الفصل الرابع
الفنون المعمارية في العهد المملوكي
آ ) الخصائص العامة
دام حكم المماليك لسورية عدة قرون ( بين عامي ١٢٥٩/٥٦٥٨ و ١٥١٦/٥٩٢٢ ) و كانت دولة المماليك تحكم وقتئذ مناطق واسعة من البلاد العربية تشمل مصر والشام والجزيرة واليمن والحجاز وليبيا .
وهذا ما ساعد على تبادل التأثيرات في النواحي الحضارية بين الاقاليم الخاضعة للحكم المملوكي ، وبشكل خاص بين مصر والشام .
أزدهرت الحركة العمرانية والفنون ، تشهد على هذا الازدهار العمائر الكثيرة التي ما تزال تشاهد في المدن الهامة كالقاهرة ودمشق وحلب . ويرجع السبب في ذلك إلى ان الخطر الخارجي خفت حدته ، وانتهت الحروب الصليبية (۱) ، وتحسنت الاحوال الاقتصادية .
ان ما ينعت به العهد المملوكي من السوء والفساد وفوضى الحكم لا ينطبق على سائر العصر . فلقد حكم البلاد في الفترة الاولى التي سبقت كارثة تيمورلنك ( عام ١٤٠١ م ) سلاطين عظام نعمت البلاد في أيامهم بالقوة والامن والاستقرار ، فأز رد النهضة التي وضعت بذورها في عهد الدولتين النورية ( نور الدين محمود بن زنكي )والايوبية ، وارتقت الفنون والصناعات وتقدمت العلوم والآداب . وشيدت الجوامع والمدارس والترب والحمامات والاسواق والقيساريات والقصور وغير ذلك من الاعمال العمرانية .
ونلمس فيما بقي من هذه العمائر ، تطورا ملحوظا في فنون العمارة وتنوعا وغنى في العناصر المعمارية والزخرفية . ويرجع كما أشرنا ، الى طول فترة العهد المملوكي من ناحية ، والى تغير ظروف الحياة بالنسبة للعهود السابقة. لقد أخذ الناس في هذا العهد يبتعدون عن التقشف والجد ويميون الى البهرجة والاسراف في الزينة وظهر ذلك على حركة البناء فبدت المباني غارقة بالزينة في الداخل والخارج من كل نوع . وطغى حب المظاهر على ما كان سائداً . مثل وتقاليد معمارية كالحرص على القوة والضخامة ومراعاة النسب من والبساطة .
ويمكن أن نلخص ما تميزت به فنون العمارة في العهد المملوكي في النواحي التالية :
۱ - من حيث الهندسة والتخطيط : نلاحظ بأنه لم تشيد في العهد المملوكي ، رغم كثرة المنشآت ، أبنية ضخمة ، واذا استثنينا جامعين أو ثلاثة شيدت وفقا للتخطيط التقليدي المستمد من الجامع الاموي ، كجامعي تنكز ويلبغا في دمشق ، فان أكثر المباني ، من مساجد ومدارس وترب ، تعتبر صغيرة الحجم .
ونلاحظ أيضا بأن الصحن السماوي قد ألغي من بعض المساجد والمدارس أو غطي بسقف في بعضها الآخر .
نجد أمثلة على ذلك في جامع التوريزي والمدرسة الشابكلية والمدرسة الجقمقية في دمشق .
وتصميم المباني بشكل عام يتألف من باب مفتوح ضمن ایوان يليه دهليز يفضي الى صحن صغير ، تحيط به غالبا أواوين ونجد في أحيان نادرة أروقة على أعمدة ، كما هو الحال في الجوامع الكبرى الدمشقية التي مر ذكرها ، وكما هو الحال في البيمارستان الارغوني في حلب . وقد نفتقد الاروقة والاواوين معا في بعض المباني .
كذلك ظهرت أبنية ومساجد سميت بالمعلقة لكونها ترتفع عن مستوى الأرض ويصعد اليها بدرج. وكان الغرض من هذا التصميم، على الغالب احداث دكاكين في القسم السفلي من الواجهات . ومن أمثلة هذه المباني ، جامع المعلق والمدرسة السيبائية وتربة بلبان في دمشق . وجامعا الصروي والسكاكيني في حلب .
واذا أمعنا النظر في أوصاف المنشآت المملوكية نجد التشابه والتماثل كبيراً بين عناصرها المعمارية ولا سيما في مباني المدينة الواحدة بينما نجد الاختلاف أوضح اذا انتقلنا من مدينة لأخرى سيأتي تفصيله بعد قليل .
٢ - من حيث العناصر المعمارية :
تتصف أبواب المباني الهامة بشكل عام بأنها مفتوحة في ايوان مرتفع ، يصل الى نهاية الواجهة وتزيد عنها أحيانا ، ولا سيما في المباني الدمشقية. وهذا الايوان مسقوف بنصف قبة من المقرنصات ، في أعلاها بما يشبه الصدفة . ( الصور : ٦١،٦٠،٤٨ ) .
أما واجهات المباني فقد أصبحت حافلة بالزينة والزخرف أشكالا وألوانا . فهي مشيدة بالحجر الجيد النحت ولكن المداميك أصبحت أقل ارتفاعا عن ذي قبل ، يسود فيها التناوب بين الابيض والاسود ومعهما الاصفر أحيانا . وهذا التلوين قد يشمل الواجهة بكاملها كما الحال في غالب المباني في دمشق ، أو في أجزاء معينة منها ، كما في مباني حلب . وغدت الواجهات أكثر انفتاحا على الشارع بواسطة الشبابيك العديدة في القسم السفلي والطاقات الصغيرة في القسم العلوي . والشبابيك مستطيلة الشكل ، لكنا نراها في أكثر مباني هذا العهد مفتوحة ضمن محراب أو ايوان مرتفع قليل العمق، ينتهي في أعلاه بعقد مقرنص تحف به من الجانبين ، في المباني الحلبية خاصة، سويريات محلاة بالتيجان الصغيرة، منقوشة بأشكال حلزونية وضفائر. نجد مثلا لهذه الشبابيك في واجهات قاعة العرش وفي جامع الاطروش وخان الصابون وغيرها . ( الصور ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٣ ) .
ونلاحظ بأن الطاقات العلوية مستديرة في أغلب مباني دمشق ، مفتوحة ضمن حلية دائرية مؤلفة من مشربيات ملونة بالتناوب (الصورة رقم ٥٠) بينما هي في مباني حلب شاقولية الفتحة تشبه مرامي القلاع ، نرى مثلا لها في قاعة العرش وفي جامعي الاطروش والطواشي ( الصورة رقم ٥٩ ) .
هذا ، وتنتهي الواجهات في أعلاها بطنف مؤلف من سلسلة محاريب صغيرة ، أو من حجارة مقولبة .
تعليق