ابن قنفـذ (أحمد بن حسين ـ)
(740 ـ 810 هـ/1339 ـ 1407م)
أبو العباس، أحمد بن حسين (أو حسن) بن علي بن الخطيب، القُسَنْطيني الجزائري الإمام العلامة المتفنّن، الأديب الرحال، الشيخ الفاضل الصالح.
ويعرف بابن قنفذ، وابن الخطيب، وابن قنفود. وسبب شهرته بابن الخطيب أن جدّه الأعلى تولى الخطابة في مدينة قسنطينة مدة خمسين أو ستين سنة. ثم تولاها من بعده والد المترجم.
درس على والده وكان أديباً مرموقاً وعلى جدّه لأمه؛ أبي يعقوب الملاري من مشاهير الصوفية، ثم على شيوخ بلده قسنْطينة، حيث أخذ علوم العربية والعلوم الدينية عن عدد وافر من الأئمة، منهم: الحسن بن خلف الله القيسي القسنطيني، والحسن بن أبي القاسم بن باديس.
عاصر ابن قنفذ شطراً من عهد الدولة الحفصية في تونس؛ والتي امتد سلطانها من تلمسان إلى طرابلس الغرب، كما عاصر دولة بني مرين الأولى التي قامت في المغرب العربي.
وقد عرفت الجزائر في القرن الثامن الهجري حركة تأليف واسعة النطاق شملت مختلف أنواع العلوم المعروفة آنذاك؛ التي كانت تدرس في مساجد تلمسان والجزائر وبجاية وقسنطينة وبونة.
ولما بلغ ابن قنفذ التاسعة عشرة من عمره سنة 759هـ رحل إلى مدينة فاس بالمغرب الأقصى للأخذ عن علماء جامعتها وغيرهم من علماء المغرب، وأشهرهم ابن مرزوق التلمساني، المشهور بلقب الجدّ. سمع منه ابن قنفذ «صحيح البخاري» وغيره في مجالس مختلفة، والشريف التِلِمْساني (ت771هـ) الذي كان من أعلام المالكية في عصره، وكان الوزيـر لسـان الدين بن الخطيب كلما ألّف كتاباً بعثه إليه، وعرضه عليه، وعبد الله الوانغيلي الفاسي (ت779هـ) قرأ عليه ابن قنفذ «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و«الجمل» في المنطق، وأبو عمران العبدوسي (ت776هـ) لازمه ابن قنفذ بمدينة فاس مدة ثماني سنين، يأخذ عنه الفقه، والشيخ الفقيه أبو زيد اللجائي الفاسي (ت773هـ) أخذ عنه العلوم السماوية، وأبو العباس القبّاب (ت788هـ) لازم ابن قنفذ درسه في الحديث والفقه وأصول الدين، وأبو محمد الهرغي الزقندري (ت768هـ) حضر ابن قنفذ درسه بمرّاكش في التفسير والحديث والفقه، وقاضي غرناطة أبو القاسم الحسيني السَّبتي؛ المعروف بالشريف الغرناطي (ت760هـ) وذلك حين قدم هذا إلى فاس في زيارة لها.
وتتلمذ على يد ابن قنفذ جماعة، منهم ابن مرزوق الحفيد.
أقام ابن قنفذ في المغرب العربي ثمانية عشر عاماً (759ـ776هـ)، وجال أيضاً في بلاد المغرب وإفريقيا، وفي أثناء هذه الحقبة الملأى بالنشاط العلمي والبعيدة الأثر في توجيهه حصّل علوماً جمّة، وحرص على لقاء العلماء والأولياء والصلحاء والمتصوفين خاصة، وتبرك بهم، واستفاد منهم.
ثم عاد ابن قنفذ إلى بلده سنة 776هـ، ومرّ في طريقه بمدينة تلمسان، وزار ضريح أبي مدين التلمساني. وفي هذه السنة عمّ الجوع أنحاء المغرب كافة، وكانت مجاعة عظيمة أحدثت فيه الخراب.
وبعد إقامته في قسنطينة بنحو عام واحد، رحل إلى مدينة تونس، حيث قرأ على ابن عرفة الورغمي الفقيه المالكي في جامع الزيتونة، ثم عاد إلى قسنطينة وقد علت شهرته في كثير من العلوم، كالتراجم والحديث والفلك والفرائض. وفي قسنطينة ولي الخطبة والإفتاء والقضاء، وعكف على التدريس والتأليف إلى أن توفّاه الله.
ترك مؤلّفات كثيرة جداً بلغ عددها نحو 30 في فنون متنوعة، كالفقه والتوحيد والطب والفلك والمنطق والعروض والحساب والبلاغة والنحو والأصول والفرائض والتراجم.
وأشهر مؤلفاته المطبوعة «كتاب الوفيات» وهو معجم زمني موجز جداً لوفيات الصحابة وأعلام المحدثين والفقهاء والمؤلفين، ما بين سنة 11 و807 هـ، واستهلّه بوفاة الرسول محمدr وهكذا حتى يصل إلى سنة 807 هـ قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنوات.
جعل ابن قنفذ كتابه هذا ذيلاً لكتاب «شرف الطالب في أسنى المطالب»، ورتبه على القرون وعلى تواريخ وفياتهم.أما سائر مؤلفاته فقد طبع القليل منها، وبعضها الآخر إما مفقود وإما أنه لايزال مخطوطاً. وأشهرها «تقريب الدلالة في شرح الرسالة» في أربعة أسفار، و«معاونة (أو معونة) الرائض في علم الفرائض» وهو شرح للأرجوزة التلمسانية في الفرائض، و«إيضاح المعاني في بيان المباني» وهو شرح لرجز في المنطق نظمه أبو عبيد الله المراكشي الضرير، من أهل قسنطينة، و«أنس الفقير وعز الحقير، في رجال من أهل التصوف» كأبي مدين وأصحابه، و«أنوار السعادة في أصول العبادة» وهو شرح لقولهr «بني الإسلام على خمس…» الحديث، و«هداية السالك في بيان ألفية ابن مالك»، و«سراج الثقات في علم الأوقات»، و«أنس الحبيب عند عجز الطبيب»، و«تيسير المطالب في تعديل الكواكب»؛ ولم يهتد أحد إلى مثله من المتقدمين، و«بسط الرموز الخفية في شرح عروض الخزرجية»، و«حطّ النقاب عن وجوه أعمال الحساب»، و«الإبراهيمية في مبادئ علم العربية»، و«بغية الفارض من الحساب والفرائض»، و«الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية»، و«شرف الطالب في أسنى المطالب».
وله شعر قليل على طريقة علماء العصور المتأخرة. ومن شعره:
وبعيدٍ ان فكّرت فيهِ رأيتـهُ
قد دارَ بين قواعـد متتـاليهْ:
فاطلبْهُ في القرآن أو في سُنّةٍ
واعضُدْهُ بالإجماعِ، واتركْ تالِيَهْ
ومن شعره أيضاً قوله؛ ذاكراً ما مضى من سنوات حياته:
مضَتْ ستُّونَ عاماً من وجودِي
وما أمسكتُ عن لعبٍ ولهوِ
وقدْ أصبحتُ يومَ حلولِ إحـدى
وثامنةٍ على كسلٍ وسـهوِ
فكَمْ لابنِ الخطيبِ مِنَ الخطايا
وفضـلُ الله يشـملُهُ بعفـوِ
محمود فاخوري
(740 ـ 810 هـ/1339 ـ 1407م)
أبو العباس، أحمد بن حسين (أو حسن) بن علي بن الخطيب، القُسَنْطيني الجزائري الإمام العلامة المتفنّن، الأديب الرحال، الشيخ الفاضل الصالح.
ويعرف بابن قنفذ، وابن الخطيب، وابن قنفود. وسبب شهرته بابن الخطيب أن جدّه الأعلى تولى الخطابة في مدينة قسنطينة مدة خمسين أو ستين سنة. ثم تولاها من بعده والد المترجم.
درس على والده وكان أديباً مرموقاً وعلى جدّه لأمه؛ أبي يعقوب الملاري من مشاهير الصوفية، ثم على شيوخ بلده قسنْطينة، حيث أخذ علوم العربية والعلوم الدينية عن عدد وافر من الأئمة، منهم: الحسن بن خلف الله القيسي القسنطيني، والحسن بن أبي القاسم بن باديس.
عاصر ابن قنفذ شطراً من عهد الدولة الحفصية في تونس؛ والتي امتد سلطانها من تلمسان إلى طرابلس الغرب، كما عاصر دولة بني مرين الأولى التي قامت في المغرب العربي.
وقد عرفت الجزائر في القرن الثامن الهجري حركة تأليف واسعة النطاق شملت مختلف أنواع العلوم المعروفة آنذاك؛ التي كانت تدرس في مساجد تلمسان والجزائر وبجاية وقسنطينة وبونة.
ولما بلغ ابن قنفذ التاسعة عشرة من عمره سنة 759هـ رحل إلى مدينة فاس بالمغرب الأقصى للأخذ عن علماء جامعتها وغيرهم من علماء المغرب، وأشهرهم ابن مرزوق التلمساني، المشهور بلقب الجدّ. سمع منه ابن قنفذ «صحيح البخاري» وغيره في مجالس مختلفة، والشريف التِلِمْساني (ت771هـ) الذي كان من أعلام المالكية في عصره، وكان الوزيـر لسـان الدين بن الخطيب كلما ألّف كتاباً بعثه إليه، وعرضه عليه، وعبد الله الوانغيلي الفاسي (ت779هـ) قرأ عليه ابن قنفذ «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و«الجمل» في المنطق، وأبو عمران العبدوسي (ت776هـ) لازمه ابن قنفذ بمدينة فاس مدة ثماني سنين، يأخذ عنه الفقه، والشيخ الفقيه أبو زيد اللجائي الفاسي (ت773هـ) أخذ عنه العلوم السماوية، وأبو العباس القبّاب (ت788هـ) لازم ابن قنفذ درسه في الحديث والفقه وأصول الدين، وأبو محمد الهرغي الزقندري (ت768هـ) حضر ابن قنفذ درسه بمرّاكش في التفسير والحديث والفقه، وقاضي غرناطة أبو القاسم الحسيني السَّبتي؛ المعروف بالشريف الغرناطي (ت760هـ) وذلك حين قدم هذا إلى فاس في زيارة لها.
وتتلمذ على يد ابن قنفذ جماعة، منهم ابن مرزوق الحفيد.
أقام ابن قنفذ في المغرب العربي ثمانية عشر عاماً (759ـ776هـ)، وجال أيضاً في بلاد المغرب وإفريقيا، وفي أثناء هذه الحقبة الملأى بالنشاط العلمي والبعيدة الأثر في توجيهه حصّل علوماً جمّة، وحرص على لقاء العلماء والأولياء والصلحاء والمتصوفين خاصة، وتبرك بهم، واستفاد منهم.
ثم عاد ابن قنفذ إلى بلده سنة 776هـ، ومرّ في طريقه بمدينة تلمسان، وزار ضريح أبي مدين التلمساني. وفي هذه السنة عمّ الجوع أنحاء المغرب كافة، وكانت مجاعة عظيمة أحدثت فيه الخراب.
وبعد إقامته في قسنطينة بنحو عام واحد، رحل إلى مدينة تونس، حيث قرأ على ابن عرفة الورغمي الفقيه المالكي في جامع الزيتونة، ثم عاد إلى قسنطينة وقد علت شهرته في كثير من العلوم، كالتراجم والحديث والفلك والفرائض. وفي قسنطينة ولي الخطبة والإفتاء والقضاء، وعكف على التدريس والتأليف إلى أن توفّاه الله.
ترك مؤلّفات كثيرة جداً بلغ عددها نحو 30 في فنون متنوعة، كالفقه والتوحيد والطب والفلك والمنطق والعروض والحساب والبلاغة والنحو والأصول والفرائض والتراجم.
وأشهر مؤلفاته المطبوعة «كتاب الوفيات» وهو معجم زمني موجز جداً لوفيات الصحابة وأعلام المحدثين والفقهاء والمؤلفين، ما بين سنة 11 و807 هـ، واستهلّه بوفاة الرسول محمدr وهكذا حتى يصل إلى سنة 807 هـ قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنوات.
جعل ابن قنفذ كتابه هذا ذيلاً لكتاب «شرف الطالب في أسنى المطالب»، ورتبه على القرون وعلى تواريخ وفياتهم.أما سائر مؤلفاته فقد طبع القليل منها، وبعضها الآخر إما مفقود وإما أنه لايزال مخطوطاً. وأشهرها «تقريب الدلالة في شرح الرسالة» في أربعة أسفار، و«معاونة (أو معونة) الرائض في علم الفرائض» وهو شرح للأرجوزة التلمسانية في الفرائض، و«إيضاح المعاني في بيان المباني» وهو شرح لرجز في المنطق نظمه أبو عبيد الله المراكشي الضرير، من أهل قسنطينة، و«أنس الفقير وعز الحقير، في رجال من أهل التصوف» كأبي مدين وأصحابه، و«أنوار السعادة في أصول العبادة» وهو شرح لقولهr «بني الإسلام على خمس…» الحديث، و«هداية السالك في بيان ألفية ابن مالك»، و«سراج الثقات في علم الأوقات»، و«أنس الحبيب عند عجز الطبيب»، و«تيسير المطالب في تعديل الكواكب»؛ ولم يهتد أحد إلى مثله من المتقدمين، و«بسط الرموز الخفية في شرح عروض الخزرجية»، و«حطّ النقاب عن وجوه أعمال الحساب»، و«الإبراهيمية في مبادئ علم العربية»، و«بغية الفارض من الحساب والفرائض»، و«الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية»، و«شرف الطالب في أسنى المطالب».
وله شعر قليل على طريقة علماء العصور المتأخرة. ومن شعره:
وبعيدٍ ان فكّرت فيهِ رأيتـهُ
قد دارَ بين قواعـد متتـاليهْ:
فاطلبْهُ في القرآن أو في سُنّةٍ
واعضُدْهُ بالإجماعِ، واتركْ تالِيَهْ
ومن شعره أيضاً قوله؛ ذاكراً ما مضى من سنوات حياته:
مضَتْ ستُّونَ عاماً من وجودِي
وما أمسكتُ عن لعبٍ ولهوِ
وقدْ أصبحتُ يومَ حلولِ إحـدى
وثامنةٍ على كسلٍ وسـهوِ
فكَمْ لابنِ الخطيبِ مِنَ الخطايا
وفضـلُ الله يشـملُهُ بعفـوِ
محمود فاخوري