يتطلب منتهى العناية » . والواقع أنه عندما يعلن ناقد للصحف رأيه فإن ما يقوله يحظى باهتمام شديد من القراء . ويقول هرمان كوجان : «إن ما يحتاج إليه الأمر ليس أقل من ثورة في الصحافة ، وهرمان هذا كاتب ومحرر سابق بصحيفة «شيكاجو صن تايمز» ويشغل الآن منصب عضو مجلس إدارة مؤسسة مارشال فيلد للمواصلات. ويقول دا فيد ما ينتج هوايت رئيس قسم الصحافة بجامعة بوسطون: «إن الصحف لا تعطينى ما يكفي من الأسباب الكامنة وراء القصة التي تغطيها، إن شيئاً ما قد أصاب الصحف .. أصاب منها النفس والروح والقلب ) .
ولا يرى الكثيرون من مديرى وهم ينظرون إلى ميزانيات مؤسساتهم بقدر ما ينظرون إلى ما تنشره صحفهم من مقالات يومية ، أن هناك سبباً للنقد ، إن دخل الصحف من الإعلانات تزايد بصورة مطردة منذ الحرب العالمية الثانية برغم انتشار التليفزيون والمنافسة الشديدة من جانب المجلات، وفى العام الماضى ارتفع الدخل من الإعلانات في الولايات المتحدة فبلغ رقماً قياسياً هو ٤١٠٠ مليون دولار أى ما يعادل الدخل من الإعلانات الذى حصل عليه التليفزيون والراديو والمجلات مجتمعة. وتحاط البيانات الخاصة بالأرباح والخسائر بتكتم أشد مما تحاط به مصادر الأخبار ، ولكن مجلة ( المحرر والناشر ) تقول إن إحدى الصحف التي يصل توزيعها إلى ٢٤٦ ألف نسخة بلغ مجموع إيراداتها ١٣ مليون دولار وكان صافي أرباحها ٢,٥٥٤,٠٠٠ دولار وهذا الرقم يمثل ١٩ في المائة من الإيرادات .
وقد حدث خلال الأعوام العشرين الأخيرة أن توقفت ٤٠٣ صحف عن الصدور في أمريكا وصحب توقفها الكثير من الضجيج، ولكن حدث أيضاً خلال الفترة ذاتها أن صدر عدد يكاد يكون مماثلاً له من الصحف الجديدة ، وإذا نظرنا إلى ناحية البيئة السكانية نجد أن كل هذه الصحف تقريباً مما يصدر في الضواحي أو المدن الصغيرة ، ونجد أيضاً أن الكثير من أمثالها قد أصاب نجاحاً فائقاً ، ففي لونج أيلند وهى من ضواحي مدينة نيويورك تمتلىء صحيفة ( نيوزداى ) - ا - التي أسستها إليشيا باترسون في عام ١٩٤٠ متخذة من أحد الجراجات مقراً لها ـ بإعلانات المتاجر الكبرى وغيرها من متاجر البيع بالتجزئة ويبلغ توزيعها ٤٠٠,٠٠٠ نسخة يومياً أى أكثر من توزيع اثنتين من الصحف اليومية الكبرى الست التي تصدر في مدينة نيويورك القريبة .
ومن الأمور التى تترك في الذهن أثرها المماثل ، ذلك الرواج الذي تلقاه الصحيفتان اللتان تصدران فى سان جوزى بشمال ولاية كاليفورنيا والتابعتان لمجموعة صحف ( ریدر » وهما صحيفة » مركيورى ( الصباحية ) توزيعها ۹۳,۰۲۰ نسخة ) وصحيفة ( نيوز ) المسائية ( توزيعها ٦٤,٢٥٠ نسخة ) . ففي مدى الأعوام الخمسة عشر الأخيرة زاد توزيع هاتين الصحيفتين إلى أكثر من الضعف وفى عام ١٩٦٤ أصبحت صحيفة « نيوز» ثالثة الصحف الأمريكية من حيث عدد أسطر الإعلانات التي تنشرها .
ويقول اللورد طومسون وهو أحد ملوك الصحافة في بريطانيا « إن صحف المدن الصغيرة أشبه بصناديق النقود » ويمتلك هذا اللورد فى الولايات المتحدة ١٦ من هذه الصحف . وفى مجال صحافة المدن الصغيرة تكمن إمكانيات عظيمة للربح، ويقول فينسنت مانو وهو أحد كبار السماسرة في الولايات المتحدة : « إن الطلب على الصحف يزيد على الموجود منها » .
ومع ذلك لا يستطيع ناشرو الصحف أن ينسبوا الفضل في ذلك إلى الناحية ومع التحريرية ، فمن أسباب رواج سوق البيع أن هذه الصحف لا تجد منافسة فعالة في مجال الإعلانات الخاصة بتجارة التجزئة والإعلانات المبوبة ، ولكن الازدهار الاقتصادي إلى الاحتكار أكثر مما يرجع إلى عامل آخر بمفرده . فمنذ أربعين يرجع عاماً كانت توجد صحف متنافسة فى ٥٥٢ مدينة . واليوم تضاءل عدد المدن التي ما زالت فيها صحف تتنافس فيما بينها في سبيل زيادة التوزيع ، إلى أن أصبح ٦٩ مدينة فقط ، وحتى هذا التنافس يكون في معظم الحالات غير حقيقى ، فكما هو الحال في لوس إنجيلوس وسان فرانسيسكو و هیوستون و ميامى وكليفلند وديترويت ، يكون أحد اثنين من أصحاب الصحف محتكراً لصحف الصباح وتكون للآخر ملكية صحف المساء فلا يلقى تحدياً من أحد ، وتكون العلاقات بين المتنافسين مريحة في الواقع لدرجة أنه في أربع وعشرين من المدن التي لا توجد فيها احتكارات صحفية قد وحد مالكا الصحف فى كل منها مطابع مؤسستيهما ومعداتهما ، وحتى إدارتى إعلاناتهما في بعض الحالات .
وكثيراً ما يندد كتاب المقالات الافتتاحية بهذا الاتجاه نحو الاحتكار بوصفه ضاراً بالصحيفة، إلا أن القصة الكاملة تشير مرة أخرى إلى مسألة أشد غموضاً . فحيث لاتزال توجد المنافسة ، كما فى نيويورك وبوسطون ، لا تزال تظهر صحف تكاد لا تساوى السنتات العشرة التى تدفع ثمناً لها . ومعظم رؤساء تحرير صحف الاحتكار يضيفون إلى صفحة الافتتاحية مقالات الكتاب التي تنشر يومياً في حيز معين يخصص لكل منهم ، وهؤلاء يشنون حملاتهم من ناحية اليمين ومن ناحية اليسار سواء بسواء ، وتكون النتيجة أن تتوازن صفحات الافتتاحيات توازناً يبدو كأنه مدروس .
وكثيراً ما يوصف التليفزيون بأنه عفريت الصحافة الحديثة ، ليس فقط ما يدعيه لنفسه من حق فى وقت القارئ ، بل أيضاً بسبب المنافسة القوية الماثلة في قدرته الفذة بوصفه إحدى وسائل الإعلام، إلا أن أنباء التليفزيون تعد في الحقيقة منبهة للصحف أكثر من أن تكون مبعثاً لقلقها ، فقد تتجمع شبكات التليفزيون حول إطلاق سفينة فضاء ، ولكن ما يراه القارئ على الشاشة الصغيرة يزيد من شهيته بدلاً من أن يشعره بالشبع ، ويقول كليفتون دانيل مدير تحرير صحيفة النيويرك تايمز : « إننا نبيع صحفاً أكثر فى أيام الانتخابات ولو أن الناس يذهبون إلى فراشهم بعد سماعهم في الراديو والتليفزيون نتيجة الانتخابات » .
ويثير السؤال عما في صحف الولايات المتحدة من عيوب سيلاً من الإجابات .
ويقول النقاد إن معظم الصحف اليومية قد فقدت صلتها بالحاضر . وقد أعلن أخيراً إدوارد ما راى مدير تحرير صحيفة « أريزونا ريبابليك » رأيه القائل : «إن قراء الصحف ينمون من حيث مدى استيعابهم الفكرى وتقوى شهيتهم بسرعة تزيد عن سرعتنا في العمل على رفع مستوى المادة الصحفية». وأضاف قوله في البيان الذي ألقاه في اجتماع لمديرى التحرير بوكالة الأسوشييتدبريس » عقد في مدينة بافالو : ه إننا أضعنا حيزاً من صفحات الجرائد فى نشر التفاهات وأنباء الجرائم والكوارث المتشابهة تماماً ، وكذلك فيما يستغرق " الرزم ، " لا الصفحات من المشاحنات السياسية الداخلية التي لا معنى لها ، وأهملنا اقتصاديات الخبز والزبد والموضوعات الخاصة بالتربية والدين والفنون وعلوم الإنسان ) .
وفى زمن يلاحق فيه التليفزيون والمجلات بروح الجد والحمية المشاهدين والقراء الأصغر سناً والأشد ذكاء ، لا يزال على الكثير من الصحف أن تدخل السباق ، وعن ذلك يتحدث الروائى مارك هاريس الذى عمل يوماً ما في « الأنترناشيونال نيوز سرفيس ويعمل الآن أستاذاً للغة الإنجليزية فى كلية سان فرانسيسكو الحكومية فيقول : « إن الصحف أصبحت الآن عديمة الفائدة لى ، لقد اكتشفت أن الصحيفة في المناطق التي أعرف فيها الشيء القليل من الأنباء أمثال أنباء الكليات والجامعات والكتب والمسرح ، لا تكاد تعرف شيئاً عما يجرى ، ولو أنى افترضت أن الصحف مخطئة في مجالى ، فإنى أبدأ أفترض أنها مخطئة في جميع المجالات .
ويبدو أن جميع الصحف تصدر وقد جمعت مادتها جمعاً أكثر من أن تكون هذه المادة قد حررت بعناية ، ويقنع الكثير من رؤساء التحرير بتقديم المواد المعلبة » التي يقدمها إليها الباعة النقابيون ووكالتا الأسوشيتد بريس» و «اليونيتدبريس أنترناشيونال » . وقد زاد عدد النقابات التي تبيع المواد إلى الصحف خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة من ١٤٤ نقابة إلى حوالى ۲۸۰ "نقابة". وفى وسع أى رئيس تحرير أن يملأ ما في صحيفته من حيز مخصص للمادة الصحفية بأي شيء من إنتاج مختلف الكتاب ، سواء جيمس رستون أو ستيف كانيون ، وذلك مقابل ثمن يقل عما يتكلفه استئجار مخبر من طراز جيد : وقد كتب ناقد صحفى يقول : « إن إحدى صحف الولايات الغربية الوسطى ، وهى صحيفة تصدر فى الصباح وفى المساء وتوزع ۲۰۰,۰۰۰ نسخة يوميا تدفع . ۱۰۰ دولار فقط فى الأسبوع ، مقابل ١٥ مقالاً لكتاب صحفيين من بينهم والتر ليمان وجوزيف السوب » .
كذلك لا تتردد الصحف اليومية الكبرى فى ملء ما يتبقى فى صفحاتها من حيز بما تحصل عليه من النقابات ، فصحيفة ( بوسطون جلوب ) تدفع اشتراكات الحوالى عشرين من الكتاب الصحفيين واثنى عشر من رسامي الكاريكاتير السياسي وعشرة من مكاتب الأنباء . ويقول صحفى بريطاني : ( لو أن شخصاً ما اشترى جريدة في بلومينجيتون (بولاية إيللينوى) أو فى سان جوزى ( بولاية كاليفورنيا ) فإنه غالباً ما يصعب عليه جداً أن يجد فارقاً بين الواحدة والأخرى .
وفى حين تقدم النقابات مقالات لريستون أو ليمان إلى الصحف التي لا تسمح ماليتها بالحصول على هذه المقالات بطريقة أخرى كثيراً ما يكون هذا المقال معبراً عن وجهة نظر فى مسألة محلية ، ويقول الكسندر بودى رئيس تحرير صحيفة و بالوالتوتايمز فى هذا الشأن : إن الكثيرين من رؤساء التحرير يلجأون إلى كتاب المقالات النقابيين للإعراب عن سخطهم في صحفهم بينما لا يكتبون هم أنفسهم سوى افتتاحيات لا ضرر منها . إنهم فى الواقع يتخلون عما لهم من حقوق بحق مولدهم . وكما يتخلى هؤلاء في الغالب عن حقوقهم في تحرير المقال الافتتاحي تتخلى صحف أمريكية كثيرة عن قدر كبير من المسئولية عن أنباءها إذ تلقيه كلية على عاتق ( الأسوشيتدبريس ) و ( اليونيتدبريس ) . ففى الصحف اليومية الصغيرة والمتوسطة كلها تقريباً تكون هيئة تحرير الأنباء الخارجية والمحلية مؤلفة من محرر واحد مرهق يقطع أشرطة البرقيات كلما ظهر منها جزء فى غرفة آلات ( التيكر ) وبعد لمسات تحريرية يرسلها فوراً إلى غرفة الجمع . بل إن عمل هذا المحرر أخذ يقل شأناً الآن إذ أنه فى سبيل الاقتصاد فى الوقت والمال تتلقى بعض الصحف الأنباء البرقية على شريط « التيليتايب » وهو شريط به ثقوب يعده جهاز إلكترونى في نيويورك ونقلا عن هذا تحصل الصحيفة المشتركة لاسلكيا على نسخة معدلة بما يلائم أغراضها ، ومتى تلقت الصحيفة البرقيات بهذه الطريقة تعدى شريط الأنباء المثقوب محرر البرقيات وأدخل مباشرة فى جهاز خاص يحول ما يحويه إلى سطور من حروف اللينوتيب .
ويستطيع المحررون أن يصححوا الأخطاء التى تظهر في « البروفة » ولكن رئيس أحد المكاتب فى الولايات الغربية الوسطى يقول : ( إنه في حالة اتباع طريقة " التيليتايب " يكون تعديل موضوع ما أمراً غير ممكن إلا من أسفل إلى أعلى وقد يتم ذلك بصورة فعالة ولكن ليس هناك مجال تعديل ملموس في الصياغة » ، وأحياناً لا يجرى تعديل فى الصباغة إطلاقاً ، ففي بعض الموضوعات التي ترسلها اليونيتدبريس أنترناشيونال ( تستخدم الوكالة مقدمات تترك بها فراغات كى يوضع فيها اسم الصحيفة ؛ وقد قال أحد أعضاء مجلس إدارة هذه الوكالة : «إنه يحدث أحياناً أن ترسل المقدمات بما فيها من فراغات مع الموضوعات إلى المطبعة ، وتنشر كما هي .
تعليق