اليوم الوطني السعودي ..
المسرح الضوء الأكثر سطوعا ..
بقلم : يوسف الحمدان
في ظل الانفتاح الثقافي السعودي النوعي الهائل بمختلف مساراته وروافده الجمالية والنظرية والفنية والأدائية والفلسفية والعلمية والإنسانية والأدبية والمعرفية، والذي نشهده في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود، يصبح من الضرورة تدشين المسرح الوطني السعودي بوصفه أحد أهم وأرقى الفنون التي تتقاطع مع مختلف ركائز وآفاق هذا الانفتاح الثقافي، والتي انطلقت في وقت مبكر من عمر التشكل الثقافي في المملكة العربية السعودية إبان العشرينيات من القرن الماضي، وما تدشين هذا المسرح اليوم إلا تتويجًا لجهود مسرحية سخرت كل ممكناتها وطاقاتها وعمرها من خلال الأندية والمدارس والجامعات وجمعيات الفنون والثقافة، من أجل أن يأتي هذا اليوم، يوم التدشين، ليسجل اعترافه الرسمي بهذا الفن العريق والمؤثر، ويسهم في إطلاق أجنحة إبداعاته إلى أقصى مدى في سماء هذا الكون، وهنا لا بد وأن نثمن ما جاء في كلمة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة السعودي ليلة الافتتاح بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض في الثامن والعشرين من يناير 2020 حين أثنى على كل من ساهم في تاريخ الحركة المسرحية السعودية منذ بداياتها والذين لم يستسلموا للانكسارات وواصلوا الإبداع إيمانا منهم بسمو الرسالة، ذاهبا بطموحاته الخلاقة إلى فتح آفاق الابتعاث في مختلف مجالات المسرح للموهوبين السعوديين، كالدراما والتمثيل والإخراج والباليه والسيرك ومختلف الفنون الأدائية، مؤكدا رهانه على جني هذا الحصاد المنتج، في بواكير بزوغ فجر رؤية المملكة في العام 2030، حيث يصبح المسرح الذي تلقى هذا الدعم اللامحدود من قيادته الثقافية في المملكة قائدا للإبداع في الفنون الأدائية ورائدًا في إنتاج عروض سعودية ذات جودة عالية.
ويهمني هنا في هذه السانحة أن أؤكد على الجهود الثقافية والمسرحية الكبيرة التي يبذلها الفنان القدير عبدالعزيز السماعيل رئيس المسرح الوطني الذي تولى الاشراف على رسم استراتيجية المسرح الوطني السعودي بالتشاور مع أهل التجربة والخبرة في هذا الشأن مع فنانين سعوديين ومثقفين قطعوا شوطا كبيرا في مضمار الثقافة والمسرح، والتي تروم الارتقاء بفنون الأداء والمسرح السعودي إلى مستويات عالية وإبرازها محليًا ودوليًا وتنمية الحراك الثقافي عبر تقديم العروض والتدريب والتطوير والأبحاث والنشر والمشاركات الدولية، وصلا ببرنامج جودة الحياة ضمن رؤية المملكة 2030.
ومن أهم مسارات هذه الخطة، مسار إنتاج العروض المسرحية، ومسار إنتاج العروض بالتعاون مع الفرق والجمعيات والمؤسسات المحلية، ومسار مسرح الطفل، ومسار الدراما في التعليم، ومسار التدريب والتطوير، ومسار تنظيم المهرجانات والمشاركات في المناسبات الدولية والإقليمية، والمسار الثقافي، وهي مسارات بحاجة إلى تفاصيل أكثر لهذه العناوين الرئيسة لها،
ولنا أن نسترشد في هذه المسارات بعلامات مسرحية سعودية فاعلة ومؤثرة في مسرحنا الخليجي والعربي، من بينهم فرقة الطائف المسرحية المختبرية التي ستسهم بلا شك في تنظيم ورش مسرحية في مختلف مجالات فنون المسرح وسيكون لها بلا شك أثر ملموس وطيب على المشاركين فيها، كذلك ينبغي الاسترشاد بإصدارات ورؤى الناقد الباحث السعودي العربي الدكتور سامي الجمعان الذي قرأ المسرح السعودي منذ بداياته وحتى يومنا هذا، وله في مجالات رسم الخطط خبرة ينبغي الوقوف عليها باهتمام شديد، والفنان الشاعر المبدع صالح زمانان الذي رسم بلغته الشاعرية المبدعة أفقا جديدا في المسرح الشعري بالمملكة ، إضافة إلى أهل الخبرة في المسرح من أقران الفنان عبدالعزيز السماعيل ومن سبقوه من الفنانين، ولا بد هنا أن أشير إلى الدور الريادي والإداري الذي لعبه الفنان أحمد الهذيل من أجل وضع المسرح السعودي في مكانة مشرفة ومنافسة في المهرجانات الخليجية والعربية، بجانب الالتفات إلى الفنان القدير راشد الشمراني الذي قاد المملكة إلى المهرجانات العربية والخليجية، مخرجًا وممثلاً، وزملاء كثر لعلي أذكر منهم نوح الجمعان وسلطان النوه وعلي الغوينم ومبارك العوض أنعم الله عليه بالصحة والعافية وطول العمر والمسرحي والسينمائي والشاعر أحمد الملا والفنانة القديرة مريم الغامدي والفنان ناصر القصبي والفنان يوسف الجراح والفنان عبدالباقي بخيت والفنان ابراهيم الحساوي والفنان سمير الناصر وخبرة المسرحيين الكبار الفنان المخرج إبراهيم الحمدان وآخرون أرجو أن يعذروني إن لم أتذكرهم في هذه السانحة، ولهم مني كل التقدير والاحترام.
وتتوج هذه المنجزات المسرحية الإبداعية بتكريم ولي العهد السعودي ضمن مبادرة " الجوائز الثقافية الوطنية " نخبة من المبدعين السعوديين ويتصدرهم الصديق الناقد الباحث المبدع الأستاذ الدكتور سامي الجمعان الذي حظي بجائزة المسرح والفنون الأدائية، وهي فوز ثمين له قيمته الاعتبارية لكونه الأغلى على مستوى المملكة ، وهو حسب الجمعان تتويج لرحلة عطاء امتدت لسنوات في مجال المسرح .
وتتجلى عطاءات المسرح السعودي أيضا في إصدار الكاتب السعودي المبدع فهد رده الحارثي وهو أحد أهم مدشني مختبر المسرح في الطائف ، إصداره أعماله المسرحية الكاملة وذلك ضمن مشروع طباعة الأعمال الكاملة للرواد من الأدباء والكتاب السعوديين، تقديرا لدوره الريادي في الحركة المسرحية في المملكة ، ليثري بذلك المنجز المكتبة المسرحية السعودية والخليجية ، وهذا الإصدار يعد نموذجا مشرفا للحركة الثقافية في السعودية ، خاصة وأن نصوصه قدمت على مسارح عربية عبر الفرق المحلية والعربية، بجانب مشاركاته في لجان تحكيم وورش وندوات محلية وخارجية، حيث حازت نصوصه على اهتمام الباحثين الذين تناولوا تجربته المسرحية من خلال كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في عدد من الجامعات العربية.
والمسرح السعودي يتجاوز حدود الخارطة المحلية ، حيث الناقد المؤلف الجمعان يتم التصدي لعروضه في بلدان عربية أخرى ومن بينها تونس ، وحيث الجمعان نفسه يدشن مؤسسة مسرحية عربية تستقطب النصوص والخبرات والتجارب المسرحية العربية المميزة ، وحيث الجمعان يتبوأ في أكثر من سانحة رئاسة لجان تحكيم عدة في البلدان العربية ، وحيث يطلق أجنحة إصداراته النقدية والبحثية في فضاءات خليجية وعربية عدة ، لتصبح مراجع مهمة لا غنى للدارسين والمبدعين عن الرجوع إليها للتعرف على المسرح السعودي ، تاريخا ومسارا وإبداعا .
وفي حيز الخارطة الأوسع كرم مسرح “بلا انتاج “ الدولي في دورته الحادية عشر لهذا العام سندباد المسرح السعودي كما جرى تلقيبه لدى المسرحيين الفنان إبراهيم العسيري المنسق العام للدول العربية في الهيئة الدولية للمسرح ومدير مكتبها بالسعودية ، وذلك لما قدمه من جهود كبيرة في دعم الحركة المسرحية سوا في السعودية او العربية او الدولية .
ووزارة الثقافة والإعلام السعودية توازي هذه القامات المسرحية المبدعة الشابة بقامات كان لها أثر كبير في مد الحراك المسرحي السعودي بزيت الإبداع ، وذلك بتكريم رسمي حكومي عالي المستوى لعدد كبير من المسرحيين والفنانين السعوديين، كتاباً ومخرجين ومؤلفين وممثلين ، أربعة منهم راحلين أسسوا لمسرح سعودي قوي طيلة العقود الماضية، وفي مقدمتهم عميد الدراما السعودية الراحل محمد العلي الذي قضى إثر نوبة قلبية مفاجئة عام 2001، و الفنان الراحل الدكتور بكر الشدّي، الذي أحدث رحيله فراغاً كبيراً في المسرح السعودي والساحة الفنية العربية عموماً، إذ كان من الرواد والمتخصصين أكاديمياً ومهنياً، وعبد الرحمن المريخي، وأحمد عيد ابو ربعية، إذ عملا منذ الثمانينيات الميلادية على تحريك المسرح السعودي وبث روح الحياة فيه من خلال الكتابة والتأليف والإخراج، كما شمل التكريم نقاداً وكتاباً ومؤلفين موسيقيين ومسرحيين ساهموا في نهضة المسرح، وفي مقدمتهم محمد العثيم وهو أحد أركان التأليف المسرحي السعودي، ولممثل السعودي علي ابراهيم وهو أحد الشخصيات الموجودة بقوة على التلفزيون والمسرح والإذاعة منذ أكثر من ربع قرن وهو، إضافة إلى عمله الفني، يعد أحد أبرز الفنانين التشكيليين في السعودية.
والمسرح السعودي لا يمكن أن ينسى رواده ويحفظ لهم مقعدا في قلبه وقاعات مسارحه ، ومن بين هؤلاء الرواد الفنان الكبير إبراهيم القاضي الذي قدم للمسرح السعودي تجارب مغايرة استمدت روحها من المسرح الهندي ، لذا استحق وهو في أيامه الأخيرة تكريما سعوديا من وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، تقديراً لنشاطه الثقافي في المسرح الهندي، وتم تأسيس "كرسي إبراهيم القاضي"، لتعزيز المشهد الثقافي السعودي محلياً ودولياً.
ولا يمكن أن نتجاوز الدور المسرحي التثقيفي المهم الذي لعبه الفنان الممثل المخرج سامي الزهراني الذي واكب هذا الانفتاح الثقافي الهائل في المملكة العربية السعودية وذلك بتدشينه موقع " المسرح ثقافة " والذي يعتبر اليوم من أهم المواقع المسرحية الثقافية الإلكترونية في الوطن العربي ، والذي يحظى باهتمام المسرحيين العرب ن حيث يجدون من خلاله متسعا واسعا وهائلا لحوارات وقراءات ورؤى جديدة وجريئة .
كما يهمنا أن نقف على التجارب الإبداعية الشابة في التأليف ، ومن بين أهم هذه التجارب الكاتب ياسر المدخلي والكاتب ابراهيم الحارثي اللذين تمكنا من أن يمثلا وجودا جديدا لكتابة إبداعية مختلفة ، كما لا ننسى الدور المسرحي التربوي والثقافي الذي يلعبه الكاتب نايف البقمي من خلال تنشيط الروح المسرحية في مدارس وزارة التربية والتعليم السعودية ومن خلال جمعيات الفنون ومن خلال كتاباته الثقافية المعنية بالمسرح في صحيفة الوطن السعودي .
المسرح السعودي هو الفن الأكثر سطوعا وألقا في كل أيام الحبيبة السعودية الوطنية ..