الرمزية (العلامة - الإشارة ) أهميتها في المشهد الفوتوغرافي.
كنت قد نشرت هذا البحث في مجموعة اتحاد المصورين العرب, ونزولاً عند رغبة اصدقاء الضوء أعيد نشره إكراماً لهم.
توطئة :
ترتبط الرمزية ودلالتها في الحضارات والأديان والفنون والعلوم، ارتباطا وثيقا معرفيا يفضي الى معنى أُريد منه ايصال هدف أو فكرة معينة ، يفهمها ويعيها من توجهت له، وذلك لامتلاك الطرف الأخر(المستقبل) أدوات تساعده على فك تشفيرها وبيان معناها ومرادها، بأقصر الطرق ، فالرمزية - الإشارة: تختزل كثير من المعاني ، التي تريد ايصالك الى الهدف المنشود بأقصر الطرق، شريطة تمكنك منها، لذا نجد هذا المعنى جلي في الأديان،والحضارات الإنسانية والفنون، وخير شاهد على ذلك،ما جاء في القرآن الكريم واستخدامه لهذه الخصوصية ؟.
حيث أنها احتلت درجة من درجات تعريف الوحي اي( الرمزية ) لذا نقرأها جليه حينما طلب رب العلى، من زكريا عليه السلام أن لا يكلم الناس، (والكلام هنا اصحار عن حال ما) إلا بالإشارة والرمز المفضي الى معنى (ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا -آل عمران : 41)، ويكون هنا ادى الغرض المطلوب، فمن خلال تأدية ما أُمر به قد حقق مقصد مطلبه وبرهان أمره، كما نقرأ في الآية الكريمة (فخرج على قومه من المحراب فأوحى اليهم أن سبحوا بكرة وعشيا - مريم : 11) . أي أشار اليهم على سبيل الرمز والإيماء.
وجاء في إنجيل متى كاستعارة رمزية على لسان يوحنا المعمدان لتهيئة الطريق للسيد المسيح عليه السلام "آية (مت 3: 7): فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي؟"
عبر عن جوهر القادمين من الفريسيين والصدوقيين وارواحهم بالأفعى وهي ترمز الى الشر وخبث السريرة، وعدم طهارة نياتهم وأنفسهم المريضة (*).
ونلاحظ الرمزيات في الحضارات العريقة ( الأسود،الثيران المجنحة،القطط،الكلاب ،الشمس،القمر،الأنهر، الى كثير من الرمزيات سنتناول معانيها واشاراتها في مقال أخر إن شاء الله ).
تعريفها لغويا:
قال أبن منظور ** ( والرمز في اللغة كل ما أشرت إليه مما يُبان بلفظ بأي شيءٍ أشرت إليه بيد أو بعين ).وفي تاج العروس: ( الإشارة الى شيء مما يُبان بلفظ بأي شيء أو هو الإيماء بأي شيء أشرت إليه بالشفتين أي تحريكهما بكلام غير مفهوم باللفظ. وفي البصائر / الرمز : الصوت الخفي والغمز بالحاجب والإشارة بالشفة ويعبر عن كل إشارة بالرمز).
اصطلاحا:
"علامة تُعتبر ممثلة لشيء آخر ودالة عليه، فتُمثله وتحل محله"
وبعبارة أخرى"الرمز يعني كل ما يحل محل شيء آخر في الدلالة عليه لا بطريق المطابقة التامة وإنما بالإيحاء أو بوجود علامة عرضية أو متعارف عليها، وعادة يكون الرمز بهذا المعنى شيئا ملموسا يحل محل المجرد" (***)
وهناك تعريف في موسوعة ويكيبيديا ينفع لغرضنا الفوتوغرافي يقول " الرمز يعني الرسم الذي يعبر عن شيء معين" ، فأن العلامة ينبغي أن تنقل رسالتها
بنظرة واحدة دون الحاجة لأية كلمات.
ان كلمة ( الرسم ) مطلقة غير مقيدة فنستطيع القول
إنها تشمل التصوير الضوئي اذا ما عرَفنا الفوتوغراف أنه فن (الرسم بالضوء ) لذا فالتعريف يشمله وداخل فيه.
نأتي الى تعريف أخر يخص مقالنا يسمى علم السيمياء (السيميولوجيا ، السيميائية).
(السيميولوجيا - Semiologie) وتعني العلامة .
ويعرف بأنه :"علم يدرس العلامة ومنظوماتها ( أي اللغات الطبيعية والاصطناعية ) كما يدرس الخصائص التي تمتاز بها علاقة العلامة بمدلولاتها" أي تدرس علاقات العلامات والقواعد التي تربطها أيضاً ".
إن أكثر مجال استخداماً لعلم العلامات والرمزيات هو اللغة والأدب، وحيث أن (البيان) هو عملية تواصل وافصاح عن أهداف وافكار ورؤى الى جهات مستهدفة، إلا أننا وخلال التطور الحاصل في العالم، أصبحت الصورة، تغني عن الف كلمة كما يقال، وهي جهة تواصلية تنقل الواقع بأمانة، وتأثيرها مباشر على المتلقي والمستقبل، وذلك من خلال ما تملكه من لغة عالمية يعيها ويفهمها جُل البشر، ولا تحتاج الى ترجمة أو جهد مضاعف. فالصورة الأن هي اللغة الوحيدة التي يتفق العالم على استقبالها دون ترجمة، وهذا عكس الكلام الذي بعض الأحيان يحرف أثناء الترجمة من لغة الى لغة أخرى، أو اختلاف المعاني والرمزيات بين لغة وآخري .
فالمكونات الداخلية للإرساليات هي العلامات التي تحتوي عليها وهي ذات طبيعة مختلفة، نعرف أن العلامات اللسانية (كلام- كتابة)هي المكونات الأساسية للتواصل الإنساني،الذي تلتقي فيه عناصر التواصل السمعي- البصري.
بعد ذلك تأتي جميع الضوابط الاخرى للتواصل مع أولوية التواصل على شكل علامات أيقونيه، هذا المصطلح يرمز الى التواصل انطلاقا من الصور ( Imagen) وهي مهمة جداً في قضايا العلاقات الإنسانية المبنية على علاقة (صورة –صوت)
صراحة لقد اعرضت عن تناول أقوال الفلاسفة وعلماء الاجتماع بما يخص علم اللسانيات (نظريات العالم دو سوسور، نظرية بارث السيميائية حول الفوتوغرافيا) والرمزيات، وصببت جهدي على ما ينفع المصور في المجال الضوئي" التعبير غير لساني" وكيفية استغلال العلامات والرمزيات أثناء التصوير، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا المقال.
نُظم العلامات ( السيميائية ).
عناصر العملية السيميائية العلاماتية هي :
1-الدال : العلامات في المشهد أو على الورق, والرمز المجرد كما لو كان مستقلاً عن أي شيء يرمز اليه.
2-المدلول : الفكرة أو القيمة المشار اليها رمزياً، اي المعنى الذي يعبر عنه الرمز.
3-موضوع الإشارة : الموضوع أو الشيء المشار اليه في هذه العملية العلاماتيه.
وفي المفهوم السوسوري / الإشارة :هي الكل الذي ينتج من الجمع بين الدال والمدلول، وتسمى العلاقة بين الدال والمدلول(دلالة).
مثال لتبسيط المطلب : " لو رأيت لون أحمر (زهرة أو ورقه وغيرهما) وانت مصور وحديثنا يخص الفوتوغراف، فاللون هنا دال على شيء وإشارة أو رمز، وعندما توثق هذا اللون من خلال التقاطه لفكرة ما في ذهنك، فما تفكر به وما يوحي الأحمر من إيحاء هو مدلول(خطر- حميمية- انذار- عشق- سخونة) والجمع بين الون الأحمر( الدال ) وبين الفكرة والقيمة (المدلول) تخرج (بموضوع الإشارة)، والعلاقة فيما بينهما تسمى (دلالة).
ونستطيع القول :
1-أن الدال هو رمز شيء موجود وحقيقي ومشخص إلا
أنه يرمز الى فكرة أو معنى محدد.
2-المدلول هو المعنى " التصوري الذهني"، الذي يحل محل الدال أو يمثله، أو يقف بديلاً عنه.
وتكون العلاقة بين الأثنين هي علاقة الخاص بالعام، والمحسوس ( الرمز) العياني، بالمجرد الذهني.
مثل: " الصليب المعقوف يرمز الى النازية، والحمامة ترمز الى السلام، والإنجيل الى المسيحية، والقرآن الى المسلمين وكثير غيرها من الرموز" (يٌنظر الصورة رقم (1) للأستاذ Raheem Alsilawi
يقول شكسبير وهو يُسهم في إدخال هذه المسألة في الخطاب اليومي (إن ما نسميه وردة ،ستبقى رائحتها زكية مهما كان أسمها).
من خلال النقاط الآتية تكمن أهمية الرمز- الإشارة في
المشهد الضوئي؟
1-سيصبح المشهد ذو دلالات إنسانية عميقة.
2-يكون المصور قد أوصل فكرته بطريقة ذكية إيحائية، تجبر المتلقي، على التأمل فيه طويلاً.
3-الصور ستحمل بين تماهي عناصرها " موضوع"،ليس بالضرورة أنه يعبر عن أصل الرمز بل يستغل المفهوم الذهني له ، لمعنى أخر، يناسب قضايا زمنه، بحرفية ضوئية.
4- المشهد الفوتوغرافي سيخلو من " اعتباطية " أو "عبثية"، عناصر الصورة .
5-الرسائل المرسلة من خلال لغة الصورة، ستتمتع بالقوة ، والرصانة، والتميز، والتفرد الإبداعي.
6-إن اكتساب الرموز والإشارات، الشهرة الواسعة بين شعوب العالم، سيكون من السهل أن تصل رسالتك الى أكبر عدد من شرائح المجتمع والعالم، ويكون للمصور نصيب من الشهرة والانتشار.
7-عندما تحتوي عناصر المشهد، على دال ومدلول بمواضيع معرفية، إنسانية ، نفسية، ذات هدف واضح، حينها يكون ما تقدمه يعبرعن ثقافتك ووعيك وفلسفتك الخاصة بك.
8-تجلي الحس الفني للإشارات، المنبعث من المشهد الفوتوغرافي، له الأثر الأكبر على النفوس دون غيره من المشاهد الأخرى.
9-إضفاء الشعور بالحركة والابتعاد عن السكون حينما تتحكم بخصائص الساكن والمتحرك،وهذا لا يتم بمجرد خلق نسق معين، ولكنه يتم بناء على منهج الفنان ورؤيته الخاصة. ينظر الصورة رقم(2).
الخلاصة :
هناك مقولة (لمايكل أنجلوا) تنير العقل وتصقل الذوق مفادها ان :" المصور يصور بعقله لا بيده".
فالعقل تقع عليه عملية التفكر والتصور الذهني،والتصور هو الخطة الذهنية التي ينفذ العمل من خلالها، وأسقاط هذا العملية على الواقع مهمة المصور وهي ليست بالأمر الهين ولا السهل، بل لها مقدمات، أولها الثقافة التي تنمي طريقة التكفير السليم في مجال تخصص الفرد أين كان مجاله وتعطي المقدرة على فهم الأشياء، كما أن التغذية البصرية، لها دور الإلهام وتنمية الذائقة وأتساع المخيلة، والاطلاع على تجارب الأخرين ممن سبقونا ومتابعة المدارس والمحاور الفنية، وأرى "أن الاطلاع على الفن التشكيلي ومدارسه له الدور الفعال في توسعة الإدراك الفوتوغرافي، وتنمية الحس الروحي اتجاه إعادة ترتيب المكونات وتنسيقها وفقا لقواعد الاتزان والإيقاع والهارموني وغيرها" ،وهي عملية إدراكية أكثر منها عملية ، كل ذلك يجعل من المصور ذو خزين ثقافي معرفي يؤهله الى دراسة المشاهد واختيار منها ما يحاكي فكرته ، ويبرز مضمونه ، ويظهر دلالته.
عندها تكون الصورة تحمل روحية وسمات تجعلها تنبض بالحياة، وتحاكي الأنفس والعقول، وهنا يكمن مصدر قوة المشهد الضوئي.
كما أن الكاميرا ما هي إلا أداة توثق منهجية تفكيرك الإدراكي وتترجم ما تريد قوله من غير كلام، فالصورة تُغني عن الف كلمة، ورسالة متينة تنوب عن البيان اللفظي، وتحكي بلسان فحواها، ووسيلة تواصلية تحتوي من المفاهيم الإنسانية العميقة الدلالة.
حسين نجم السماوي
________________________
إنجيل متى -هنا
• * فقد كان الفرّيسيّون يمثّلون السلطة الكنيسة اليهوديّة والتقليد بطريقة حرفيّة قاتلة. وكان الصدّوقيّون يمثّلون الجانب المضاد للسلطة، ضدّ التقليد، ينكرون القيامة ولا يقبلون فكرة وجود الأرواح.
• **لسان العرب ج2 ص 1578 . واغلب القواميس الأخرى لم تخرج عن هذا المفهوم والتعريف.
• *** معجم المصطلحات اللغوية والأدبية ص139.
• الصورة رقم (3) اتركها لمخيلتكم.
أطلع أكثر على السيميولوجيا
(صورة الموضوع مأخوذة من الشبكة العنكبوتية).