الابيض منقوش بزخارف ورسوم هندسية تتنوع في كل نافذة، فهي من أكثر عناصر الجامع أصالة وروعة من الناحية الفنية .
د - المآذن : كان للمعبد ، كما قلنا ، أربعة أبراج لم يبق منها حين تشييد جامع الوليد سوى البرجين الجنوبيين فاتخذا مئذنتين ، ثم شيدت مئذنة ثالثة الى جانب الباب الشمالي على هيئة برج مربع (۱) . وهي التي عرفت فيما بعد بمئذنة العروس . ما يزال القسم السفلي من المئذنة المذكورة أصيلا ، ويعلوه قسم جدد في العهد الايوبي بعد حريق عام ٥٧٠ للهجرة ( ١١٧٤ ( نميز فيه نوافذ مزدوجة ضمن قنطرة في كل وجه من وجوه المئذنة أما القسم العلوي فقد جدد في بداية هذا القرن .
وشيدت المئذنة الشرقية فوق برج المعبد ودعيت مئذنة عيسى . احترقت وتهدمت أكثر من مرة ، كان آخرها في زلزال عام ١٧٥٩ . ويرجع بناء قسمها السفلي الى العهد المملوكي وقسمها العلوي الى العهد العثماني ، جدد بعيد الزلزال المذكور . وقد رمم ثانية دون أي تعديل في عصرنا الحديث .
أما المئذنة الغربية فهي أجمل المآذن ، شيدت ايضاً فوق برج المعبد . تشير الكتابات المنقوشة عليها الى تجديدها في ايام السلطان قايتباي سنة ٨٩٣ / ١٤٨٨ في إثر حريق ألم بها ، وكانت قد رحمت قبل ذلك كما ذكرت المصادر بعد غزوة تيمورلنك التي حدثت سنة ١٤٠١ للميلاد ( الصورة رقم ٥٢ ) .
ه - المشاهد : نلحظ في مخطط الجامع أربع قاعات كبيرة مستطيلة شبه متساوية الابعاد موزعة على جانبي البابين الشرقي والغربي ، عرفت قديما بالمشاهد ، ونسب كل منها الى واحد من الخلفاء الراشدين الاربعة يدعى المشهد الجنوبي الشرقي مشهد أبي بكر ، والجنوبي عمر والشمالي الغربي مشهد عثمان والشمالي الشرقي مشهد علي ثم دعي مشهد الحسين. وتغيرت خلال العهود التاريخية أسماء هذه المشاهد واستخدمت في أغراض شتى ، للتدريس ، والصلاة ، والاجتماعات ، والخزائن الكتب ، والمستودعات .
و - العناصر الزخرفية :
الزخارف الاموية التي كانت تزين الجامع تتألف من عنصرين رئيسيين هما الفسيفساء والرخام. وكانت الفسيفساء في الاصل تغطي الاقسام العليا للجدران ، في الداخل والخارج ، في الحرم والاروقة ، وكذلك القناطر وباطن العقود. وهي تلي مباشرة الكسوة الرخامية التي تغطي أسفل الجدران بارتفاع يقارب أربعة أمتار عن سطح الارض .
وكان هذا الرخام من النوع « المجزع ولعلهم قصدوا بذلك ، أنه مركب بحيث يشبه الخطوط الموجودة في شرائح جذوع الشجر كانت تقطع الرخامة ذات العروق الى أربعة شرائح ثم ترصف الى بعضها مؤلفة شكلا زخرفيا . لقد زال هذا الرخام بسبب الزلازل والحرائق العديدة. وتدل على مكانه الثقوب التي نشاهدها في حجارة الجدران كان المرخمون يحدثونها لتمسك قطع الرخام الثقيلة .
ويحتفظ دهليز باب جيرون ، لحسن الحظ ، بنموذج للرخام المجزع الاصيل ( الصورة رقم ۱۳ مكرر) . ورخام الأموي المجزع له اما يشبهه أيضاً في رخام قبة الصخرة وفي كنيسة ايا صوفيا في استامبول .
و كان يتخلل الرخام المجزع في الجامع الأموي قطع من الرخام عليها زخارف منقوشة بمواضيع نباتية أو هندسية ، توجد قطع منها أصيلة في دهليز باب جيرون، كما عثر على قطع أخرى خلال الحفريات وحفظت في متحف دمشق الوطني .
تحدثت الروايات التاريخية عن « كرمة عظيمة من الذهب كانت تحيط بجدران الحرم تحت الفسيفساء مباشرة ( نعتقد بأن المقصود بهذه الكرمة الشهيرة شريط من الرخام المنقوش برسوم تمثل عروق نباتية مؤلفة أوراق العنب ، وهي زخارف شائعة في العمارة الكلاسيكية ( الرومانية والبيزنطية ) ، وكان الشريط الرخامي المذكور مطليا بماء الذهب أو أوراق الذهب .
أما ما تبقى من الرخام في أماكن أخرى من الصحن والعضائد ، فهي من عهود لاحقة أو حديثة الصنع . وقد حلت ألواح القيشاني الأزرق في العهد العثماني محل الترخيم المفقود . نشاهد قطعاً منه ثمينة في الصحن وفي دهليز باب البريد .
أما الترخيم المشاهد في جدران الحرم وفي المحراب والمنبر فهوا حديث العهد ، يرجع الى ما بعد الحريق الاخير . وقد أتقنت صناعة المحراب فجاء تحفة حديثة من تحف الفن الاسلامي في أيامه الاخيرة . أما الفسيفساء فقد زال أكثرها أيضا ، ولكن ما بقي منها يعتبر ثروة فنية لا تقدر بثمن. ونشاهدها في جدار رواق الصحن الغربي، وفي دهليز باب البريد ، وعلى واجهة المجاز ، ( الصورتان ۱۲ و ۱۳ ) .
وتغلب في الفسيفساء الاموية الفصوص المصنوعة من الزجاج الملون ، والفصوص المفضضة والمذهبة ، وقد صنعت هذه الاخيرة بوضع ورق الذهب أو طلاء الفضة على صفحة الفصوص الزجاجية ثم غطيت بطبقة رقيقة من الزجاج الشفاف لحفظ الذهب والفضة . ويلاحظ بأن هذه الفصوص بشكل خاص ، كانت ترصف مائلة نحو الارض كي تنعكس ألوانها على عيني المشاهد لها ، فيظهر بريقها (۱) .
ويتخلل الفصوص الزجاجية قليل من فصوص الحجر والرخام. وتستخدم قطع الصدف عند الحاجة ، ولا سيما عند الاشارة الى المصابيح المدلاة بواسطة السلاسل المثبتة في باطن عقود المباني .
ان حجم الفصوص يقارب مكعباً طول ضلعه سنتمتر واحد .
وتتميز الفسيفساء الأموية أيضا بأن مواضيعها خالية من فهي قاصرة على مشاهد الطبيعة والعمائر والزخارف النباتية والهندسية . ويعتقد بأن لوحة الرواق الغربي تمثل نهر بردى وعلى ضفافه القصور والدارات والجسور ، التي تمثل قرى جميلة تتخللها الاشجار المختلفة الانواع ، بينها المثمرة وغير المثمرة يحيط بهذه المشاهد إطار من الزخارف الهندسية . ويرى البعض في هذه الفسيفساء تجسيداً لمشاهد الجنة ، كما صورها القرآن الكريم . لكننا لا نرى فيها سوى ما رآه الاقدمون من الشعراء والجغرافيين والرحالة : ( صور وقصور وأشجار ومدائن ، خص المحراب منها بصورة تمثل مكة والكعبة المشرفة ) .
ويشاهد بين الفسيفساء الباقية الى اليوم قطع يرجع تاريخ صنعها الى ترميمات جرت في العهود السلجوقية والايوبية والمملوكية ، يمكن تمييزها من طريقة الصنع ومن العناصر المعمارية المتمثلة فيها .
هناك قطعة تحمل اسم الملك العادل نور الدين محمود من القرن الثاني عشر الميلادي، في جدار الرواق الشرقي ، وأخرى تحمل اسم الظاهر بيبرس في دهليز باب البريد .
وكان يتخلل الفسيفساء الاموية كتابات وآيات قرآنية ولا سيما في الحرم تحدث عنها المؤرخون القدماء ، أمثال المسعودي(۱) الذي شاهد في أيامة ( سنة ٣٣٢ / ٩٤٣ ) النص التاريخي لبناء الجامع مكتوباً بالفسيفساء ، وكانت فصوص النص مذهبة على أرضية من الفصوص الزرقاء ، وهذا تفسير لعبارته : أمر الوليد أن يكتب بالذهب على اللازود ، وكذلك أشار المهلبي (۲) إلى سور من القرآن مكتوبة بالفسيفساء. نشاهد مثل هذه الكتابة اليوم في فسيفساء قبة الصخرة الأموية . فهي أشبه شيء ، كما نعتقد بالكتابات المنفذة في فسيفساء جامع دمشق ، أيام الوليد .
وعدا عن هذين العنصرين ، الفسيفساء والرخام ، وكذلك النوافذ الرخامية ، والنوافذ الجصية المزينة بالزجاج المعشق ، فان الزينة والزخرفة كانت تغطي كل زاوية وكل عنصر من عناصر الجامع المعمارية . وقد أبوابه مصفحة بالنحاس المذهب . هكذا كانت في عهد المقدسي في القرن الرابع الهجري. ولكن طرأ عليها التجديد والترميم .
والموجود منها الآن يرجع إلى العهد المملوكي وهي مصفحة بالنحاس المضغوط تزينه الرسوم والكتابات والرنوك . وكان التذهيب كعنصر من عناصر الزينة ملحوظاً في أماكن أخرى ، ذكر الاصطخري بأن تيجان الأعمدة كانت من الذهب : ( ومعاقد رؤوس أساطنية ذهب ) . ويقصد بذلك أنها مطلية بالذهب ولما وصف السقف قال وسقفه خشب مذهب ، ودور السقف كله ذهب مكتب . وقال اليعقوبي (۱) وسقفه لاخشب فيه ، مذهب كله » . أراد بذلك أن الخشب محجوب بالزخارف المذهبة . ووصف العمري ، وهو من القرن الثامن الهجري ، السقف بقوله : مسقوف بالبطائن المعمولة بالذهب واللازود والزنجفر والاسفيداج والاصباغ الخالصة من لون والمركبة من لونين » أراد بذلك أن الخشب محجوب بالزخارف المذهبة . ووصف العمري ، وهو من القرن الثامن الهجري ، السقف بقوله : « مسقوف بالبطائن المعمولة بالذهب واللازود والزنجفر والاسفيداج والاصباغ الخالصة من لون والمركبة من لونين .
هذا الوصف ينطبق على السقوف المزخرفة من النوع المعروف بالعجمي الذي يشاهد في قاعات البيوت الشامية وفي السقوف الحالية المجاورة لقبة النسر .
تعليق