القرحة المعدية والعفجية
تقع المعدة في المنطقة المسماة بالمراق الأيسر، وهي الزاوية اليسرى العليا من البطن تحت القفص الصدري مباشرة. وتقوم المعدة بوظيفتين أساسيتين: مزج الطعام وتقسيمه إلى أجزاء صغيرة، وإفراز العصارات الهاضمة التي تبدأ بالتدفق حتى من منظر الطعام أو رائحته، إذ يفرز الدماغ مادة الأستيل كولين [ر] التي تحرض المعدة على إفراز نحو نصف غالون إلى ثلاثة أرباع الغالون من عصارات المعدة يومياً. ويعد حمض كلور الماء المركز من أهم مكونات هذه العصارة. وبإمكان هذا الحمض المركز أن يذيب المعدة نفسها لولا المخاط القلوي اللزج mucus الذي يغطي ويحمي جدارها من الداخل. ويساعد حمض دهني يسمى البروستاغلاندين [ر] على ترميم وبناء هذه الطبقة وحمايتها من الجروح الكيميائية والفيزيائية.
القرحة
مصطلح طبي يعني الجرح المفتوح، أي تآكل جزء من الأنسجة وتسمى حسب موقعها. فإذا وقعت في الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي سميت بالقرحة الهضمية. وتكون عادة دائرية الشكل وبيضاء اللون يرافقها بعض الاحمرار (احتقان) على حوافها. وتقسم القرحة الهضمية إلى قسمين: القرحة العفجية duodenal ulcer (DU) والقرحة المعدية gastric ulcer (GU). والقرحتان متشابهتان من بعض الوجوه.
القرحة العفجية
تتوضع عادة في البصلة وهي المنطقة الأولى من العفج. غالباً تكون وحيدة، ولكن قد تكون ثنائية بشكل قرحتين متقابلتين kissing ulcers أو متعددة. وتكون سطحية في الطبقة المخاطية من جدار العفج، أو عميقة في الحالات الأشد تخترق الطبقة العضلية والجدار مؤدية إلى نزف ومن ثم انثقاب كامل في الجدار. وتدل معظم الدراسات أن نسبة إصابة الرجال أكثر من النساء.
الأسباب: تحدث القرحة بعوامل عدة أهمها:
ـ جرثومة الملوية البوابية Helicobacter pylori (HP): وقد أصبح معروفاً أن هذه الجرثومة تسبب من 50 إلى 90% من قرحات العفج، حسب البلدان، إذ تزداد نسبة الإصابة بها في البلدان النامية. تعيش الملوية البوابية عادة بشكل كامن ضمن طبقة المخاط القلوي الذي يغطي أنسجة بطانة المعدة ويحميها، إلا أنها تأكل أحياناً الأنسجة الهضمية مسببة قرحة، وخاصة عند الأشخاص الذين أتلفوا مسبقاً بطانة المعدة ببعض المواد كدخان التبغ والكحول مما يسهل على الجرثوم اكتساح الأنسجة التالفة. وتشير الإحصائيات إلى أن شخصاً واحداً من بين كل 6 أشخاص مخموجين بهذه الجرثومة يصابون لاحقاً بالقرحة. ويزداد احتمال إيواء الجسد لها مع التقدم بالعمر بمعدل 1% كل سنة. وتدل الإحصائيات أن 20% من الأمريكيين يلتقطون العدوى في العشرينيات من عمرهم و60% يصابون بها في الستينيات. أما في سورية فإن نسبة إصابة الأصحاء بهذه الجرثومة تقدر بنحو 56.6%. وفي الإمارات بقرابة 88.7%. وعلى الرغم من عدم وضوح كيفية الانتشار لكن يبدو أن الانتقال يتم من شخص إلى آخر بالاحتكاك المباشر أو بالماء الملوث، وخاصة مع وجود عادات غذائية وصحية سيئة. وأهم عوامل الخطر: انخفاض مستوى الحياة الاجتماعي والاقتصادي، والعيش ضمن تجمعات مزدحمة، ووجود طفل في المنزل، والتعرض لقيء شخص مصاب.
ـ استخدام مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية non-steroidal anti-inflammatory: وأهمها الأسبرين، والإيبوبروفين، والنابروكسين، والفولتارين وغيرها، والتي تعاكس عمل البروستاغلاندين الذي من دون حمايته تتآكل بطانة المعدة بفعل حمض المعدة المركز الموجود في عصارة المعدة، مما يؤدي إلى ظهور القرحات والسحجات والنزوف. وقد وجد أن نحو 20% ممن يتعاطون أدوية مضادات التهاب غير ستيروئيدية بانتظام يصابون لاحقاً بالقرحة.
ـ التدخين: يزيد النيكوتين الموجود بالتبغ من كمية حمض المعدة ونسبة تركيزه؛ مما يزيد احتمال حدوث القرحة ويُؤخر شفاءها.
ـ الكحول: قد يعرض الكحول بطانة المعدة للتآكل؛ مما يسبب إتعابها ونزفها.
ـ وقد لوحظت زيادة بسيطة في نسب حدوث القرحة عند أصحاب زمرة الدم فئة O.
الأعراض: الشكوى الرئيسة للقرحة العفجية عادة هو الألم الذي ينجم عن تأثير حموضة المعدة العالية على القرحة. ويتوضع عادة بمنطقة الشرسوف epigastric (أعلى ومنتصف البطن)، وقد يكون الألم في أعلى الظهر في المنطقة المقابلة للشرسوف. ويكون بشكل ناخز أو عاصر، وقد يوقظ المريض من نومه لشدته خاصة في الصباح الباكر؛ لأن المعدة تكون فارغة من الطعام ويكون تركيز الحمض فيها عالياً. ومن صفات الألم المميزة أنه يخف بعد الطعام ويزداد على الجوع وبعد تناول حمض من الحموض والبهارات أو الكحول والدخان. ومن صفات ألم القرحة أنه يحدث موسمياً بمعدل مرتين سنوياً، ويكون ذلك غالباً في الخريف والربيع. وقد يتظاهر الألم بشكل عسرة هضم dyspepsia أو غثيان.
أعراض المضاعفات: قد يحدث نزف من القرحة العميقة في الحالات المتطورة، ويتظاهر بشكل براز (تغوط) أسود بلون الزفت. وفي الحالات الشديدة بشكل إقياءات غامقة اللون مثل طحل القهوة. وقد تتطور إلى انسداد في البواب (مخرج المعدة) في بعض الحالات الشديدة، مؤدية إلى انحباس الطعام في المعدة وإقياءات غزيرة. وأخيراً قد تتظاهر بالانثقاب خاصة بعد تناول أدوية آلام المفاصل فتسبب حالة بطن حادة تحتاج عادة إلى جراحة إسعافية.
التشخيص: كان التصوير بالباريوم (وهو مادة سائلة بيضاء معدنية يتناولها المريض عن طريق الفم ويظهر انعكاسها بالتصوير بأشعة إكس Xـrays) هو الإجراء المتبع في تشخيص القرحة، إذ يعكس وجود ما يسمى العش القرحي، وهو تجمع للباريوم في حفرة القرحة بشكل دائرة. ولكن في أوائل السبعينيات بدأ استخدام التشخيص بالمنظار الضوئي وهو أنبوب رفيع مرن مؤلف من أكثر من 40ألف ليف زجاجي كلها فائقة النقاوة مع كاميرا في رأس الأنبوب. يدخل المنظار من الفم على الريق بعد صيام عن الطعام يدوم نحو 8ساعات وتتم دراسة المري والمعدة والعفج. وميزة هذه الطريقة، إضافة إلى أنها تجرى بالتخدير الموضعي، أنها تمكن من الرؤية المباشرة للقرحة وأخذ خزعات منها لنفي السرطان ومعالجة بعض مضاعفاتها من خلال المنظار كالنزف والانسداد. وقد بات ممكناً توثيق النتائج documents بالأجهزة المتطورة (منظار فيديو) على شريط فيديو أو أخذ صورة مباشرة. وثمة اختبارات أخرى تستخدم في تحديد وجود جرثومة الملوية البوابية وهي: الفحص بالمجهر لخزعة من المعدة تؤخذ في أثناء التنظير ورؤية الجرثومة مباشرة، أو فحص هذه الخزعة على وسط جيلاتيني مكون من مادة اليوريا، ففي حال وجود الجرثومة تحلل هذه المادة وتغير لونها وتسمى هذه الطريقة اختبار اليورياurea test. تقدر حساسية sensitivity هذا الفحص بنحو 90%، ويعطي جواباً سريعاً في نصف ساعة. وهناك اختبار النَفَس breath test الذي تقدر حساسيته أيضاً بنحو 90%، وهو يكشف عن وجود الجرثومة بالنفخ في كيس مغلق بعد تناول سائل من دون طعم يحوي على كربون مشع يشكل جزءاً من مادة اليوريا التي تتحلل في حال وجود الجرثوم في المعدة وتخرج ذرة الكربون بشكل ثاني أكسيد الكربون في عينة النفس. وميزة هذا التحليل أنه يجرى من دون حاجة للتنظير ويفيد عادة في المتابعة بعد المعالجة للتأكد من القضاء على الجرثوم. وأخيراً تحليل الدم لكشف أضداد الجرثوم والذي لايميز عادة بين الإصابة السابقة والحالية مما يفقده فعاليته.
العلاج: تعتمد استراتيجية العلاج على القضاء على الملوية البوابية أولاً، وتخفيض تركيز حموضة المعدة ثانياً مما يساعد على تخفيف الألم ويسرع في شفاء القرحة، وأخيراً على علاج المضاعفات. وقد بات القضاء على الجرثومة سهلاً باستخدام طرائق خاصة لاستعمال الصادات تؤمن القضاء على الجرثومة خلال 10أيام بنسبة قد تصل إلى 93%، وأهم هذه الصادات هو الجمع بين الأموكساسيللين والكلاريثرومايسين مدة عشرة أيام.
وأما تخفيض الحموضة فقد تطور على مراحل عديدة فقد استخدمت بالسابق المعلقات القلوية مثل المالوكس الذي يساعد على تخفيف الألم سريعاً بتعديله حموضة المعدة مباشرة، إلا أن مفعول هذه المركبات قصير المدة لذلك انحصر استخدامها في الحالات التي يُطلب فيها تخفيف الألم المزعج سريعاً. وبعدها استخدمت مضادات مستقبلات الهيستامين التي تحصر إفراز الحمض في المعدة مثل السيميتيدين (تاغاميت) والرانيتيدين (زانتاك) والفاموتيدين والنيزاتيدين. والأفضل حالياً استخدام مثبطات مضخة البروتونproton pump inhibitors (PPI) الموجودة داخل الخلايا المفرزة للحمض في المعدة مثل الأومبرازول، ولانزوبرازول، وبانتوبرازول، وإيزوبرازول وأخيراً ميزوبرازول. ويبدو أن هذه الأدوية تثبط أيضاً الملوية البوابية. وتزول القرحة عادة خلال أسبوعين، ويتابع العلاج مدة شهر للتأكد من الشفاء التام.
وقد أصبح بالإمكان حديثاً علاج معظم المضاعفات تنظيرياً، مثل وضع مشابيك (كليبسات) agraffe معدنية على الوعاء النازف عبر المنظار الضوئي أو حقن مواد مصلِّبة تغلق الوعاء النازف. وكذلك يمكن إجراء توسيع للبواب المسدود بوساطة بالون خاص عبر المنظار أيضاً. وعلى الرغم من أنه أصبح من النادر إحالة مريض قرحة العفج إلى الجراحة، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها لعلاج معظم حالات الانثقاب.
الإنذار: تزول 90% من قرحات العفج خلال 1 إلى 3أشهر. ويقلل علاج الجرثومة من نسبة عودة القرحة. وعندما يصعب شفاء القرحة، لابد من البحث عن أسباب مثل تناول الأدوية المؤذية أو الإصابة بأمراض أخرى مثل داء كرون Crohn أو متلازمة زولنجر أليسون Zollinger أو السرطان.
الوقاية ودور المريض: إن أهم وسائل الوقاية هي الابتعاد عن العوامل المخرشة للمعدة كالكحول والتدخين. وفي حال الاضطرار إلى استعمال أدوية الالتهاب غير الستيروئيدية يمكن استخدام أدوية تساعد على حماية الأنسجة المبطنة للمعدة، مثل سولكرات حيث تشكل طبقة غلاف حامية، أو استخدام دواء ميزوبريستول cytotec وهو بروستاغلاندين مصنّع يقوم محل البروستاغلاندين الأصلي المعطَل بالأدوية الالتهابية. وأخيراً وبالرغم من أنه لم يعد لحمية الطعام والتوتر النفسي الأهمية في حدوث القرحة كما كان يظن بالسابق، إلا أنه ينصح بالابتعاد عن المخرشات مثل الحمض والبهارات للتخفيف من الألم، والتخفيف من التوتر النفسي الذي يبطئ عملية الهضم مما يؤدي إلى بقاء الحمض والطعام فترة أطول في المعدة.
القرحة المعدية
ينطبق الحديث عن قرحة المعدة إلى حد بعيد على ما ذكر في قرحة العفج، ولكن يجب تمييز الفروق الآتية:
ـ من حيث المسببات فإضافة إلى الملوية البوابية، بات معروفاً أن الأدوية (مضادات الالتهاب غير السيتروئيدية)، والشدة stress والقلس (الارتداد) الصفراوي من الإثنى عشري إلى المعدة هي من أهم مسببات قرحة المعدة.
ـ تقع قرحة المعدة عادة على الانحناء الصغير، وغالباً ما تكون وحيدة وكبيرة.
ـ على الرغم من أن طبيعة ألم قرحة المعدة يشابه ألم القرحة العفجية، إلا أنه يأتي في العادة بعد الطعام مباشرة على عكس قرحة العفج التي يخف الألم بها بعد الطعام.
ـ إن علاج قرحة المعدة عادة أطول من علاج القرحة العفجية فهو يتطلب 2 إلى 3أشهر.
ـ إن لقرحة المعدة قابلية التطور إلى سرطان معدة في حال إهمالها، وخاصة إذا تجاوزت الـ 10مم، لذلك لابد من متابعتها بالتنظير الضوئي المتكرر وأخذ خزعات للتأكد عيانياً من شفاء القرحة على نحو كامل.
فائز صندوق
تقع المعدة في المنطقة المسماة بالمراق الأيسر، وهي الزاوية اليسرى العليا من البطن تحت القفص الصدري مباشرة. وتقوم المعدة بوظيفتين أساسيتين: مزج الطعام وتقسيمه إلى أجزاء صغيرة، وإفراز العصارات الهاضمة التي تبدأ بالتدفق حتى من منظر الطعام أو رائحته، إذ يفرز الدماغ مادة الأستيل كولين [ر] التي تحرض المعدة على إفراز نحو نصف غالون إلى ثلاثة أرباع الغالون من عصارات المعدة يومياً. ويعد حمض كلور الماء المركز من أهم مكونات هذه العصارة. وبإمكان هذا الحمض المركز أن يذيب المعدة نفسها لولا المخاط القلوي اللزج mucus الذي يغطي ويحمي جدارها من الداخل. ويساعد حمض دهني يسمى البروستاغلاندين [ر] على ترميم وبناء هذه الطبقة وحمايتها من الجروح الكيميائية والفيزيائية.
القرحة
مصطلح طبي يعني الجرح المفتوح، أي تآكل جزء من الأنسجة وتسمى حسب موقعها. فإذا وقعت في الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي سميت بالقرحة الهضمية. وتكون عادة دائرية الشكل وبيضاء اللون يرافقها بعض الاحمرار (احتقان) على حوافها. وتقسم القرحة الهضمية إلى قسمين: القرحة العفجية duodenal ulcer (DU) والقرحة المعدية gastric ulcer (GU). والقرحتان متشابهتان من بعض الوجوه.
القرحة العفجية
تتوضع عادة في البصلة وهي المنطقة الأولى من العفج. غالباً تكون وحيدة، ولكن قد تكون ثنائية بشكل قرحتين متقابلتين kissing ulcers أو متعددة. وتكون سطحية في الطبقة المخاطية من جدار العفج، أو عميقة في الحالات الأشد تخترق الطبقة العضلية والجدار مؤدية إلى نزف ومن ثم انثقاب كامل في الجدار. وتدل معظم الدراسات أن نسبة إصابة الرجال أكثر من النساء.
الأسباب: تحدث القرحة بعوامل عدة أهمها:
ـ جرثومة الملوية البوابية Helicobacter pylori (HP): وقد أصبح معروفاً أن هذه الجرثومة تسبب من 50 إلى 90% من قرحات العفج، حسب البلدان، إذ تزداد نسبة الإصابة بها في البلدان النامية. تعيش الملوية البوابية عادة بشكل كامن ضمن طبقة المخاط القلوي الذي يغطي أنسجة بطانة المعدة ويحميها، إلا أنها تأكل أحياناً الأنسجة الهضمية مسببة قرحة، وخاصة عند الأشخاص الذين أتلفوا مسبقاً بطانة المعدة ببعض المواد كدخان التبغ والكحول مما يسهل على الجرثوم اكتساح الأنسجة التالفة. وتشير الإحصائيات إلى أن شخصاً واحداً من بين كل 6 أشخاص مخموجين بهذه الجرثومة يصابون لاحقاً بالقرحة. ويزداد احتمال إيواء الجسد لها مع التقدم بالعمر بمعدل 1% كل سنة. وتدل الإحصائيات أن 20% من الأمريكيين يلتقطون العدوى في العشرينيات من عمرهم و60% يصابون بها في الستينيات. أما في سورية فإن نسبة إصابة الأصحاء بهذه الجرثومة تقدر بنحو 56.6%. وفي الإمارات بقرابة 88.7%. وعلى الرغم من عدم وضوح كيفية الانتشار لكن يبدو أن الانتقال يتم من شخص إلى آخر بالاحتكاك المباشر أو بالماء الملوث، وخاصة مع وجود عادات غذائية وصحية سيئة. وأهم عوامل الخطر: انخفاض مستوى الحياة الاجتماعي والاقتصادي، والعيش ضمن تجمعات مزدحمة، ووجود طفل في المنزل، والتعرض لقيء شخص مصاب.
ـ استخدام مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية non-steroidal anti-inflammatory: وأهمها الأسبرين، والإيبوبروفين، والنابروكسين، والفولتارين وغيرها، والتي تعاكس عمل البروستاغلاندين الذي من دون حمايته تتآكل بطانة المعدة بفعل حمض المعدة المركز الموجود في عصارة المعدة، مما يؤدي إلى ظهور القرحات والسحجات والنزوف. وقد وجد أن نحو 20% ممن يتعاطون أدوية مضادات التهاب غير ستيروئيدية بانتظام يصابون لاحقاً بالقرحة.
ـ التدخين: يزيد النيكوتين الموجود بالتبغ من كمية حمض المعدة ونسبة تركيزه؛ مما يزيد احتمال حدوث القرحة ويُؤخر شفاءها.
ـ الكحول: قد يعرض الكحول بطانة المعدة للتآكل؛ مما يسبب إتعابها ونزفها.
ـ وقد لوحظت زيادة بسيطة في نسب حدوث القرحة عند أصحاب زمرة الدم فئة O.
الأعراض: الشكوى الرئيسة للقرحة العفجية عادة هو الألم الذي ينجم عن تأثير حموضة المعدة العالية على القرحة. ويتوضع عادة بمنطقة الشرسوف epigastric (أعلى ومنتصف البطن)، وقد يكون الألم في أعلى الظهر في المنطقة المقابلة للشرسوف. ويكون بشكل ناخز أو عاصر، وقد يوقظ المريض من نومه لشدته خاصة في الصباح الباكر؛ لأن المعدة تكون فارغة من الطعام ويكون تركيز الحمض فيها عالياً. ومن صفات الألم المميزة أنه يخف بعد الطعام ويزداد على الجوع وبعد تناول حمض من الحموض والبهارات أو الكحول والدخان. ومن صفات ألم القرحة أنه يحدث موسمياً بمعدل مرتين سنوياً، ويكون ذلك غالباً في الخريف والربيع. وقد يتظاهر الألم بشكل عسرة هضم dyspepsia أو غثيان.
أعراض المضاعفات: قد يحدث نزف من القرحة العميقة في الحالات المتطورة، ويتظاهر بشكل براز (تغوط) أسود بلون الزفت. وفي الحالات الشديدة بشكل إقياءات غامقة اللون مثل طحل القهوة. وقد تتطور إلى انسداد في البواب (مخرج المعدة) في بعض الحالات الشديدة، مؤدية إلى انحباس الطعام في المعدة وإقياءات غزيرة. وأخيراً قد تتظاهر بالانثقاب خاصة بعد تناول أدوية آلام المفاصل فتسبب حالة بطن حادة تحتاج عادة إلى جراحة إسعافية.
التشخيص: كان التصوير بالباريوم (وهو مادة سائلة بيضاء معدنية يتناولها المريض عن طريق الفم ويظهر انعكاسها بالتصوير بأشعة إكس Xـrays) هو الإجراء المتبع في تشخيص القرحة، إذ يعكس وجود ما يسمى العش القرحي، وهو تجمع للباريوم في حفرة القرحة بشكل دائرة. ولكن في أوائل السبعينيات بدأ استخدام التشخيص بالمنظار الضوئي وهو أنبوب رفيع مرن مؤلف من أكثر من 40ألف ليف زجاجي كلها فائقة النقاوة مع كاميرا في رأس الأنبوب. يدخل المنظار من الفم على الريق بعد صيام عن الطعام يدوم نحو 8ساعات وتتم دراسة المري والمعدة والعفج. وميزة هذه الطريقة، إضافة إلى أنها تجرى بالتخدير الموضعي، أنها تمكن من الرؤية المباشرة للقرحة وأخذ خزعات منها لنفي السرطان ومعالجة بعض مضاعفاتها من خلال المنظار كالنزف والانسداد. وقد بات ممكناً توثيق النتائج documents بالأجهزة المتطورة (منظار فيديو) على شريط فيديو أو أخذ صورة مباشرة. وثمة اختبارات أخرى تستخدم في تحديد وجود جرثومة الملوية البوابية وهي: الفحص بالمجهر لخزعة من المعدة تؤخذ في أثناء التنظير ورؤية الجرثومة مباشرة، أو فحص هذه الخزعة على وسط جيلاتيني مكون من مادة اليوريا، ففي حال وجود الجرثومة تحلل هذه المادة وتغير لونها وتسمى هذه الطريقة اختبار اليورياurea test. تقدر حساسية sensitivity هذا الفحص بنحو 90%، ويعطي جواباً سريعاً في نصف ساعة. وهناك اختبار النَفَس breath test الذي تقدر حساسيته أيضاً بنحو 90%، وهو يكشف عن وجود الجرثومة بالنفخ في كيس مغلق بعد تناول سائل من دون طعم يحوي على كربون مشع يشكل جزءاً من مادة اليوريا التي تتحلل في حال وجود الجرثوم في المعدة وتخرج ذرة الكربون بشكل ثاني أكسيد الكربون في عينة النفس. وميزة هذا التحليل أنه يجرى من دون حاجة للتنظير ويفيد عادة في المتابعة بعد المعالجة للتأكد من القضاء على الجرثوم. وأخيراً تحليل الدم لكشف أضداد الجرثوم والذي لايميز عادة بين الإصابة السابقة والحالية مما يفقده فعاليته.
العلاج: تعتمد استراتيجية العلاج على القضاء على الملوية البوابية أولاً، وتخفيض تركيز حموضة المعدة ثانياً مما يساعد على تخفيف الألم ويسرع في شفاء القرحة، وأخيراً على علاج المضاعفات. وقد بات القضاء على الجرثومة سهلاً باستخدام طرائق خاصة لاستعمال الصادات تؤمن القضاء على الجرثومة خلال 10أيام بنسبة قد تصل إلى 93%، وأهم هذه الصادات هو الجمع بين الأموكساسيللين والكلاريثرومايسين مدة عشرة أيام.
وأما تخفيض الحموضة فقد تطور على مراحل عديدة فقد استخدمت بالسابق المعلقات القلوية مثل المالوكس الذي يساعد على تخفيف الألم سريعاً بتعديله حموضة المعدة مباشرة، إلا أن مفعول هذه المركبات قصير المدة لذلك انحصر استخدامها في الحالات التي يُطلب فيها تخفيف الألم المزعج سريعاً. وبعدها استخدمت مضادات مستقبلات الهيستامين التي تحصر إفراز الحمض في المعدة مثل السيميتيدين (تاغاميت) والرانيتيدين (زانتاك) والفاموتيدين والنيزاتيدين. والأفضل حالياً استخدام مثبطات مضخة البروتونproton pump inhibitors (PPI) الموجودة داخل الخلايا المفرزة للحمض في المعدة مثل الأومبرازول، ولانزوبرازول، وبانتوبرازول، وإيزوبرازول وأخيراً ميزوبرازول. ويبدو أن هذه الأدوية تثبط أيضاً الملوية البوابية. وتزول القرحة عادة خلال أسبوعين، ويتابع العلاج مدة شهر للتأكد من الشفاء التام.
وقد أصبح بالإمكان حديثاً علاج معظم المضاعفات تنظيرياً، مثل وضع مشابيك (كليبسات) agraffe معدنية على الوعاء النازف عبر المنظار الضوئي أو حقن مواد مصلِّبة تغلق الوعاء النازف. وكذلك يمكن إجراء توسيع للبواب المسدود بوساطة بالون خاص عبر المنظار أيضاً. وعلى الرغم من أنه أصبح من النادر إحالة مريض قرحة العفج إلى الجراحة، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها لعلاج معظم حالات الانثقاب.
الإنذار: تزول 90% من قرحات العفج خلال 1 إلى 3أشهر. ويقلل علاج الجرثومة من نسبة عودة القرحة. وعندما يصعب شفاء القرحة، لابد من البحث عن أسباب مثل تناول الأدوية المؤذية أو الإصابة بأمراض أخرى مثل داء كرون Crohn أو متلازمة زولنجر أليسون Zollinger أو السرطان.
الوقاية ودور المريض: إن أهم وسائل الوقاية هي الابتعاد عن العوامل المخرشة للمعدة كالكحول والتدخين. وفي حال الاضطرار إلى استعمال أدوية الالتهاب غير الستيروئيدية يمكن استخدام أدوية تساعد على حماية الأنسجة المبطنة للمعدة، مثل سولكرات حيث تشكل طبقة غلاف حامية، أو استخدام دواء ميزوبريستول cytotec وهو بروستاغلاندين مصنّع يقوم محل البروستاغلاندين الأصلي المعطَل بالأدوية الالتهابية. وأخيراً وبالرغم من أنه لم يعد لحمية الطعام والتوتر النفسي الأهمية في حدوث القرحة كما كان يظن بالسابق، إلا أنه ينصح بالابتعاد عن المخرشات مثل الحمض والبهارات للتخفيف من الألم، والتخفيف من التوتر النفسي الذي يبطئ عملية الهضم مما يؤدي إلى بقاء الحمض والطعام فترة أطول في المعدة.
القرحة المعدية
ينطبق الحديث عن قرحة المعدة إلى حد بعيد على ما ذكر في قرحة العفج، ولكن يجب تمييز الفروق الآتية:
ـ من حيث المسببات فإضافة إلى الملوية البوابية، بات معروفاً أن الأدوية (مضادات الالتهاب غير السيتروئيدية)، والشدة stress والقلس (الارتداد) الصفراوي من الإثنى عشري إلى المعدة هي من أهم مسببات قرحة المعدة.
ـ تقع قرحة المعدة عادة على الانحناء الصغير، وغالباً ما تكون وحيدة وكبيرة.
ـ على الرغم من أن طبيعة ألم قرحة المعدة يشابه ألم القرحة العفجية، إلا أنه يأتي في العادة بعد الطعام مباشرة على عكس قرحة العفج التي يخف الألم بها بعد الطعام.
ـ إن علاج قرحة المعدة عادة أطول من علاج القرحة العفجية فهو يتطلب 2 إلى 3أشهر.
ـ إن لقرحة المعدة قابلية التطور إلى سرطان معدة في حال إهمالها، وخاصة إذا تجاوزت الـ 10مم، لذلك لابد من متابعتها بالتنظير الضوئي المتكرر وأخذ خزعات للتأكد عيانياً من شفاء القرحة على نحو كامل.
فائز صندوق