الفصل السادس
التصوف والطرق الصوفية في حمص
التصوف لغة معناها لبس الصوف، يقال تصوّف الرجل أي لبس الصوف كما يقال تقمص اذا لبس القميص واصطلاحا هو منزع علمي وعملي نزعت اليه الحياة الروحية الاسلامية منذ أول نشأتها في صدر الاسلام وعـ لى تعاقب الاطوار التي مرت بها في تطورها التاريخي . فالتصوف بهذا المعنى، هو مرآة هذه الحياة الروحية الاسلامية التي يخضع فيها الانسان نفــــــــه لالوان من الرياضة والمجاهدة، ويعد فيها قلبه لمعرفة الحقائق عن طريق الكشف والمجاهدة، والتي تقوم أولا على ماقتدى فيه المسلمون بالنبي (ص) . من زهد ونسك وتقوى مما يرد في مصدره الى تحنث البني (ص) فـ غار حراء قبل البعثة، وفيما كان يعكف عليه ويأخذ به نفسه من ، عبادة بعد البعثة وابانها ، ولكن هذه الحياة مالبثت بحكم اتصال العرب المسلمين بغيرهم من الأمم ذوات الحضارات أن اختلطت بها عناصر دينية وفلسفية استحال معها التصوّف الذي يمثل الحياة الروحية الاسلامية الى علم بواطن القلوب . ثم الى فلسفة روحية، بعد أن كان في أول عهده تصفي للنفوس وتطهيرا للقلوب. أي أن التصوف الاسلامي قد انطوى في تطـ ــة وره ، على عناصر نظرية ، وعملية وروحية تكشف دراستها عن قواعده في السلوك ومبادئه في الأخلاق ، ومناهجه في تذوق الحقائق ومعرفة الدقائق ، ولاسيما ماکان متصلا بمعرفة الحقيقة العلية أو الذات الالهية التي يعدها الصوفية المتفلسفون المنبع الفياض لكل مايتجلى في الكون من آيات الحق والخير والجمال .
عكفت على الحياة الروحية طوائف شتى من المسلمين تسمى كل فريق منهـم بـ / اسم / . فسمي أفاضل المسلمين بعد رسول اللـه بـ/ الصحابة وسمـــي من صحب الصحابة بـ / التابعين / وسمي من بعدهم بـ / تابعي التابعين / من عنوا، بعد هؤلاء، بأمر الدين بـ / الزهاد / و / العباد والنساك . ولما وقعت الفتنة بالدنيا وظهر الترف بعد اتساع ملك العرب المسلمين سمي المقبلون على الله المنصرفون عن زخرف الدنيا باسم /الصوفية. ومنذ الله من خواص المسلمين عن غيرهم من عامة المتدينين ، وعن غيرهم مـــــــن علماء الظاهر المشتغلين بالدين، وللمؤرخين والباحثين المتقدمين والمتأخريـــــــن الله فكوفي وجوزي أي جازاه الله، ففعل الله به ظاهر في اسمه والله (۲) المنفرد به ص (٢٥) وقال أبو علي الروذباري وسئل عن الصوفي فقال : من لبس الصوف على الصفا وأطعم الهوى فوق الجفا، وكانت الدنيا منهلى القفا وسلك منهاج المصطفى . وسئل سهل بن عبداللــــه (۳) التستري من الصوفي ؟ فقال :
من صفا من الكدر وامتلا من الفكر وانقطع الى الله من واستوى عنده الذهب والمدر ) .
ومن تعريفات التصوف قول الجنيد التصوف تصفية للقلب عـــ ـن موافقة البربيّة ومفارقة الأخلاق الطبيعية، واخماد الصفات البشرية، ومجانب ة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلق بالعلوم الحقيقية واستعمال ما هو أولى على الأبدية، والنصح لجميع الأمة والوفاء لله على الحقيقة واتباع الرسول / م / في الشريعة .
والتصوف في تكونه العلمي أحد قسمي علم الشريعة الذي انقسم في تطوره الى علمين : علم اختص به الفقهاء في الأحكام العامة والعبادات والمعاملات ويسمى بـ علم الظاهر / وعلم اختص به الصوفية وأهل الباطن ، ويشتمل على أحوالهم وأحكامهم في المراقبات ، والمحاسبات والرياضات والمجاهدات والأذواق والمواجيد وغير ذلك ، مما يتصل ببواطن القلوب، ولذلك سمي هذا العلم علم الباطن / و نظر الصوفية الى أنفسهم على أنهم أرباب الحقائق ، وأهل الباطن ونظروا الى الفقهاء، وغيرهم من العلماء على أنهم أهل ظواهر ورسوم كما نظر الفقهاء الى الصوفية نظرة سخط ،واعتراض كما تبين من تاريـ الصراع بين الفقهاء، وبين الصوفية منذ القرن الثالث للهجرة وأوذي في هذا (۳) الصراع كثير من كبار الصوفية مثل ذي النون المصري والحسين بن منصور العربي الجلاج ، والسهروردي المقتول . ومحي الدين بن الغزالي استطاع ببواعثه ، وحرارة ايمانه أن يحبّب أهل السنة في التصوف اذ جعـل منـه طريقا ذوقيــا روحيا للمعرفة اليقينية والسعادة الحقيقية، وبالتالي أسمى من علم الكلام الذي لايزيل شكا، حسب تعبيره، ومن الفلسفة التي لا تحقق معرفة ولا سعادة، ولذلك آثر الغزالي التصوف على غيره من العلوم لأن جميع حركات الصوفية من ظاهرهم وباطنهم هي : عنده ، مقتبسة من نور مشكاة النبوة الذي ليس وراءه على وجه الأرض نور يستضاء به. لقد بلغ التصوف العربي الاسلامي عند الغزالي أوجه أذا أصبح عـلـى يــــــده طريقا للمعرفة والسعادة مخالفا لطريق المتكلمين والفلاسفة، الا أنه بعد هذه القمة، بدأ / ينحدر / والسبب في ذلك أن التصوف العربي الاسلامي حتى النصف الثاني من القرن السادس الهجري ، كان ظاهرة نفسية فردية أما بعد ذلك فأصبح الصوفية يؤثرون الاجتماع على العزلة لقوة عملهم، وصحة حالهم ، فرؤا الاجتماع في بيوت الجماعة على السجادة، فسجادة كل شيخ هي زاويته .
ولما كان لابد من وجود مكان يجتمع فيه المتصوفة برئاسة شيخهم لذلك نجد منذ العصر المملوكي نشوء الخانقاه والرباط ، والزاوية. فما تعني هذه الكلمات ؟
* الخانقاه : كلمة فارسية معناها بيت العبادة استعملها العرب مؤنثة ، وهي نوع من المعاهد العلمية يخصص للصوفية والعلماء المغتربين وقد اندثر هذا الاسم بمرور الزمن واستبدل به اسم التكية/ .
* التكايا : أماكن لاقامة الدروايش من الأعاجم، ولايزال في حمص ودة أثر لهذا العهد فاسم / خانقاه يطلق على عائلة في حمص لاتزال موجـ باسم الخانكان / وهي محرّفة عن الخانقاه / كما تشير الى ذلك وقفيـ ـة الحاج عبد اللطيف الشهير نسبه بابن /الخانقاه المؤرخة في غرة ربيع الأول ۱۱۸۷هـ، الموافقة للرابع والعشرين من أيار ۱۷۷۳م.
* الرباط : هي دار أعدت لاقامة الصوفية ، وخصص بعضها للنساء المنقطعات أو المهجورات أو المطلقات، أو العجائز الأرامل من العابدات، وكان لها الجرايات والمقامات المشهورة من مجالس الوعظ .
* الزاوية : كانت تعد من قديم الزمان لاقامة بعض الصالحين للتعبد بين جدرانها ولم تكن تقام فيها الجمعة أول أمرها ثم تفـ الحال وأقيمت الجمعة في أكثرها .
والزوايا كانت في عصري الأيوبيين والمماليك صغيرة الحجم قليلة الشأن . يقيم فيها نفر ضئيل من العبّاد قد يبلغ العشرة، وقد تكون مكانا يتعبد فيه رجل واحد كما يتضح من كلام المقريزي أثناء كلامه عـــــن ببيرس / لانه بنى للشيخ/ /خضر / زاوية في جبل المزة وأخرى بظاهر .بعلبك وثالثة بحماه ورابعة بحمص، وخامسة خارج القاهرة .
ونحن نرى أن مكان الزاوية في حمص هو مقام /الخضر / الجواني في الفاخورة باطن حمص أما مقام الخضر الآخر فيدعونه /الخضر البراني
تعليق