نبذة تاريخية
|
||||||||||||||||||||||||||||||
تواريخ مهمة في علم الآثار | ||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||
|
تطورت فكرة دراسة الماضي، من خلال المواد الأثرية القديمة، تطورًا تدريجيًا، غير أن الاهتمام بهذا الموضوع من الدراسة ازداد في القرنين الماضيين. ففي القرن الثامن عشر الميلادي أخذ بعض الأثرياء الأوروبيين في دراسة وجمع القطع الفنية التي تعود إلى العصرين اليوناني والروماني القديمين، وسمي هذا الاهتمام بالفن الكلاسيكي جمع التحف. وكان الهدف الأول والرئيسي لهؤلاء المنقبين الأوائل البحث عن الكنوز، وجعلهم هذا الهدف يُهملون كل ما يعثرون عليه من مواد أخرى.
وخلال القرن الثامن عشر الميلادي أيضًا، بدأ علماء أوروبيون في التساؤل عن عمر الكائنات البشرية فوق سطح الأرض. وجاء اهتمامهم هذا ـ إلى حد ما ـ نتيجة لاكتشاف أدوات حجرية بدائية وُجدت إلى جانب عظام حيوانات منقرضة. وحصل العلماء أيضًا على معلومات تتعلق بالتلال الضخمة وأطلال المدن في القارة الأمريكية، التي دلت بدورها على وجود حياة بشرية قديمة فيها. كما أدرك هؤلاء أن للبشر ماضيًا يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، غير أنهم لم يستطيعوا تحديد متى وكيف بدأ هذا الماضي.
جيش من تماثيل بالحجم الطبيعي يمثل جنودًا وخيلاً، من مجموعة مذهلة من المعثورات المصنوعة. عثر على هذه القطع المصنوعة من الطين عام 1974 م قرب مقبرة شي هوانجدي، الذي حكم الصين في القرن الثالث قبل الميلاد. |
شهد القرن التاسع عشر توجهًا علميًا لدراسة الماضي، فقد قبل الاتجاه القائل بقدم وعمق حقب ما قبل التاريخ، نتيجة التقدم الذي شهدته دراسات الجيولوجيا وعلم الأحياء. ومع بداية القرن حدد الجيولوجيون أن تكوينات الصخور، قد تمت عبر عملية بطيئة مثل التعرية والنشاطات البركانية. وقد قادت الفكرة ـ التي تعرف بالاتساقية ـ معظم العلماء إلى الاعتقاد أن عمر الأرض أكبر مما كان يُعتقد.
وبمنتصف القرن التاسع عشر الميلادي أصبح علم الآثار ميدانًا مستقلاً من ميادين الدراسة. وأخذت الأدلة حول إنسان ما قبل التاريخ، تتجمع بسرعة متزايدة. ومن الاكتشافات المهمة التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، اكتشاف مواقع للسكن فوق بحيرة في سويسرا، ورسومات كهوف قديمة في فرنسا وأسبانيا، وجزء من جمجمة بشرية وُجدت في ألمانيا. وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ الآثاريون في استخدام طرق فنية في التنقيب، بحيث جعلت بالإمكان تحديد تسلسل التطور الحضاري. وأصبح العالم البريطاني فلندرز بيتري ـ نتيجة عملية التنقيب التي قام بها في نقادة، قرب قوص بمصر ـ واحدًا من الرواد الذين قاموا بالتنقيب بحثًا عن كل البقايا وليس عن الكنوز فقط. وكان من بين الذين قاموا بعمليات التنقيب، في ذلك الوقت، الدبلوماسي البريطاني أوستن هنري ليارد، الذي قام بالتنقيب في مدينة نينوى المعروفة في العراق. وكذلك رجل الأعمال الألماني هنريش شليمان، الذي قام بالتنقيب في طروادة الواقعة في تركيا.
وركَّز آثاريو القرن التاسع عشر دراستهم على الحضارة الأوروبية القديمة وحضارات الشرق الأوسط التي وصفها الكتاب الكلاسيكيون وكتاب العهد القديم. ولكنَّ الآثاريين الأمريكيين لم يعثروا على أية وثائق مكتوبة عن الحضارات التي درسوها. ولذلك فقد تحولوا تحولاً جزئيًا لدراسة الأنثروبولوجيا بغية الحصول على طرق لتفسير مكتشفاتهم فدرسوا مثلاً الأشياء التي كان معاصروهم من الهنود الأمريكيين يصنعونها، وذلك لمساعدتهم في تفسير وفهم الأحافير التي كانت المجتمعات القديمة تصنعها.
قبر توت عنخ آمون، ملك مصر، اكتشفه عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر، (يسار الصورة)، واللورد كارنافون. وهما يقفان عند مدخل القبر. |
توسع ميدان علم الآثار توسعًا كبيرًا جدًا. فقد جعل اكتشاف هوارد كارتر قبر توت عنخ آمون سنة 1922م دراسة الآثار المصرية القديمة محط اهتمام عام. غير أن علماء الآثار بدأوا أيضًا باكتشاف حضارات قديمة في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى والصين واليابان وجنوب شرقي آسيا وغيرها من المناطق.
في عام 1921م، كشف عالم الآثار السير جون مارشال، المسؤول عن مسح الآثار الهندية عن وجود مدينة هارابا القديمة، في باكستان الحالية. وفي السنة التالية، نقّب في موقع مجاور لها وكشف عن وجود مدينة أكبر منها كثيرًا وهي موهنجودارو، المستوطنة الرئيسية لحضارة وادي السند القديمة. وبهذه الاكتشافات، أمكن إرجاع بداية التاريخ المعلوم لشبه القارة الهندية لنحو 3500 ق.م. وفي أوائل القرن العشرين، استخدم علماء الآثار التتابع الطبقي والتتابع الطرزي لتأريخ معثوراتهم. وخلال منتصف القرن العشرين الميلادي ساعدت التقنيات الحديثة على تأريخ المعثورات بطرق أكثر دقة وسهولة. وأبرز هذه التقنيات هو التأريخ بالكربون المشع، الذي طوره خلال الأربعينيات من القرن العشرين الكيميائي الأمريكي ويلارد ليبي.
وبمنتصف القرن العشرين حدث تطور كبير في ميدان إنقاذ الآثار تحت الماء. ففي السابق كان التنقيب تحت الماء صعبًا ومكلفًا، ومكّن اختراع جهاز التنفس (الرئة المائية) وأجهزة الغطس الأخرى خلال الأربعينيات من القرن العشرين الغطاسين من التحرك بحرية أكثر عند حمل معدات البحث الأثري تحت الماء.
التطورات الحديثة:
منذ الخمسينيات من القرن العشرين، أصبح الهدف الأول لعلماء الآثار الوصول إلى نظريات عامة لشرح التغيرات في المجتمعات البشرية التي يكشف عنها الدليل الآثاري. يبحث علماء الآثار اليوم مثلاً عن الأسباب الكامنة وراء تطور الزراعة في المكسيك حوالي 7000 ق.م. وظهور المدن في الشرق الأوسط حوالي 3000 ق.م. وكثير من علماء الآثار يضطلعون بمشروعات لدراسة مشكلة ما، ولدراسة الموقع الأثري فحسب. فخلال الستينيات من القرن العشرين الميلادي مثلاً قام عالم الآثار الأمريكي، ريتشارد ماكنيش بدراسة بقايا نباتية من مواقع كهوف عديدة في المكسيك، ليجمع الأدلة على أن الذُّرة كانت مادة تزرع وتستهلك في ذلك المكان.
وفي أستراليا، سعى علماء الآثار إلى رسم خريطة لتاريخ السكان الأصليين. وفي عام 1984م أورد الباحثون من الجامعة الوطنية الأسترالية تقريرًا تناول بقايا نباتات وشظايا فحم نباتي من قاع بحيرة جورج في كانبرا. واقترح الخبراء الذين قاموا بفحص هذا الدليل بصورة مبدئية احتمال أن يكون السكان الأصليون قد عاشوا في أستراليا قبل نحو 130000 سنة مضت، بزيادة تفوق 80000 سنة عمَّا هو مُعتقد.
الحاسوب يستطيع أن يعجل الإجراء الخاص بتقويم نتائج المعثورات المصنوعة والطبيعية. وفي الصورة نتائج قدمها الحاسوب لمعثورات كان قد اكتشفها الفريق الذي يعكف على دراستها. |
ومن بين الاهتمامات الرئيسية لعلماء الآثار في يومنا هذا مسألة حماية المواقع الأثرية التي لم تُدرس بعد، إذ إن كثيرًا من هذه المواقع مهدد بمشروعات البناء أو بالتوسع الزراعي أو بأشكال أخرى من مشروعات التنمية. وقد استصدرت بلاد كثيرة قوانين تهدف إلى تحديد الأماكن التي قد تكون ذات أهمية تاريخية وإلى حمايتها. ويسعى علماء الآثار على الصعيد الدولي إلى وقف عمليات البيع غير القانونية للمعثورات والقطع الأثرية. كما أنهم يعملون على حث الدول المتطورة على سن وفرض قوانين، تحرِّم استيراد الآثار بلا شهادات تصدير خاصة، يتم الحصول عليها من بلاد المنشأ. وهم يسعون أيضًا للحد من نشاطات صيادي الكنوز الذين يقومون بتخريب المواقع الأثرية وإتلافها.