الفصل الخامس
فن العمارة في العهد العثماني
أ ) - الخصائص العامة للفن العثماني
عرف الفن الاسلامي في القرن الخامس عشر مركزا جديدا من مراكز الحضارة ازدهرت فيه الفنون ذلك هو القسطنطينية ( استامبول ) ، العاصمة الجديدة للدولة العثمانية (۱) التي دخلها السلطان محمد الفاتح سنة ٨٥٧ / ١٤٥٣ .
ومنذ أن أصبحت هذه المدينة عاصمة للعثمانيين أخذ ينشأ فيها أسلوب جديد في هندسة المباني متأثر بطراز « أيا صوفيا » كنيسة جستنيان الشهيرة التي شيدت في القرن السادس للميلاد ، وتحولت الى مسجد بعد الفتح العثماني .
و كان الفن العثماني قبل ذلك استمراراً للفن السلجوقي الاسلامي الذي ازدهر في الاناضول والذي لا يختلف في كثير من عناصره عن الفنون المعمارية التي تأصلت في سورية ، في العهود الاسلامية .
وانتشر هذا الفن الجديد في أنحاء الامبراطورية العثمانية . وظهرت آثاره واضحة في سورية التي شملها الفتح العثماني منذ عام ٩٢٢ / ١٥١٦ .
فبعد سنوات قليلة من الفتح أخذت تشاد المباني العامة وفق الطراز الذي توطد في استامبول ، فظهرت التكية السليمانية في دمشق سنة ٩٦٥ / ١٥٥٧ ، والمدرسة الخسروية في حلب سنة ٩٥١ / ١٥٤٤ .
وكان اللون الفني الجديد متجليا في المظهر العام للمبنى وفي التخطيط وفي العناصر المعمارية والزخرفية ولكن التقاليد الفنية السابقة للفتح العثماني لم تنمح كليا بل امتزجت بالمظاهر الجديدة ، وظلت طوال قرن تعبر عن شخصيتها. فاستمرت عناصر فنية كانت مألوفة في العهد المملوكي السابق تظهر في العمائر العثمانية الى سنوات عديدة بل قرون ولا سيما في مباني مدينة حلب التي تعتبر دائما أكثر تمسكا بتقاليدها حتى ليصعب التمييز بين واجهات مشيدة في العهد المملوكي وأخرى مشيدة في العهد العثماني ( قارن بين الصورتين ٦٣،٩٥ ) .
ونرى أن نبرز خصائص هذا الفن الجديد في النواحي التالية :
أولا : من حيث التصميم والهندسة : نشاهد في الجوامع أن الحرم أو المصلى أصبح يبنى على شكل قاعة مربعة ، مسقوفة بقية كبيرة لها رقبة من طابق واحد ، كثيرة النوافذ . وبذلك أصبح المصلى قليل الاعمدة والعضائد التي كانت تقسمه الى أروقة ومعازب .
ويتقدم المصلى رواق مسقوف بالقباب أيضا يطل على الصحن. ونجد أمثلة على هذا التصميم الجديد في مساجد السليمانية والدرويشية والسنانية في دمشق كما نجده في مساجد الخسروية والعادلية والبهرمية في حلب ( انظر الصورةتين ۷۹ ، ۸۰ والمخطط رقم ۳۷) .
وبدلا من المدرسة المعروفة في العهود السابقة ، ظهرت التكية بهندستها الجديدة كمجمع معماري يضم المسجد ، وهو شبه مستقل ويشغل جناحا خاصا ، وغرف السكن والمطابخ والمطاعم والقاعات والحدائق (انظر المخططان ٣١، ٣٦ ) . فالتكية أكثر شمولا وضخامة من المدرسة . ولم تعد التربة أو المدفن جزءاً من الجامع أو التكية . كما ألحق مكتب لتعليم الاولاد بهذا المجمع ، نجده في الدرويشية والسنانية بدمشق .
أما المآذن فقد أصبحت في هذا العهد رشيقة القوام ، ممشوقة الطول ، فهي اسطوانة أو مضلع كثير الاضلاع رفيعة بالنسبة لمآذن العهود السابقة وتنتهي في أعلاها بقلنسوة مخروطية، مصفحة بالرصاص .
ونلحظ في العهد العثماني عناية خاصة بانشاء الاسواق والخانات كان ذلك تلبية للتوسع الذي حصل في المبادلات التجارية بين أقطار الامبراطورية العثمانية ، وكانت سورية تتمتع وقتئذ بمركز ممتاز بسبب موقعها الجغرافي مما جعلها منطقة مرور وتجمع لقوافل الحج .
تؤلف أسواق العهد العثماني مجموعة معمارية متكاملة تضم المخازن التجارية والخان والجامع والحمام والمدرسة وأحسن مثل لهذه الاسواق سوق الخياطين المبني في بداية العهد العثماني وسوق الحميدية المبني في أواخر هذا العهد ، وكلاهما في مدينة دمشق .
وتطور بناء الخانات عن ذي قبل، وأصبحت اكثر باحاتها مسقوفة بالقباب أو العقود ، وعني ببنائها وزخرفتها بالحليات المعمارية
تعليق