الصورة على لوح زجاجى حساس ( سلبى ) . والثانية طبع هذه الصورة مرة أخرى على لوح زنك حساس ( إيجابى ) والثالثة تحميص هذا اللوح ( الزنك) على النار والرابعة وضع لوح الزنك فى آلة الحفر المليئة بالأحماض الكيمائية عدة مرات حتى يتم حفره بالعمق المطلوب .
كل هذه المراحل كانت تستلزم جهداً بشرياً يقوم به ثمانية من أنصاف المتخصصين ويستلزم وقتاً لا يقل عن ٩٠ دقيقة للوحة الواحدة .
وقد اختزل كل هذا إلى عامل واحد متخصص يضع الصورة الأصلية في جهاز الكليشوجراف ويضع فوق الصورة لوحة ( عجينة من البلاستيك اسمها نولار ) ثم يضبط المفاتيح ويضع إبرة حافرة فوق لوحة النولار ويضغط على مفتاح كهربى ثم يترك الجهاز يعمل وحده ويتفرغ العامل لإعداد الصورة الأخرى على الجهاز رقم ٢ ولا تستغرق هذه العملية أكثر من مرحلة واحدة في ٢٠ دقيقة ( وعامل واحد ) للوحة الواحدة بينما كانت تستغرق فى الطريقة التقليدية ٩٠ دقيقة على ٤ مراحل يقوم بها ثمانية عمال .
كان هذا الجهاز هو أول خطوة فى عصر التطور ثم تلاه في سنة ١٩٦٣ جهاز الاستقبال والإرسال التليفونى لنقل الصور ذات اللون الواحد ( صورة كل ٦ دقائق ) وبعده فترة قصيرة وصل جهاز الإرسال والاستقبال اللاسلكي للصور ذات اللون الواحد والأجهزة اليدوية (شنطة ) لنقل الصور من الأقاليم بواسطة خط تليفونى أما في ميدان جمع المواد فقد أدخلت مؤسسة الأهرام نظام الجمع الأتوماتيكي . (T.T.S.)
وهذا النظام - وهو نفس النظام المتبع الآن فى الدول الغربية – يوفر كثيراً من الوقت والجهد . ترسل المواد المكتوبة إلى الكاتبات على آلات من نوع جديد اسمها الآلات الثاقبة Perforators ويوجد فى هذه الآلة شريط طويل دائرى يخرج من فتحة صغيرة . وعرض الشريط أقل من ثلاثة سنتيمترات . وعندما تضغط الكاتبة على مفاتيح الآلة المكتوب عليها الحروف الأبجدية ( ٩٠ حرفاً ) المختصرة ، يثقب الشريط - مع كل حرف - ويظهر عليه عدد من الثقوب في شكل مستطيل وكل حرف له شفرة خاصة Code بعدد من الثقوب. وعندما تنتهى كتابة المقال كله بالثقوب ، يرسل الشريط إلى ماكينة الجمع الأتوماتيكي وبمجرد دخول الشريط تبدأ الماكينة في العمل من تلقائها دون أن يضغط العامل على مفاتيح الحروف وتنزل سطور الرصاص بسرعة ٥ سطور فى الدقيقة ( ٣٠٠ سطر في الساعة ) . ما هي الفائدة التي عادت على المؤسسة من هذه الطريقة الحديثة في الجمع ؟ إن نظرة سريعة إلى تاريخ اختراع الجمع الميكانيكي قد تعطى فكرة عن هذا التطور . فقد جاء في كتاب طباعة الصحف وإخراجها ( للدكتور ا . ح . الصاوى ) ما يلي :
ظلت طريقة الجمع اليدوى هى المستخدمة في إعداد مختلف أنواع المطبوعات ، طيلة أكثر من أربعة قرون بعد اختراع الطباعة ، حروف الطباعة نفسها قد طرأت عليها عدة تحسينات وسبكت منها أشكال كثيرة ، وبالرغم من تقدم طرق الطبع وإخراج المطبوعات وصناعة الورق والحبر ه وما إلى ذلك .
وعندما تقدمت الصحافة تقدمها الكبير فى القرن التاسع عشر ، وتقدمت ه في الوقت نفسه وسائل النقل والاتصال ، وأصبحت السرعة عاملا رئيسيا في إنتاج الصحيفة وتوزيعها ، لم تعد طريقة الجمع اليدوى البطيئة تلائم احتياجات الصحافة . ومن هنا ، أى من احتياجات الصحافة على وجه التخصيص ، بدأ التفكير ه في صنع آلة تقوم ذاتياً بكل خطوات العملية اليدوية ، وبعد تجارب كثيرة استمرت سنوات طويلة ، أمكن إنتاج آلات بسيطة تجمع حروف الطباعة وتصفها في سطور، ولكنها لم تكن تقوم بضبط أطوال السطور أو إعادة توزيع الحروف في أماكنها ه غير أن إحدى الشركات الأمريكية أنتجت عام ۱۸۷۰ آلة استطاعت أن تحل ه المشكلة الثانية ، وهي آلة اليونيتيب Unitype .
وتتكون هذه الآلة من أسطوانتين تعلو إحداهما الأخرى ، وتحتهما لوحة مفاتيح Keyboard تشبه لوحة الآلة الكاتبة ، ويؤدى العامل مهمته جالساً أمام لوحة المفاتيح . وعندما يضغط المفتاح الخاص بالحروف ، يسقط الحرف من الأسطوانة السفلى إلى حيث يوجد مصف تتراص فيه الحروف بعضها بجوار بعض مكونة كلمات فسطوراً . ولكن كل سطر كان يحتاج في النهاية إلى أن يضبط العامل طوله بيده ، باستخدام الفواصل .
ومع أن هذه الآلة لم تستطع أن تحل المشكلة حلاً كاملاً بحيث تتم عملية - الجمع آليا في جميع مراحلها ، فإنها استطاعت أن تقوم بعمل أربعة من عمال الجمع فى وقت واحد ، وكانت أفضل ما أنتج من نوعها في ذلك الوقت . وبهذا فتحت الباب أمام جهود المخترعين للعمل على إنتاج آلات أخرى أوفى بالغرض ؟
وقد قدر لأحد هؤلاء المخترعين ( فى سنة ۱۸۷۷ ) وهو أوتومار مرجنتالر Ottomar Mergenthaler أمريكي من أصل ألمانى ، هاجر إلى الولايات المتحدة عام ١٨٧٢ وهو في الثامنة عشرة ، وقد اهتم منذ صباه بصناعة الآلات الدقيقة أن تثمر جهوده فى هذا الميدان بعد بضعة عشر عاماً . فقد تمكن هذا الشاب من التوصل إلى آلة صنع جمع جديدة تقوم على أسس مختلفة عما سبقها ، فهى تجمع أمهات ( متاريس ) الحروف النحاسية ، بدلاً من جمع الحروف نفسها ، وذلك بوساطة الضغط على المفاتيح التي تحمل علاماتها . ثم تصف هذه الأمهات وتسويها حسب الأطوال المطلوبة . وبعد ذلك تسبك عليها الحروف من المعدن المصهور . وتخرج المادة المجموعة فى النهاية سطوراً متماسكة Shugs ، لا حروفاً متفرقة . ثم تعيد الآلة الأمهات إلى أماكنها مرة أخرى بطريقة ذاتية ، بوساطة عمود دائرى . وتشبه الأم هنا الحروف في آلة "اليونيتيب" من حيث تميزها بأسنان تطابق أسنان فتحة القناة الخاصة بهذا المخزن. وتم صنع هذه الآلة بعد عدة تجارب ومحاولات ، وبعد أن اقتنع عدد من ناشرى الصحف بجدوى الاختراع فمولوه ، وبدأت عملها بالفعل في صيف عام ١٨٨٦ بصحيفة نيويورك تريبيون “، ه وما لبثت أن استخدامها بعد أن تبين لأصحاب الصحف مدى ما توفره من وقت وجهد كبيرين . وهذه هي آلة "اللينوتيب Linotype التي ما زالت تستخدم في الوقت الحاضر ، وإن كانت قد أدخلت على صورتها الأولى عدة تعديلات . وبعد ما أحرزته هذه الآلة من نجاح أخذت شركات صناعة الأدوات المطبعية تعمل على إنتاج آلات مشابهة. وكانت آلة "الأنترتيب“ Intertype هي أهم ما أنتج من هذه الآلات وأقواها منافسة لآلة ”اللينوتيب " . وقد أنتجت هذه الآلة إحدى الشركات الأمريكية وبدأت عملها في صحيفة "نيويورك جورنال أوف كوميرس" في ربيع عام ۱۹۱۳ . وهذه الآلة لا تختلف في الأسس العامة وخطوات العمل عن آلة "اللينوتيب" ، غير أنها تتميز بعدة خصائص ، أهمها بساطة التركيب وتعدد مخازن أمهات الحروف، وإمكان تغيير هذه المخازن وزيادة عددها بسهولة .
يلاحظ هذه النبذة التاريخية أن آلة الجمع الميكانيكي ظلت على ما هي عليه دون أية تغييرات تذكر منذ عام ۱۸۷۷ إلى الستينات من هذا القرن . أى أنه لم يتم أى اكتشاف جديد لطريقة جمع الحروف منذ أكثر من ثمانين عاماً . لذلك فإن الثورة الطباعية التى أخذت تنتشر فى المؤسسات الصحفية تعتبر متأخرة عن الثورات الصناعية التى ظهرت فى الميادين الأخرى . لكنها أخذت الآن تجرى بخطى واسعة للحاق بغيرها .
وقد بدأت هذه الثورة برفع لوحة المفاتيح وذلك باستخدام الشريط المثقوب وهو أول تعديل يحدث في ماكينات الجمع الميكانيكي .
وفكرة التفريق بين لوحة المفاتيح وماكينة الجمع فكرة قديمة . هذه الفكرة Teletypesetter والمعروفة باسم T.T.S. ترجع إلى سنة ١٩٣٢ حين أدخلها الأمريكيون في صناعة الصحافة . ولكن فكرة تشغيل الشريط على ماكينة جمع ترجع إلى عام ١٨٦٧ .
وفى عام ١٩٣٤ حذت بريطانيا حذو أمريكا وأدخلت جريدة « ذى سكوتسمان أول جهاز .T.T.S للجمع بالشريط وفى عام ۱۹۳۸ تبعتها جريدة ذى جلاسجو هيرالد ، ثم تبعتهما جريدة التايمز اللندنية فى عام ١٩٥١ وقد استعانت التايمز بهذا الجهاز لنقل جلسات البرلمان الإنجليزى رأساً من مبنى البرلمان إلى ماكينة الجمع عن طريق الشريط التليفونى . وانتقلت الطباعة بذلك من الثورة الميكانيكية إلى الثورة الأتوماتيكية ثم الثورة الإلكترونية والبصرية ( التى سوف نتحدث عنها في الفصل القادم ) .
نعود إذن إلى الثورة الأوتوماتيكية التي حدثت في قاعات الجمع بمؤسسة الأهرام . كان الذي يحدث فيما مضى ( قبل عهد الشريط المثقوب ) هو الآتى : ترسل المادة المكتوبة إلى قسم ماكينات الجمع الميكانيكي . ويضع العامل المقال أمامه ثم يضبط مقاس الماكينة على المقاس المطلوب لجمع المقال وكذلك يحدد نوع
تعليق