الكاتبة والشاعرة السورية فاتن ديركي: نحتاج إلى فنون وآداب تبني الطفل والإنسان
الكتابة لم تخلق لإدهاش القارئ وتحقيق المعايير الفنية.
السبت 2023/10/07
المرأة قوة تغيير في المجتمع
الجمع بين أكثر من جنس أدبي مشروع للكاتب شريطة أن يتوفر له الوعي، ولكن يبقى الهدف من الكتابة أهم رهانات كل كاتب وكاتبة، إذ الكتابة ليست مجرد متعة أو لهو أو ترف وترفيه، إنها رسالة، وهذا ما تؤمن به الكاتبة والشاعرة السورية فاتن ديركي، التي كان لـ“العرب” معها هذا الحوار حول تجربتها ورؤاها.
الكاتبة والشاعرة السورية فاتن ديركي أخذها الأدب إلى عالمه، شغوفة بالعمق الإنساني، الذي يشغله دوما، ويحجز لنفسه فيه المكانة الآسرة والأهم، ليسحر مبدعتنا وتبقى ساعية إلى ما هو أجمل في الحياة من خلاله، فقد جذبها الأدب لكونها صاحبة موهبة عريقة، تعبر عن همومها وهموم مجتمعها.
لا تزال الكاتبة باحثة عن هدفها بين آفاق الإبداع الزاخرة بالجمال، لتقول كلمته تجاه الحياة، معلنة عن مسؤوليته بقوة، مشيرة في الوقت ذاته إلى المشهد الأمثل في كل جانب من جوانب الحياة. تسعى الأديبة عبر كل المجاﻻت شعرا ورواية ومسرحا لتقول كلمتها وآراءها ومواقفها كما نتبين في حوارها مع “العرب”.
السرد والقصائد
هدف الكتابة مخاطبة العقل والوجدان وتحفيزهما ليكون الإنسان أكثر وعيا وإيجابية في تعامله مع الناس والحياة والكون
بداية ﻻ بد من المرور على مسيرتها الأدبية وبمن تأثرت من الأدباء، إذ تقول ديركي “كان للكلمة في نفسي أثرها الخاص، وقد بدأ شغفي بالأدب حين اطلعت على تجربة الأديب الفيلسوف جبران خليل جبران والأديبة كوليت خوري وغادة السمان ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. كنت أكتب منذ نعومة أظفاري الشعر والقصة والخاطرة، ولكنني لم أبدأ بالطباعة إلا في عام 2010 حيث نشرت مجموعتي القصصية ‘نسائم ملوثة’ وهي قصص واقعية من أروقة المحاكم تركز على مشاكل المرأة في مجتمعنا وتكشف الوجه السلبي لمجتمع وقوانين تسلبها حقوقها وكيانها وكرامتها”.
نسألها إن كانت تحاول الدفاع عن المرأة في كتاباتها، لتجيبنا “كثيرا ما سئلت عن سر تركيزي على مشاكل المرأة وتبني قضيتها، والحقيقة أقول بكل بساطة إنني أقوم بهذا الدور إيمانا مني بدور المرأة بصفتها قوة تغيير في المجتمع، وإن هذه القوة لا يمكن لها أن تكون فاعلة بوجود أي نوع من أنواع التمييز ضدها، وكذلك لأنني أعتبر الأسرة نواة المجتمع وصمام أمانه، فهي التي تبني الإنسان من خلال تربيتها لأطفالها، ولا بد أن تتمتع باستقلاليتها وتأخذ حقوقها، وتشعر بكيانها ووجودها وكرامتها وامتلاكها لزمام نفسها، كي تغرس هذه القيم في نفوس أطفالها، ففاقد الشيء لا يعطيه”.
وتضيف ديركي “لقد ركزت على هذه الفكرة في رواية ‘القطار الأزرق’ وهي رواية تشاركية مع ستة كتاب سوريين هم: الأدباء عماد نداف، محمد الطاهر، سهيل الذيب، محمد الحفري، جمال الزعبي والأديب المغترب مقبل الميلع. تحكي الرواية عن فترة الحرب، التي عشناها، وتأثيراتها، وعن دور المثقف السوري في تجاوزها، وكذلك دور المرأة السورية، التي وقفت إلى جانب الرجل متحملة كل الآلام والمسؤوليات في غيابه. ثم كانت مجموعتي القصصية ‘رسالة اعتذار من طائر الفينيق’، وهي أيضا قصص اجتماعية من الحياة”.
وتذكر الكاتبة أنها شاركت بالمسابقة الروائية التي أعلن عنها الأكاديمي محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب عام 2020، والتي كانت تحت ثيمة “التكافل الاجتماعي في زمن الكورونا”، برواية عنوانها “سمسق” وقد كانت من بين الروايات الفائزة. كما تلفت إلى أنها أنجزت رواية بعنوان “كوشي”، وقد فازت بالقائمة الطويلة في جائزة توتول للإبداع الروائي، الدورة الرابعة لعام 2023، وهي بانتظار النتيجة النهائية. وآخر عمل مطبوع لها كان مجموعة قصصية في الأدب الساخر بعنوان “يوميات رجل مدمن”.
أما عن كتابتها للشعر فتقول “بالنسبة إلى تجربتي الشعرية أذكر أن ما حرضني على الولوج فيها منذ البداية، قراءتي لقصائد الشاعر الكبير إيليا أبوماضي، حيث تأثرت به إلى حد كبير، وأعجبت بأسلوبه الفلسفي في التحدث عن الحياة وعن القيم الكبيرة، والأسئلة الوجودية، التي اكتنفت قصائده الوجدانية، فكتبت الشعر، الذي يطرح قضايا اجتماعية كبيرة، أبحث فيها عن الإنسان الحق، ومنها كان ديواني الشعري الأول ‘حين اعتزلت الغناء’، الذي جاء مترجما لمشاعر مؤلمة سببتها الحرب، التي طالت أحلامنا وآمالنا، وأمانينا في محاولة أمل بمستقبل أجمل وحياة أفضل”.
أما ديوانها الشعري الثاني الذي لم يطبع بعد والذي يحمل عنوان “حروف المطر”، فهو عبارة عن قصائد عمودية، تنوعت فيها بحور الشعر الخليل في قصائد وجدانية، سبرت أغوار النفس البشرية، التي تتنازع بين الخير والشر.
الكتابة رسالة
كتبت ديركي أعمالا مسرحية كثيرة توجهت في بعضها لعالم الطفل، وحول شروط هذا الإبداع تقول “الكتابة لمسرح الطفل أعتبرها حاجة ملحة قبل أن تكون ميولا وشغفا واختيارا، فما أحوجنا إلى فنون وآداب تبني الطفل والإنسان، وتعمل على التأثير فيه، وزرع القيم التربوية الأخلاقية الأصيلة، لحمايته مما قد يدخل إلى مجتمعنا من مفاهيم وعادات وسلوكيات خاطئة وخطيرة، والكتابة للطفل بالنسبة إلي كانت هاتفا لي لضرورته بعد الحرب الأخيرة، التي شهدتها سوريا، والتي تركت آثارها السلبية واضحة على أطفال وطننا، بحيث بات لزاما علينا رعاية هذا النشء الجديد، والأخذ بيده نحو النور والأمل والحياة”.
وتضيف “لا يخفى علينا جميعا، ضرورة أن يحمل كاتب الأطفال شيئا من صفاتهم، مستعيرا من براءتهم وطفولتهم وشفافيتهم وعفويتهم، ما يجعله قريبا منهم، ومن أرواحهم، لينجح في شدهم للعمل، والعرض الفني والتأثير فيهم إيجابيا. ولي أكثر من عشر مسرحيات للأطفال، عرض منها على مسارح القطر أربع مسرحيات، وهي ‘نمرود والأصدقاء’، ‘نجمة’، ‘الأحلام’، ‘نرجس”.
جربت ديركي أجناسا أدبية عديدة من شعر ومسرح ورواية وغيرها. نسألها كيف وجدت كل شكل أدبي على حدة كوسيلة تعبيرية، لتجيبنا “أرى نفسي في الأجناس الأدبية كافة، فما لا أستطيع التعبير عنه في الشعر، قد أستطيع التعبير عنه في القصة، أو في الرواية، والعكس صحيح، والمهم برأيي أن تكون للكاتب في كل ما يكتب رسالة نبيلة مجتمعية، تتعدى الغاية الجمالية والفنية، وإدهاش القارئ إلى مخاطبة العقل والوجدان والتأثير بهما وتحفيزهما ليكون الإنسان أكثر وعيا وأكثر إيجابية في تعامله مع الناس والحياة والكون، في محاولة للوصول إلى مجتمع نظيف سليم قدر الإمكان، فالأدب هو وسيلة لتوسيع آفاق الإنسان لفهم العالم من حوله، وإهدائه البعض من أدوات التعامل معه”.
وتختم فاتن ديركي لقاءها مع “العرب” قائلة “أخيرا أتمنى من خلال الأدب أن أترك أثرا في الحياة، يشار إليه بالبنان. أن أشعل شمعة في الظلام. أن أزرع شمسا في كل بيت، وفي كل قلب. أن أقول للحياة: لن يهزمنا اليأس ونحن نرسم بأيدينا قلبا كبيرا نطلقه في سماء هذا الوطن ليحتوينا جميعا”.
عمر شريقي
الكتابة لم تخلق لإدهاش القارئ وتحقيق المعايير الفنية.
السبت 2023/10/07
المرأة قوة تغيير في المجتمع
الجمع بين أكثر من جنس أدبي مشروع للكاتب شريطة أن يتوفر له الوعي، ولكن يبقى الهدف من الكتابة أهم رهانات كل كاتب وكاتبة، إذ الكتابة ليست مجرد متعة أو لهو أو ترف وترفيه، إنها رسالة، وهذا ما تؤمن به الكاتبة والشاعرة السورية فاتن ديركي، التي كان لـ“العرب” معها هذا الحوار حول تجربتها ورؤاها.
الكاتبة والشاعرة السورية فاتن ديركي أخذها الأدب إلى عالمه، شغوفة بالعمق الإنساني، الذي يشغله دوما، ويحجز لنفسه فيه المكانة الآسرة والأهم، ليسحر مبدعتنا وتبقى ساعية إلى ما هو أجمل في الحياة من خلاله، فقد جذبها الأدب لكونها صاحبة موهبة عريقة، تعبر عن همومها وهموم مجتمعها.
لا تزال الكاتبة باحثة عن هدفها بين آفاق الإبداع الزاخرة بالجمال، لتقول كلمته تجاه الحياة، معلنة عن مسؤوليته بقوة، مشيرة في الوقت ذاته إلى المشهد الأمثل في كل جانب من جوانب الحياة. تسعى الأديبة عبر كل المجاﻻت شعرا ورواية ومسرحا لتقول كلمتها وآراءها ومواقفها كما نتبين في حوارها مع “العرب”.
السرد والقصائد
هدف الكتابة مخاطبة العقل والوجدان وتحفيزهما ليكون الإنسان أكثر وعيا وإيجابية في تعامله مع الناس والحياة والكون
بداية ﻻ بد من المرور على مسيرتها الأدبية وبمن تأثرت من الأدباء، إذ تقول ديركي “كان للكلمة في نفسي أثرها الخاص، وقد بدأ شغفي بالأدب حين اطلعت على تجربة الأديب الفيلسوف جبران خليل جبران والأديبة كوليت خوري وغادة السمان ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. كنت أكتب منذ نعومة أظفاري الشعر والقصة والخاطرة، ولكنني لم أبدأ بالطباعة إلا في عام 2010 حيث نشرت مجموعتي القصصية ‘نسائم ملوثة’ وهي قصص واقعية من أروقة المحاكم تركز على مشاكل المرأة في مجتمعنا وتكشف الوجه السلبي لمجتمع وقوانين تسلبها حقوقها وكيانها وكرامتها”.
نسألها إن كانت تحاول الدفاع عن المرأة في كتاباتها، لتجيبنا “كثيرا ما سئلت عن سر تركيزي على مشاكل المرأة وتبني قضيتها، والحقيقة أقول بكل بساطة إنني أقوم بهذا الدور إيمانا مني بدور المرأة بصفتها قوة تغيير في المجتمع، وإن هذه القوة لا يمكن لها أن تكون فاعلة بوجود أي نوع من أنواع التمييز ضدها، وكذلك لأنني أعتبر الأسرة نواة المجتمع وصمام أمانه، فهي التي تبني الإنسان من خلال تربيتها لأطفالها، ولا بد أن تتمتع باستقلاليتها وتأخذ حقوقها، وتشعر بكيانها ووجودها وكرامتها وامتلاكها لزمام نفسها، كي تغرس هذه القيم في نفوس أطفالها، ففاقد الشيء لا يعطيه”.
وتضيف ديركي “لقد ركزت على هذه الفكرة في رواية ‘القطار الأزرق’ وهي رواية تشاركية مع ستة كتاب سوريين هم: الأدباء عماد نداف، محمد الطاهر، سهيل الذيب، محمد الحفري، جمال الزعبي والأديب المغترب مقبل الميلع. تحكي الرواية عن فترة الحرب، التي عشناها، وتأثيراتها، وعن دور المثقف السوري في تجاوزها، وكذلك دور المرأة السورية، التي وقفت إلى جانب الرجل متحملة كل الآلام والمسؤوليات في غيابه. ثم كانت مجموعتي القصصية ‘رسالة اعتذار من طائر الفينيق’، وهي أيضا قصص اجتماعية من الحياة”.
وتذكر الكاتبة أنها شاركت بالمسابقة الروائية التي أعلن عنها الأكاديمي محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب عام 2020، والتي كانت تحت ثيمة “التكافل الاجتماعي في زمن الكورونا”، برواية عنوانها “سمسق” وقد كانت من بين الروايات الفائزة. كما تلفت إلى أنها أنجزت رواية بعنوان “كوشي”، وقد فازت بالقائمة الطويلة في جائزة توتول للإبداع الروائي، الدورة الرابعة لعام 2023، وهي بانتظار النتيجة النهائية. وآخر عمل مطبوع لها كان مجموعة قصصية في الأدب الساخر بعنوان “يوميات رجل مدمن”.
أما عن كتابتها للشعر فتقول “بالنسبة إلى تجربتي الشعرية أذكر أن ما حرضني على الولوج فيها منذ البداية، قراءتي لقصائد الشاعر الكبير إيليا أبوماضي، حيث تأثرت به إلى حد كبير، وأعجبت بأسلوبه الفلسفي في التحدث عن الحياة وعن القيم الكبيرة، والأسئلة الوجودية، التي اكتنفت قصائده الوجدانية، فكتبت الشعر، الذي يطرح قضايا اجتماعية كبيرة، أبحث فيها عن الإنسان الحق، ومنها كان ديواني الشعري الأول ‘حين اعتزلت الغناء’، الذي جاء مترجما لمشاعر مؤلمة سببتها الحرب، التي طالت أحلامنا وآمالنا، وأمانينا في محاولة أمل بمستقبل أجمل وحياة أفضل”.
أما ديوانها الشعري الثاني الذي لم يطبع بعد والذي يحمل عنوان “حروف المطر”، فهو عبارة عن قصائد عمودية، تنوعت فيها بحور الشعر الخليل في قصائد وجدانية، سبرت أغوار النفس البشرية، التي تتنازع بين الخير والشر.
الكتابة رسالة
كتبت ديركي أعمالا مسرحية كثيرة توجهت في بعضها لعالم الطفل، وحول شروط هذا الإبداع تقول “الكتابة لمسرح الطفل أعتبرها حاجة ملحة قبل أن تكون ميولا وشغفا واختيارا، فما أحوجنا إلى فنون وآداب تبني الطفل والإنسان، وتعمل على التأثير فيه، وزرع القيم التربوية الأخلاقية الأصيلة، لحمايته مما قد يدخل إلى مجتمعنا من مفاهيم وعادات وسلوكيات خاطئة وخطيرة، والكتابة للطفل بالنسبة إلي كانت هاتفا لي لضرورته بعد الحرب الأخيرة، التي شهدتها سوريا، والتي تركت آثارها السلبية واضحة على أطفال وطننا، بحيث بات لزاما علينا رعاية هذا النشء الجديد، والأخذ بيده نحو النور والأمل والحياة”.
وتضيف “لا يخفى علينا جميعا، ضرورة أن يحمل كاتب الأطفال شيئا من صفاتهم، مستعيرا من براءتهم وطفولتهم وشفافيتهم وعفويتهم، ما يجعله قريبا منهم، ومن أرواحهم، لينجح في شدهم للعمل، والعرض الفني والتأثير فيهم إيجابيا. ولي أكثر من عشر مسرحيات للأطفال، عرض منها على مسارح القطر أربع مسرحيات، وهي ‘نمرود والأصدقاء’، ‘نجمة’، ‘الأحلام’، ‘نرجس”.
جربت ديركي أجناسا أدبية عديدة من شعر ومسرح ورواية وغيرها. نسألها كيف وجدت كل شكل أدبي على حدة كوسيلة تعبيرية، لتجيبنا “أرى نفسي في الأجناس الأدبية كافة، فما لا أستطيع التعبير عنه في الشعر، قد أستطيع التعبير عنه في القصة، أو في الرواية، والعكس صحيح، والمهم برأيي أن تكون للكاتب في كل ما يكتب رسالة نبيلة مجتمعية، تتعدى الغاية الجمالية والفنية، وإدهاش القارئ إلى مخاطبة العقل والوجدان والتأثير بهما وتحفيزهما ليكون الإنسان أكثر وعيا وأكثر إيجابية في تعامله مع الناس والحياة والكون، في محاولة للوصول إلى مجتمع نظيف سليم قدر الإمكان، فالأدب هو وسيلة لتوسيع آفاق الإنسان لفهم العالم من حوله، وإهدائه البعض من أدوات التعامل معه”.
وتختم فاتن ديركي لقاءها مع “العرب” قائلة “أخيرا أتمنى من خلال الأدب أن أترك أثرا في الحياة، يشار إليه بالبنان. أن أشعل شمعة في الظلام. أن أزرع شمسا في كل بيت، وفي كل قلب. أن أقول للحياة: لن يهزمنا اليأس ونحن نرسم بأيدينا قلبا كبيرا نطلقه في سماء هذا الوطن ليحتوينا جميعا”.
عمر شريقي