فن العمارة في العهد السلجوقي
الخصائص العامة
کان ازدهار الفنون المعمارية في مصر خلال القرن الاخير من حكم الدولة الفاطمية ، يقابله ازدهار مماثل في الشام ، تم على أيدي السلاجقة . وقد رأينا بأن السلاجقة حكموا في البدء في خراسان واتخذوا منها مقراً لامبراطوريتهم ، ثم سيطروا على العراق قبل انسياحهم في الشام والاناضول . ولذا فقد أدخلوا معهم الى البلاد فنونا كانت شائعة في الشرق ولا سيما في فارس والعراق .
ومن بين هذه الفنون مبتكرات جديدة في الهندسة والعناصر المعمارية والفنون الزخرفية وأخذت تتفاعل شيئا فشيئا مع الفنون المحلية الموروثة من العهود الاموية والسابقة للاسلام .
ومن الطبيعي أن يحدث السلاجقة وأتابكتهم في الشام تجديداً في الحياة الفنية كما أحدثوا في الحياة الدينية والفكرية (۱) . وظهرت المدرسة كمؤسسة ثقافية ومعمارية جديدة. كما شيدت في عهدهم الخانقاهات كمنازل للصوفية ، والبيمارستانات لتقوم بدور المستشفيات ومدارس الطب . وغير ذلك من الابنية العسكرية كالقلاع وأسوار المدن .
ومن أهم ما يميز عمائر هذا العهد احتواؤها على أواوين ذات عقود حجرية واسعة مفتوحة على باحة البناء في جهاتها الاربع أو في ثلاث من جهاتها مع وجود بركة ماء في وسط الباحة . وأصبحت القباب محمولة على حنايا ركنية في زوايا الغرف أو على مقرنصات . وشاع استعمال الاقباء ذات العقود المهدية ( نصف اسطوانية ) أو المتقاطعة من أجل تسقيف الغرف والقاعات. وكانت أبواب المباني قليلة الارتفاع تنتهي في أعلاها بعقد قوسه من النوع المدبب المتجاوز غالبا ( أي تتجاوز فتحة نصف الدائرة ) .
واستخدمت المقرنصات لأول مرة في المباني كعنصر معماري وزخرفي بآن واحد .
واضافة الى الخط الكوفي المزخرف المستعمل في نقش النصوص على المباني فقد ظهر الخط المعروف بالنسخي أو الثلث لأول مرة . و كان بسيطا خاليا من الزخارف .
وارتقى فن النقش على الخشب والحجر والرخام ، لتمثيل الزخارف النباتية والعروق الملتفة التي توجد منها نماذج رائعة .
وقد بلغت فنون العمارة والزخرفة السلجوقية أوجها في عهد السلطان نور الدين (۱) ( محمود ابن زنكي ) الذي شيدت في عهده العديد من المدارس والمساجد والبيمارستانات في أكثر المدن السورية ، كدمشق وحمص وحماه وحلب والمعرة ، وعني بتحصين المدن وتجديد أسوارها وأبوابها .
وقد تأصلت في عهد نور الدين المبتكرات الفنية التي أدخلها السلاجقة الى سورية وامتزجت مع التقاليد الفنية المحلية في عملية احياء لم تشهدها البلاد منذ عهد الأمويين .
آثار العهد السلجوقي في سورية :
شيدت في العهد السلجوقي وفي أيام نور الدين مبان كثيرة ما يزال عدد منها باقيا ، وهي تشهد على نهضة عمرانية واضحة . نعدد فيما يلي أهمها :
آ ) في دمشق :
١ - قلعة دمشق : شيد السلاجقة في بداية عهدهم قلعة في دمشق، فظلت حصنا ومقرا لحكام دمشق فترة تقارب المئة عام ثم هدمها الملك العادل أبو بكر ليقيم بدلا منها قلعة حديثة هي القلعة التي نشاهدها اليوم (۱) .
۲ - آثار جامع المصلى : عثر في جامع المصلى في دمشق على حاجز خشبي ثمين نقل الى المتحف الوطني ، مؤرخ في عام ٤٩٧ ( ١١٠٣ م ) . وهو غني بالزخارف والكتابات المنقوشة بخط كوفي جميل ( انظر الصورة رقم ٢٠ ) .
٣ - تابوت السيدة سكينة : يوجد في مقبرة الباب الصغير في دمشق ضريح ينسب الى السيدة سكينة بنت الحسين ، مصنوع من الخشب ، ومزخرف بالنقوش والخط الكوفي الجميل ، وهو غير مؤرخ ولكن بدل اسلوب الكتابات والزخارف على انه من العهد السلجوقي ( القرن السادس ) .
٤ - قبر الامير التونتاش : تابوت من الحجر منقوش بالكتابات والزخارف ، صنع في عام ٥١٤ / ۱۱۲۰ ، موجود في مقبرة الباب الصغير بدمشق عند القبر المنسوب الى عبد الملك بن مروان (۱) ..
٥ - نصوص تاريخية في الجامع الاموي بدمشق . منها لوحان ترميم جرت في الحرم سنة ٤٧٥ للهجرة ( ١٠٨٢ م ) نقلا الى المتحف الوطني .
ولوح آخر ما يزال في الرواق الشمالي يؤرخ ترميم الجدار في عام ٥٠٣ للهجرة .
٦ - المدرسة الامينية في دمشق بناها أمين الدولة كمشتكين وتقع جنوبي الجامع الاموي سنة ٥٣٠ للهجرة ولم يبق منها سوى بابها .
۷ - المدرسة النورية : وهي موجودة في سوق الخياطين بناها نور الدين سنة ٥٦٣ / ١١٦٧ وتمت بعد وفاته ، ودفن بها ، في تربة فخمة لها قبة من المقرنصات الرائعة ، والضريح أصيل ونادر تغطي سطحه زخارف جصية جميلة .. والمدرسة بحالة جيدة ، سوى ايوانها الشمالي الذي هدم منذ بضع سنوات بسبب تعريض الطريق ( انظر الصورة رقم ٢٧ )
٨ - البيمارستان النوري : وهو أقدم البيمارستانات في سورية ، بني ليكون مستشفى ومدرسة للطب سنتحدث عنه بالتفصيل بعد قليل ، كنموذج للعمارة في العهد السلجوقي .
٩.- حمام نور الدين : تعتبر الحمام التي بنيت في عهد نور الدين في البزورية أقدم حمامات دمشق وهي ما تزال موجودة بحالة جيدة. وهناك مشروع لاعادة تشغيلها حماما واعادة أجزائها المستعملة مخازن تجارية اليها .
۱۰ - دار الحديث النورية : ومكانها في محلة العصرونية ، قبالة المدرسة العادلية الصغرى ، تحولت الى دار لسكن الطلاب أقسام منها . وأهم ما فيها من الاصل القديم الباب والمحراب .
۱۱ - المدرسة العمرية : ومكانها في الصالحية ، على نهر يزيد جنوبي جامع الحنابلة . سميت العمرية نسبة الى المهاجر المقدسي الشيخ أبو عمر بن قدامة المتوفي سنة ٦٠٧ / ۱۳۱۰ . تجددت بعده وتوسعت في عهود لاحقة. ولم يبق من اصلها القديم سوى القليل ، باب المدرسة الغربي ، ذي القوس المدبب المتجاوز .
١٢ - التربة العمادية : ومحلها في الصالحية شمالي المدرسة الجهاركسية المشهورة .
۱۳ - المدرسة المجاهدية الجوانية : بناها الأمير مجاهد الدين بزان أحد كبار القواد في عهد نور الدين، توفي سنة ٥٥٥/ ١١٦٠ . ومكانها في سوق الحرير قرب دكاكين القلبةجية ، لم يبق منها سوى الباب وعليه كتابة تاريخية بالخط الكوفي تعرف اليوم بجامع الحجازية .
تعليق