جمع بين الطب والعلوم الإنسانية … د.إبراهيم حقي.. الطبيب الذي أخذته اللغة العربية إلى عالم الأدب والفكر
| وائل العدس
الأربعاء, 27-09-2023
الطب مهنته والكتابة هوايته، وهو أول طبيب للجراحة النسائية في سورية، أثبت حضوره علمياً وأدبياً لأكثر من نصف قرن، إنه الطبيب الأديب إبراهيم حقي الذي رحل عن دنيانا ظهر الإثنين.
مثقف ليس في مادة الطب وإنما في المواد العامة، ممارسته خلال ستة عقود لمهنة الطب ممارسة أخلاقية، بذل جهوداً لإنجاز قاموس طبي لم يكن بهدف الربح إنما لنشر المعرفة والكلمات الطبية باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية.
طوال مسيرته لم يكن يوماً غاضباً بوجه أحد، خدم مهنته أكثر مما خدمته، واتسم بأخلاقه الطيبة وحرصه على مرضاه وتجاوبه معهم ومع آلامهم وهمومهم، بعد أن أحال نفسه إلى التقاعد من مهنة الطب شرع بالتخطيط لمجموعة مؤلفات أغنت المكتبة العربية وعبّرت عن أخلاقية رفيعة المستوى، وتضمنت كتاباته الكثير من الأمور الإنسانية والأخلاقية التوعوية.
لقبه البعض بـ«علاّمة دمشق» على اعتباره المثل الأعلى لأرقى الصفات وأجملها، من الحكمة والتواضع، والعلم والأدب، والمحبة والإنسانية، والفهم لكل ما يجري في العالم.
مناصب عدة
ولد الراحل في حي القنوات في دمشق عام 1920 لأب دمشقي وأم حلبية، وغادر دمشق طفلاً إلى حلب لانتقال والده للعمل فيها، إذ حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة «الفيوضات» بمحلة الفرافرة في حلب، وانتسب إلى «مكتب عنبر» بعد عودة عائلته من حلب.
دخل بعد ذلك مدرسة «جودت الهاشمي»، وحصل على شهادة البكلوريا بفرعيها العلمي والفلسفة باللغة الفرنسية.
التحق في المعهد الطبي العربي، وكان من أساتذته حينها: حسني سبح، مرشد الخاطر، منيف العائدي، منير شورى، بشير العظمة، شوكت القنواتي، عزت مريدن، أنسطاس شاهين، توفيق المنجد.
تخرج في المعهد الطبي في دمشق في الدورة الثامنة والعشرين عام 1946، ثم تابع اختصاصه في الطب في جنيف وباريس عامي 1957- 1958.
عاد من دراسة التخصص وعمل في قسم التوليد ورئاسته له، وتسلم عمادة كلية الطب بجامعة دمشق عام 1971، وترأس أطباء مشافي كلية الطب.
انتخب نقيباً لأطباء دمشق، فرئيساً لجمعية المولدين والنسائيين السورية، فرئيساً للمجلس العلمي في اختصاص التوليد وأمراض النساء (البورد العربي)، ورئيساً للرابطة العربية لجمعيات اختصاصيي أمراض النساء والتوليد، كما ترأس جمعية «السمات الإنسانية للعلم والعمل في بلاد الشام» التي نظم مؤتمراتها وترأسها.
في ثمانينيات القرن العشرين ترأس إدارة مستشفى «دار الشفاء» في دمشق.
وبعد تقاعده عن العمل الطبي عمل في الموسوعة العربية في دمشق، وترأس القسم الطبي (بعد وفاة رئيسه الأول الأستاذ الدكتور عدنان تكريتي عام 2011)، وبقي رئيساً للقسم الطبي حتى عام 2017.
حب للكتابة
بعد حصوله على الشهادة الثانوية ودراسته للطب لم يكن ضمن اهتمامه اختصاص التوليد بل الجراحة العامة، ولاسيما أنه نجح في المسابقة التي أعلنت عنها وزارة الصحة لإيفاده لدراستها في فرنسا، إلا أن الدكتور شوكت القنواتي كان قد رشحه ليكون مساعداً له في التوليد وهو الذي أقنعه أن التوليد ما هو إلا فرع من فروع الجراحة العامة.
استطاع الجمع بين مهنة الطب والعلوم الإنسانية من خلال حبه للكتابة التي كانت هوايته منذ الصغر، وليس كما تعتقد الأغلبية بأنه اهتم بها بعد تقاعده من مهنة الطب، فرحلته معها بدأت حين كان طالباً في مدرسة «مكتب عنبر»، وكانت البداية في الصف الثامن من خلال مشاركاته بمجلة «سمير» التي كانت تتوجه للتلاميذ، ثم تابع الكتابة وهو طالب في كلية الطب في جريدة «الاستقلال العربي» التي خصصت صفحة سميت «صوت الجامعة» وكان يكتب فيها طلاب كليتي الطب والحقوق.
التفرغ الكلي
أما التفرغ بشكل كلي للكتابة فلم يتحقق إلا بعد إحالته إلى التقاعد حيث أصبحت اللغة العربية هي المعنية والمقصودة بكتاباته، وبعد أن أصبح الجميع ينتقد ضعفها ويعزف عن استخدامها ويقصر في تعلمها، فاللغة برأيه ليست شيئاً يتعلمه الإنسان وإنما تنشأ معه منذ تفتح عينيه على النور حين يسمع كلام والديه والناس المحيطين به، وما أحوج لغتنا العربية لجهود المخلصين والعاشقين لها للارتقاء بها لأنها تعبر عن هويتنا وشخصيتنا والتي من دونها لا ملامح لنا على حد قوله.
مؤلفاته
لديه العديد من المؤلفات، وقد ركز في كتاباته على مواضيع ثلاثة هي: اللغة، الأخلاق، القوة، اعتقاداً منه أن هذه الأمور هي دعائم الأمم كلها.
له العديد من المؤلفات الطبية منها: «أمراض النساء» على ثلاثة أجزاء، «فن التوليد» بمشاركة من الدكتور صادق فرعون، «كتاب تشريح الجهاز التناسلي عند المرأة»، «معجم مصطلحات التوليد وأمراض النساء»، بثلاث لغات مع شرح المفردات.
ومن مؤلفاته الأدبية: «هذا هو الإسلام فأين المسلمون»، «رحلة الشتاء والصيف»، «الجزيرة الباكية» و«سيرة مواطن دمشقي في القرن العشرين» و«تطور دمشق خلال السنوات الثمانين الماضية بكل المجالات العمرانية والثقافية».
نشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات الطبية المتخصصة، إضافة إلى مشاركات في الموسوعة العربية.
| وائل العدس
الأربعاء, 27-09-2023
الطب مهنته والكتابة هوايته، وهو أول طبيب للجراحة النسائية في سورية، أثبت حضوره علمياً وأدبياً لأكثر من نصف قرن، إنه الطبيب الأديب إبراهيم حقي الذي رحل عن دنيانا ظهر الإثنين.
مثقف ليس في مادة الطب وإنما في المواد العامة، ممارسته خلال ستة عقود لمهنة الطب ممارسة أخلاقية، بذل جهوداً لإنجاز قاموس طبي لم يكن بهدف الربح إنما لنشر المعرفة والكلمات الطبية باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية.
طوال مسيرته لم يكن يوماً غاضباً بوجه أحد، خدم مهنته أكثر مما خدمته، واتسم بأخلاقه الطيبة وحرصه على مرضاه وتجاوبه معهم ومع آلامهم وهمومهم، بعد أن أحال نفسه إلى التقاعد من مهنة الطب شرع بالتخطيط لمجموعة مؤلفات أغنت المكتبة العربية وعبّرت عن أخلاقية رفيعة المستوى، وتضمنت كتاباته الكثير من الأمور الإنسانية والأخلاقية التوعوية.
لقبه البعض بـ«علاّمة دمشق» على اعتباره المثل الأعلى لأرقى الصفات وأجملها، من الحكمة والتواضع، والعلم والأدب، والمحبة والإنسانية، والفهم لكل ما يجري في العالم.
مناصب عدة
ولد الراحل في حي القنوات في دمشق عام 1920 لأب دمشقي وأم حلبية، وغادر دمشق طفلاً إلى حلب لانتقال والده للعمل فيها، إذ حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة «الفيوضات» بمحلة الفرافرة في حلب، وانتسب إلى «مكتب عنبر» بعد عودة عائلته من حلب.
دخل بعد ذلك مدرسة «جودت الهاشمي»، وحصل على شهادة البكلوريا بفرعيها العلمي والفلسفة باللغة الفرنسية.
التحق في المعهد الطبي العربي، وكان من أساتذته حينها: حسني سبح، مرشد الخاطر، منيف العائدي، منير شورى، بشير العظمة، شوكت القنواتي، عزت مريدن، أنسطاس شاهين، توفيق المنجد.
تخرج في المعهد الطبي في دمشق في الدورة الثامنة والعشرين عام 1946، ثم تابع اختصاصه في الطب في جنيف وباريس عامي 1957- 1958.
عاد من دراسة التخصص وعمل في قسم التوليد ورئاسته له، وتسلم عمادة كلية الطب بجامعة دمشق عام 1971، وترأس أطباء مشافي كلية الطب.
انتخب نقيباً لأطباء دمشق، فرئيساً لجمعية المولدين والنسائيين السورية، فرئيساً للمجلس العلمي في اختصاص التوليد وأمراض النساء (البورد العربي)، ورئيساً للرابطة العربية لجمعيات اختصاصيي أمراض النساء والتوليد، كما ترأس جمعية «السمات الإنسانية للعلم والعمل في بلاد الشام» التي نظم مؤتمراتها وترأسها.
في ثمانينيات القرن العشرين ترأس إدارة مستشفى «دار الشفاء» في دمشق.
وبعد تقاعده عن العمل الطبي عمل في الموسوعة العربية في دمشق، وترأس القسم الطبي (بعد وفاة رئيسه الأول الأستاذ الدكتور عدنان تكريتي عام 2011)، وبقي رئيساً للقسم الطبي حتى عام 2017.
حب للكتابة
بعد حصوله على الشهادة الثانوية ودراسته للطب لم يكن ضمن اهتمامه اختصاص التوليد بل الجراحة العامة، ولاسيما أنه نجح في المسابقة التي أعلنت عنها وزارة الصحة لإيفاده لدراستها في فرنسا، إلا أن الدكتور شوكت القنواتي كان قد رشحه ليكون مساعداً له في التوليد وهو الذي أقنعه أن التوليد ما هو إلا فرع من فروع الجراحة العامة.
استطاع الجمع بين مهنة الطب والعلوم الإنسانية من خلال حبه للكتابة التي كانت هوايته منذ الصغر، وليس كما تعتقد الأغلبية بأنه اهتم بها بعد تقاعده من مهنة الطب، فرحلته معها بدأت حين كان طالباً في مدرسة «مكتب عنبر»، وكانت البداية في الصف الثامن من خلال مشاركاته بمجلة «سمير» التي كانت تتوجه للتلاميذ، ثم تابع الكتابة وهو طالب في كلية الطب في جريدة «الاستقلال العربي» التي خصصت صفحة سميت «صوت الجامعة» وكان يكتب فيها طلاب كليتي الطب والحقوق.
التفرغ الكلي
أما التفرغ بشكل كلي للكتابة فلم يتحقق إلا بعد إحالته إلى التقاعد حيث أصبحت اللغة العربية هي المعنية والمقصودة بكتاباته، وبعد أن أصبح الجميع ينتقد ضعفها ويعزف عن استخدامها ويقصر في تعلمها، فاللغة برأيه ليست شيئاً يتعلمه الإنسان وإنما تنشأ معه منذ تفتح عينيه على النور حين يسمع كلام والديه والناس المحيطين به، وما أحوج لغتنا العربية لجهود المخلصين والعاشقين لها للارتقاء بها لأنها تعبر عن هويتنا وشخصيتنا والتي من دونها لا ملامح لنا على حد قوله.
مؤلفاته
لديه العديد من المؤلفات، وقد ركز في كتاباته على مواضيع ثلاثة هي: اللغة، الأخلاق، القوة، اعتقاداً منه أن هذه الأمور هي دعائم الأمم كلها.
له العديد من المؤلفات الطبية منها: «أمراض النساء» على ثلاثة أجزاء، «فن التوليد» بمشاركة من الدكتور صادق فرعون، «كتاب تشريح الجهاز التناسلي عند المرأة»، «معجم مصطلحات التوليد وأمراض النساء»، بثلاث لغات مع شرح المفردات.
ومن مؤلفاته الأدبية: «هذا هو الإسلام فأين المسلمون»، «رحلة الشتاء والصيف»، «الجزيرة الباكية» و«سيرة مواطن دمشقي في القرن العشرين» و«تطور دمشق خلال السنوات الثمانين الماضية بكل المجالات العمرانية والثقافية».
نشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات الطبية المتخصصة، إضافة إلى مشاركات في الموسوعة العربية.