موضوع علم النفس وتعريفه
The subject of psychology and its definition
١ - بعض الموانع التي أخرت استقلال علم النفس
إن علم النفس لا يزال اليوم في أول نشأته. فما هي الأسباب التي عاقته حق الآن عن الاتصاف بصفات العلوم الوضعية ؟
لقد لفتت المباحث النفسية أنظار الفلاسفة منذ القدم ، وقلما وجد فيلسوف لم يكن له في البحث عن النفس وطبيعتها أثر ، وما حمل الفلاسفة على البحث في ذلك إلا رغبتهم في بيان القواعد الخلقية التي ينبغي للانسان اتباعها في حياته . لقد كانت مباحثهم خاضعة لغايات فلسفية ، وكان تحليلهم للامور النفسية عميقاً ، وكان لآثارهم ذلك كله لم يتوصلوا إلى تأسيس علم النفس على دعائم وضعية ثابتة ، لأن أفكارهم كانت خليطاً من الخيال والحقيقة . فلا مباحث ) افلاطون ) سحر وجمال ، الا انهم مع
و ( أرسططا ليس ( ولا نظرات ) افلوطن ) و ( ماركوريل ) - بالرغم من اصابتها
الهدف - بمجردة من الاغراض الفلسفية البعيدة .
فمباحث علم النفس كما ترى قديمة يصعب الاهتداء الى أولها ، الا أن اليونان أنفسهم والعرب والأوربيين ، حتى القرن التاسع عشر ، لم يدركوا ما لاتباع الطريقة العلمية التجريبية والاسلوب الوضعي ، من الأثر في معالجة المسائل النفسية .
ألف أريسطو ، في القرن الثالث قبل الميلاد ، كتاب النفس ( Traité de l'ame ) وكان هذا الكتاب يشتمل على تحليل عميق لكثير من الأفاعيل النفسية ؛ إلا أن فيلسوف اسطاجير (١) لم يخل باباً من أبوابه من غرض فلسفي ، فإذا بحث في الأدراك طبق فيه طريقته الفلسفية المعروفة . فقسم الموجودات إلى موجود بالقوة وموجود بالفعل ، وفرق بين المادة والصورة ، فكانت مباحثه بعيدة عن العلم الوضعي، وكان كل باب من أبواب كتابه متصلا بغرض فلسفي. ومما نقل عن (ديكارت) انه كان يشك في الذاكرة ، لا لأن التجربة عودته ذلك ، بل لأن هذا الشك مستند إلى رأيه في طبيعة الزمان ، و (ليبنيز) ينكر تأثير النفوس بعضها في بعض ، لأنه يعتقد أن الجواهر الفردة التي يسميها بالموناد ( Monade ( لا يمكن تداخلها . 6
فأنت ترى أن الفلاسفة لم يحرروا علم النفس من التصورات الخيالية والمبادىء الفلسفية، فلا غرو إذا تأخر استقلاله عن الفلسفة ، ولا يمكن انفصاله عنها إلا إذا تقيد بالواقع وصارت مسائله خاضعة للمشاهدة والملاحظة والتجربة
إن وصف الجنة وأنهار العسل في رسالة الغفران ليس حقيقياً وإنما هو خيالي، وكذلك وصف السماء في كتاب الملهاة الالهية لدانته (۲) فهو لا يصف ما شاهد بحسه بل ما أبدع بمخيلته . ويذهب بنا الظن إلى أن وصف الفلاسفة لأحوال النفس كان شبيهاً بوصف ( دانته ( للسماء ، لأنهم لا يشاهدون الحوادث كما هي في الواقع ، بل يشاهدونها كما يجب أن تكون بالنسبة إلى غاياتهم الفلسفية.
و مما عاق علم النفس عن التكامل منذ القدم اتجاه نظر الانسان بتأثير ضرورات الحياة إلى الأشياء المادية قبل الاشياء المعنوية . والحياة تقتضي العمل قبل النظر (۱) قال هو فدينغ : تنقضي حياتنا الأولى الطبيعية في الادراك الحسي والتخيلي لا في الادراك التأملي ذلك لان الانسان كان عملياً قبل ان صار نظرياً. ويشترط في خيره وشره أن ينسى نفسه وينصرف بكليته ، إلى العالم الخارجي (۲) فلا يترفع عن المحسوس ، ولا يتجرد عن المادة، ولا يدرك جمال الصور العقلية إلا بعد بلوغه درجة عالية من المعرفة والرياضة . وأي منفعة للانسان الابتدائي في النظر إلى نفسه ونسيان العالم الخارجي . وهل يستطيع اتقاء أخطار الطبيعة والحيوانات الضارية والحوادث المفاجئة إذا استغرق في تأمل حياته الداخلية . ان حياة التأمل لتستلزم درجة عالية من الحضارة
The subject of psychology and its definition
١ - بعض الموانع التي أخرت استقلال علم النفس
إن علم النفس لا يزال اليوم في أول نشأته. فما هي الأسباب التي عاقته حق الآن عن الاتصاف بصفات العلوم الوضعية ؟
لقد لفتت المباحث النفسية أنظار الفلاسفة منذ القدم ، وقلما وجد فيلسوف لم يكن له في البحث عن النفس وطبيعتها أثر ، وما حمل الفلاسفة على البحث في ذلك إلا رغبتهم في بيان القواعد الخلقية التي ينبغي للانسان اتباعها في حياته . لقد كانت مباحثهم خاضعة لغايات فلسفية ، وكان تحليلهم للامور النفسية عميقاً ، وكان لآثارهم ذلك كله لم يتوصلوا إلى تأسيس علم النفس على دعائم وضعية ثابتة ، لأن أفكارهم كانت خليطاً من الخيال والحقيقة . فلا مباحث ) افلاطون ) سحر وجمال ، الا انهم مع
و ( أرسططا ليس ( ولا نظرات ) افلوطن ) و ( ماركوريل ) - بالرغم من اصابتها
الهدف - بمجردة من الاغراض الفلسفية البعيدة .
فمباحث علم النفس كما ترى قديمة يصعب الاهتداء الى أولها ، الا أن اليونان أنفسهم والعرب والأوربيين ، حتى القرن التاسع عشر ، لم يدركوا ما لاتباع الطريقة العلمية التجريبية والاسلوب الوضعي ، من الأثر في معالجة المسائل النفسية .
ألف أريسطو ، في القرن الثالث قبل الميلاد ، كتاب النفس ( Traité de l'ame ) وكان هذا الكتاب يشتمل على تحليل عميق لكثير من الأفاعيل النفسية ؛ إلا أن فيلسوف اسطاجير (١) لم يخل باباً من أبوابه من غرض فلسفي ، فإذا بحث في الأدراك طبق فيه طريقته الفلسفية المعروفة . فقسم الموجودات إلى موجود بالقوة وموجود بالفعل ، وفرق بين المادة والصورة ، فكانت مباحثه بعيدة عن العلم الوضعي، وكان كل باب من أبواب كتابه متصلا بغرض فلسفي. ومما نقل عن (ديكارت) انه كان يشك في الذاكرة ، لا لأن التجربة عودته ذلك ، بل لأن هذا الشك مستند إلى رأيه في طبيعة الزمان ، و (ليبنيز) ينكر تأثير النفوس بعضها في بعض ، لأنه يعتقد أن الجواهر الفردة التي يسميها بالموناد ( Monade ( لا يمكن تداخلها . 6
فأنت ترى أن الفلاسفة لم يحرروا علم النفس من التصورات الخيالية والمبادىء الفلسفية، فلا غرو إذا تأخر استقلاله عن الفلسفة ، ولا يمكن انفصاله عنها إلا إذا تقيد بالواقع وصارت مسائله خاضعة للمشاهدة والملاحظة والتجربة
إن وصف الجنة وأنهار العسل في رسالة الغفران ليس حقيقياً وإنما هو خيالي، وكذلك وصف السماء في كتاب الملهاة الالهية لدانته (۲) فهو لا يصف ما شاهد بحسه بل ما أبدع بمخيلته . ويذهب بنا الظن إلى أن وصف الفلاسفة لأحوال النفس كان شبيهاً بوصف ( دانته ( للسماء ، لأنهم لا يشاهدون الحوادث كما هي في الواقع ، بل يشاهدونها كما يجب أن تكون بالنسبة إلى غاياتهم الفلسفية.
و مما عاق علم النفس عن التكامل منذ القدم اتجاه نظر الانسان بتأثير ضرورات الحياة إلى الأشياء المادية قبل الاشياء المعنوية . والحياة تقتضي العمل قبل النظر (۱) قال هو فدينغ : تنقضي حياتنا الأولى الطبيعية في الادراك الحسي والتخيلي لا في الادراك التأملي ذلك لان الانسان كان عملياً قبل ان صار نظرياً. ويشترط في خيره وشره أن ينسى نفسه وينصرف بكليته ، إلى العالم الخارجي (۲) فلا يترفع عن المحسوس ، ولا يتجرد عن المادة، ولا يدرك جمال الصور العقلية إلا بعد بلوغه درجة عالية من المعرفة والرياضة . وأي منفعة للانسان الابتدائي في النظر إلى نفسه ونسيان العالم الخارجي . وهل يستطيع اتقاء أخطار الطبيعة والحيوانات الضارية والحوادث المفاجئة إذا استغرق في تأمل حياته الداخلية . ان حياة التأمل لتستلزم درجة عالية من الحضارة
تعليق