ويوجد بين ۱۹ صحيفة لندنية ، توزع على مجال عريض ، عشر على الأقل في حالة عجز مالى يهددها بالتوقف . ولقد توقفت جريدة ( صن ) اليومية ( وهى جريدة حزب العمال ) فى حين كان توزيعها قد وصل إلى ۱,۲۷۳,۰۰۰ نسخة في اليوم. كما اضطرت جريدة الجارديان ذات الشهرة العالمية - وهى المنافسة لجريدة أن تستغنى عن كثير من عمالها وموظفيها ، وشدت الحزام على خزانتها ذلك لم يتحسن حالها . وما زال كثير من الصحفيين والعمال يفقدون وظائفهم يوماً بعد يوم ، والمعروف أن الصحافة البريطانية كانت من أكثر صحافات العالم ازدهاراً ، ثم بدأت تفقد قراءها فى السنوات العشر الأخيرة فخسرت عشرة ملايين مشتر . أى بمعدل مليون مشتر كل عام .
وقد صرح سيسيل كينج ( صاحب الديلي ميرور - ٥ ملايين نسخة في اليوم - وعدة مئات من المجلات ) ( بأنه لن يبقى قريباً إلا أربع أو خمس صحف صباحية في العاصمة البريطانية بسبب عدم تطور هذه الصحف ) .
وقد نشرت مجلة الإكسبريس الفرنسية في عددها الصادر في يناير ١٩٦٧ تقول : طلب مديرو الصحف البريطانية - أمام هذه الحالة الخطيرة من إحدى الهيئات الاقتصادية الكبرى الخاصة تحليل مشكلة الأزمة الاقتصادية ونقص التوزيع .
وكان الحكم قاسياً على ا الصحافة البريطانية . إذ ذكرت الهيئة أن الأسباب الرئيسية للأزمة هي :
۱ - الإدارة السيئة .
٢ - تصرفات النقابات .
٣ - الارتفاع السريع في أسعار مواد الصناعة الصحفية .
٤ - عدم التوفيق في منافسة التليفزيون .
والحلول :
۱ - ضرورة إعادة التفكير في ( كل شيء ) .
٢ - اتباع الطرق الحديثة في الطباعة والإدارة ثم يجيء تصريح الهر اكسيل شبرنجر صاحب أكبر دار صحفية في ألمانيا ليضع النقط فوق الحروف : ( إن الصحف أمام أحد أمرين ، إما أن تتجمع في شركات كبيرة أو تمد يدها إلى إعانة مالية من الحكومة )
ثم يأتي رأى آخر يضم صوته إلى الباقين ، وهو رأى إحدى النقابات الكبرى في بريطانيا ( تضم ٢٢٥ ألف عامل من أنصاف المتخصصين في الأعمال الصحفية المهددة بالآلية والعقول الإلكترونية ) يطالب هذا الرأى الدولة بأن تكون هيئة تضم فيها كافة الصحف المهددة بالتوقف وتضمن بقاءها على قيد الحياة . ويقولون في تقريرهم : ( إن معظم الصحف يقتنيها رجال حسودون وفرديون ، يرفضون أن يستمعوا إلى أى مستشارين ، ولهم فلسفة رجعية في الإدارة ) . وهذه الهيئة ترفض تماماً أى تغيير فى القواعد التي تم وضعها بعد أزمة البطالة في عام ۱۹۲۹ التي هددت عمال بريطانيا . وطبقاً لهذه القواعد فإن النقابات من سلطتها أن تقرر الحد الأدنى لعدد العمال في كل جريدة مهما حدث من تطور أو تقدم تكنولوجي في صناعة الطباعة .
وهنا يتساءل البعض : هل لهذه الأزمة أثر على صناعة الصحافة وتقدمها في الجمهورية العربية ؟ يقول الخبراء المصريون ( إن هذه المشاكل الموجودة في الدول المتقدمة تكنولوجيا ، لن تتعرض لها الدول النامية . لأن التطور في الدول النامية لا يتطلب بالضرورة المرور فى نفس المراحل التي مرت بها الدول الغنية ، لأن ذلك يستلزم مئات السنين مما يجعل الدول النامية متخلفة باستمرار عن الدول الكبرى التي بدأت تجرى بخطى واسعة نحو التقدم . لذلك فإن الدول الصغيرة سوف تقفز عدة درجات مرة واحدة دون أن تمر بالتطور الطبيعى الذى يبدأ من العامل العادى إلى العامل نصف المتخصص ثم إلى العامل المتخصص ( التكنيكي ) . وذلك لعدم وجود العدد الكافي من العمال نصف المتخصصين لأداء العمل المطلوب حاليا . ونتيجة لهذا النقص أصبح من الضرورى القفز من طبقة العامل العادى إلى طبقة العامل التكنيكي - أى بدخول عصر الإلكترونات - وهذا العصر يتطلب عدداً أقل من الأيدي العاملة المشكلة التي نعانيها فعلاً وهكذا يمكن تدريب العامل العادي لترتفع به إلى طبقة العامل المتخصص دون أن نستغنى عن دور العامل نصف المتخصص الذي يلزم وجوده لفترة ليست قصيرة ، حتى تنتهى مدته بالتقاعد وهكذا نستطيع أن نصل إلى هذا التطور ونلحق بالركب العالمي في التقدم دون الإضرار بمصلحة العامل . بل على العكس سوف نخلق جيلاً جديداً من العمال المدربين » .
أما في الولايات المتحدة فما الذى يجرى هناك ؟ . وهل وصلت الأزمة إلى ذروتها كما حدث في بريطانيا ؟
لم تسلم صحف نيويورك كذلك من نتائج أزمة العقول الإلكترونية ومطالب العمال إزاءها . فقد هددت صحيفة ( نيويورك بوست ) بالتوقف عن الصدور ما لم تتمكن من تضييق المصاريف عن طريق استخدام العقل الإلكترونى في قاعات الجمع . لكن اتحاد جامعى الحروف الدولى وقف أمامهم بإصرار وطالب - في حالة إدخال العقل الإلكترونى إلى الصحيفة - بضرورة حصولهم على ٥٠ ٪ من أى توفير في الأجور . واضطرت الصحيفة بعد أن أدخلت هذا النظام الجديد ، أن توقف عمل الجهاز الإلكترونى بعد أسبوع واحد من استعماله ، وذلك تحت تهديد إضراب عمال الماكينات. وعادت الصحيفة إلى استخدام آلات الجمع القديمة .
أما جريدة وورلد جورنال تريبيون التى يبلغ توزيعها ٧٠٠ ألف نسخة فقد توقفت عن الصدور فى أوائل شهر مايو من عام ١٩٦٧ ، وخافت وراءها ٢٥٢٨ متعطلاً وكانت هذه الجريدة تعانى من أزمة مالية شديدة في العام الذي سبق توقفها، فاندمجت مع جريدة ( هيرالد تريبيون ) وجريدتين أخريين، وصدرت في جريدة واحدة ، حتى تستطيع الصمود أمام هذه الأزمة . ولم يمض عام حتى توقفت هذه الشركة التي تمثل ١٣٤ عاماً من المجهود الصحفى بسبب الخسائر المالية الكبيرة التي أصابتها وبلغت ۷۰۰ ألف دولار في الشهر . ولم تكد هذه الصحيفة تعلن عن توقفها حتى رفعت جريدة نيويورك بوست ، وهى الصحيفة المسائية الوحيدة فى نيويورك، سعر الإعلان فيها بنسبة %۲۰% ، ورفعت صحيفة «ذى ديلى نيوز ، ثمنها من ٧ سنتات إلى ٨ سنتات. أما صحيفة « نيويورك تايمز » فلم تعلن أية تغييرات ، أكثر من أنها تفكر في إصدار جريدة مسائية .
إن هذه المشكلة لم تمنع ناشرى الصحف من العودة إلى المطالبة بالعمل بطريقة الآلية التلقائية ليظلوا على قيد الحياة .
وليس في نيويورك إلا صحيفتان صباحيتان - من الصحف الست الكبرى التي تصدر في المدينة - تحققان ربحاً . وهاتان الصحيفتان هما « التايمز » و « النيوز » ، وقد بلغ عدد سطور الإعلانات التى نشرت في جريدة التايمز ٨١ مليون سطر في عام ١٩٦٦ بزيادة قدرها ١٢,٥ مليون سطر على عام ١٩٦٥ .
وبدأت صحف الأقاليم تدخل النظام الجديد في قاعاتها الكبرى بالفعل وأصبح هناك حوالي مائة صحيفة تستخدم نظام العقل الإلكترونى دون أن تجد مقاومة من عمالها . ولذلك يتنبأ الناشرون الأمر يكيون بأنه لابد فى النهاية من أن تغزو هذه الآلية التلقائية مدينة نيويورك إن عاجلاً أو آجلا .
أما خارج نيويورك - من ولاية كاليفورنيا إلى ولاية فلوريدا - فقد أخذت الآلات الإلكترونية تغزو الصحف وبدأت أصوات تثقيب الشريط الآلى ترتفع في قاعات التحرير .
وذهبت جريدة ( تايمز ) التي تصدر في لوس انجليس إلى أبعد . فقد حاولت استخدام آلات تتيح للمخبر الصحفى نفسه أن يكتب مقاله على آلة كاتبة تخرج نسخة مكتوبة إلى جانب الشريط المثقوب الذي يرسل إلى الجهاز الإلكترونى . لكن التجربة لم تنجح ، فقد ثار المحررون على الآلات ولم يستطيعوا العمل عليها . أما المشكلة الأخرى وهى صمود العمال أمام استعمال هذه الأجهزة فلم تجد مكاناً في هذه البلاد . إذ أن قاعات الجمع فيها لا تضم عمالاً نقابيين، وليس للنقابات أى سلطات عليهم . واستطاعت الإدارات تدريب عمالها على آلات تثقيب الشريط دون أن تلقى معارضة تذكر . حدث هذا في الوقت الذي حاولت فيه جريدة أخرى هي نيويورك ديلى نيوز » أن تعمل بالنظام الجديد في عام ١٩٦٣ فوقف أمامها مرة أخرى - اتحاد عمال الجمع وعارض إدخال الآلات وهدد بالتوقف عن العمل ، بالرغم من وعد الصحيفة بعدم طرد أحد من العمال والاحتفاظ لتشغيل العقل الإلكترونى . وقد طالب الاتحاد أيضاً ناشرى الصحف في نيويورك ( صحيفة بوست ليست عضواً فيه ) بأن يضعوا نسبة ٦٣٪ من أية توفيرات في صندوق الاتحاد . ورفض الناشرون وبقيت المشكلة بدون حل .
وقال ستانفورد سمیت مدير عام جمعية ناشرى الصحف ، في اجتماع الاتحاد الدولى لناشري الصحف الذي عقد في ميونيخ في مايو ١٩٦٥ ، إن فكرة الآلية التلقائية ليست فكرة جديدة ، وهى ليست شراً كما يتصور البعض . لقد أثار هذا الموضوع جدلاً كبيراً فى أمريكا، وكانت الدراسة التي دارت حوله ضئيلة مما أدى إلى خلق مشاكل خطيرة ، وقد استنتجنا مما قرأناه أن الموقف في كثير من الدول الأخرى مماثل تماماً للموقف فى أمريكا . إننا نجد أن الخوف من كلمة ( الآلية التلقائية ) هو فى الواقع مشكلة أكبر من كل حقائق احتمالات ما يسمى بالآلية التلقائية . إن قاموس و بستر الدولى يفسرها بأنها «عملية جهاز أو أداء أو نظام تتحكم فيه أوتوماتيكية أجهزة ميكانيكية أو إليكترونية تحل محل الأعضاء البشرية التي تقوم بالمراقبة والجهد والقرار . وإننا نستطيع أن نتتبع ( الآلية التلقائية ) منذ الثورة الصناعية التي سببتها الآلة البخارية وآلة الغزل منذ قرنين تقريباً . فقد ابتكرت أجهزة حديثة تحقق توفيراً في العمال ولكننا ندرك الآن أن التكنولوجيا الجديدة قد زادت من قوة العمال الإنتاجية ، وخفضت الأسعار ، وقللت النفقات وزادت من راحة الإنسان . وفى الوقت الذى أصبحت فيه عبارة ( الآلية التلقائية ) مألوفة يرددها علماء الاجتماع وغيرهم ، يوجد دليل على أن هذه العبارة تستخدم على الأقل منذ عام ١٩٣٥ ، لتصف التقدم المستمر للتكنولوجيا العلمية . وقد ابتدعها چون ديبولد الذي أنشأ مكتباً استشاريا لمعاونة الشركات فى استخدام التكنولوجيا الحديثة .
ولكن المناقشات التي تدور حول هذه العبارة قد شوهت وأسيء تفسيرها إلى حد كبير حتى إنها أصبحت عبارة تسبب الخوف لعمال كثيرين ، فإنها توحي إليهم بصورة لصفوف من الآلات تحل محل العاملين ، وهذا خطأ كبير .
وحقيقة المسألة هي أن التكنولوجيا المتقدمة ساعدت صناعة بعد أخرى على تحسين منتجاتها وتوسيع نطاق أسواقها ، وكان من نتيجة ذلك أن عدداً أكبر وليس أقل من الناس وجد عملاً ، وليس ثمة ما يدل على أن التأثير التكنولوجي على الصحف سيكون مختلفاً عن تأثيره على الصناعات الأخرى .
ويقول بعض علماء الاجتماع إن الآلية التلقائية تتسبب في فقد نحو ٤٠ ألف عمل في الأسبوع في الولايات المتحدة ، والحقيقة هي أ أن العمالة زاد في الواقع ١,٥٠٠,٠٠٠ شخص فى عام ١٩٦٤ عليه في السنة السابقة ، وهذا لا يمكن
وقد صرح سيسيل كينج ( صاحب الديلي ميرور - ٥ ملايين نسخة في اليوم - وعدة مئات من المجلات ) ( بأنه لن يبقى قريباً إلا أربع أو خمس صحف صباحية في العاصمة البريطانية بسبب عدم تطور هذه الصحف ) .
وقد نشرت مجلة الإكسبريس الفرنسية في عددها الصادر في يناير ١٩٦٧ تقول : طلب مديرو الصحف البريطانية - أمام هذه الحالة الخطيرة من إحدى الهيئات الاقتصادية الكبرى الخاصة تحليل مشكلة الأزمة الاقتصادية ونقص التوزيع .
وكان الحكم قاسياً على ا الصحافة البريطانية . إذ ذكرت الهيئة أن الأسباب الرئيسية للأزمة هي :
۱ - الإدارة السيئة .
٢ - تصرفات النقابات .
٣ - الارتفاع السريع في أسعار مواد الصناعة الصحفية .
٤ - عدم التوفيق في منافسة التليفزيون .
والحلول :
۱ - ضرورة إعادة التفكير في ( كل شيء ) .
٢ - اتباع الطرق الحديثة في الطباعة والإدارة ثم يجيء تصريح الهر اكسيل شبرنجر صاحب أكبر دار صحفية في ألمانيا ليضع النقط فوق الحروف : ( إن الصحف أمام أحد أمرين ، إما أن تتجمع في شركات كبيرة أو تمد يدها إلى إعانة مالية من الحكومة )
ثم يأتي رأى آخر يضم صوته إلى الباقين ، وهو رأى إحدى النقابات الكبرى في بريطانيا ( تضم ٢٢٥ ألف عامل من أنصاف المتخصصين في الأعمال الصحفية المهددة بالآلية والعقول الإلكترونية ) يطالب هذا الرأى الدولة بأن تكون هيئة تضم فيها كافة الصحف المهددة بالتوقف وتضمن بقاءها على قيد الحياة . ويقولون في تقريرهم : ( إن معظم الصحف يقتنيها رجال حسودون وفرديون ، يرفضون أن يستمعوا إلى أى مستشارين ، ولهم فلسفة رجعية في الإدارة ) . وهذه الهيئة ترفض تماماً أى تغيير فى القواعد التي تم وضعها بعد أزمة البطالة في عام ۱۹۲۹ التي هددت عمال بريطانيا . وطبقاً لهذه القواعد فإن النقابات من سلطتها أن تقرر الحد الأدنى لعدد العمال في كل جريدة مهما حدث من تطور أو تقدم تكنولوجي في صناعة الطباعة .
وهنا يتساءل البعض : هل لهذه الأزمة أثر على صناعة الصحافة وتقدمها في الجمهورية العربية ؟ يقول الخبراء المصريون ( إن هذه المشاكل الموجودة في الدول المتقدمة تكنولوجيا ، لن تتعرض لها الدول النامية . لأن التطور في الدول النامية لا يتطلب بالضرورة المرور فى نفس المراحل التي مرت بها الدول الغنية ، لأن ذلك يستلزم مئات السنين مما يجعل الدول النامية متخلفة باستمرار عن الدول الكبرى التي بدأت تجرى بخطى واسعة نحو التقدم . لذلك فإن الدول الصغيرة سوف تقفز عدة درجات مرة واحدة دون أن تمر بالتطور الطبيعى الذى يبدأ من العامل العادى إلى العامل نصف المتخصص ثم إلى العامل المتخصص ( التكنيكي ) . وذلك لعدم وجود العدد الكافي من العمال نصف المتخصصين لأداء العمل المطلوب حاليا . ونتيجة لهذا النقص أصبح من الضرورى القفز من طبقة العامل العادى إلى طبقة العامل التكنيكي - أى بدخول عصر الإلكترونات - وهذا العصر يتطلب عدداً أقل من الأيدي العاملة المشكلة التي نعانيها فعلاً وهكذا يمكن تدريب العامل العادي لترتفع به إلى طبقة العامل المتخصص دون أن نستغنى عن دور العامل نصف المتخصص الذي يلزم وجوده لفترة ليست قصيرة ، حتى تنتهى مدته بالتقاعد وهكذا نستطيع أن نصل إلى هذا التطور ونلحق بالركب العالمي في التقدم دون الإضرار بمصلحة العامل . بل على العكس سوف نخلق جيلاً جديداً من العمال المدربين » .
أما في الولايات المتحدة فما الذى يجرى هناك ؟ . وهل وصلت الأزمة إلى ذروتها كما حدث في بريطانيا ؟
لم تسلم صحف نيويورك كذلك من نتائج أزمة العقول الإلكترونية ومطالب العمال إزاءها . فقد هددت صحيفة ( نيويورك بوست ) بالتوقف عن الصدور ما لم تتمكن من تضييق المصاريف عن طريق استخدام العقل الإلكترونى في قاعات الجمع . لكن اتحاد جامعى الحروف الدولى وقف أمامهم بإصرار وطالب - في حالة إدخال العقل الإلكترونى إلى الصحيفة - بضرورة حصولهم على ٥٠ ٪ من أى توفير في الأجور . واضطرت الصحيفة بعد أن أدخلت هذا النظام الجديد ، أن توقف عمل الجهاز الإلكترونى بعد أسبوع واحد من استعماله ، وذلك تحت تهديد إضراب عمال الماكينات. وعادت الصحيفة إلى استخدام آلات الجمع القديمة .
أما جريدة وورلد جورنال تريبيون التى يبلغ توزيعها ٧٠٠ ألف نسخة فقد توقفت عن الصدور فى أوائل شهر مايو من عام ١٩٦٧ ، وخافت وراءها ٢٥٢٨ متعطلاً وكانت هذه الجريدة تعانى من أزمة مالية شديدة في العام الذي سبق توقفها، فاندمجت مع جريدة ( هيرالد تريبيون ) وجريدتين أخريين، وصدرت في جريدة واحدة ، حتى تستطيع الصمود أمام هذه الأزمة . ولم يمض عام حتى توقفت هذه الشركة التي تمثل ١٣٤ عاماً من المجهود الصحفى بسبب الخسائر المالية الكبيرة التي أصابتها وبلغت ۷۰۰ ألف دولار في الشهر . ولم تكد هذه الصحيفة تعلن عن توقفها حتى رفعت جريدة نيويورك بوست ، وهى الصحيفة المسائية الوحيدة فى نيويورك، سعر الإعلان فيها بنسبة %۲۰% ، ورفعت صحيفة «ذى ديلى نيوز ، ثمنها من ٧ سنتات إلى ٨ سنتات. أما صحيفة « نيويورك تايمز » فلم تعلن أية تغييرات ، أكثر من أنها تفكر في إصدار جريدة مسائية .
إن هذه المشكلة لم تمنع ناشرى الصحف من العودة إلى المطالبة بالعمل بطريقة الآلية التلقائية ليظلوا على قيد الحياة .
وليس في نيويورك إلا صحيفتان صباحيتان - من الصحف الست الكبرى التي تصدر في المدينة - تحققان ربحاً . وهاتان الصحيفتان هما « التايمز » و « النيوز » ، وقد بلغ عدد سطور الإعلانات التى نشرت في جريدة التايمز ٨١ مليون سطر في عام ١٩٦٦ بزيادة قدرها ١٢,٥ مليون سطر على عام ١٩٦٥ .
وبدأت صحف الأقاليم تدخل النظام الجديد في قاعاتها الكبرى بالفعل وأصبح هناك حوالي مائة صحيفة تستخدم نظام العقل الإلكترونى دون أن تجد مقاومة من عمالها . ولذلك يتنبأ الناشرون الأمر يكيون بأنه لابد فى النهاية من أن تغزو هذه الآلية التلقائية مدينة نيويورك إن عاجلاً أو آجلا .
أما خارج نيويورك - من ولاية كاليفورنيا إلى ولاية فلوريدا - فقد أخذت الآلات الإلكترونية تغزو الصحف وبدأت أصوات تثقيب الشريط الآلى ترتفع في قاعات التحرير .
وذهبت جريدة ( تايمز ) التي تصدر في لوس انجليس إلى أبعد . فقد حاولت استخدام آلات تتيح للمخبر الصحفى نفسه أن يكتب مقاله على آلة كاتبة تخرج نسخة مكتوبة إلى جانب الشريط المثقوب الذي يرسل إلى الجهاز الإلكترونى . لكن التجربة لم تنجح ، فقد ثار المحررون على الآلات ولم يستطيعوا العمل عليها . أما المشكلة الأخرى وهى صمود العمال أمام استعمال هذه الأجهزة فلم تجد مكاناً في هذه البلاد . إذ أن قاعات الجمع فيها لا تضم عمالاً نقابيين، وليس للنقابات أى سلطات عليهم . واستطاعت الإدارات تدريب عمالها على آلات تثقيب الشريط دون أن تلقى معارضة تذكر . حدث هذا في الوقت الذي حاولت فيه جريدة أخرى هي نيويورك ديلى نيوز » أن تعمل بالنظام الجديد في عام ١٩٦٣ فوقف أمامها مرة أخرى - اتحاد عمال الجمع وعارض إدخال الآلات وهدد بالتوقف عن العمل ، بالرغم من وعد الصحيفة بعدم طرد أحد من العمال والاحتفاظ لتشغيل العقل الإلكترونى . وقد طالب الاتحاد أيضاً ناشرى الصحف في نيويورك ( صحيفة بوست ليست عضواً فيه ) بأن يضعوا نسبة ٦٣٪ من أية توفيرات في صندوق الاتحاد . ورفض الناشرون وبقيت المشكلة بدون حل .
وقال ستانفورد سمیت مدير عام جمعية ناشرى الصحف ، في اجتماع الاتحاد الدولى لناشري الصحف الذي عقد في ميونيخ في مايو ١٩٦٥ ، إن فكرة الآلية التلقائية ليست فكرة جديدة ، وهى ليست شراً كما يتصور البعض . لقد أثار هذا الموضوع جدلاً كبيراً فى أمريكا، وكانت الدراسة التي دارت حوله ضئيلة مما أدى إلى خلق مشاكل خطيرة ، وقد استنتجنا مما قرأناه أن الموقف في كثير من الدول الأخرى مماثل تماماً للموقف فى أمريكا . إننا نجد أن الخوف من كلمة ( الآلية التلقائية ) هو فى الواقع مشكلة أكبر من كل حقائق احتمالات ما يسمى بالآلية التلقائية . إن قاموس و بستر الدولى يفسرها بأنها «عملية جهاز أو أداء أو نظام تتحكم فيه أوتوماتيكية أجهزة ميكانيكية أو إليكترونية تحل محل الأعضاء البشرية التي تقوم بالمراقبة والجهد والقرار . وإننا نستطيع أن نتتبع ( الآلية التلقائية ) منذ الثورة الصناعية التي سببتها الآلة البخارية وآلة الغزل منذ قرنين تقريباً . فقد ابتكرت أجهزة حديثة تحقق توفيراً في العمال ولكننا ندرك الآن أن التكنولوجيا الجديدة قد زادت من قوة العمال الإنتاجية ، وخفضت الأسعار ، وقللت النفقات وزادت من راحة الإنسان . وفى الوقت الذى أصبحت فيه عبارة ( الآلية التلقائية ) مألوفة يرددها علماء الاجتماع وغيرهم ، يوجد دليل على أن هذه العبارة تستخدم على الأقل منذ عام ١٩٣٥ ، لتصف التقدم المستمر للتكنولوجيا العلمية . وقد ابتدعها چون ديبولد الذي أنشأ مكتباً استشاريا لمعاونة الشركات فى استخدام التكنولوجيا الحديثة .
ولكن المناقشات التي تدور حول هذه العبارة قد شوهت وأسيء تفسيرها إلى حد كبير حتى إنها أصبحت عبارة تسبب الخوف لعمال كثيرين ، فإنها توحي إليهم بصورة لصفوف من الآلات تحل محل العاملين ، وهذا خطأ كبير .
وحقيقة المسألة هي أن التكنولوجيا المتقدمة ساعدت صناعة بعد أخرى على تحسين منتجاتها وتوسيع نطاق أسواقها ، وكان من نتيجة ذلك أن عدداً أكبر وليس أقل من الناس وجد عملاً ، وليس ثمة ما يدل على أن التأثير التكنولوجي على الصحف سيكون مختلفاً عن تأثيره على الصناعات الأخرى .
ويقول بعض علماء الاجتماع إن الآلية التلقائية تتسبب في فقد نحو ٤٠ ألف عمل في الأسبوع في الولايات المتحدة ، والحقيقة هي أ أن العمالة زاد في الواقع ١,٥٠٠,٠٠٠ شخص فى عام ١٩٦٤ عليه في السنة السابقة ، وهذا لا يمكن
تعليق