قسطنطين الكبير
(273 أو 274 ـ 337م)
عُرف فلافيوس فالريوس كونستانتينوس Flavius Valerius Constantinus تاريخياً باسم قسطنطين الكبير Constantine the Great، أحد أشهر الأباطرة الرومان ومن أعظم الحكام الذين تركوا بصماتهم في تاريخ العالم.
وُلد في بلدة نايسوس Naissos الإيليرية (الصربية) عام، وهو ابن قيصر الغرب كونستانتيوس كلوروس Constantius Chlorus وزوجته هيلينا Helena. نشأ نشأة عسكرية في كنف والده وتدرب على فنون القتال، ثم التحق بمعسكر الامبراطور ديوقليسيان[ر] Diocletianus، وذهب معه إلى الإسكندرية عام 296م. شارك بعدها في الحرب ضد الفرس تحت قيادة القيصر غالريوس (193ـ311) Galerius. وكان لايزال في الشرق عندما تخلى ديوقليسيان وزميله مكسيميان Maximianus عن الحكم عام 305م. وهكذا صعد القيصران غالريوس وكونستانتيوس إلى سدة الرئاسة الامبراطورية وتقلدا رتبة أغسطس حسب النظام الرئاسي الرباعي.
التحق قسطنطين بوالده للمشاركة في الحرب في بريطانيا، ولكن الأب مات بعد وقت قصير (306م) فنادى الجنود به امبراطوراً في الغرب. تصدى لهجمات القبائل الجرمانية على جبهة الراين وكسر شوكتها في معارك عدة. وعندما شب صراع على السلطة بين كبار القادة آنذاك، تحالف قسطنطين مع الامبراطور السابق مكسيميان، الذي زوَّجه ابنته فاوستينا Faustina. ثم خاض صراعاً دموياً مع قيصر روما مكسنتيوس Maxentius، وهاجم إيطاليا وحقق انتصارات كبيرة في شمالها. وأخيراً جرت المعركة الحاسمة عند جسر مولفيوس Milvian Bridge عام 312م، فانتصر فيها قسطنطين ودخل روما، واستقبله مجلس الشيوخ بالترحاب ومنحه لقب أغسطس، فصار امبراطور الغرب الروماني بلا منازع. ويُروى أنه في ليلة المعركة ظهر له ملاك في الحلم أشار إلى صليب في السماء قائلاً: »بهذه الإشارة ستنتصر« وكان ذلك مقدمة لميوله المسيحية. وبعد أن وطد مركزه في إيطاليا التقى في ميلانو امبراطور الشرق ليكينيوس Licinius، الذي اتفق معه على اقتسام النفوذ في الامبراطورية. وتم زواجه من أخت قسطنطين لترسيخ التحالف فيما بينهما، وأصدرا عام 313م مرسوم ميلانو الشهير Edict of Milan، الذي اعترف بحرية العبادة للمسيحيين.
ولكن الاتفاق لم يدم طويلاً وبدأ النزاع بين الامبراطورين الكبيرين وجرت معارك عدة بينهما انتهت بهزيمة ليكينيوس ومقتله عام 324م. وهكذا صار قسطنطين سيد الامبراطورية الرومانية الأوحد، وقرر بناء عاصمة جديدة فاختار بيزنطة، المدينة الإغريقية القديمة، التي أعاد بناءها وتوسيعها وتجميلها ودشنها عام 330م باسم القسطنطينية Konstantinopolis (أي مدينة قسطنطين).
قام قسطنطين بإصلاحات كبيرة وجذرية طالت مختلف مجالات الحياة السياسية والإدارية والعسكرية، أكملت إصلاحات سلفه ديوقليسيان وحولت الامبراطورية الرومانية إلى دولة ملكية وراثية مستبدة، يحكمها امبراطور بسلطات مطلقة وسياسة مركزية وحكومة بيروقراطية ونظام إداري محكم وصارم. قسمت الامبراطورية إلى أربع مناطق إدارية كبرى تنقسم بدورها إلى 14دوقية تضم 114ولاية، وتم الفصل بصورة كاملة بين الوظائف المدنية والعسكرية. أما إصلاحاته العسكرية فتمثلت بإنشاء جيش ميداني دائم قادر على الحركة في أي ظرف، مهمته حماية سلطة الامبراطور ودرء الأخطار الخارجية، يقوده قائدان كبيران أحدهما للمشاة والآخر للفرسان مسؤولان أمام الامبراطور مباشرة، ويتلقى جنوده Comitatenses رواتب أعلى وامتيازات كثيرة. وهناك جيش آخر مهمته حماية الحدود Limitanei يتألف من جنود يرابطون على الحدود ويمارسون الزراعة في الأراضي المقطعة لهم. وقد ازدادت أعداد الجرمان في الجيش والمناصب العليا وصار للفرسان أهمية كبيرة لمواجهة سلاح الفرسان لدى الفرس, كما قام قسطنطين بإصلاح النقد الذي انهارت قيمته، فأصدر عملة ذهبية جديدة تدعى سوليدوس Solidus ساعدت على استقرار الأوضاع المالية وبقيت متداولة حتى القرن الحادي عشر.
سعى قسطنطين شأن كثير من الأباطرة الذين سبقوه إلى توفير دعم إلهي لحكمه، وقد وجده في إله المسيحيين الذي يدين له بالنصر على خصمه مكسنتيوس، وتنامى هذا الاعتقاد مع انتصاراته اللاحقة.
ومما يشهد على عبقرية قسطنطين أنه أدرك قوة وحيوية الديانة الجديدة، التي زادها الاضطهاد ثباتاً ورسوخاً، وبعد مرسوم ميلانو صارت الكنيسة تسعى إلى الوفاق مع الامبراطورية، التي منحتها السلام والأمان شريطة أن تعترف بالدولة وتشد من أزر الأباطرة.
منح قسطنطين الكنيسة كثيراً من المساعدات المادية، وكان يفضل المسيحيين في الوظائف ويستقبل الأساقفة في بلاطه، ولكنه لم يلاحق أتباع الديانات الوثنية التي كان يقوم بشعائرها بوصفه الكاهن الأكبر للديانة الرومانية. وكان يسعى إلى الحفاظ على وحدة الكنيسة بوصفها ركناً أساسياً في وحدة الامبراطورية. وعندما رأى اشتداد الخلافات المذهبية واللاهوتية دعا إلى عقد مجمع مسكوني للكنيسة في نيقية عام 325م، فافتتحه وتابع سير أعماله، بل كان له دور كبير في قراراته وعلى رأسها بطلان مذهب آريوس[ر] الذي ينكر ألوهية المسيح، وهكذا وضع أسس سياسة التحالف بين الكنيسة والامبراطورية.
ويبدو أن قسطنطين قد أحسن تدبير كل الأمور ما عدا أمور أسرته، فقد تزوج مرتين أولاهما بمنرفينا Minervina، التي رزق منها بابنه الأكبر كريسبوس Crispus، الذي كان ساعده الأيمن وحقق له انتصارات كبيرة عدة، أما زوجته الثانية فكانت فاوستا التي أنجب منها ثلاثة بنين وثلاث بنات.
وفي عام 326، حدثت فضيحة غامضة في القصر الامبراطوري أمر قسطنطين على إثرها بإعدام ابنه البكر كريسبوس وزوجته فاوستا وابن أخته من ليكينيوس.
أما علاقته بأمه هيلينا فكانت طيبة وسعيدة عموماً، وكانت من أشد المتحمسين للديانة المسيحية، التي اعتنقتها منذ زمن بعيد ونذرت نفسها لخدمتها، وهكذا ذهبت إلى أورشليم(القدس)، وتم بإشرافها تشييد كنيسة القيامة فوق قبر السيد المسيح، كما وعملت على بناء كنيسة المهد في بيت لحم، مسقط رأسه. وينسب إليها كذلك بناء كنيسة كبيرة في مدينة حمص حملت اسمها.
اهتم قسطنطين بأمر خلافته، فأعد أبناءه لتحمل مسؤوليات الحكم، فعينهم الواحد تلو الآخر في منصب قيصر (بمنزلة ولي العهد) وهم: قسطنطين الثاني (عام 317م) وكونستانتيوس الثاني (323م) وكونستانس (333م) وقد خلفوه على عرش الامبراطورية حسب وصيته.
كما اهتم قسطنطين ببناء الكنائس المسيحية في عاصمته الجديدة، مثلما فعل في روما وفلسطين وأنحاء مختلفة من الامبراطورية. ومن أشهر الأوابد التي ارتبطت باسمه حتى اليوم قوسه المشهورة في مدينة روما، والتي أقامها له مجلس الشيوخ الروماني بمناسبة انتصاره على مكسنتيوس، وهو من أعظم أقواس النصر الرومانية وأهمها.
وفي حين كان يعد لحرب كبيرة مع ملك الفرس شابور الثاني؛ أصابه المرض في عيد الفصح ومات في 22 أيار عام 337 في نيقوميديا Nikomedia بآسيا الصغرى، بعد أن اعتنق المسيحية وعُمِّد وهو على فراش الموت، ودفن في كنيسة الرسل بالقسطنطينية. وقد ترك المؤرخ الكنسي الكبير أوسيبيوس[ر] القيساري، وكان من المقربين إليه، ترجمة لحياة قسطنطين يشيد فيها بتقواه وأعماله الصالحة وحكمه الرشيد على مدى أكثر من ثلاثين سنة.
كان قسطنطين قائداً بارعاً وإدارياً عظيماً وسياسياً لايشق له غبار في شؤون الحرب والحكم، وبفضل إصلاحاته أعاد الحياة والقوة للامبراطورية. وكان يعتقد أن الحكم الوراثي المطلق هو علاج الفوضى العسكرية والسياسية السائدة في عصره، ولعل أكبر أخطائه تقسيمه الامبراطورية بين أبنائه الثلاثة. ويبدو أن عقيدته المسيحية التي كانت في بدايتها خطة سياسية، قد استحالت بالتدريج إلى إيمان صحيح، فقد وهب الامبراطورية الهرمة حياة جديدة بأن ربط بينها وبين ديانة فتية ونظام قوي ومبادئ أخلاقية جديدة، وبفضل معونته أصبحت المسيحية دين الامبراطورية الرومانية وخليفتها البيزنطية حتى آخر أيامها.
محمد الزين
(273 أو 274 ـ 337م)
وُلد في بلدة نايسوس Naissos الإيليرية (الصربية) عام، وهو ابن قيصر الغرب كونستانتيوس كلوروس Constantius Chlorus وزوجته هيلينا Helena. نشأ نشأة عسكرية في كنف والده وتدرب على فنون القتال، ثم التحق بمعسكر الامبراطور ديوقليسيان[ر] Diocletianus، وذهب معه إلى الإسكندرية عام 296م. شارك بعدها في الحرب ضد الفرس تحت قيادة القيصر غالريوس (193ـ311) Galerius. وكان لايزال في الشرق عندما تخلى ديوقليسيان وزميله مكسيميان Maximianus عن الحكم عام 305م. وهكذا صعد القيصران غالريوس وكونستانتيوس إلى سدة الرئاسة الامبراطورية وتقلدا رتبة أغسطس حسب النظام الرئاسي الرباعي.
التحق قسطنطين بوالده للمشاركة في الحرب في بريطانيا، ولكن الأب مات بعد وقت قصير (306م) فنادى الجنود به امبراطوراً في الغرب. تصدى لهجمات القبائل الجرمانية على جبهة الراين وكسر شوكتها في معارك عدة. وعندما شب صراع على السلطة بين كبار القادة آنذاك، تحالف قسطنطين مع الامبراطور السابق مكسيميان، الذي زوَّجه ابنته فاوستينا Faustina. ثم خاض صراعاً دموياً مع قيصر روما مكسنتيوس Maxentius، وهاجم إيطاليا وحقق انتصارات كبيرة في شمالها. وأخيراً جرت المعركة الحاسمة عند جسر مولفيوس Milvian Bridge عام 312م، فانتصر فيها قسطنطين ودخل روما، واستقبله مجلس الشيوخ بالترحاب ومنحه لقب أغسطس، فصار امبراطور الغرب الروماني بلا منازع. ويُروى أنه في ليلة المعركة ظهر له ملاك في الحلم أشار إلى صليب في السماء قائلاً: »بهذه الإشارة ستنتصر« وكان ذلك مقدمة لميوله المسيحية. وبعد أن وطد مركزه في إيطاليا التقى في ميلانو امبراطور الشرق ليكينيوس Licinius، الذي اتفق معه على اقتسام النفوذ في الامبراطورية. وتم زواجه من أخت قسطنطين لترسيخ التحالف فيما بينهما، وأصدرا عام 313م مرسوم ميلانو الشهير Edict of Milan، الذي اعترف بحرية العبادة للمسيحيين.
ولكن الاتفاق لم يدم طويلاً وبدأ النزاع بين الامبراطورين الكبيرين وجرت معارك عدة بينهما انتهت بهزيمة ليكينيوس ومقتله عام 324م. وهكذا صار قسطنطين سيد الامبراطورية الرومانية الأوحد، وقرر بناء عاصمة جديدة فاختار بيزنطة، المدينة الإغريقية القديمة، التي أعاد بناءها وتوسيعها وتجميلها ودشنها عام 330م باسم القسطنطينية Konstantinopolis (أي مدينة قسطنطين).
قام قسطنطين بإصلاحات كبيرة وجذرية طالت مختلف مجالات الحياة السياسية والإدارية والعسكرية، أكملت إصلاحات سلفه ديوقليسيان وحولت الامبراطورية الرومانية إلى دولة ملكية وراثية مستبدة، يحكمها امبراطور بسلطات مطلقة وسياسة مركزية وحكومة بيروقراطية ونظام إداري محكم وصارم. قسمت الامبراطورية إلى أربع مناطق إدارية كبرى تنقسم بدورها إلى 14دوقية تضم 114ولاية، وتم الفصل بصورة كاملة بين الوظائف المدنية والعسكرية. أما إصلاحاته العسكرية فتمثلت بإنشاء جيش ميداني دائم قادر على الحركة في أي ظرف، مهمته حماية سلطة الامبراطور ودرء الأخطار الخارجية، يقوده قائدان كبيران أحدهما للمشاة والآخر للفرسان مسؤولان أمام الامبراطور مباشرة، ويتلقى جنوده Comitatenses رواتب أعلى وامتيازات كثيرة. وهناك جيش آخر مهمته حماية الحدود Limitanei يتألف من جنود يرابطون على الحدود ويمارسون الزراعة في الأراضي المقطعة لهم. وقد ازدادت أعداد الجرمان في الجيش والمناصب العليا وصار للفرسان أهمية كبيرة لمواجهة سلاح الفرسان لدى الفرس, كما قام قسطنطين بإصلاح النقد الذي انهارت قيمته، فأصدر عملة ذهبية جديدة تدعى سوليدوس Solidus ساعدت على استقرار الأوضاع المالية وبقيت متداولة حتى القرن الحادي عشر.
سعى قسطنطين شأن كثير من الأباطرة الذين سبقوه إلى توفير دعم إلهي لحكمه، وقد وجده في إله المسيحيين الذي يدين له بالنصر على خصمه مكسنتيوس، وتنامى هذا الاعتقاد مع انتصاراته اللاحقة.
ومما يشهد على عبقرية قسطنطين أنه أدرك قوة وحيوية الديانة الجديدة، التي زادها الاضطهاد ثباتاً ورسوخاً، وبعد مرسوم ميلانو صارت الكنيسة تسعى إلى الوفاق مع الامبراطورية، التي منحتها السلام والأمان شريطة أن تعترف بالدولة وتشد من أزر الأباطرة.
منح قسطنطين الكنيسة كثيراً من المساعدات المادية، وكان يفضل المسيحيين في الوظائف ويستقبل الأساقفة في بلاطه، ولكنه لم يلاحق أتباع الديانات الوثنية التي كان يقوم بشعائرها بوصفه الكاهن الأكبر للديانة الرومانية. وكان يسعى إلى الحفاظ على وحدة الكنيسة بوصفها ركناً أساسياً في وحدة الامبراطورية. وعندما رأى اشتداد الخلافات المذهبية واللاهوتية دعا إلى عقد مجمع مسكوني للكنيسة في نيقية عام 325م، فافتتحه وتابع سير أعماله، بل كان له دور كبير في قراراته وعلى رأسها بطلان مذهب آريوس[ر] الذي ينكر ألوهية المسيح، وهكذا وضع أسس سياسة التحالف بين الكنيسة والامبراطورية.
ويبدو أن قسطنطين قد أحسن تدبير كل الأمور ما عدا أمور أسرته، فقد تزوج مرتين أولاهما بمنرفينا Minervina، التي رزق منها بابنه الأكبر كريسبوس Crispus، الذي كان ساعده الأيمن وحقق له انتصارات كبيرة عدة، أما زوجته الثانية فكانت فاوستا التي أنجب منها ثلاثة بنين وثلاث بنات.
وفي عام 326، حدثت فضيحة غامضة في القصر الامبراطوري أمر قسطنطين على إثرها بإعدام ابنه البكر كريسبوس وزوجته فاوستا وابن أخته من ليكينيوس.
أما علاقته بأمه هيلينا فكانت طيبة وسعيدة عموماً، وكانت من أشد المتحمسين للديانة المسيحية، التي اعتنقتها منذ زمن بعيد ونذرت نفسها لخدمتها، وهكذا ذهبت إلى أورشليم(القدس)، وتم بإشرافها تشييد كنيسة القيامة فوق قبر السيد المسيح، كما وعملت على بناء كنيسة المهد في بيت لحم، مسقط رأسه. وينسب إليها كذلك بناء كنيسة كبيرة في مدينة حمص حملت اسمها.
اهتم قسطنطين بأمر خلافته، فأعد أبناءه لتحمل مسؤوليات الحكم، فعينهم الواحد تلو الآخر في منصب قيصر (بمنزلة ولي العهد) وهم: قسطنطين الثاني (عام 317م) وكونستانتيوس الثاني (323م) وكونستانس (333م) وقد خلفوه على عرش الامبراطورية حسب وصيته.
كما اهتم قسطنطين ببناء الكنائس المسيحية في عاصمته الجديدة، مثلما فعل في روما وفلسطين وأنحاء مختلفة من الامبراطورية. ومن أشهر الأوابد التي ارتبطت باسمه حتى اليوم قوسه المشهورة في مدينة روما، والتي أقامها له مجلس الشيوخ الروماني بمناسبة انتصاره على مكسنتيوس، وهو من أعظم أقواس النصر الرومانية وأهمها.
وفي حين كان يعد لحرب كبيرة مع ملك الفرس شابور الثاني؛ أصابه المرض في عيد الفصح ومات في 22 أيار عام 337 في نيقوميديا Nikomedia بآسيا الصغرى، بعد أن اعتنق المسيحية وعُمِّد وهو على فراش الموت، ودفن في كنيسة الرسل بالقسطنطينية. وقد ترك المؤرخ الكنسي الكبير أوسيبيوس[ر] القيساري، وكان من المقربين إليه، ترجمة لحياة قسطنطين يشيد فيها بتقواه وأعماله الصالحة وحكمه الرشيد على مدى أكثر من ثلاثين سنة.
كان قسطنطين قائداً بارعاً وإدارياً عظيماً وسياسياً لايشق له غبار في شؤون الحرب والحكم، وبفضل إصلاحاته أعاد الحياة والقوة للامبراطورية. وكان يعتقد أن الحكم الوراثي المطلق هو علاج الفوضى العسكرية والسياسية السائدة في عصره، ولعل أكبر أخطائه تقسيمه الامبراطورية بين أبنائه الثلاثة. ويبدو أن عقيدته المسيحية التي كانت في بدايتها خطة سياسية، قد استحالت بالتدريج إلى إيمان صحيح، فقد وهب الامبراطورية الهرمة حياة جديدة بأن ربط بينها وبين ديانة فتية ونظام قوي ومبادئ أخلاقية جديدة، وبفضل معونته أصبحت المسيحية دين الامبراطورية الرومانية وخليفتها البيزنطية حتى آخر أيامها.
محمد الزين