فن العمارة الفاطمي وآثاره في سورية
حظيت مصر بعناية الفاطميين وغدت مركزا حضاريا مرموقا ، فشيد الفاطميون مدينة القاهرة لتنافس بغداد ، وتوافد اليها المهندسون والفنانون ، فازدهرت الفنون وبعثت فيها روح . ما يقرب من قرنين شيدت خلالهما القصور والعمائر العديدة ، نذكر من آثارها الباقية أسوار القاهرة وابوابها وجامع الأزهر، ومسجد الحاكم، والجامع الاقمر ، ومسجد الصالح طلائع. هذه المباني التي تعبر في هندستها وزخارفها عن ازدهار ملموس في فنون العمارة والزخرفة ، التي تعتبر امتداداً للفنين الاموي والعباسي وتطويراً لهما . وارتقى في العهد الفاطمي بشكل خاص ، فن النحت ولا سيما نحت الخشب والنقش على الجص وكذلك فن التصوير ، وأصبحت الزخارف غنية بمواضيعها وأسلوب تنفيذها .
أما في الشام فقد خضع القسم الاكبر من بلاد الشام للحكم الفاطمي كما رأينا قرابة قرن . لم يكن له أثر ظاهر من النواحي الحضارية والمعمارية بسبب الفتن والثورات وعدم تقبل أهل الشام للحكم الفاطمي ومرت المئة عام من الحكم الفاطمي عجافا لم تشيد فيها منشآت ذات شأن ولذا فانا لا نجد من نتاج هذا العهد سوى آثار ضئيلة تكاد لا تكفي لاعطاء فكرة عن الفن الفاطمي .
تحدثنا المصادر عن قصر للولاة الفاطميين في دمشق بناه الوالي جهر بن فلاح سنة ٣٥٩ / ٩٦٩ في مكان يدعى الدكة وهو على نهر يزيد : ه ونزل بظاهر سور دمشق فوق نهر يزيد أصحاب جعفر ، فبنوا المساكن وأقاموا بها الاسوار وصارت شبه المدينة ، واتخذ لنفسه قصراً عجبا من الحجارة ، وجعله عظيما شاهقا في الهواء غريب البناء (۱) ) . ولقد تهدم هذا القصر كليا في أواخر العهد الفاطمي حين ثار أهل دمشق على الوالي بدر الجمالي سنة ٤٦٠ / ١٠٦٧ فأحرقوه ونقضوا أخشابه و كان يتسع لألوف من الناس (۱) .
وتخبرنا المصادر كذلك عن بناء كهف جبريل في قاسيون بدمشق سنة ٣٧٠ / ٨٨٣ ، وهو الذي يعرف اليوم بمسجد الكهف . بناه رجل يدعى أبو الفرج محمد بن عبد الله بن المعلم .
وهناك خانقاه للصوفية أنشئت سنة ٤٥٣ / ١٠٦١ ودعيت بخانقاه السميساطية نسبة الى منشئها أبو القاسم السميساطي من أكابر رؤساء دمشق. وقد أقيمت الخانقاه على أنقاض دار عمر بن عبد العزيز الكائنة إلى جوار باب الجامع الاموي الشمالي من جهة الشرق . وبناؤها اليوم مجدد .
وان حماما شيدها العقيقي المتوفي سنة ۳۷۸ / ۹۸۸ ، وتعرف اليوم بحمام الملك الظاهر ، جددت في عهود ! . وهي تلاصق المدرسة الظاهرية التي كانت داراً للعقيقي المذكور .
وعرفنا داراً للقراء تدعى دار القرآن الرشائية شمالي الجامع الاموي، قامت على أنقاضها في العهد المملوكي المدرسة الاخنائية. وقد كانت داراً فأوقفها صاحبها رشاء بن نظيف سنة ( ٣٧٠ - ٥٤٤٤ ) على قراءة القرآن وبذلك تكون أول مدرسة تظهر في سورية كمؤسسة مستقلة عن مدارس المساجد والجوامع .
هذه المنشآت التي عددناها في دمشق لا تفيدنا بشيء في دراسة الفن الفاطمي لأنه لم يبق منها أي أثر .
وتنحصر الاثار الباقية الى اليوم في الاماكن التالية :
۱ - محراب في زاوية الرفاعي الكائنة في الميدان . هو كل ما تبقى من مسجد قديم كان يعرف بمسجد فلوس . ويمتاز هذا المحراب بنقوشه الجصية المؤلفة من عروق الكرمة الملتفة وشريط من الخط الكوفي المزخرف (انظر الصورة رقم ۲۱) .
۲ - نص تذكاري منقوش بالخط الكوفي على الصخرة المشهورة بالمنشار عند الربوة فوق نهر تورا ، تحمل اسم الخليفة المستنصر الفاطمي، مؤرخة في عام ٤٤٤ للهجرة .
٣ - ضريح السيدة فاطمة بنت أحمد السبطي المتوفاة سنة ٤٣٩ / ١٠٤٧ وهو عبارة عن تابوت من الحجر نقشت عليه كتابات بالخط الكوفي المورق، آية الكرسي واسم المتوفاة والتاريخ . وهي من أجمل نماذج الكتابة الكوفية، وتعتبر ترسيخا واضحا لاستخدام الكتابة كعنصر زخرفي .
أما في خارج دمشق فيمكن أن نميز في تحصينات قلعة بصرى بعض الابراج وكذلك يوجد في بصرى مسجد فاطمة كما أن قلعة صلخد الواقعة الى الشرق من بصرى شيدت في هذا العهد . شيدها سنة ٤٦٦ / ۱۰۷۳ الامير حسان بن مسمار الكلبي أيام الخليفة المستنصر . ثم جددها الظاهر بيبرس بعد أن هدمها التتار في عهد هولاكو . ولا نلمح فيها اليوم أية معالم فاطمية .
تعليق