التاريخ
١٠ أبريل، الساعة ٣:١٤ ص ·
تاريخ الحروب الصليبية ... (121)
The History Of The Crusades
----------------------------------------------------
حملات نور الدين العسكرية على مصر :
كنا توقفنا مع استيفن رانسيمان في الفقرة السابقة عند تحول انتباه المسيحيين والمسلمين على السواء إلى مصر . إذ بدا أن الخلافة الفاطمية هناك على وشك التصدع . فمنذ مقتل الوزير الأفضل الجمالي ومصر تفتقر إلى حاكم مقتدر .
وقد حكم الخليفة الآمر حتى اکتوبر 1129م إلى أن اغتيل الآخر ، وتعاقب على تصريف شؤون الحكم سلسلة من الوزراء الضعاف . وأظهر الخليفة الحافظ - الذي خلف الأمر - شخصية أقوى وحاول التخلص من أصفاد الوزارة بتعيين إبنه ابنه هو نفسه ، حسن ، في منصب الوزير .
بيد أن حسن لم يكن بالوزير المطيع وقتل بأوامر من أبيه عام 1135م . وراح الوزير التالى ، بهرام(طلائع بن رزيك *شيعي ) الأرميني المولد ، يملأ الادارة بأبناء جلدته ، لا لشئ سوى إثارة رد فعل عام 1137م عندما جرت في شوارع القاهرة دماء المسيحيين لعدة أيام .
ولم يكن الحافظ أكثر حظا من آخر وزرائه رغم انه تشبث بالعرش إلى أن مات عام 1149م . وبدأ عهد ابنه الظافر بحرب اهلية صريحة بين أبرز قائديه ، ففاز (رزيك بن طلائع) وأصبح وزيرا ، لكي يغتال هو نفسه بعد ذلك بثلاث سنوات .
وتسببت مكائده وما سال من دماء لا نهاية لها في ارتفاع الأعمال لدى أعداء مصر ؛ فبدأ الملك بلدوين عام 1150م فی ترمیم تحصينات غزة ، وكانت عسقلان ماتزال قلعة فاطمية ، وقد دأبت حاميتها على الإغارة على الأراضي المسيحية.
فتقرر أن تكون غزة قاعدة للعمليات ضد عسقلان ؛ مما أثار مشاعر الخطر لدى الوزير إبن طلائع . وكان من بين اللاجئين في البلاط الفاطمي الأمير أسامة بن منقذ، وكان من قبل في خدمة عماد زنکی . فأرسله (ابن طلائع) إلى نور الدين ، الذي كان معسكرا الآن أمام دمشق ، طالبا منه القيام بهجوم مضلل في الجليل ، وسيقوم الأسطول المصري في الوقت نفسه بالإغارة على المواني الفرنجية .
ولم تفلح السفارة، اذ كانت هناك مشاغل أخرى تشغل نور الدين . وتوقف أسامة بن منقذ في طريق عودته في عسقلان لعامين للقيام.بعمليات عسكرية ضد الفرنج المحليين ، ثم عاد إلى مصر في الوقت المناسب ليشهد المكائد التي تلت مقتل ابن طلائع على يد عباس ، ابن زوجته ، بتستر من الخليفة .
----------------------
ولنترك استيفن رانسيمان قليلا و لنعد إلى مصادرنا العربية حول نفس الموضوع :
قام الوزير الفاطمي ابن السلار السني المذهب بمحاولة الاتصال بنور الدين من أجل شن عمليات حربية مشتركة على أساس أن يتقدم نور الدين بقواته من الشمال لمهاجمة الصليبيين و يقوم الأسطول الفاطمي بمهاجمة المدن الساحلية الشامية الصليبية؛
وتوسط أسامة بن منقذ بين الجانبين وعرض عليه ابن السلار أن يأخذ الأموال والهدايا لسلطان حلب عارضاً عليه القيام بمنازلة طبرية، وفي نفس الحين يقوم الأسطول الفاطمي بمهاجمة غزة،
وفي حالة موافقة نور الدين على ذلك يقدم له ابن منقذ الأموال لمساعدته، فإن رفض فعلى الأخير أن يجند بالأموال عدداً من الفرسان لقتال الصليبيين عند عسقلان،
غير أنه عندما بلغ بصرى وقابل نور الدين أوضح له مدى إنشغاله بأمر دمشق وأنها تقف سداً منيعاً دون التعاون المشترك مع الفاطميين إذ أنها لم تكن حينذاك قد سقطت بعد في قبضته ،
ويلاحظ أن ابن السلار استمر في صراعه مع الصليبيين فجهز في عام 546ﻫ/1151م أسطولاً أنفق عليه مالاً وفيراً وهاجم به المدن الساحلية الصليبية،
وتجددت المحاولات السابقة في عهد وزارة طلائع ابن زريك الذي اتصل بنور الدين محمود عن طريق أسامة بن منقذ غير أن نور الدين لم يتعجل وكان يرأى أن الفرصة المناسبة لم تأت بعد .
وقبل الإنتقال إلى مرحلة ضم مصر لابد لنا من وقفة لدراسة الموقف و بعض المقارنات بين ذلك الصراع في وقتها وفي العصر الحديث والوقت الحاضر .
--------------------------------------------------------------------
كان الموقف العسكري في المشرق الإسلامي راجحاً لصالح الفرنجة عندما تسلم نور الدين حكم حلب عام 541ﻫ/1147م ؛
وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ تغيَّر الموقف العسكري فأصبح راجحاً لصالح المسلمين،
وكان التفَّوق العسكري الإسلامي على الفرنجة واضحاً جداً في السنوات الأخيرة من حكم نور الدين حقق إنجازات عسكرية كبيرة تمثَّلت بشكل عام من ناحيتين :
الأولى :
إلحاق هزائم منكرة بجيوش الفرنجة في معارك كثيرة.
الثانية :
بناء قوة عسكرية كبيرة منظمة وفعَّالة، كانت في السنوات الأخيرة من حكمه قادرة على تحرير الأرض الإسلامية المحتلة ومواجهة التحديات الخارجية المحتملة ومن خلال الناحية الأولى تحققت الإنجازات التالية :
1- تحرير الكثير من المدن والمواقع والحصون الإسلامية من الاحتلال الفرنجي.
2- تغيير الموقف العسكري في المنطقة لصالح المسلمين والإثخان في الصليبيين وقتل عشرات الآلاف من رجالهم وأسر أكثر من ذلك وإنهيار معنوياتهم.
3- بث روح الجهاد في نفوس أبناء الأمة ورفع معنوياتهم وتوحيد جهودهم وتوجيهها نحو تحرير الأرض والمقدسات.
4- الإسراع في تحقيق الوحدة السياسية لبلاد الشام وشمال العراق ومصر وشبه جزيرة العرب.
5 - توفير الأمن والاستقرار، مما هيأ الظروف المناسبة لتحقيق المنجزات الإدارية التي قامت على أساسها نهضة الأمة .
-----------‐--------------------------------------------------------
التشابه في الأسباب بين الغزو الصليبى والصهيوني
تحدثنا فيما مضى عن أسباب الحروب الصليبية الدينية والسياسية واﻹقتصادية واﻹجتماعية في الجزء الأول من هذا الموضوع (فقرة 1 إلى فقرة 35 )
وهذه الأسباب تتشابه مع أسباب الاحتلال الصهيونى !
فمثلما أفرزت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أسباب الغزو الصليبي للمشرق الإسلامي في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي أفرزت الأوضاع نفسها في المنطقة ذاتها أسباب الغزو الصهيوني للمشرق الإسلامي نفسه في بداية القرن العشرين،
ومثلما استخدم الصليبيون الدين لإثارة حماس الشعوب الأوروبية ودفعها للغزو لحماية قبر الرب !!
استخدم الغزو الصهيوني بلباس الدين باعتبار فلسطين الأرض المباركة التي منحها الرب ملكاً لبني إسرائيل قبل ألفين وخمسائة عام وأنها كانت موطنهم في ذلك التاريخ، مما يجعل لهم فيها حقاً تاريخياً .
في حين أن فلسطين في الأصل تشكل قلب المشرق الإسلامي
ومع السبب الديني المحرك للجانب العقائدي، هناك أسباب سياسية واقتصادية، واجتماعية،
فقد كانت الأسباب السياسية من وجهة نظر الصهيونية إقامة دولة إسرائيل في فلسطين، كمقدمة لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، في معظم مناطق المشرق الإسلامي؛
وذلك كله مرحلة أولى يتبعها السعي للسيطرة على العالم في المرحلة اللاحقة،
أما من وجهة نظر شركاء الصهيونية في الغزو : بريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها فكانت دوافعهم السياسية هي السيطرة على مناطق المشرق العربي الإسلامي بالتفاهم فيما بينهم، وإقامة دول تتبع لهم وتسهل مواصلاتهم مع مستعمراتهم الأخرى في جنوب شرق آسيا .
وتمثلت الأسباب الاقتصادية للغزو الصهيوني الأوروبي المشترك بالسيطرة على موارد البلاد الاقتصادية واستغلالها لإدامة صناعاتها وجعل البلاد سوقاً لاستهلاك منتجاتها الصناعية ؛
وأما الأسباب الاجتماعية فقد تمثَّلت في خلاص اليهود المقيمين في أوروبا من حياة البؤس والشقاء والعزلة التي كانوا يحبونها بسبب تمسّكهم بمعتقداتهم العنصرية وأساليبهم الاحتكارية التي كّرهت الشعوب الأوروبية بهم وجعلت الدول الأوروبية تسعى للخلاص منهم .
-------------------------------------------------------------------
التشابه في الأهداف بين الغزو الصليبي والاحتلال الصهيوني :
كانت أهداف الغزو الصليبي واضحة محّددة،
فالهدف الرئيسي هو احتلال المشرق العربي الإسلامي وتحويله إلى وطن أوروبي فيما وراء البحار .
كان هذا الهدف مشتركاً عاماً بين جميع أطرف الغزو : المؤسسة البابوية والقادة والأمراء من الفرنجة والنورمان ؛
أما الأهداف الأخرى الفرعية فهي:
أولاً :
استغلال ثروات الشرق وتحقيق مغانم ومكاسب اقتصادية من التجارة والحروب وهذا هدف عام مشترك أيضاً لأطراف الغزو جميعهم شاملاً تجار أوروبا المشهورين في المدن الإيطالية، البندقية، جنوا وبيزا ؛
ثانياً :
تحقيق سيادة المؤسسة البابوية على العالم المسيحي، وتفّوق مركزها على مركز الأمبراطورية في أوروبا وإقامة كنيسة كاثوليكية في الشرق تتبع كنيسة روما، وتقضي على نفوذ كنيسة القسطنطينية وهذه أهداف خاصة بالمؤسسة البابوية .
ثالثاً :
الاستجابة لطلب أمبراطور بيزنطة ومساعدته في استعادة الأراضي التي احتلها المسلمون الأتراك في الأناضول، ويمكن اعتبار هذا الهدف عاماً للجميع.
من جهة أخرى كانت أهداف الغزو الصهيوني واضحة ومحددة أيضاً، بالرغم من إبقائها طي الكتمان فترة من الزمن لتضليل العرب وخداعهم وكسب مساعداتهم للحلفاء في الحرب العالمية الأولى،
----------------------
وعندما تكشفت هذه الأهداف بعد الحرب كانت كما يلي :
الهدف الرئيسي هو احتلال المشرق العربي الإسلامي وتحويله إلى وطن أوروبي فيما وراء البحار، كان هذا الهدف مشتركاً بين جميع أطراف الغزو الصهيونية العالمية، بريطانيا، فرنسا.
أما الأهداف الأخرى فهي :
الأول :
إقامة دولة إسرائيل في فلسطين وتهجير اليهود المقيمين في أوروبا والذين سيهاجرون إلى دولتهم الجديدة في فلسطين،
الثاني:
هو خلق دولة غريبة في قلب المشرق العربي الإسلامي، بل في قلب العالم العربي كله، تكون أداة يستغلها البريطانيون وحلفاؤهم من دول الغرب لمنع قيام الوحدة الإسلامية الكبرى، وإغراق المنطقة كلّها في حروب مستمرة تستنزف طاقاتها، وتسّهل السيطرة الغربية عليها لاستغلال مواردها،
علماً بأن الصهيونية كانت وما زالت تعتبر إقامة دولة إسرائيل في فلسطين مرحلة أولى لتتوسَّع في المراحل اللاحقة وتشمل أغلب منطقة المشرق العربي الإسلامي، وقد احتفظت بهذا الهدف لنفسها دون شركائها في الغزو
قال الجنرال اللنبي قائد القوات البريطانية في فلسطين بعد احتلال القدس عام 1917م :
[ الآن انتهت الحروب الصليبية ]
وقال الجنرال غورو قائد القوات الفرنسية التي احتلت لبنان وسوريا عام 1920م بعد احتلال دمشق :
[ هاقد عدنا يا صلاح الدين ]
ويظهر من كلام القائدين المذكورين أن فكرة غزو المشرق العربي الإسلامي لم تبارح أذهان الأوروبيين وخاصة البريطانيين والفرنسيين منُذ الحروب الصليبية في العصور الوسطى وأن بريطانيا وفرنسا تعتبران احتلالهما للمشرق الإسلامي خلال الحرب العالمية الأولى امتداداً للحروب الصليبية
ومن الجدير بالذكر أن الصليبيين أطلقوا على مملكة بيت المقدس اسم :《 فرنسا ما وراء البحار》باعتبارها امتداد للوطن الفرنسي الأم
علماً بأن أغلب جيوش الحملة الصليبية الأولى خرجت من فرنسا، ولا ننسى أن الفرنسيين أطلقوا على مستعمراتهم في الجزائر، والشرق اسم 《 فرنسا ما وراء البحار 》أيضا
ولابد أن الصهيونية العالمية وبريطانيا وفرنسا استلهمت الكثير من تاريخ الحروب الصليبية وأحداثها في تخطيط المشروع الإسرائيلي وتنفيذه.
--------------------------------------------------------------------
التشابه في الأساليب بين الغزو الصليبي والاحتلال الصهيوني :
أقام الصليبيون إماراتهم في المناطق التي احتلّوها بالقوة العسكرية في بلاد الشام وإمارة الرها في أعالي الفرات، وقاموا بتوسيع إماراتهم على حساب الإمارات الإسلامية المجاورة بفعل العسكرية،
وكذلك فعل اليهود الصهاينة، فقد هيأت لهم شريكتهم بريطانيا الظروف المناسبة في فلسطين لبناء قوتهم العسكرية التي مكنتهم من احتلال الأرض وتأسيس دولتهم عام 1948م،
ثم استمروا ببناء قوتهم العسكرية المتفوقة حتى تمكنوا من توسيع رقعة دولتهم على حساب الدول العربية المجاورة عام 1967م،
ولا يزالون حتى الوقت الحاضر حريصين على تحقيق التفوق العسكري في المنطقة لأنهم يعلمون علم اليقين أن تغيير موازين القوى لصالح الدول العربية يعني زوال دولتهم من الوجود،
هذا تماماً ما حصل مع الصليبيين الذين قامت إمارتهم بفعل القوة العسكرية،
فلما تّغيرت موازين القوة لصالح المسلمين زالت إماراتهم من الوجود
ولذلك تبذل إسرائيل كل جهودها وتسعى الصهيونية العالمية بكل طاقاتها من خلال نفوذها في الدول العظمى، لحرمان الدولة الإسلامية من امتلاك الأسلحة المتطورة أو بناء قوة عسكرية متفوقة يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل ..
فإذا ما ظهرت قوة إسلامية يمكن أن تشكل خطراً عليها بادرت إسرائيل بشن الحرب لتدمير هذه القوة قبل اكتمال بنائها حصل ذلك في حرب عام 1956م وفي حرب 1967م، وفي قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981م ؛
وإذا لم تستطع تدمير هذه القوة العربية بنفسها سخرت القوى العظمى لتحقيق ذلك، كما حصل في حرب الخليج بداية التسعينات عندما شجعت الصهيونية العالمية الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأخرى على شن الحرب ضد العراق وتدمير قّوته العسكرية المتنامية التي كانت في نظرهم تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل .
ويحتل مبدأ استخدام القوة العكسرية المتفوقة المقام الأول في الاستراتيجية الوطنية الإسرائيلية،
وقد وضع هذا المبدأ أحد روّاد الحركة الصهيونية المشهورين، اسمه آشر غتربرغ وأطلق على فكرته التي تحولت مع الوقت إلى عقيدة راسخة في الذهن الصهيوني اسم (التجمع والاقتحام)،
ويقول بأنه استلهمها من تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام وانقضاء فترة التيه في صحراء سيناء، فقد تشبعوا بروح الاقتحام والفتك التي مكنتهم من احتلال فلسطين .
وكان جابوتنسكي أول من طبق عقيدة التجمع والاقتحام في فلسطين عام 1920م باستخدامه الأسلحة النارية في أول صدام بين العرب واليهود في القدس وهو أول من دعا إلى تشكيل المنظمات الإرهابية اليهودية التي أرتكبت أبشع المجازر بحق العرب في القرى والمدن الفلسطينية .
ثم تحولت تلك المنظمات بعد قيام الدولة اليهودية عام 1948م إلى الجيش الإسرائيلي : يقول مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي كان عضواً في عصابة أرغون الإرهابية وتلميذاً لجابوتنسكي : إن المبدأ الرئيسي لكل إسرائيل يجب أن يكون : أنا أحارب فأنا موجود .
ويقول ديفيد بن غوربون أول رئيس وزراء لإسرائيل :
{سوف نواجه العرب بالقوة، إن النتيجة الوحيدة المتوقعة لهذا الصراع هي النتيجة التي تفرضها القوة}
: ويقول مائير كهانا أشهر المتطرفين اليهود وكان عضواً في الكنيست الإسرائيلي :
{ حدود إسرائيل هي حيث يقف الجنود الإسرائيليون }
وقد تشابهت أساليب الغزو الصهيوني مع أساليب الغزو الصليبي في مجالات من أهمها :
أ- الأعتماد على المساعدة الخارجية :
اعتمدت الإمارات الفرنجية في المشرق العربي الإسلامي في توسعها واستمرارها على الدول الأوروبية وخاصة فرنسا التي كانت تعتبر الدولة الأم لتلك الإمارات.
كانت هذه المساعدة تشتمل المال والسلاح والرجال وكانت تأتي في بعض الأحيان على شكل جيوش متكاملة بقيادة ملوك وأباطرة أوروبا.
كلما واجهت الإمارات الفرنجية خطراً، كما حصل بعد تحرير مدينة الرها، عاصمة عام 1145م فأرسلت الحملة الثانية .أو كما حصل بعد انتصار صلاح الدين في حطين فأرسلوا الحملة الثالثة .
وأما اليهود الصهاينة فقد وضعوا خططهم منُذ البداية استغلال قوة ونفوذ الدول العظمى في تحقيق أهدافهم ، وها نحن نرى الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل.
ب- الهجرة والاستيطان :
استقَّرت جيوش الحملة الأولى الصليبية في المناطق التي احتلتها من بلاد الشام وأقامت فيها الإمارات الفرنجية المعروفة، بعد ذلك تدفق المهاجرون من أوروبا إلى تلك الإمارات بأعداد كبيرة،
ومع أن بعضهم كان يأتي لغرض الحج إلى القدس ويعود بعد إكمال الزيارة إلا أن غالبيتهم كانوا يأتون بقصد الإقامة والاستيطان كانت هذه الهجرة متواصلة وبأعداد كبير زادت في بعض الحالات عن أعداد بعض الحملات المنظمة التي عرفت بأرقام متسلسلة .
ساعدت هذه الهجرة على زيادة قَّوة الإمارة الفرنجية، وتوسّعها وصمودها في وجه القوة العربية الإسلامية التي كانت تحاول القضاء عليها ،
على الجانب الآخر :
كانت هجرة اليهود إلى فلسطين تشكل الركن الأساسي في المشروع الصهيوني لإقامة دولة اليهود فيها،
وحظي موضوع الهجرة من حيث الدعاية لها وتنظيمها وتنفيذها بالقسط الأوفر من اهتمام المفكرين الصهاينة الأوائل، ومن أهمهم تيودور هرتزل أول زعيم للصهيونية العالمية الذي وضع فصلاً خاصاً في كتابه المشهور "دولة اليهود" عن الهجرة وأهميتها وتنظيمها وباب الهجرة مفتوح على مصرعيه بعد قيام دولة اليهود إلى يومنا هذا.
ج- تضليل الرأي العام وخداعه :
قامت المؤسسة البابوية التي خططت للحروب الفرنجية وأشرفت على تنفيذها بتضليل الرأي العام الأوروبي من خلال الدعاية الكاذبة التي كانت تسبق كل حملة،
فقد افتتح البابا أوربان الثاني الحملة الدعائية الكبيرة للحرب الفرنجية في خطابه المشهور عام 1095م في مجمع كليرمونت، وأدّعى فيه أن المسيحيين في المشرق الإسلامي يتعرضون للاضطهاد والتعذيب والقتل وأن بيوتهم وكنائسهم تحرق وتُهدم !
وأن المسلمين، البرابرة المتوحشين، استولوا على مدينة القدس ومنعوا المسيحيين المؤمنين من زيارة قبر السيد المسيح فيها ولذلك يوجب على مسيحيين أوروبا نجدة إخوانهم مسيحي الشرق وتخليصهم من الاضطهاد والتعذيب والقتل، وتحرير قبر المسيح من سيطرة البرابرة المسلمين ،
انتشرت هذه الدعاية الكاذبة المضللة في أوروبا على يد رجال الكنيسة وكان لها أثر كثير في إثارة الحماس الديني لدى الأوروبيين، فتجمعت حشودهم وتوجهت تحت راية الصليب لحرب المسلمين ..
وبنفس الأسلوب جرت الدعاية الصهيونية المضَّللة قبل الغزو الصهيوني للمشرق الإسلامي ..
فقد قامت وسائل الإعلام الأوروبية الخاضعة لسيطرة الصهيونية العالمية بتصوير المسلمين على أنهم بدو رحّل يعيشون في الصحراء مع مواشيهم ...
وأن اليهود سيهاجرون إلى تلك البلاد التي تعتبر موطَنهم الأصلي لاستصلاح الأراضي وزراعتها وتعميرها ولبناء معبدهم القديم في القدس " هيكل سليمان "
وكانت الدعاية الصهيونية تركز على أوضاع اليهود في مختلف دول العالم باعتبارهم مضطهدين محرومين من أدنى الحقوق الإنسانية وأن من حقهم ان يعودوا إلى أرض آبائهم "فلسطين" ليقيموا لهم فيها وطناً قومياً كباقي شعوب الأرض .
ج - الإرهاب والعنف :
ارتكب الفرنجة مجازر بشعة بحق المسلمين في المدن والقرى التي استولوا عليها، وشكّلوا فرقاً عسكرية خاصة من خبرة فرسانهم، مثل الداوية و الإسبتارية .
و هذه الفرق كانت تقوم بشن الغارات على المدن والقرى الإسلامية وتقوم بأعمال القتل والسلب والتخريب وتشيع الخوف والرعب بين السكان، فكانوا لا يتورّعون عن قتل النساء والأطفال والشيوخ، حتى أنهم تعّرضوا لقوافل الحجاج بالقتل والنهب..
وقد تبنى الصهاينة الأسلوب نفسه في غزوهم لفلسطين، فشكَّلوا منُذ العشرينات قبل قيام دولتهم، عصابات، إرهابية كانت مهمتها اقتحام القرى الآمنة، وإبادة سكانها من الرجال والنساء والأطفال بصورة همجية بشعة لإثارة الرعب والهلع بين السكان المسلمين وإجبارهم على مغادرة مدنهم وقراهم وأرضهم والهجرة إلى خارج فلسطين ..
واندمجت العصابات الإرهابية اليهودية بعد قيام دولة إسرائيل لتشكيل الجيش الإسرائيلي، الذي تولى مهمة تنفيذ العمليات الإرهابية ضد السكان المسلمين وأصبحت هذه العمليات سياسية رسمية لإسرائيل، تنفذها وحدات من الجيش الإسرائيلي الذي أطلق عليه قادة إسرائيل اسم
" جيش الدفاع " زوراً وتضليلاً،
بينما هو في الحقيقة أكثر جيوش الأرض عدواناً ..
ولم تقتصر عمليات الإرهاب والقتل والاغتيال على السكان المسلمين في فلسطين بل تعّدتها إلى الدول المجاورة وحتى البعيدة فقد قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بتنفيذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان وتونس وجرت محاولات اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية في مختلف الدول العربية والأجنبية ...
إضافة إلى ذلك اغتيال العديد من نوابغ العلماء العرب و الشخصيات البارزة فى معظم دول العالم .
-------------------------------------------------------------------
* الحملات الصليبية ستيفن رانسيمان الجزء الثاني .
* عصر الدولة الزنكية ( 246 الى 249) د.على الصلابي
تابعوا #الحروب_الصليبية_جواهر