لقد حدث فى يوم ٩ أكتوبر من عام ١٩٣٤ أن أطلق أحد الوطنيين الرصاص على الملك إلكسندر ملك يوجوسلافيا في مرسيليا ، فقتله وقتل رئيس الجمهورية الفرنسية ، واستطاع أحد المصورين الفرنسيين أن يلتقط هذه الصورة في مرسيليا وينشرها في جريدة بارى سوار فى باريس. واستطاع القراء أن يشاهدوا الصورة في شوارع باريس على الصفحة الأولى بعد ٤٣ دقيقة من مصرع الملك . وكان هذا الرقم القياسي – في سرعة التقاط الصورة وتحميض الفيلم وطبعه وبثه بالتليفون ثم تحويل الصورة إلى كليشيه وطبعها في الجريدة - الأول من نوعه في الصحافة . والغريب أن هذا السبق لم يتكرر إلى يومنا هذا .
وهذا أيضاً دليل آخر على مدى الجمود الذي توقفت عنده صناعة الصحافة .. الشيء الذي جعل المشتغلين بها يحاولون الآن تعويض فترة الركود التى مرت بها . وكان العقل الإلكترونى هو الوسيلة الوحيدة لهذا التطور . .. ومن هنا بدأت الصحف في العالم تأخذ بهذا الاختراع الجديد . وقد أصدر لورد طومسون جريدة « ريدنج بوست ، وطبعها بالأوفست . وهي الجريدة الأولى في بريطانيا التي يتم جمعها وطبعها وإدارتها بالآلية التلقائية ، دون أن تجد أية مقاومة من العمال لأنها بدأت من الصفر ، وخلقت أعمالاً حيث لم يكن ثمة أعمال من قبل . والأهم من هذا أن هذه الجريدة لا تصدر في لندن ، ولكن في ضواحيها .
أما الذي أوجد الآلية التلقائية المنتشرة في أقاليم الولايات المتحدة فهي موجة خفض النفقات » ، وتعرض إحدى الشركات هناك جهازاً إلكترونياً صغيراً بمبلغ ٢٥ ألف دولار ( ١١ ألف جنيه مصرى تقريباً ) وقد صمم ليؤدى عملية ضبط السطور ووصل الكلمات بسرعة تصل إلى ١٢ ألف سطر في الساعة ، ويمكن توسيع نطاق عمله بحيث يؤدى أعمالاً دقيقة أخرى كالإعلانات المبوبة . وقد استعملته جريدة وارشستر تلجرام بنجاح، ويعتبر هذا الجهاز مثلا جيداً على الاتجاه نحو استخدام العقول الإلكترونية الصغيرة ، والتي لا تحتاج إلى إشراف ، فضلا عن سعرها المنخفض لإتاحة استخدامها في الصحف الصغيرة .
وقد استخدمت صحيفة أخرى جهازاً أكبر حجماً وأسرع في إنجازه للأعمال التي تناط به . ويساعد هذا الجهاز ثمانية أجهزة لثقب الشريط تغذى ست ماكينات جمع . وقد احتفظت الجريدة بأربع ماكينات يدوية فقط : إحداها للتصحيح ، والثلاث الأخرى للإضافات وكلام الصور والأنباء الصغيرة التي تصل قبل الطبع مباشرة . وكانت هذه الصحيفة تستخدم من قبل ۱۷ ماكينة يدوية . وبجوار كل جهاز ثاقب يوجد جهاز قارئ للشريط . وعندما يتم تثقيب نبأ ما يقوم العامل على جهاز الثقب بإدخال الشريط بيده فى الجهاز القارئ . وتمر البيانات خلال جهاز تحكم إلى العقل الإلكترونى ، وعملا بتعليمات رمزية قام بثقبها العامل في بداية الشريط ، ينتج العقل الإلكترونى شريطاً مضبوطاً في جهاز ثاقب بقرب ماكينة الجمع . وهذا العقل المتحكم في البيانات ، متعدد المزايا بحيث يستطيع تهيئة أنواع الأحجام الرئيسية للحروف التي يمكن مواجهتها في صحيفة واحدة ، وقد أعد نظام بحيث إذا تم ضرب أحرف متتابعة على الآلة الكاتبة مثل Sfe تجرى تغييرات في الحجم أثناء عملية صب الحروف ، ومن شأن هذه الطريقة الخاصة للرموز أن تضمن أن المادة جمعت ببنط ۹ مثلا مقاس ١٠,٥ كور مع جعل السطور من السطر الثالث إلى السطر ١٩ بنصف مقاس ( ٥ كور ) وجمع السطور الأخرى على ١٠,٥ كور . وذلك لإمكان وضع صورة على نصف عمود .
وتحدد رموز أخرى خاصة بالحجم - لا يزيد كل منها على أربع ضربات على مفاتيح الأوامر للآلة الكاتبة - المطالب اللازمة الأخرى مثل المقاسات الكبيرة ، للأبناط الأخرى .
وتبلغ تكاليف تركيب هذا الجهاز حوالى ٦٠ ألف دولار ( ٢٥,٠٠٠ جنيه إسترليني ) وهناك استخدامات أخرى لهذا الجهاز فى الإعلانات . فمثلا بعد إتمام ملء أو رنيك طلب الإعلان ومحتوياته - وكذلك البيانات الخاصة بالمكان والعميل والتبويب - تثقب هذه البيانات على شريط من الورق . وعن طريق ضغط مفتاح علامة الدولار ، قبل وبعد ثقب البيانات الحسابية والإدارية ، يبلغ العامل العقل الإلكترونى بأن هذه المسألة يجب أن تعالج منفصلة عن غيرها . ومن ثم ، في الوقت الذي تجرى فيه عملية وصل كلمات نسخة الإعلان وضبطها وتوجيهها إلى ماكينة الجمع ، توضع التفاصيل الخاصة بالمعلن والإعلان في الحسابات المناسبة . وتتم عملية مزدحمة بالمتأخرين . فرز المبالغ المستحقة في قائمة . عن السداد ويهي هذا النظام الحصول على تقارير إحصائية متنوعة يومياً وفي أوقات مناسبة .
ومن الممكن إعداد برنامج يقوم الشريط المثقوب بمقتضاه بتشغيل ماكينة الجمع بحيث تجمع الإعلانات الصغيرة فى تتابع سبق إعداده ، ويشمل الإعلانات التي ظهرت في تواريخ سابقة، ومن المقرر نشرها مرة أخرى، ويمكن جمع الإعلانات في أبوابها الخاصة أو وفقاً للحروف الأبجدية فى هذه الأبواب .
وتبدأ الصحيفة عادة ببرامج جمع المقالات ثم تتبعها ببرامج المواد المبوبة وإحصائيات الإنتاج وما إلى ذلك . ويقوم الموظفون المختصون بالبرامج بكتابة البرامج وتهذيبها . ويتوقف عدد البرامج على مقدار الطاقة الشاغرة في العقل الإلكترونى ويظل موضع تحد لقوتهم الابتكارية .
ويوجد أيضاً نظام الاختزال فى مفاتيح الآلة الكاتبة ، الذي زود بعدد من المفاتيح لمعظم الكلمات المتكررة مثل in To I and The وفى هذا النظام تضمن الضربة على مفتاح واحد أن الرموز اللازمة لجمع الكلمة كلها ثقبت على الشريط الذي ينتجه نظام جمع الحروف بواسطة العقل الإلكترونى ويمكن الحصول على نتائج هامة من مثل هذه الوسائل التي تساعد على جعل العمل على المفاتيح منتجاً بصورة كاملة. وبذلك تتجاوز مستويات الإنتاج التي كانت تتيحها طريقة الجمع اليدوية .
وتقوم صحيفة تريبيون الإقليمية التي تصدر في ساوث بيند بولاية أنديانا بعملية جمع حروف الجريدة كلها - بما فيها الإعلانات - عن طريق العقل الإلكترونى 1620 IBM ويقول فرانكلين شورز رئيس التحرير إنهم قد أمكنهم أن يجمعوا الجريدة كلها بهذه الطريقة بعد ۲۰ يوماً من تسلمهم الجهاز الجديد . وعملية الجمع تقوم بها ٦ ماكينات مونارك ( أنترتايب ) وتنتج الماكينة الواحدة في الساعة الواحدة من ٦٧٥ سطراً إلى ٧٢٥ سطراً . وعندما يتحتم تقسيم الكلمة في نهاية السطر فإن العقل الإلكترونى يبحث فى قاموس الكلمات المستثناة » ويضم هذا القاموس من ١٠٠ إلى ١٢٥ كلمة مستثناة يكثر استخدامها . وهذه الكلمات لا يستطيع الجهاز وصلها بسهولة . وإذا لم تكن الكلمة فى القاموس يبحث العمل عنها في القاموس الكبير الذي يضم ملايين الكلمات المسجلة على شريط مغناطيسي ، ثم يحدد الجهاز عدد المقاطع والحروف المتحركة فى الكلمة ، ثم يبحث فى جدول خاص لوصل الكلمات لتحديد أفضل مقطع تفصل عنده الكلمة . كل هذا يتم – بطبيعة الحال ـ في أقل من واحد على المليون من الثانية . وقد تم تدريب عمال مطبعة هذه الجريدة في وقت قصير جداً بعد وصول معدات وأجهزة (IBM) فقد وصلت هذه الأجهزة في يوم ١٨ أكتوبر ١٩٦٣ ، وبعد فحصها وتجربتها بدأ اثنان من عمال الثقب الإنتاج الفعلي في يوم ٢٥ أكتوبر ، أى بعد أسبوع من وصول الجهاز . وبعد أسبوع أتيح للعمال نوع من التدريب بعد الظهر ، واستطاعوا في يوم 7 نوفمبر أن يقوموا بجمع جميع مواد الجريدة وإعلاناتها عن طريق العقل الإلكترونى ، أي بعد ٢٠ يوماً فقط من وصول هذه الأجهزة إلى قاعة الجمع كما سبق أن ذكرنا . وقد تحقق تحسن في الإنتاج لم يكن متوقعاً ، وذلك بسبب انخفاض عدد مرات توقف الماكينات نتيجة للسطور المحكمة التي ينتجها العقل .
وبين النسخة المحررة والحروف المناسبة توجد حلقة تحتاج دائماً إلى قرار يتخذه إنسان . بيد أنه أصبح يمكن الآن إعداد هذا القرار مقدماً . وخزنه في جهاز العقل الإلكتروني بحيث ينفذ أوتوماتيكيا ، وفى وقت مناسب، وبسرعة إلكترونية . وهذا القرار هو نوع البنط وحجمه وشكله .
أما هذا الجهاز ( ١٦٢٠ ) فإنه يعمل بالطريقة التالية : تثقب النسخة المحررة على شريط من الورق ذى سنة ثقوب مع أقل ما يمكن من التعليمات الخاصة بالحجم والشكل . ويوضع شريط الورق فى الجهاز حيث يقوم جهاز برنامج جمع الحروف بتحويله إلى شريط جديد. ويحتوى الشريط الجديد على جميع لضبط السطور ووصل الكلمات والمراقبة اللازمة لتشغيل ماكينة جمع الحروف التي يوضع فيها الشريط . ويعنى العامل الذى أعد الأصل من جميع القرارات الخاصة بضبط السطور ووصل الكلمات . ومن نتيجة ذلك أنه يستطيع زيادة قوة إنتاجه بما يزيد تقريباً بنسبة ٦٠ فى المائة على سرعات جهاز T.T.S وزيادة تتراوح ! نسبتها بين ۲۰۰ و ۳۰۰ فى المائة على سرعات جمع السطور بالطريقة اليدوية . وتعتبر عملية الجهاز (١٦٢٠) فريدة فى أنها تصل أجزاء الكلمة ، قبل أن تحاول ضبط الأسطر ، بطرق غير التوسيع بواسطة الرقائق . ومن شأن ذلك أن يعطى سطراً أكبر إحكاماً واستواء ، وصفحة أنظف وأكثر قابلية للقراءة . وإذا كان . حجم وشكله مثل معظم الأعمدة فيمكن وضع نسخة حروفها مجموعة بعقل إلكترونى تزيد في حجمها إلى نسبة ه في المائة ، فى نفس المكان الذى يتطلبه جمع الحروف باليد . ويمكن تغيير تكرار وصل الكلمات ودرجة الإحكام بسهولة لمواجهة أية مطالب أخرى .
ويؤدى الجهاز عملية وصل الكلمات عن طريق اندماج مخزن مرتب للاستثناءات يعمل على نمط نظام منطقى وقاموس ويعد الجزء الخاص بالنظام المنطقى مقدماً ليجزئ بصورة صحيحة معظم الكلمات فى اللغة الإنجليزية ومن بينها أسماء العلم. ويمكن تخزين أية كلمات اخرى من بينها تلك التي تتكرر فى . معظم الأحيان تعليمات خاصة بعملية الوصل فى قاموس الاستثناءات . وقد حقق هذا الجهاز في الاستخدام العملى دقة قاموس وبستر بنسبة تتراوح بين ٩٣ و ٩٤ في المائة ، مع وجود ٣٠ كلمة فقط في قاموس الاستثناءات . وحقق دقة نسبتها ٩٨ في المائة . مع ألف كلمة في قاموس الاستثناءات ، ويمكن الحصول على دقة تقرب نسبتها من ١٠٠ في المائة مع زيادة التوسع فى قاموس ا الاستثناءات .
ولا يقتصر عمل هذا العقل فقط على وصل الكلمات وضبط النسخة النموذجية ، بل يتناول أيضاً الأحجام والأشكال المطلوبة. ويمكنه أن يقوم بسهولة بتغييرات وجمع الكلام على نصف عمود ، وعمل الشرشرات والجداول المطلوبة . إن قوة ومرونة هذا البرنامج لا تهيئ فقط زيادة قوة إنتاج مفاتيح الآلة الكاتبة ولكنه يفيد قاعة جمع الحروف بطرق أخرى أيضاً . ويمكن أن تصل فوائده إلى جميع المراحل الموصلة إلى قسم التحرير فى الصحيفة . وفيما يلى استعراض لأكثر المزايا أهمية :
۱ - زيادة قوة إنتاج عمال جمع الحروف وذلك لأن الجهاز يقوم أتوماتيكيا بمهمة وصل الكلمات وضبط السطور وهى مهمة تستهلك وقتاً كبيراً من العامل .
٢ - تحقيق أقصى استخدام ممكن لماكينات الأسطر لأن الشريط الذي يخرجه العقل خال من جميع الشوائب .
٣ - إمكانية جمع سطور لا هى محكمة ولا هي واسعة . وذلك يؤدى إلى
تعليق