ج - دراسة لعمارة نموذجية من العهد العثماني :
تكية دمشق السليمانية
يشاهد الداخل إلى دمشق من الغرب مجموعة عمرانية فخمة تحتل على ضفة بردي اليمنى مساحة من الأرض واسعة . تلفت الأنظار بقبابها العديدة المنتظمة كالعقد حول قبه رئيسية كبيرة ، يحيط بها مئذنتان ممشوقتان ، ترتفعان في السماء ويتخلل هذه المجموعة المعمارية حدائق وأشجار باسقة يمتزج جمالها بمحاسن العمارة ، فيجعل هذه البقعة من دمشق أجمل البقاع وأكثرها جاذبية ( انظر الصورة من رقم ۸۳ ) .
شيدت هذه المنشأة العثمانية على انقاض القصر الابلق ، قصر الظاهر بيبرس ، وحلت محله ، وذلك في عهد السلطان سليمان القانوني. وتتألف من تكية كبيرة في الجانب الغربي و مدرسة مستقلة عنها في الجانب الشرقي ، وسوق يمتد أمام المدرسة من شمالها (انظر المخطط رقم ٣٦ ) .
بدىء ببناء التكية في عام ٩٦٢ / ١٤٤٥ ، فاكتمل بناؤها في عام ٩٦٧ ه ، ، ثم شرع ببناء المدرسة في عام ٩٧٤ هـ . وسبق أن نشرنا بحثا (۱) صححنا فيه ما يشيع في أذهان الناس والعلماء الذين كتبوا عن هذه التكية من أخطاء تتعلق بنسبة البناء أحياناً إلى السلطان سليم . أو نسبة التكية إلى السلطان سليمان والمدرسة التي اعتبرت تكية صغرى إلى السلطان سليم وأثبتنا بالأدلة الكافية بان كلا من التكية والمدرسة بنيتا في عهد السلطان سليمان كما تقدم .
١ - التكية :
وتتألف من صحن سماوي تتوسطه بركة مستطيلة تتوزع حوله مجموعة من المباني تكاد تكون مستقلة عن بعضها ، يحيط بها جميعاً سور مستطيل أطواله ( ۱۲٥ × ٩٤ متراً ) . يخترقه باب في الجهة الغربية وآخر في الجهة الشرقية ، بصل التكية بالسوق والمدرسة . وثالث صغير في الجهة الشمالية تتقدمه قبة صغيرة محمولة على أعمدة . أما الحدائق فنجدها تشغل الفراغ الحاصل بين السور والمباني وكذلك بعضا من أقسام الصحن الواسع .
ونميز في التكية ستة مبان قد توزعت حول صحن واسع ، ثلاثة في كل من جزأيها الشمالي والجنوبي ، وهي شبه مستقلة عن بعضها ، ويوجد بينها الطراز المعماري والشكل العام المتمثل في الواجهات وفي الأروقة المطلة على الصحن باقواسها الفارسية وعمدها ذات التيجان المقرنصة ، وبالقباب التي هي أداة التسقيف في كل مكان ، ، وأخيراً في تناوب اللونين الأبيض والأسود في الجدران والأقواس ( الصورة رقم ٨٠ ) . وفيما يلي نقدم وصفاً مفصلاً لهذه المباني :
أ - المسجد : ويحتل الجناح القبلي ويتألف من رواق عريض أمامه .
أما القاعة فلها شكل مربع طول ضلعه / ١٦ / متراً ، مسقوف بقبة عالية من نوع القباب العثمانية لها رقبة كثيرة النوافذ وطاسة نصف كروية مصفحة بالرصاص ويحمل القبة أربعة أقواس ملتصقة بجدران القاعة السميكة زوايا الانتقال بين الأقواس مشغولة بمثلثات كروية عادية دون مقرنصات أو حنايا . وينفتح في جدران القاعة الاربعة شبابيك على الحدائق . ويعلوها في كل جدار نافذة ، وهذه النوافذ مع نوافذ القبة كانت من الجص المعشق بالزجاج الملون الذي تتالف منه مواضيع زخرفية رائعة ، ذهب أكثرها مع الأسف ( انظر الصورة رقم ٨٦ ) واجهات المسجد الخارجية مبنية بمداميك من الحجر الملون يتناوب فيها الأبيض والأسود وتبدو الزخارف في الواجهة الشمالية فقط وهي عبارة عن كسوة من الرخام الملون والقاشاني الجميل .
وفي هذه الواجهة أيضاً يقع باب الحرم الرائع الصنع ، المفتوح ضمن ايوان واسع على جانبيه محرابان مزینان بالمقرنصات . وفوق الباب أيضاً مقرنصات مزودة بالدلايات الحجرية، وذلك تطوير للمقرنصات المعروفة في العهود السابقة. ونشير هنا إلى وجود لوحة رخامية تعلو ساكف الباب نقش عليها سطران باللغة التركية وبخط نسخي ، تؤرخ بناء التكية ويحيط بالباب اطار من الزخارف الهندسية مركبة بواسطة قطع الرخام الملون ( أبيض وأسود وأحمر ) .
لكنهما تتألفان في زوايتي الجدار الشمالي للمسجد تقوم مئذنتان عاليتان كالاسطوانتين ، من مضلع كثير الوجوه مبنيتان بالحجر الكلسي ، ولهما رأس مخروطي مدبب يشبه قلم الرصاص . وفي كل مئذنة شرفة للاذان تحملها مقرنصات حجرية ، ويبدو أن هاتين المئذنتين جددتا بعد ذلك
تعليق