العقل الإلكترونى وتطور الصحافة العالمية المعاصرة :
من الحقائق المعروفة أن صناعة الصحافة لم تتغير كثيراً منذ أكثر من ٥٠ سنة ، كما سبق أن ذكرنا ، فقد ظهرت أول ماكينة . في الصحافة الأمريكية في عام ۱۸۹۰ ، وعرفتها الصحافة البريطانية لأول مرة فى عام ۱۸۹۲ عندما جمعت جريدة نيوكاسل إيفننج كرونكل موادها بها ، وبدأت هذه الماكينات تنتشر بعد ذلك في دور الصحف والمطابع الكبرى . وكذلك لم تتطور عملية الطبع كثيراً منذ اختراع ماكينة الطباعة الدوارة Rotative بعد أن توصل الخبراء إلى صنع قالب نصف دائرى Stereotype في عام ١٨٥٤ وقد تم تطبيق هذه اللوحات على مطبعة دوارة في عام ١٨٦٩ ، وقبيل عام ۱۸۹۰ أمكن طبع جريدة لندن تايمس بسرعة ٢٢ ألف نسخة في الساعة ، وقد توصلنا بعد خمسين عاماً إلى سرعة ٣٠ ألف نسخة في الساعة على الوحدة الواحدة . ولم تزد هذه السرعة كثيراً حتى عصرنا هذا . ومعظم وحدات الطباعة التى تستخدمها الصحف منذ سنوات عديدة هي في حقيقتها تعديلات على النماذج القديمة ، وكل الذى يحدث لزيادة سرعة الطبع هو أن تضيف المؤسسة الصحفية وحدات جديدة إلى الوحدات القديمة لتضاعف بها سرعاتها كانت الطباعة حتى آخر القرن الثامن عشر شديدة البطء . وكان الصحفيون يقضون وقتاً طويلا في إعداد جرائدهم . ويقص علينا مؤرخو الصحافة و أن أحد الصحفيين ويدعى فيرهوفن من مدينة أنتورب بهولندا ، استطاع أن يزيد عدد النسخ التي يطبعها من جريدته ( الأنباء الجديدة) زيادة كبرى . فقد توصل في سنة ١٦٠٩ إلى رفع : النسخ المطبوعة من ۲۰۰ إلى ۳۰۰ نسخة، وهو يدرك أن التجار من جميع أنحاء أوربا سيتقاتلون من أجل الحصول على هذه النسخ كان ذلك في أيام المطبعة الكابسة البطيئة ، وكانوا يعتبرون عملية طبع ٢٠٠ نسخة ( وليس ۲۰۰ ألف ) عملية شديدة الصعوبة وباهظة التكاليف .
وبقيت هذه الطريقة مدة قرنين من الزمان دون تبديل ، إلى أن توصل طبيب إنجليزي في عام ١٧٩٠ إلى فكرة المحبرة الأسطوانية ، التي قد نراها الآن بدائية، ثم وصل إلى لندن ألمانى آخر - فريدريك كوننج - وبدأ تجاربه في عام ١٨٠٦ بمساعدة بوير وتوصلا معاً إلى اختراع خطير ، وهو المطبعة اليدوية ذات الأسطوانة الواحدة ثم المطبعة ذات الأسطوانتين لطبع الصفحة على الوجهين في آن واحد . وقد جربت هذه المطبعة في جريدة التايمس – وبصورة سرية جداً ـ في ٢٩ نوفمبر من عام ١٨١٤ . وكانت هذه المطبعة هي نواة المطبعة الحديثة في القرن التاسع عشر ، عندما بدأ العلم يكشف أسراره ، وأخذ الخبراء يحولون هذه الأسرار إلى مشاريع عملية . وقد صنع روبرت هو أول مطبعة دوارة في الولايات المتحدة في عام ١٨٤٦ ، وبدأت السرعة تزداد بعد اختراع القوالب نصف الدائرية للصفحات ( ستريوتايب ) . . فصنع مارينونى أول مطبعة في فرنسا في عام ١٨٦٦ .
وبدأت هذه الصناعة تزدهر ، وأصبح السعر العالمى للجريدة بنساً واحداً . أن انتشرت صناعة الورق ، ولم يعد هذا الورق سلعة نادرة كما كان قبل اختراع آلات صنعه . فقد كان المصريون القدماء يصنعون الورق من نبات البردى Papyrus ومنها جاءت كلمة Paper الإنجليزية وكلمة Papire الفرنسية ثم استعمل لحاء الشجر ( ليبر ) ومن هذه الكلمة جاءت كلمة Livre الفرنسية ، وانتشرت هذه الصناعة حتى رخص الورق وأصبح في مقدور كل إنسان أن يشتريه ، وزاد عدد المصانع التي أخذت تقطع أشجار الغابات في إسكندناوة واسكتلندا وتصنع منها ورقاً للصحف .
والذي ساعد على نمو صناعة الصحافة - بعد الورق انتشار التلغراف ( ١٨٤٦ ) واختراع التليفون بعد ذلك بخمس وعشرين سنة ، وباختراع ماكينة الجمع انتشرت آلات اللينوتيب والأنترتيب والمونوتيب . ثم ظهرت التليتايب T.T.S التي ابتكرت في عصرنا الحاضر. وكانت أساس الانقلاب الكبير الذي بدأنا نشاهده الآن. نرى من كل ما سبق أن صناعة الصحافة بقيت فترة طويلة ، لا تتحرك بالقدر الذي تحركت به الصناعات الأخرى ، ثم قامت الآن من رقدتها تحاول اللحاق بالصناعات الأخرى ، بل هى تحاول أن تسبقها لتعوض ما فاتها من تطور . وبدأت الابتكارات والاختراعات تتوالى بسرعة كبيرة . أخذت الصحف تجمع موادها بواسطة البرق ) تلغرافيا ) وبدأت ترسل نسخة كاملة من العدد الأصلى بالبرق لتطبعه في مدن أخرى ، وبدأت تحفر صورها بدون أحماض بطريقة الحفر الإلكترونى ، ثم انتشرت طباعة الأوفست الجميلة التي بقيت سنوات طويلة مقصورة على المجلات الأسبوعية ، تخشاها الجرائد اليومية ، حتى ارتفعت سرعة طبعها وأصبحت تنافس سرعة مطابع الروتاتيف للطبع البارز (TYPO). وكثيراً ما ترد كلمة طباعة الأوفست (الطباعة الملساء ) وطباعة التيبوجراف الطباعة البارزة . والفرق بين الطباعتين لا يعرفه إلا خبراء الطباعة . أما بالنسبة للقارئ فإنه يرى فقط الطباعة الجيدة والطباعة الأقل جودة . والطباعة الجيدة هى طباعة الأوفست والأقل جودة هي طباعة التيبوجراف . وقد حاول أستاذ فى إحدى كليات الصحافة الأمريكية أن يشرح الفكرة للطلبة فلم يفهموها . فنادى الأستاذ على إحدى الطالبات وقال لها : ضعى من فضلك على شفتيك طبقة جديدة من الأحمر ( أن الطالبة الأحمر على شفتيها قال لها مرة أخرى » اطبعى قبلة على خدى ) وبعد أ أن فعلت الطالبة ذلك قال الأستاذ موجهاً كلامه إلى الطلبة : ( هذه هي الطباعة العادية ، طباعة التيبوجراف ، أثر مطبوع من سطح نائى . محبر ، ثم أخرج الأستاذ منديلا ، رفعه وطبع اللون الأحمر على المنديل وأمسك به بحيث يراه الطلبة وقال : « وهذه هي طريقة الأوفست . فى طباعة الأوفست يحول الأثر إلى سطح منبسط بدلاً من سطح نائى ويطبع هذا الأثر على طابعة نسميها البطانية ، ومن هذه البطانية ( الكاوتشوك ) ينتقل الأثر إلى الورق . أى يوجد وسيط بين الكليشيه والورق . فتنتقل الصورة أولاً إلى الوسيط ( الكاوتشوك ) ويقوم الوسيط بعد ذلك بنقل الصورة إلى الورق .
ثم بدأ الجمع التصويرى ( الطباعة الباردة ) ينتشر في صحف العالم حتى توصل الخبراء إلى ربط العقل الإلكترونى بالطباعة ، فانتقلت عملية الطباعة فجأة إلى عصر جدید .
والجمع بالتصوير هو وسيلة لتسجيل المعلومات (الأنباء والصورة ). باستعمال الأشعة الضوئية . ويمكن تخزين هذه المعلومات أو الصور بنفس طريقة الفيديوتيب في التليفزيون ، والتي يقومون فيها بتسجيل فيلم كامل مصور على شريط رفيع مغناطيسي يشبه شريط تسجيل الكلام على ( الريكوردر ) ثم تنقل هذه المعلومات عبر الفضاء بواسطة النبضات الكهربائية .
اما الجمع البرقي فقد ظهر بعد التلغراف الكهربائى باستعمال أشرطة من الورق المثقوب لبث الحروف (بالرموز ) إلكترونيا ، و بهذه الوسيلة يمكن جمع نفس ا في عدة مراكز أو بلاد مختلفة فى وقت واحد عن طريق أسلاك تليفونية أو عن طريق البرق . وكانت الخطوة التى جاءت بعد ذلك هي إرسال الصفحة كلها عبر الفضاء من مطبعة إلى مطبعة مهما بعدت المسافة بينهما . وهذه الطريقة مشتقة من آلة نقل الصور السلكية واللاسلكية التي استعملت منذ أكثر من ثلاثين عاماً . فترسل صورة الصفحة ، من نسخة لها ، إلكترونياً بالبرق . فيستقبلها جهاز آخر ويلتقطها في ٦ دقائق . وهذه الطريقة تستعمل الآن فى صحف اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا
والسويد والاتحاد السوفييتي .
أما الحفر الإلكترونى فقد أصبح يتم الآن بدون أحماض وبدون إبرة الحفر . ولكن بواسطة عين يسمونها ( المتفرسة ) وهى وسيلة لتحويل الأشعة الضوئية إلى نبضات إلكترونية ، وتحفر الكليشيه بواسطة الحرارة .
أما العقل الإلكترونى - وهو آخر ما وصل إليه الخبراء – فهو الذي ضاعف سرعة الإنسان آلاف المرات، وبالتالى زادت سرعة صناعة الصحافة . وما زال الخبراء يوالون تحسين هذا الاختراع ليجعلوا منه خادماً للصحافة . . اليوم وغداً . وقد أجرت جامعة كارولينا - برياسة دكتور دانيلسون – دراسة هامة حول إمكانيات هذا الاختراع بالنسبة للصحفى . وقد جاء في هذا البحث أن العقل الإلكترونى يستطيع التمييز بين الأسلوب الردىء والأسلوب الجيد . والطريقة التي قام بها العقل بهذه العملية هى أنه قارن معادلة للأسلوب الواضح – في برنامج – مقابل معادلة لأسلوب رديء . وكان دكتور دانيلسون قد وضع برنامجاً للعقل لتحليل القصص والأنباء على أساس عدد الأحرف فى كل كلمة ، وعدد الكلمات في كل جملة . ويقول دكتور دانيلسون ( إن طول الجملة على جانب من الأهمية لسببين : الأول أن الجمل الأطول تكون عادة أكثر تعقيداً من الناحية اللغوية ، ومن هنا فإنها يحتمل أن تكون صعبة على الفهم. والسبب الثاني أن الجمل الأطول تفرض جهداً أعظم على الذاكرة المباشرة، إذ من الصعب استذكار الأمور المهمة عندما يقرأ المرء جملة طويلة ) . وقد أجريت الدراسة فى عام ١٩٦٤ وكانت نتيجة البحث بحسب ترتيب سهولة قراءة هذه الموضوعات كالآتي : الأنباء ذات الطابع الشخصي الرياضة - الحوادث والكوارث - الجرائم - الحروب. المشاكل الأخلاقية - الفنون - الدين - الثقافة الشعبية - الاقتصاد - التجارة - - الصحة - الأسفار .
ونتيجة لهذه الدراسة كتب دكتور دانيلسون يقول ( إن الفرق في صعوبة الأسلوب بين الأنباء الجافة والأنباء السهلة قد وجد كما كان متوقعاً . وتفسير هذا صعب وعسير ، ولعله يعود إلى أنه ليست لدينا المفردات المبسطة التي نستطيع استعمالها في رواية الأنباء الجافة . إن فهم ما يكتب هو هدف نبيل وكلما كانت كتابة الصحفى قابلة للفهم كان ذلك أفضل . إلا أنه . أن نكتب لكي نرضى معادلة ، ذلك أن المعادلات ليست مقياساً لجودة الأسلوب بل هي مقياس لصعوبة الأسلوب فحسب ) .
وهذا المثل يدلنا على مدى اهتمام الخبراء بتطور صناعة الصحافة بعد أن سارت ببطء شديد في السنوات الماضية .
من الحقائق المعروفة أن صناعة الصحافة لم تتغير كثيراً منذ أكثر من ٥٠ سنة ، كما سبق أن ذكرنا ، فقد ظهرت أول ماكينة . في الصحافة الأمريكية في عام ۱۸۹۰ ، وعرفتها الصحافة البريطانية لأول مرة فى عام ۱۸۹۲ عندما جمعت جريدة نيوكاسل إيفننج كرونكل موادها بها ، وبدأت هذه الماكينات تنتشر بعد ذلك في دور الصحف والمطابع الكبرى . وكذلك لم تتطور عملية الطبع كثيراً منذ اختراع ماكينة الطباعة الدوارة Rotative بعد أن توصل الخبراء إلى صنع قالب نصف دائرى Stereotype في عام ١٨٥٤ وقد تم تطبيق هذه اللوحات على مطبعة دوارة في عام ١٨٦٩ ، وقبيل عام ۱۸۹۰ أمكن طبع جريدة لندن تايمس بسرعة ٢٢ ألف نسخة في الساعة ، وقد توصلنا بعد خمسين عاماً إلى سرعة ٣٠ ألف نسخة في الساعة على الوحدة الواحدة . ولم تزد هذه السرعة كثيراً حتى عصرنا هذا . ومعظم وحدات الطباعة التى تستخدمها الصحف منذ سنوات عديدة هي في حقيقتها تعديلات على النماذج القديمة ، وكل الذى يحدث لزيادة سرعة الطبع هو أن تضيف المؤسسة الصحفية وحدات جديدة إلى الوحدات القديمة لتضاعف بها سرعاتها كانت الطباعة حتى آخر القرن الثامن عشر شديدة البطء . وكان الصحفيون يقضون وقتاً طويلا في إعداد جرائدهم . ويقص علينا مؤرخو الصحافة و أن أحد الصحفيين ويدعى فيرهوفن من مدينة أنتورب بهولندا ، استطاع أن يزيد عدد النسخ التي يطبعها من جريدته ( الأنباء الجديدة) زيادة كبرى . فقد توصل في سنة ١٦٠٩ إلى رفع : النسخ المطبوعة من ۲۰۰ إلى ۳۰۰ نسخة، وهو يدرك أن التجار من جميع أنحاء أوربا سيتقاتلون من أجل الحصول على هذه النسخ كان ذلك في أيام المطبعة الكابسة البطيئة ، وكانوا يعتبرون عملية طبع ٢٠٠ نسخة ( وليس ۲۰۰ ألف ) عملية شديدة الصعوبة وباهظة التكاليف .
وبقيت هذه الطريقة مدة قرنين من الزمان دون تبديل ، إلى أن توصل طبيب إنجليزي في عام ١٧٩٠ إلى فكرة المحبرة الأسطوانية ، التي قد نراها الآن بدائية، ثم وصل إلى لندن ألمانى آخر - فريدريك كوننج - وبدأ تجاربه في عام ١٨٠٦ بمساعدة بوير وتوصلا معاً إلى اختراع خطير ، وهو المطبعة اليدوية ذات الأسطوانة الواحدة ثم المطبعة ذات الأسطوانتين لطبع الصفحة على الوجهين في آن واحد . وقد جربت هذه المطبعة في جريدة التايمس – وبصورة سرية جداً ـ في ٢٩ نوفمبر من عام ١٨١٤ . وكانت هذه المطبعة هي نواة المطبعة الحديثة في القرن التاسع عشر ، عندما بدأ العلم يكشف أسراره ، وأخذ الخبراء يحولون هذه الأسرار إلى مشاريع عملية . وقد صنع روبرت هو أول مطبعة دوارة في الولايات المتحدة في عام ١٨٤٦ ، وبدأت السرعة تزداد بعد اختراع القوالب نصف الدائرية للصفحات ( ستريوتايب ) . . فصنع مارينونى أول مطبعة في فرنسا في عام ١٨٦٦ .
وبدأت هذه الصناعة تزدهر ، وأصبح السعر العالمى للجريدة بنساً واحداً . أن انتشرت صناعة الورق ، ولم يعد هذا الورق سلعة نادرة كما كان قبل اختراع آلات صنعه . فقد كان المصريون القدماء يصنعون الورق من نبات البردى Papyrus ومنها جاءت كلمة Paper الإنجليزية وكلمة Papire الفرنسية ثم استعمل لحاء الشجر ( ليبر ) ومن هذه الكلمة جاءت كلمة Livre الفرنسية ، وانتشرت هذه الصناعة حتى رخص الورق وأصبح في مقدور كل إنسان أن يشتريه ، وزاد عدد المصانع التي أخذت تقطع أشجار الغابات في إسكندناوة واسكتلندا وتصنع منها ورقاً للصحف .
والذي ساعد على نمو صناعة الصحافة - بعد الورق انتشار التلغراف ( ١٨٤٦ ) واختراع التليفون بعد ذلك بخمس وعشرين سنة ، وباختراع ماكينة الجمع انتشرت آلات اللينوتيب والأنترتيب والمونوتيب . ثم ظهرت التليتايب T.T.S التي ابتكرت في عصرنا الحاضر. وكانت أساس الانقلاب الكبير الذي بدأنا نشاهده الآن. نرى من كل ما سبق أن صناعة الصحافة بقيت فترة طويلة ، لا تتحرك بالقدر الذي تحركت به الصناعات الأخرى ، ثم قامت الآن من رقدتها تحاول اللحاق بالصناعات الأخرى ، بل هى تحاول أن تسبقها لتعوض ما فاتها من تطور . وبدأت الابتكارات والاختراعات تتوالى بسرعة كبيرة . أخذت الصحف تجمع موادها بواسطة البرق ) تلغرافيا ) وبدأت ترسل نسخة كاملة من العدد الأصلى بالبرق لتطبعه في مدن أخرى ، وبدأت تحفر صورها بدون أحماض بطريقة الحفر الإلكترونى ، ثم انتشرت طباعة الأوفست الجميلة التي بقيت سنوات طويلة مقصورة على المجلات الأسبوعية ، تخشاها الجرائد اليومية ، حتى ارتفعت سرعة طبعها وأصبحت تنافس سرعة مطابع الروتاتيف للطبع البارز (TYPO). وكثيراً ما ترد كلمة طباعة الأوفست (الطباعة الملساء ) وطباعة التيبوجراف الطباعة البارزة . والفرق بين الطباعتين لا يعرفه إلا خبراء الطباعة . أما بالنسبة للقارئ فإنه يرى فقط الطباعة الجيدة والطباعة الأقل جودة . والطباعة الجيدة هى طباعة الأوفست والأقل جودة هي طباعة التيبوجراف . وقد حاول أستاذ فى إحدى كليات الصحافة الأمريكية أن يشرح الفكرة للطلبة فلم يفهموها . فنادى الأستاذ على إحدى الطالبات وقال لها : ضعى من فضلك على شفتيك طبقة جديدة من الأحمر ( أن الطالبة الأحمر على شفتيها قال لها مرة أخرى » اطبعى قبلة على خدى ) وبعد أ أن فعلت الطالبة ذلك قال الأستاذ موجهاً كلامه إلى الطلبة : ( هذه هي الطباعة العادية ، طباعة التيبوجراف ، أثر مطبوع من سطح نائى . محبر ، ثم أخرج الأستاذ منديلا ، رفعه وطبع اللون الأحمر على المنديل وأمسك به بحيث يراه الطلبة وقال : « وهذه هي طريقة الأوفست . فى طباعة الأوفست يحول الأثر إلى سطح منبسط بدلاً من سطح نائى ويطبع هذا الأثر على طابعة نسميها البطانية ، ومن هذه البطانية ( الكاوتشوك ) ينتقل الأثر إلى الورق . أى يوجد وسيط بين الكليشيه والورق . فتنتقل الصورة أولاً إلى الوسيط ( الكاوتشوك ) ويقوم الوسيط بعد ذلك بنقل الصورة إلى الورق .
ثم بدأ الجمع التصويرى ( الطباعة الباردة ) ينتشر في صحف العالم حتى توصل الخبراء إلى ربط العقل الإلكترونى بالطباعة ، فانتقلت عملية الطباعة فجأة إلى عصر جدید .
والجمع بالتصوير هو وسيلة لتسجيل المعلومات (الأنباء والصورة ). باستعمال الأشعة الضوئية . ويمكن تخزين هذه المعلومات أو الصور بنفس طريقة الفيديوتيب في التليفزيون ، والتي يقومون فيها بتسجيل فيلم كامل مصور على شريط رفيع مغناطيسي يشبه شريط تسجيل الكلام على ( الريكوردر ) ثم تنقل هذه المعلومات عبر الفضاء بواسطة النبضات الكهربائية .
اما الجمع البرقي فقد ظهر بعد التلغراف الكهربائى باستعمال أشرطة من الورق المثقوب لبث الحروف (بالرموز ) إلكترونيا ، و بهذه الوسيلة يمكن جمع نفس ا في عدة مراكز أو بلاد مختلفة فى وقت واحد عن طريق أسلاك تليفونية أو عن طريق البرق . وكانت الخطوة التى جاءت بعد ذلك هي إرسال الصفحة كلها عبر الفضاء من مطبعة إلى مطبعة مهما بعدت المسافة بينهما . وهذه الطريقة مشتقة من آلة نقل الصور السلكية واللاسلكية التي استعملت منذ أكثر من ثلاثين عاماً . فترسل صورة الصفحة ، من نسخة لها ، إلكترونياً بالبرق . فيستقبلها جهاز آخر ويلتقطها في ٦ دقائق . وهذه الطريقة تستعمل الآن فى صحف اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا
والسويد والاتحاد السوفييتي .
أما الحفر الإلكترونى فقد أصبح يتم الآن بدون أحماض وبدون إبرة الحفر . ولكن بواسطة عين يسمونها ( المتفرسة ) وهى وسيلة لتحويل الأشعة الضوئية إلى نبضات إلكترونية ، وتحفر الكليشيه بواسطة الحرارة .
أما العقل الإلكترونى - وهو آخر ما وصل إليه الخبراء – فهو الذي ضاعف سرعة الإنسان آلاف المرات، وبالتالى زادت سرعة صناعة الصحافة . وما زال الخبراء يوالون تحسين هذا الاختراع ليجعلوا منه خادماً للصحافة . . اليوم وغداً . وقد أجرت جامعة كارولينا - برياسة دكتور دانيلسون – دراسة هامة حول إمكانيات هذا الاختراع بالنسبة للصحفى . وقد جاء في هذا البحث أن العقل الإلكترونى يستطيع التمييز بين الأسلوب الردىء والأسلوب الجيد . والطريقة التي قام بها العقل بهذه العملية هى أنه قارن معادلة للأسلوب الواضح – في برنامج – مقابل معادلة لأسلوب رديء . وكان دكتور دانيلسون قد وضع برنامجاً للعقل لتحليل القصص والأنباء على أساس عدد الأحرف فى كل كلمة ، وعدد الكلمات في كل جملة . ويقول دكتور دانيلسون ( إن طول الجملة على جانب من الأهمية لسببين : الأول أن الجمل الأطول تكون عادة أكثر تعقيداً من الناحية اللغوية ، ومن هنا فإنها يحتمل أن تكون صعبة على الفهم. والسبب الثاني أن الجمل الأطول تفرض جهداً أعظم على الذاكرة المباشرة، إذ من الصعب استذكار الأمور المهمة عندما يقرأ المرء جملة طويلة ) . وقد أجريت الدراسة فى عام ١٩٦٤ وكانت نتيجة البحث بحسب ترتيب سهولة قراءة هذه الموضوعات كالآتي : الأنباء ذات الطابع الشخصي الرياضة - الحوادث والكوارث - الجرائم - الحروب. المشاكل الأخلاقية - الفنون - الدين - الثقافة الشعبية - الاقتصاد - التجارة - - الصحة - الأسفار .
ونتيجة لهذه الدراسة كتب دكتور دانيلسون يقول ( إن الفرق في صعوبة الأسلوب بين الأنباء الجافة والأنباء السهلة قد وجد كما كان متوقعاً . وتفسير هذا صعب وعسير ، ولعله يعود إلى أنه ليست لدينا المفردات المبسطة التي نستطيع استعمالها في رواية الأنباء الجافة . إن فهم ما يكتب هو هدف نبيل وكلما كانت كتابة الصحفى قابلة للفهم كان ذلك أفضل . إلا أنه . أن نكتب لكي نرضى معادلة ، ذلك أن المعادلات ليست مقياساً لجودة الأسلوب بل هي مقياس لصعوبة الأسلوب فحسب ) .
وهذا المثل يدلنا على مدى اهتمام الخبراء بتطور صناعة الصحافة بعد أن سارت ببطء شديد في السنوات الماضية .
تعليق