نحتاج في هذا الشعور إلى تأمل أو انتباه إرادي .
ليست ملاحظة الظواهر النفسية شبيهة بملاحظة الظواهر الطبيعية ، لأن الرائي في ملاحظة العالم المادي مختلف عن المرئي ؛ والعارف غير المعروف ، اما في الملاحظة النفسية فإن الرائي لا يختلف عن المرئي ، ولا العارف عن المعروف. بل الشخص المشاهد والشيء المشاهد كلاهما عين الآخر . انا الحزين ، انا المفكر ، انا المريد ، انا وحدي أستطيع أن أدرك عواطفي ، وأفكاري ، ورغائي إدراكاً مباشراً ، وأشعر بما يجري في نفسي بلا وسط ، وكيف يستطيع غيري أن يشعر بما أشعر به ان معرفة الآخرين بأحوالي النفسية معرفة غير مباشرة ، لأنهم لا يدركون ما بي إلا بالكلام والاشارات التي أبديها ، وكيف يعرفون حقيقة ما أشعر به ، وانا مختلف عنهم ! ان الرجل الذي لم يشعر في حياته كلها بالخوف أو بالغضب لا يستطيع أبداً أن يفسر الاشارات البادية على وجه الخائف أو الغضبان ، فلولا الشعور لكانت الحياة النفسية بالنسبة الينا غير ظاهرة . ولنأت الآن
ببعض الأمثلة :
۱ - ان ادراك صوت من الأصوات أو لون من الألوان انما يحصل لنا بالإطلاع الشخصي المباشر ، فندرك على هذه الصورة صوت المزمار ، ولون السماء الأزرق، ويكون إدراكنا هذا إدراكا حسياً مستنداً إلى التجربة الشخصية . اما الاكمه فإنه لا يستطيع أن يحصل بتجربته الشخصية على ادراك الالوان ، كما ان الأصم لا يستطيع أن يحصل على إدراك
الأصوات .
٢ - نستطيع أيضا بتجربتنا الشخصية التلقائية ان نطلع على تهيجاتنا وانفعالاتنا
كالخوف ، والغضب والخجل . فنحن لا نفهم معنى الخوف إلا إذا شعرنا به ، ولا تن عليه إلا بتجربتنا الشخصية المباشرة .
٣ - عندما أتذكر أمراً من الأمور أو حادثة من الحوادث أعلم أني أفكر في ماضي، وأعود اليه بنفسي ، وأعيش في إحدى نواحيه ، وأنفرد وحدي بالإطلاع المباشر عليه
ان هذه الأمثلة تدل على أن إدراكي وانفعالي وتذكري هي أحوال شعورية تلقائية خاصة بي . وهي تؤلف عالماً مغلقاً ، لا يطلع عليه مباشرة الا شخص واحد ، وهو أنا .
على ان هذه الأحوال الثابتة بالنسبة إلى شعوري ليست صادقة بالنسبة إلى حقيقة الوجود الخارجي . فقد احس واريد واعتقد ، من غير أن يكون ذلك مطابقاً لما في الخارج، ولا شيء يضمن لي ان هذه العاطفة التي أشعر بها مستندة إلى أساس حقيقي . فكم رجل حسب نفسه شجاعاً ، حتى إذا لقي شيئاً من المخاوف انكشف عيبه للناس ، وانقلبت شجاعته الوهمية إلى جبن (١) ، وكم عاشق ظن نفسه متيماً، فإذا هو عند الامتحان أبعد الناس عن الحب. فالملاحظة الداخلية تدل على وجود الحادث النفسي بالنسبة إلى الشعور ، ولكنها لا تثبت موضوعية هذا الحادث . ووجوده في الخارج .
ومهما تظهر لك الحوادث النفسية بسيطة تجدها بعد النظر اليها مؤلفة من عناصر
مختلفة ، فيخالط الادراكات الحاضرة ذكريات ، ويمازج العواطف افكار وخيالات .
ألم تر أن أحوالنا النفسية متصلة بعضها ببعض ، وان آثار الاحوال السابقة موجودة في
الأحوال اللاحقة . الحاضر مثقل بالماضي ، والزمان يسجل آثاره على نفوسنا ، والعادة
والذاكرة تغيران حقيقة الشيء المدرك ، ونحن نظن أن إدراكنا حدس مباشر ، مع أن
الذاكرة والخيال وتداعي الأفكار والعادة تهب الشيء الحاضر صورة خاصة . فبينا أنت
تراني لا ادرك العالم الخارجي إلا على هذه الصورة المنحرفة ، تجدني أحسب ادراكي
ادراكاً مباشراً . واعتقد اني انهيت هذا العمل أو ذاك ، ولا يكون اعتقادي إلا خيالاً
ووهما باطلا . وكثيراً ما نظن أن فكرة من الفكر أو عاطفة من العواطف ، أو عادة
من العادات ، هي سبب أحد الأفعال . فيتبين لنا بالتجربة والاختبار والتحليل ان هذا
الفعل ناشىء عن أسباب أخرى ، وان ما تو همناه كان بعيداً كل البعد عن الحقيقة . وفي الحياة الطبيعية والروايات والأمراض العقلية أمثلة كثيرة تدل على ذلك
اضف إلى ذلك ان كل حالة نفسية تحتوي على عناصر مختلفة ( من انفعالية ، وعقلية وارادية ( لا يكشف الشعور التلقائي عنها ، بل يرينا اياها مبهمة مركبة ، فلا تستبين لنا عناصرها الا بعد التأمل والتحليل
وجملة القول ان الشعور التلقائي لا يفي بشروط الملاحظة العلمية ، لأنه لا يضيء مسرح النفس بدرجة واحدة من النور ، ولا يؤدي إلى اتصاف الظواهر النفسية كلها بدرجة واحدة من الوضوح ، وهذا ما يتفاوت بالكم والكيف ويبعث على الاهتمام بالعناصر المنيرة الموجودة على السطح دون العناصر المظلمة البعيدة ؛ مع أنه قد يكون لهذه العناصر
البعيدة أثر عظيم في تبديل الأحوال النفسية .
فيها أنت ترى أنه لا يمكن الاعتماد على الشعور التلقائي في تحليل الظواهر النفسية. وانه لا بد للباحث النفسي من أن يضم إلى هذه الملاحظة التلقائية ملاحظة الشعور التأملي.
الملاحظة التلقائية هي الملاحظة التي نطلع بها على الأشياء اطلاعاً طبيعياً بلا اكراه من الخارج ومن غير أن يكون في ذلك أثر للتأمل . فنشعر بما يجري في نفوسنا من الظواهر دفعة ، ولا نحتاج في هذا الشعور إلى تأمل أو انتباه إرادي .
ليست ملاحظة الظواهر النفسية شبيهة بملاحظة الظواهر الطبيعية ، لأن الرائي في ملاحظة العالم المادي مختلف عن المرئي ؛ والعارف غير المعروف ، اما في الملاحظة النفسية فإن الرائي لا يختلف عن المرئي ، ولا العارف عن المعروف. بل الشخص المشاهد والشيء المشاهد كلاهما عين الآخر . انا الحزين ، انا المفكر ، انا المريد ، انا وحدي أستطيع أن أدرك عواطفي ، وأفكاري ، ورغائي إدراكاً مباشراً ، وأشعر بما يجري في نفسي بلا وسط ، وكيف يستطيع غيري أن يشعر بما أشعر به ان معرفة الآخرين بأحوالي النفسية معرفة غير مباشرة ، لأنهم لا يدركون ما بي إلا بالكلام والاشارات التي أبديها ، وكيف يعرفون حقيقة ما أشعر به ، وانا مختلف عنهم ! ان الرجل الذي لم يشعر في حياته كلها بالخوف أو بالغضب لا يستطيع أبداً أن يفسر الاشارات البادية على وجه الخائف أو الغضبان ، فلولا الشعور لكانت الحياة النفسية بالنسبة الينا غير ظاهرة . ولنأت الآن
ببعض الأمثلة :
۱ - ان ادراك صوت من الأصوات أو لون من الألوان انما يحصل لنا بالإطلاع الشخصي المباشر ، فندرك على هذه الصورة صوت المزمار ، ولون السماء الأزرق، ويكون إدراكنا هذا إدراكا حسياً مستنداً إلى التجربة الشخصية . اما الاكمه فإنه لا يستطيع أن يحصل بتجربته الشخصية على ادراك الالوان ، كما ان الأصم لا يستطيع أن يحصل على إدراك
الأصوات .
٢ - نستطيع أيضا بتجربتنا الشخصية التلقائية ان نطلع على تهيجاتنا وانفعالاتنا
كالخوف ، والغضب والخجل . فنحن لا نفهم معنى الخوف إلا إذا شعرنا به ، ولا تن عليه إلا بتجربتنا الشخصية المباشرة .
٣ - عندما أتذكر أمراً من الأمور أو حادثة من الحوادث أعلم أني أفكر في ماضي، وأعود اليه بنفسي ، وأعيش في إحدى نواحيه ، وأنفرد وحدي بالإطلاع المباشر عليه
ان هذه الأمثلة تدل على أن إدراكي وانفعالي وتذكري هي أحوال شعورية تلقائية خاصة بي . وهي تؤلف عالماً مغلقاً ، لا يطلع عليه مباشرة الا شخص واحد ، وهو أنا .
على ان هذه الأحوال الثابتة بالنسبة إلى شعوري ليست صادقة بالنسبة إلى حقيقة الوجود الخارجي . فقد احس واريد واعتقد ، من غير أن يكون ذلك مطابقاً لما في الخارج، ولا شيء يضمن لي ان هذه العاطفة التي أشعر بها مستندة إلى أساس حقيقي . فكم رجل حسب نفسه شجاعاً ، حتى إذا لقي شيئاً من المخاوف انكشف عيبه للناس ، وانقلبت شجاعته الوهمية إلى جبن (١) ، وكم عاشق ظن نفسه متيماً، فإذا هو عند الامتحان أبعد الناس عن الحب. فالملاحظة الداخلية تدل على وجود الحادث النفسي بالنسبة إلى الشعور ، ولكنها لا تثبت موضوعية هذا الحادث . ووجوده في الخارج .
ومهما تظهر لك الحوادث النفسية بسيطة تجدها بعد النظر اليها مؤلفة من عناصر
مختلفة ، فيخالط الادراكات الحاضرة ذكريات ، ويمازج العواطف افكار وخيالات .
ألم تر أن أحوالنا النفسية متصلة بعضها ببعض ، وان آثار الاحوال السابقة موجودة في
الأحوال اللاحقة . الحاضر مثقل بالماضي ، والزمان يسجل آثاره على نفوسنا ، والعادة
والذاكرة تغيران حقيقة الشيء المدرك ، ونحن نظن أن إدراكنا حدس مباشر ، مع أن
الذاكرة والخيال وتداعي الأفكار والعادة تهب الشيء الحاضر صورة خاصة . فبينا أنت
تراني لا ادرك العالم الخارجي إلا على هذه الصورة المنحرفة ، تجدني أحسب ادراكي
ادراكاً مباشراً . واعتقد اني انهيت هذا العمل أو ذاك ، ولا يكون اعتقادي إلا خيالاً
ووهما باطلا . وكثيراً ما نظن أن فكرة من الفكر أو عاطفة من العواطف ، أو عادة
من العادات ، هي سبب أحد الأفعال . فيتبين لنا بالتجربة والاختبار والتحليل ان هذا
الفعل ناشىء عن أسباب أخرى ، وان ما تو همناه كان بعيداً كل البعد عن الحقيقة . وفي الحياة الطبيعية والروايات والأمراض العقلية أمثلة كثيرة تدل على ذلك
اضف إلى ذلك ان كل حالة نفسية تحتوي على عناصر مختلفة ( من انفعالية ، وعقلية وارادية ( لا يكشف الشعور التلقائي عنها ، بل يرينا اياها مبهمة مركبة ، فلا تستبين لنا عناصرها الا بعد التأمل والتحليل
وجملة القول ان الشعور التلقائي لا يفي بشروط الملاحظة العلمية ، لأنه لا يضيء مسرح النفس بدرجة واحدة من النور ، ولا يؤدي إلى اتصاف الظواهر النفسية كلها بدرجة واحدة من الوضوح ، وهذا ما يتفاوت بالكم والكيف ويبعث على الاهتمام بالعناصر المنيرة الموجودة على السطح دون العناصر المظلمة البعيدة ؛ مع أنه قد يكون لهذه العناصر
البعيدة أثر عظيم في تبديل الأحوال النفسية .
فيها أنت ترى أنه لا يمكن الاعتماد على الشعور التلقائي في تحليل الظواهر النفسية. وانه لا بد للباحث النفسي من أن يضم إلى هذه الملاحظة التلقائية ملاحظة الشعور التأملي.
تعليق