يمكن أن تتجمع المادة المظلمة عميقًا داخل الضباب المنتشر للغاز والغبار الذّي يحيط بأصغر المجرّات على شكل قطراتٍ باردة تُسمى نجوم بوز.
نحن بالتأكيد، لا نعلم حتّى ما هي المادة المظلمة الغامضة، بغض النظر عن وجود دليل يؤكد وجود النجوم غير المرئيّة. ولكن إذا ما صحّت الافتراضات الحاليّة فإنّ نموذجًا رياضيًا جديدًا يقترح أنّ المادة المظلمة قد تمتلك بعض التفاعلات الغريبة.
تمّ إقتراح هذا النموذج من قِبَل فريقٍ من الفيزيائيين الروس والذين اعتبروا أنّ طريقة تجمّع الجسيمات الافتراضيّة للمادة المظلمة هي التجمّع في أصغر الهالات المجريّة.
صرّح الفيزيائيّ (دميتري ليفكوف – Dmitry Levkov) من معهد الأبحاث النوويّة التابع لأكاديميّة العلوم الروسيّة: «في عَمَلِنا هذا قمنا بمحاكاة حركة الغاز الكموميّ للضوء المتفاعل مع جسيمات المادة المظلمة عن طريق الجاذبيّة».
ما يُقارِب 80 بالمئة من الكتلة في الكون مكوّنة من شيء لا يمكن اكتشافه. مهما يحدث فإنّه لا يتفاعل مع المادة الطبيعيّة من خلال الطرق المعتادة، كتبادل الفوتونات عن طريق المجال الكهرومغناطيسيّ. العلامة الوحيدة لوجود المادة المظلمة هي الجاذبيّة الإضافية والتّي تضيفها تكتل المجرات. لكنّ هذا ليس شيئًا صغيرًا، لقد تمّ رسم خرائط لهذه الجاذبيّة الإضافيّة غير المرئيّة بالتفصيل، ما وفّر لنا معلوماتٍ أساسيّة عن طبيعتِها.
بفضل انجذابها الواضح للمجرات يمكننا الافتراض أن سرعة المواد التّي تشكّل المادة المظلمة ليست بالسرعة الكافية للانطلاق نحو فجوات الفضاء وعليه يجب أن تكون حركتها بطيئةً نسبيًا.
أحد الجسيمات المرشّحة لهذه المادة المظلمة الخاملة هي جسيمات افتراضية تدعى (أكسيونات – Axion) – وهي نوع من البوزونات ولا تختلف عن الفوتونات التّي اقتُرِحَت كحلّ مفارقة أخرى محيرة في فيزياء الكم -.
أحد الخيارات الأخرى هي المادة المظلمة الضبابيّة – وهي أيضًا نوع آخر من البوزونات واختُرِعَت كحلّ مُعضلة في الفيزياء الفلكيّة فيما يتعلق بتوزيع المادة المظلمة في هالات المجرة -.
لم يثبت وجود أيّ من هذه البوزونات المُفترَضة، ولكن إذا تبين أنّ واحدًا منهم على الأقل حقيقيّ، يمكنهم القيام ببعض الأشياء المثيرة للاهتمام في ظلّ بعض الظروف.
يدّعي الباحثون أنّ النموذج هو أول ما ينظر إلى حركيّة مثل هذه المادة المظلمة والتّي تشكّل حالة تكاثف بوز أينشتاين في الواقع.
تكاثفات بوز أينشتاين هي تجمّعات مجهولة للجسيمات الكموميّة، عندما تنخفض درجة الحرارة إلى درجات قريبة من الصفر المطلق فإنّ الجسيمات تتخلى عن الاختلاط وتفقد هويّتها الفرديّة لتبدو متشابهة بشكل غريب.
العديد من التساؤلات السابقة تحاول الإجابة عمّا يحدث عند تجمّع البوزونات مع بعضها، إذ يبدو الوضع بحالة فوضى من البوزونات المُتفاعلة.
يقول ليفكوف: «لقد بدأنا من حالة فيريال* بأقصى اختلاط وهو ما يتعارض مع تكاثف بوز أينشتاين. بعد فترةٍ طويلةٍ جدًا – أطول بمئة ألف مرة من الوقت اللّازم لعبور جسيم ما خلال المحاكاة – كوّنت الجسيمات تلقائيًا حالة تكاثف، والتّي شكّلت نفسها فورًا إلى شكل قطرةٍ كرويّةٍ “نجم بوز” تحت تأثير الجاذبيّة».
بالنتيجة فإنّ سحابة البوزونات للمادة المظلمة تسلك نفس سلوك الجُسيم. ليس هذا فحسب، فقد استنتج الفيزيائيون أنّ هذه السحابة يمكن أن تتجمع تحت تأثير الجاذبيّة لتشكّل كرة “نجم بوز”.
يجب أن تكون ظروف هذه الأجسام الافتراضيّة محددة نوعًا ما، مثل التركيز في منتصف الهالة الصغيرة نسبيًا والمحيطة بالمجرة القزمة. ينبغي أن يحصل ذلك خلال فترة عمر الكون لذا ستستمر هذه العمليّة بكونها بطيئة.
قد تبدو هذه الأنواع من السيناريوهات نسجًا من الخيال العلميّ، ولكنّها تساعدنا على تحديد حدود أماكن البحث عن مفاتيح حلِّ لغز الغموض الكامل في المادة المظلمة بشكلٍ أفضل.
يقول ليفكوف: «إنّ الخطوة التالية الواضحة هي التنبؤ بعدد نجوم بوز في الكون وحساب كتلتها بنماذج من مادة مظلمة خفيفة».
في يوم من الأيام سوف نمتلك في نهاية المطاف فهمًا حول الطبيعة الأساسيّة لهذه الكتلة الشبحيّة. عندما نفعل ذلك من المؤكد أنّنا سنجد بعض الهياكل الرائعة التّي تختبئ بين النجوم.
*حالة فيريال (نظريّة القوى الكميّة): هى نظريّة توفر معادلة عامّة تربط بين المتوسّط الحسابيّ الزمنيّ للطاقة الحركيّة الإجماليّة وبين الطاقة الكامنة لنظام مستقرٍ يتكوّن من N من الجسيمات المرتبطة بالقوى الكامنة.