قصر الحير الشرقي
توجد مجموعة عمرانية هامة تتألف من قصر ومدينة صغيرة مسورة وحمام وأسوار لبساتين ومزارع واسعة تقع إلى الشمال الشرقي من تدمر . وتبعد عنها قرابة مئة وعشرة كيلومترات. وقد اختلف العلماء في - تعيين تاريخ انشاء هذه المباني والأسم القديم لهذا الموقع . إلا أننا نرجح أن يكون هذا الموقع هو ( الزيتونة » التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية (١) .
لأنه زعم « سوفاجه (۲) بأن هذا الموقع هو نفسه رصافة هشام . وقد سميت كذلك تمييزاً لها عن الرصافة المعرفة (مدينة سرجيوبوليس )، وجد فيها قصرين، والمصادر تذكر بأن هشاماً بنى في الرصافة قصرين . واعتقد آخرون (۳) بأن الزيتونة قد تكون قصر الحير الشرقي ، أو قصر الحير الغربي ، أو خربة المفجر ، مكان قصر هشام الكائن قرب أريحا .
هذا، وأنا نسوق الأدلة التالية للتأكيد على أن الزيتونة هي الموقع المعروف بقصر الحير الشرقي وليس في الأماكن الأخرى المظنونة . وبأن الرصافة شيء ء ، والزيتونة شيء آخر .
الدليل الأول : إن رصافة هشام هي نفسها الرصافة الحالية الواقعة إلى الشمال من قصر الحير الشرقي وتبعد مسافة / ٢٥ / كيلومتراً إلى الجنوب من نهر الفرات . حيث نجد فيها إلى اليوم آثار مدينة ( سرجيوبوليس ) المسورة التي شيدت في العهد البيزنطي القرن السادس ، وحولها خرائب، عثر في أحدها المنقبون (۱) على قصر أموي يرجحون نسبته إلى الخليفة هشام بن عبد الملك . وهذا يتفق مع الوصف الذي أورده الطبري للرصافة : فنزل هشام الرصافة وهي برية ، ابنى بها قصرين ، والرصافة مدينة رومية بنتها الروم، وهي من أرض قنسرين» (٢) . إذاً لا مجال للشك بأن الرصافة الحالية هي نفسها رصافة هشام وهي اسم قديم ، ولامجال لاطلاقه على موقع الحير الشرقي .
الدليل الثاني : عثرنا على أخبار تذكر الرصافة والزيتونة بآن معاً مما يدل على أنهما موقعان مختلفان ، الخبر الأول ننقله عن البلاذري الذي يقول : «ان هشاماً أحدث الرصافة وكان ينزل قبلها الزيتونة» (۳) الخبر الثاني يتعلق بوليمة أقامها هارون الرشيد في مدينة الرقة سنة ١٩٠ .
للهجرة ودعى اليها بني أمية من منازلهم في بالس ( مسكنة القديمة ) ، والرصافة ، والزيتونة (۱)
عند غزوة القرامطة للشام في عام ۲۹۰ ه ورد الخبر التالي عن الزيتونة : وصار القرمطي صاحب الخال إلى السخنة والأركة والزيتونة وخناصرة من الاحص من أعمال حلب» (۲) .
وهذه الأماكن معروفة اليوم بأسمائها باستثناء الزيتونة ، فالسخنة والأرك ( الاسم الحديث للاركة ) واقعتان بين تدمر وقصر الحير الشرقي . أما خناصرة فهي بلدة خناصر الواقعة جنوبي شرقي حلب ، بينها وبين الرصافة .
وبذلك تكون الزيتونة في مكان قريب من الأرك والسخنة ، وليس هناك حالياً سوى بلدة الطيبة وقصر الحير الشرقي ، وهذا الأخير هو المرجح بأن يكون موقعا للزيتونة ، لوجود المنشآت الأموية الهامة فيه .
أما تاریخ هذه المنشآت ، فليس هناك نص يؤرخها لنا بوضوح وكل ما هنالك أن البلاذري كما رأينا ذكر بأن هشاماً كان يقيم في الزيتونة قبل توليه الخلافة وبعد خلافته أحدث الرصافة .
ويؤكد الطبري ذلك بقوله : إن الخلافة أتت هشاماً . وهو بالزيتونة به منزله في دوبرة له هناك، قال محمد بن عمر وقد رأيتها صغيرة .
فاذا كان القصر الصغير الموجود اليوم هو الذي عناه الطبري ، فان تاريخ بنائه إلى ماقبل خلافة هشام . أما القصر الكبير ، فهناك نص منقوش على احدى حجارة المسجد (۱) الموجود داخل أسواره تشير إلى بناء مدينة في أيام هشام بن عبد الملك سنة / ١١٠ / للهجرة وهذا نصه :
(١)بسم الله الرحمن الرحيم (۲) لا إله الا الله وحده لاشريك له (۳) محمد رسول الله أمر بصنعة (٤) هذه المدينة عبد الله هشام (٥) أمير المؤمنين وكان هذا مما (٦) عمل أهل حمض على يدي سليمن بن عبيد سنة بسم عشر ومئة .
ويعتبر هذا النص قرينة قوية لتأريخ القصرين معاً أو القصر والمدينة ونسبتهما إلى هشام بن عبد الملك .
ولكن علماء الآثار المذين درسوا هذا الموقع يرون آراء مغايرة . فقد جعل « البير كابرييل » (۲) القصر الصغير من مباني القرن السادس الميلادي أي من العهد البيزنطي . بينما نسبه « غرابار (۳) إلى مطلع القرن الثامن أي إلى العهد الأموي . فقد لاحظ العالم المذكور نتيجة لأعمال التنقيب التي قام بها في السنوات الأخيرة ، بأن الموقع ظل مأهولاً بعد الأمويين إلى أن تهدم كلياً وهجر أثر غزوات المغول . كما لاحظ ترميمات أجريت على المباني ترجع إلى عهود عديدة .
تعليق