الأواوين وقاعة الصلاة : أما الأواوين، فثلاثة منها متصلة ببعضها وتحتل النصف الجنوبي للمدرسة . واحد كبير في الجنوب واثنان صغيران متماثلان في الشرق والغرب. وهي مفتوحة على الصحن بثلاثة قناطر كبيرة في الايوان الجنوبي، وقنطة أصغر في كل من الايوانين الشرقي والغربي فوق كل منهما قنطرتان صغيرتان ( انظر المقطع الهندسي رقم ٢٩) هذا وإن أقواس الأواوين كلها ذات حجارة ملونة بالتناوب ، ومحمولة على عمودين لهما تاجان مقرنصان . ويتألف من الأواوين الثلاثة قاعة ترتفع عن أرض الصحن بمقدار ثلاثة أرباع المتر على شكل حرف الباء المقلوب ، وهو تصميم مبتكر ، يجمع بين مبدأ الأ واوين وا ن والأروقة ويفيد في ايجاد قاعة للتدريس والصلاة على هذه الرقعة الصغيرة . إن هذه القاعة التي تعتبر أهم أماكن المدرسة ، والتي كانت تستخدم للصلاة والتدريس ، أجمل شيء فيها . فجدرانها الداخلية الثلاثة مؤزرة حتى منتصفها بالرخام الملون والزخارف المتنوعة ( الصورة رقم ٧٥ ) . يتخللها المحراب وخزائن الكتب والشبابيك المفتوحة إلى الخارج . أما القسم العلوي فمغطى بكلسة بيضاء ، وتتخلله طاقات مستطيلة الشكل . ويغطي القاعة سقف مستو من جسور خشبية وألواح فوقها. وكلها محلاة بالرسوم النباتية الملونة والأزهار شكلها وأسلوبها بأنها مجددة في العهد العثماني . وتبدأ الوزرة أو الكسوة الجدارية في الأعلى بشريط من الآيات القرآنية ، منقوش بخط نسخي جميل ، أحرفه بارزة ومذهبة، تحتها أرضية زرقاء ، تفصل بين آياته حليات مستديرة من الزخارف النباتية. ويحيط بالكتابة اطار مزخرف بالاوراق النباتية تشبه الزنابق . ويلي شريط الكتابة ترخيم ملون مؤلف من لوحات مستطيلة مؤلفة من المحاريب الصغيرة ، أقواسها ذات ألوان متناوبة، وأرضها منزلة بالفسيفساء الرخامية المطعمة بالصدف ، تتألف منها مواضيع هندسية . وسويريات المحاريب منقوشة أيضاً . وفي لوحات أخرى يتغير شكل الأقواس فتصبح مفصصة مغطاة بالنقوش والتخاريم .
ولوحات أخرى مستديرة منقوشة ببراعة موشاة بالذهب ضمن اطار مربع ، ويملأ الفراغ بين الدائرة و المربع زخارف من الفسيفساء الرخامية الناعمة المطعمة بالصدف أيضاً. وسيطول بنا الامر ان نحن حللنا سائر هذه المواضيع الزخرفية ( الصورتان ۷۷، ۷۸ ) .
وأخيراً فان المحراب الذي يأتي في وسط هذه الكسوة يعتبر آية في الجمال ، قد جمع كل أنواع الزخارف التي عرفتها المحاريب . فالحنية قد كسيت بألواح طولية من الرخام الملون تخللتها ألواح مزخرفة مطعمة بالصدف ، ويعلو الحنية شريط يتألف من سلسلة من المحاريب المزخرفة ثم طاسة كانت مكسوة بالفسيفساء الزجاجية ، وقوس الطاسة يتألف من الرخام الملون المؤلف من أقواس متشابكة ، اضافة إلى حليات زخرفية تملأ كل زاوية فيه . وأجمل ما في المحراب السويريتان بتاجيهما وقاعدتيهما الرائعتين . ويحيط بالمحراب من الأعلى شريط الآيات الذي تحدثنا عنه ( الصورة رقم ۷۷ ) .
أما الأيوان الرابع فيحتل منتصف الجهة الشمالية من المدرسة ، ، ويقع بين غرفتين صغيرتين وهو قليل العمق . وفي جانب منه باب صغير لدرج يصعد إلى طابقين من الغرف، نعتقد بأن تعديلا طرأ على هذا الجانب المدرسة غير شكل قوس الايوان وجعله يشذ عن أقواس الأواوين من الأخرى .
التربة : تحتل الزاوية الشمالية الشرقية من البناء ، وتضم قبرين كانا من الطين والقش ، خلافاً لما جرت عليه عادة القبور القديمة . كما أن وصفها البسيط هذا لا يتفق مع ما حفلت به المدرسة من الزخرفة . ويرجح أن يكون القبر ان محدثين وأنه لم يكن هناك ضريح في الأصل ، بسبب مقتل الأمير ، وعدم وجود من يعني بضريحه . لكن الضريحين جددا حديثاً عند ترميم المدرسة بالحجر وصنعا على هيئة قبور معاصرة، خلافاً لقواعد ترميم الآثار .
للتربة باب يؤدي إلى الصحن وشباك في كل من الجدران الثلاثة أحدهما مفتوح على قاعة الصلاة. وهي مسقوفة بقبة عالية محمولة على أربعة أقواس تغطي زواياها المقرنصات. وجدران التربة مكسوة في أجزائها السفلى بالرخام والألواح المزخرفة وأشرطة من الكتابة الجميلة ، كما هو الحال في قاعة المدرسة مع اختلاف في بعض الاشكال .
الخصائص الفنية للمدرسة الجقمقية :
تعتبر المدرسة الجقمقية من أجمل مدارس العهد المملوكي ، وفيها من الأصالة في التصميم والفن في الزخرفة ما يجعلها نموذجاً لفنون هذا العصر في العمارة والزخرفة . لقد وصفها مؤرخ معاصر حين اكتمل بناؤها بقوله : وجاءت في غاية الحسن ليس بدمشق ولا مصر نظیر ها (۱) .
فلقد لاحظنا عند دراسة مخطط المدرسة بأن فيها تصميماً طريفاً مبتكراً ، فالصحن صغير مسقوف بطريقة خاصة لكنه لا يحرم المدرسة من النور . كما أن المهندس تغلب على صغر رقعة الأرض ، وضم الأواوين الثلاثة إلى بعضها ليحصل على قاعة ذات سعة مناسبة تصلح للتدريس وللصلاة بآن واحد . وليس ما يشبهها في قاعات المدارس الأخرى . فهي على شكل حرف الباء المقلوب ، كما رأينا ، يحمل سقوفها جميعاً عمودان فقط ( انظر المخطط الهندسي ) .
ونلاحظ الجمال والاتقان في بناء مقرنصات الباب وفي عقد المدخل ، وفي حجارة الواجهات المحلاة بالمداميك الملونة . وبالاشرطة الكتابية والحليات المعمارية العديدة. كما يلاحظ الجمال والغنى بالعناصر الزخرفية في كسوة الجدران الداخلية .
لقد أصبحت المدرسة الجقمقية بعد بنائها مثلا يحتذى ، فاقتبس المهندسون منها عناصر عديدة . يظهر الصحن المسقوف وقبوة الدهليز في المدرسة الشابكلية التي شيدت بعد قرابة ربع قرن ( ٥٨٥٧ ) .
كما تظهر الواجهات المزخرفة المماثلة في هذه المدرسة وفي التربة الدلامية الكائنة في الجسر الأبيض ( ٨٤٧ه ) ، وفي غير هما من المباني .
تعليق